yasmeen
05-27-2006, 09:23 AM
فاخر السلطان - كاتب كويتي
تجادل مدارس التفسير الديني، السنية منها والشيعية، على أساس أن ما صدر من تفسيرٍ للدين والشريعة في زمن الأئمة الأربعة (لدى السنة) والإثنى عشر (لدى الشيعة) وفق منهجية تفسير محددة هو معرفة دينية نهائية، وأن ما يلحق ذلك من فهم لابد أن يرتبط ويتوافق مع جاء به الأئمة من منهج تفسير، بحيث لا يستطيع الخروج عن إطار معرفتهم الدينية أو منهجيتهم التفسيرية. وهو ما يعطينا المحصلة التالية القائلة بأن المعرفة الدينية ونتائجها اكتملت وانتهت بانتهاء تفسير الأئمة بعد وفاتهم، وأن أي اجتهاد وتفسير حديثين لابد أن يكونا مرتبطين بمنهجية التفسير التاريخية ولا يمكن لهما أن يخرجا عن هذا الإطار بحيث إذا خرجا لن يتم الاعتراف بهما وبنتائجهما.
ووفق هذه المحصلة تعتبر المعرفة الدينية الصادرة عن مدارس التفسير الشيعية والسنية متصلة اتصالا وثيقا بأفراد عاشوا في فترة زمنية معينة، بحيث تتوافق رؤاهم مع المعطيات الاجتماعية لتلك الفترة، كما إنها معرفة منتهية وصادرة وفق منهجية تفسير محددة، إضافة إلى أنها غير قابلة للتجديد إلا وفق المعايير التاريخية في التفسير. أي أن المعرفة الدينية وما يتعلق بها من منهجية للتفسير أصبحت ثابتة جامدة وغير قابلة للتغيير والإصلاح، ولذا لا تستطيع أن تتعايش مع متغيرات الحياة وتطورها، وبالتالي بات مبدأ أن "الدين صالح لكل زمان ومكان" محل تساؤل.
قد يبدو ذلك مقبولا إذا تعلق الأمر بمنهج معين وحيد وضعه الأئمة للتفسير ولا مجال لوضع منهج جديد آخر، لكن ما يبدو غير مقبول أن يستمر الأمر على هذا المنوال في ظل ولادة مناهج تفسير أخرى جديدة ومتعددة. إذ من شأن ذلك أن يسير بنا إلى النتيجة التي تدعي بأن المعرفة الدينية لا يمكن أن تستند إلى منهج تاريخي محدد في التفسير أو أن تنحصر في آراء معاصريها، وفي المقابل ستتأثر صور المناهج الجديدة بالمناهج التاريخية.
فمناهج التفسير الجديدة لم تظهر إلى الوجود إلا حينما ولد اعتقاد بأنه ليس لأحد الحق في تثبيت نفسه وصيا على أمور التفسير، سواء تعلق التفسير بقضايا الطبيعة أو بقضايا الشريعة. كما لا يمكن إنكار أن مناهج التفسير الجديدة قد استفادت من تاريخ المنهج القديم وآراء معاصريه، وهي الآراء التي لم تعد تستطيع مجاراة تغيرات الحياة وتطورها، برغم من أن أنصار المنهج التاريخي في الوقت الراهن لن يقبلوا سوى بالتفسير المستند إلى منهجهم، ويعتبرون أي خروج عن منهج التفسير التاريخي هو ابتعاد عن الفهم الصحيح للدين، بل وفي غالب الأحيان خروج عن الدين. لذا لم تكن ولادة مناهج التفسير الحديثة إلا حاجة أساسية فرضتها تغيرات الحياة وتطورها. فتغير الفهم الديني، الذي قد نسميه إصلاح الفهم، نابع من تغير أسس ونظريات الحياة.
بمعنى أن أسس الحياة الجديدة اختلفت عن أسس الحياة القديمة، وهذا ما أدى إلى ولادة تفسير جديد للطبيعة ارتبط بمختلف مناحي الحياة وتعلق أيضا بالوسائل التي تعتمد عليها الحياة الجديدة. فكيف إذن تغيرت وتطورت النظريات التي تفسر طبيعة الحياة، وفي الوقت نفسه "يحرّم" التيار الديني السني أوالشيعي ومدرسته التفسيرية التقليدية الاستعانة بنظريات ومناهج جديدة لتفسير الدين والشريعة؟ وهل لابد لفهم الطبيعة أن يتطور ويتغير، فيما يظل فهم الشريعة دون أي حراك أوتغيير وتطوير؟!
