المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الثورة البرتقالية استعجلت انتخابات التغيير في الكويت!



yasmeen
05-27-2006, 10:14 AM
سليم نصار - كاتب وصحافي لبناني.

الحياة - 27/05/06//



بعد مرور أقل من أربعة أشهر على ولاية أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح، أصدر مرسوماً بحل مجلس الأمة (البرلمان) ثم دعا الى اجراء انتخابات برلمانية جديدة في 29 من الشهر المقبل يونيو (حزيران).

وهذا يعني احتواء الفترة الحرجة واستباق موعد الانتخابات المقررة في تموز (يوليو) 2007. كما يعني شراء الوقت بانتظار استقالة الوزارة عقب انتهاء العملية الانتخابية وتشكيل وزارة جديدة تباشر مهمتها بإقرار الموازنة. ويتوقع المسؤولون أن تمنحهم المعارضة فترة قصيرة من الراحة طوال إجازة الصيف التي تنتهي مطلع تشرين الأول (اكتوبر). وبما أن رمضان المبارك يصادف خلال هذا الشهر، فإن الدولة تعتمد على فرصة الأشهر الأربعة من أجل ترتيب الوضع الداخلي وتصحيح الأداء السياسي في المجلس المنتخب.

ويرى الديبلوماسيون في الكويت ان المعارضة تجاوزت الخط الأحمر عندما اقترح النواب فيصل المسلم وأحمد السعدون وأحمد المليفي ضرورة استجواب رئيس الوزراء ناصر محمد الأحمد، عقب إحالة مشروع تعديل الدوائر الانتخابية على المحكمة الدستورية. ولقد زاد هذا المطلب من تفاقم الأزمة بعد اعتراض 29 نائباً على إحالة موضوع مشروع تعديل الدوائر الانتخابية على المحكمة الدستورية. ورأى احمد السعدون ان الوزارة تتهرب من المواجهة، وأن اختصاصات المحكمة الدستورية لا تشمل هذا الموضوع. لذلك توقع ان تلجأ الغالبية النيابية الى استخدام حقوقها من أجل تمرير مشروع الدوائر الخمس.

السلطات الحاكمة قرأت في هياج الشارع وتأجيج عواطف الشبان، مقلدي ثورة اوكرانيا البرتقالية، رسالة سياسية ابعد في معانيها من الخطب المتدفقة داخل مجلس النواب. وتصور بعض الوزراء ان هذا التحريض سيقود الى استخدام العنف في بلد لم يسبق ان استخدم العنف للوصول الى غايات سياسية. ولمحت تعليقات عدة في صحف خليجية الى أن المطلوب ليس إبعاد رئيس الوزراء واسقاط وزارته، وانما المطلوب إرغام الحكم على الانصياع لمشيئة أصحاب «الارادة والاصلاح». لذلك أعرب الأمير عن أمله بأن يبقى الحوار بين السلطتين التشريعية والتنفيذية، تحت قبة البرلمان لا في الشارع، مذكراً بأن الديموقراطية عريقة في وجدان أهل البلاد. وفسرت المعارضة قرار حل المجلس دفاعاً عن حق لم يلحظه الدستور، بأنه تبرير غير مبرر. والسبب أن رئيس الوزراء لا يحمل صفة ولي العهد كما كان يعرف سابقاً. وهذا معناه، في رأي نواب المعارضة حماية رئيس الوزراء الشيخ ناصر محمد الصباح بسلاح دستوري هو من حق ولي العهد الشيخ نواف الأحمد الصباح. في حين رأى نواب الموالاة ان رئيس الوزراء هو جزء من الذات الأميرية لأنه ينتمي الى آل الصباح. علماً أن الدستور لم يلحظ هذه الناحية وفق معطيات التغيير التي حصلت منذ وقت قصير، أي منذ مرض الشيخ سعد العبدالله الصباح.