واختلاف وتغيّر وتطور نظريات ومناهج الفهم والتفسير، سواء المتعلقة بالطبيعة أو بالدين، من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة مفادها أن المعرفة، وبالذات الدينية، أصبحت معرفة نسبية. فأي منهج تفسير ديني جديد من شأنه أن يؤسس لنتيجة نسبية، بسبب أنه تأسس وانطلق من أرضية علمية حديثة تقوم على أسس معرفية جديدة تؤمن بنسبية الفهم، كما تؤمن بتعدد مناهج التفسير سواء ارتبطت بالطبيعة أو بالشريعة. وبالتالي أي نتيجة لا يمكن أن تعكس الحالة النهائية في الفهم والتفسير وإنما تعكس الحالة النسبية وتنوع النتائج وذلك لصدورها من أرضية الفهم التعددي. فتعدد مناهج التفسير يؤدي إلى تعدد النتائج التي تؤدي في المحصلة إلى نتائج نسبية غير نهائية وغير مطلقة وذلك بسبب تعدديتها.
إن عدم اعتراف التيارين الدينيين السني والشيعي ومدارسهما التفسيرية بالفهم النسبي للدين، وإيمانهما المطلق بأن ما تأسس من فهم في زمن الأئمة، وما لحق ذلك من تفسير لرجال الدين اعتمد على منهجية هؤلاء الأئمة ووصفهما له بأنه معرفة نهائية، هو من الأسباب الرئيسية التي منعت هذين التيارين من قبول مناهج التفسير الجديدة ومبدأ تعدد التفاسير وتنوع الفهم الديني ونسبيته ما أدى بالتالي إلى بروز مسوغات الوصاية على الفهم والتكفير والإلغاء.
فبالنسبة للتيار الديني لم يتحول الفهم الديني من فهم نهائي إلى فهم نسبي بسبب أن الأسس التي بني عليها منهجية فهمه هي أسس قديمة وثابتة لم تتغير، وهو ما جعل في المقابل أنصار التيار يرفضون ولادة أي أسس أخرى جديدة يتأسس من خلالها الفهم الجديد النسبي. فنسبية الفهم الديني، كما يقول المفكر الإيراني الدكتور عبدالكريم سروش، كنسبية نتيجة ما في قياس ما، مضيفا بأن نتيجة قياس ما منسوبة إلى "مقدماته"، أي أنه يتغذى منها، وكل تغيير في تلك المقدمات ينتهي بتغيير النتيجة، وثبات النتيجة معلل أيضا بثبات المقدمات. لذا فإن نسبية النتيجة لا تتنافى مع ثباتها. المهم هو أن "ثبات النتيجة" وكذلك "تحولها" منسوب إلى "مقدماتها".
وهو ما يجعلنا نؤكد بأن التيار الديني بشقيه السني والشيعي لا يزال يؤمن من جهة بثبات المقدمات التي يستند إليها الفهم الديني ما أدى إلى اقتناعه بثبات النتيجة الصادرة من فهمه. كما إنه من جهة أخرى يرفض أي تغيير في تلك المقدمات ما أدى به إلى رفض قيام مناهج التفسير الجديدة بتغيير مقدماتها التي أدت وستؤدي إلى تغيير نتائج فهمها الديني. إذن فتغيير الأسس أو المقدمات التي يبنى عليها الفهم، سواء فهم الطبيعة أو الشريعة، هو تغيير باتجاه تجديد وتغيير وعصرنة الفهم.
ssultann@hotmail.com
تجادل مدارس التفسير الديني، السنية منها والشيعية، على أساس أن ما صدر من تفسيرٍ للدين والشريعة في زمن الأئمة الأربعة (لدى السنة) والإثنى عشر (لدى الشيعة) وفق منهجية تفسير محددة هو معرفة دينية نهائية، وأن ما يلحق ذلك من فهم لابد أن يرتبط ويتوافق مع جاء به الأئمة من منهج تفسير، بحيث لا يستطيع الخروج عن إطار معرفتهم الدينية أو منهجيتهم التفسيرية. وهو ما يعطينا المحصلة التالية القائلة بأن المعرفة الدينية ونتائجها اكتملت وانتهت بانتهاء تفسير الأئمة بعد وفاتهم، وأن أي اجتهاد وتفسير حديثين لابد أن يكونا مرتبطين بمنهجية التفسير التاريخية ولا يمكن لهما أن يخرجا عن هذا الإطار بحيث إذا خرجا لن يتم الاعتراف بهما وبنتائجهما.
ووفق هذه المحصلة تعتبر المعرفة الدينية الصادرة عن مدارس التفسير الشيعية والسنية متصلة اتصالا وثيقا بأفراد عاشوا في فترة زمنية معينة، بحيث تتوافق رؤاهم مع المعطيات الاجتماعية لتلك الفترة، كما إنها معرفة منتهية وصادرة وفق منهجية تفسير محددة، إضافة إلى أنها غير قابلة للتجديد إلا وفق المعايير التاريخية في التفسير. أي أن المعرفة الدينية وما يتعلق بها من منهجية للتفسير أصبحت ثابتة جامدة وغير قابلة للتغيير والإصلاح، ولذا لا تستطيع أن تتعايش مع متغيرات الحياة وتطورها، وبالتالي بات مبدأ أن "الدين صالح لكل زمان ومكان" محل تساؤل.