ويستدل من مراجعة مسلسل الأزمات التي تعرضت لها الحياة النيابية في الكويت، ان ثلاثة أمراء مارسوا حقوقهم في حل الدستور. المرة الأولى كانت في عهد الشيخ صباح السالم الصباح الذي أعلن حل المجلس في 29 آب (اغسطس) 1976. وبرر هذه الخطوة بالقول: «ان الأوضاع المتردية لم توفر المناخ الصالح لممارسة اللعبة الديموقراطية بين السلطتين التشريعية والتنفيذية». وللخروج من تعقيدات تلك الأزمة السياسية شكلت في حينه لجنة مؤلفة من عشرين شخصية سميت «لجنة تنقية الدستور». وأوكل اليها الأمير مهمة مراجعة مواد الدستور الذي وضعه المتشرع المصري عبدالرزاق السنهوري، وادخال تشريعات تسمح للنظام بتأمين علاقات متوازنة بين المبادئ والممارسات. ومرت المدة المحددة من دون ان تتوصل اللجنة الى إعداد الصيغة التوفيقية المطلوبة. ومع هذا كله، افرج عن المجلس بعد أربع سنوات، وعاد ليشهد مرحلة متميزة من النشاط السياسي استمرت نحواً من ست سنوات. ويعزو بعض النواب ذلك النشاط المتميز الى التغيير الذي طرأ على هيكلية الدوائر الانتخابية. ذلك ان الدوائر الانتخابية العشر التي تشكلت بعد الاستقلال (1961) تمثلت كل واحدة منها بخمسة أعضاء في مجلس الأمة. ثم تحولت الى 25 دائرة انتخابية يمثل كل واحدة منها عضوان في البرلمان. ولكن المعارضة لم ترتح لهذا التغيير الذي اعتبرته منحازاً لصالح تقوية نفوذ البدو مقابل تقليص نفوذ الحضر الذين شعروا بأن التوزيع الجديد سيحرمهم فرصة الهيمنة على قرارات المجلس. علماً أن السنهوري أدخل في الدستور نصاً يجيز لكل وزير ممارسة حقوق النيابة ولو من دون انتخاب. والسبب ان المتشرع المصري أراد الحفاظ على التوازن السياسي داخل البرلمان بطريقة تمنع طغيان فريق على الفريق الآخر.

في المرة الثانية اضطر الأمير الشيخ جابر الاحمد الصباح الى اعلان حل المجلس بطريقة غير دستورية في 3 تموز (يوليو) 1986. وكان ذلك عقب انهيار سوق المناخ، وصدور ضوابط تشريعية كلفت الخزينة ملايين الدنانير.

ثم أعيد العمل بالدستور واجريت الانتخابات البرلمانية في تشرين الأول (اكتوبر) 1992 بعد الغزو مباشرة.

وولدت مع المجلس الجديد سبع كتل نيابية تمثل مختلف التيارات السياسية. واختصرت أهدافها بالعمل على تعديل دستور 1962 ومحاسبة المسؤولين عن فشل معالجة الخلافات الاقليمية التي قادت الى الاجتياح. وكان واضحاً ان تلك الكتل استخدمت منبر البرلمان بهدف وضع السلطة التنفيذية تحت إمرة السلطة التشريعية.

ولوحظ خلال تلك المرحلة ان الحرب بدلت في ذهنية النواب، كما بدلت مشاركة الولايات المتحدة في عملية التحرير، توجهات الاسرة الحاكمة ومزاج الشعب. ولقد ظهر هذا التحول بوضوح بعد تفريغ البلاد من نصف قاطنيها تقريباً، الأمر الذي أثر على حركة النمو ونشاط المصارف والمصانع والمؤسسات الاقتصادية. كما أثر ايضاً على السياسة الخارجية والعلاقات الاقليمية بحيث ظهرت الكويت بعد 2 آب (اغسطس) 1990 دولة جديدة أكثر التصاقاً بالشؤون المحلية منها بالشؤون الخارجية.

يقول الكويتيون ان دولتهم عرفت دائماً كيف تتخطى الأزمات وتحصن سلامتها بالتدابير الوقائية والقوانين المرنة بحيث قيل فيها انها تستحق اسمها. وكلمة الكويت تصغير لكلمة «كوت» التي تعني الحصن الصغير. وبما أنها محشورة مثل لبنان، بين قوى تتصارع دائماً على السيادة الاقليمية، فقد وجدت نفسها خلال الاربعين سنة الماضية، أشبه بساحة مشرعة للعقائد القومية والميول الحزبية والافكار الأصولية. وهي مثل لبنان، حاولت ان تعطي النزعة القومية العروبية صوتاً قوياً مسموعاً من خلال صحفها. واستغلت جارتاها العراق وايران، هذا الهامش السياسي الوسيع للتسلل الى مجلس النواب بواسطة عدد من ممثلي تلك التيارات. وربما كانت الدولة الأولى بين دول مجلس التعاون الخليجي التي دشنت سياسة انفتاح الكل على الكتلة الشرقية، وفي طليعتها الصين الشعبية والاتحاد السوفياتي. بل قد تكون الوحيدة في السبعينات والثمانينات، التي خرجت على تحفظ مجلس التعاون، لتعقد صفقة سلاح مع موسكو بـ327 مليون دولار وتبرم اتفاقات اقتصادية وتجارية مع دول أوروبا الشرقية. ومن المؤكد ان التوجيه القومي الذي أوحت به مواقف الأمير جابر الأحمد الصباح، كان له الأثر الكبير في رسم سياسة الدولة وخطها الديبلوماسي. وبسبب ذلك التفرد في الأداء، انتشرت في العالم العربي مقولة أحد الحكام، إن القوى العظمى ثلاث: الولايات المتحدة والاتحاد السوفياتي والكويت. وكان هذا الوصف يقال في معرض انتقاد دولة صغرى تحاول أن تمثل دور دولة كبرى. كذلك اُتهمت المعارضة بأنها غير واقعية في معالجاتها لأن الأدوية التشريعية التي تصفها غالباً ما تؤدي الى انتشار المرض. من هنا القول إن انتخابات 1992 فتحت الأعين على التغيير الذي أحدثته عملية الغزو وما رافقها من مستجدات أفرزها تدخل القوى الكبرى، خصوصاً الولايات المتحدة.

مع وصول الشيخ صباح الأحمد الصباح الى موقع القيادة، توقع النواب أن تصار في عهده مراجعة كل القضايا الشائكة والمؤجلة، خصوصاً أنه رافق هموم بلاده منذ سنة 1962 كوزير للإعلام، ومن ثم كوزير للخارجية (1963) وكوزير للطاقة (1965) وكرئيس للوزراء (1998). ولقد ساعدته هذه الخلفية على اكتساب الحنكة والدراية بحيث اطلقت عليه الصحف لقب «حلال المشاكل» بسبب كثرة الاستنجاد بتوصياته أثناء الأزمات المعقدة. كذلك اعتمد العلمانيون والتقدميون على رؤيته في تطوير النشاط النسائي وفي دعم المرأة لاسترداد حقوقها الدستورية. تشهد على ذلك المواجهة التي جرت في مجلس النواب (20 حزيران) الماضي، عندما تصدى لمعارضي اختيار الدكتورة معصومة مبارك لمنصب وزيرة الدولة لشؤون التنمية الإدارية. وتسلح في حينه بالمادة 29 التي تقول: «إن الناس سواسية في الكرامة الإنسانية، وهم متساوون لدى القانون في الحقوق والواجبات العامة، ولا تمييز بينهم بسبب الجنس أو الأصل أو اللغة أو الدين». ومع أن المجتمع الكويتي ما زال مجتمعاً ذكورياً بالمعنى الاجتماعي، إلا أن التظاهرات التي قامت بها النساء من أجل السماح لهن بممارسة دور سياسي، نبهت الى احتمالات فوز بعضهن في الدورة المقبلة. ولقد اجتمعت عوامل عدة لمضاعفة حظوظ هذا الاحتمال بينها: أولاً، تفوق عدد أفراد النساء على عدد أفراد الرجال بنسبة تصل الى 550 ألف نسمة من أصل مليون عدد سكان الكويت. ثانياً، انتشار ظاهرة إقرار الرجال في دول مجلس التعاون الخليجي بالدور الطليعي والمتقدم الذي تشغله النساء في حقلي الثقافة والمصارف. ولقد نوهت مجلة «فوربز» بهذا الدور عندما أبرزت منجزات بضع سيدات بينهن الوزيرة معصومة مبارك، وسعاد الحميضي (رئيسة مجلس إدارة شركات تجارية ومقاولات) ومها الغنيم (مؤسسة شركة غلوبل ومديرة اصول تتعدى قيمتها 6 بلايين دولار) وشيخة البحر (مديرة شركات مصرفية بقيمة 5 بلايين دولار)، إضافة الى رولا دشتي رئيسة الجمعية الاقتصادية الكويتية، وفاطمة المطيري وعائشة الرشيد وإقبال الأحمد وعادلة الساير وفاطمة العبدلي. وبما أن عدد الناخبات يقدر بمئتي ألف من أصل 334 ألف ناخب وناخبة، فإن التحالف النسائي الذي سيأخذ شكل الحزب الموحد، قد ينجح في ادخال خمس نساء الى المجلس، شرط الابتعاد عن أجواء استفزاز البدو والسلفيين.

يجمع المراقبون على القول إن لغة الحوار بين الحكم والمعارضة قد انقطعت، وان الانتخابات المقبلة ستشهد معركة الفوز بغالبية برلمانية يوظفها أحد الفريقين من أجل اخضاع الفريق الآخر. ومن المؤكد أن حدة النشاطات السياسية ستجذب كل المعنيين بنتائج الصدام، بدءاً بالعراق وإيران... مروراً بحكومات مجلس التعاون الخليجي... وانتهاء بواشنطن التي أوحى سفيرها في الكويت ريتشارد لوبارون، بأن مهمته هي دعم حقوق العمال الأجانب والسعي الى تحقيق مطالبهم.

ولقد ذكره أحد نواب الموالاة بأن جذوره المكسيكية يجب ألا تنسيه مسؤوليته نحو البلاد التي يمثلها، وبأن سياسة جورج بوش لا تتفق مع «سياسة التسلل» التي يمارسها ضد الكويت عبر المحافظة على حقوق الخادمات الآسيويات!