قد يبدو ذلك مقبولا إذا تعلق الأمر بمنهج معين وحيد وضعه الأئمة للتفسير ولا مجال لوضع منهج جديد آخر، لكن ما يبدو غير مقبول أن يستمر الأمر على هذا المنوال في ظل ولادة مناهج تفسير أخرى جديدة ومتعددة. إذ من شأن ذلك أن يسير بنا إلى النتيجة التي تدعي بأن المعرفة الدينية لا يمكن أن تستند إلى منهج تاريخي محدد في التفسير أو أن تنحصر في آراء معاصريها، وفي المقابل ستتأثر صور المناهج الجديدة بالمناهج التاريخية.
فمناهج التفسير الجديدة لم تظهر إلى الوجود إلا حينما ولد اعتقاد بأنه ليس لأحد الحق في تثبيت نفسه وصيا على أمور التفسير، سواء تعلق التفسير بقضايا الطبيعة أو بقضايا الشريعة. كما لا يمكن إنكار أن مناهج التفسير الجديدة قد استفادت من تاريخ المنهج القديم وآراء معاصريه، وهي الآراء التي لم تعد تستطيع مجاراة تغيرات الحياة وتطورها، برغم من أن أنصار المنهج التاريخي في الوقت الراهن لن يقبلوا سوى بالتفسير المستند إلى منهجهم، ويعتبرون أي خروج عن منهج التفسير التاريخي هو ابتعاد عن الفهم الصحيح للدين، بل وفي غالب الأحيان خروج عن الدين. لذا لم تكن ولادة مناهج التفسير الحديثة إلا حاجة أساسية فرضتها تغيرات الحياة وتطورها. فتغير الفهم الديني، الذي قد نسميه إصلاح الفهم، نابع من تغير أسس ونظريات الحياة.
بمعنى أن أسس الحياة الجديدة اختلفت عن أسس الحياة القديمة، وهذا ما أدى إلى ولادة تفسير جديد للطبيعة ارتبط بمختلف مناحي الحياة وتعلق أيضا بالوسائل التي تعتمد عليها الحياة الجديدة. فكيف إذن تغيرت وتطورت النظريات التي تفسر طبيعة الحياة، وفي الوقت نفسه "يحرّم" التيار الديني السني أوالشيعي ومدرسته التفسيرية التقليدية الاستعانة بنظريات ومناهج جديدة لتفسير الدين والشريعة؟ وهل لابد لفهم الطبيعة أن يتطور ويتغير، فيما يظل فهم الشريعة دون أي حراك أوتغيير وتطوير؟!
واختلاف وتغيّر وتطور نظريات ومناهج الفهم والتفسير، سواء المتعلقة بالطبيعة أو بالدين، من شأنه أن يؤدي إلى نتيجة مفادها أن المعرفة، وبالذات الدينية، أصبحت معرفة نسبية. فأي منهج تفسير ديني جديد من شأنه أن يؤسس لنتيجة نسبية، بسبب أنه تأسس وانطلق من أرضية علمية حديثة تقوم على أسس معرفية جديدة تؤمن بنسبية الفهم، كما تؤمن بتعدد مناهج التفسير سواء ارتبطت بالطبيعة أو بالشريعة. وبالتالي أي نتيجة لا يمكن أن تعكس الحالة النهائية في الفهم والتفسير وإنما تعكس الحالة النسبية وتنوع النتائج وذلك لصدورها من أرضية الفهم التعددي. فتعدد مناهج التفسير يؤدي إلى تعدد النتائج التي تؤدي في المحصلة إلى نتائج نسبية غير نهائية وغير مطلقة وذلك بسبب تعدديتها.
إن عدم اعتراف التيارين الدينيين السني والشيعي ومدارسهما التفسيرية بالفهم النسبي للدين، وإيمانهما المطلق بأن ما تأسس من فهم في زمن الأئمة، وما لحق ذلك من تفسير لرجال الدين اعتمد على منهجية هؤلاء الأئمة ووصفهما له بأنه معرفة نهائية، هو من الأسباب الرئيسية التي منعت هذين التيارين من قبول مناهج التفسير الجديدة ومبدأ تعدد التفاسير وتنوع الفهم الديني ونسبيته ما أدى بالتالي إلى بروز مسوغات الوصاية على الفهم والتكفير والإلغاء.
فبالنسبة للتيار الديني لم يتحول الفهم الديني من فهم نهائي إلى فهم نسبي بسبب أن الأسس التي بني عليها منهجية فهمه هي أسس قديمة وثابتة لم تتغير، وهو ما جعل في المقابل أنصار التيار يرفضون ولادة أي أسس أخرى جديدة يتأسس من خلالها الفهم الجديد النسبي. فنسبية الفهم الديني، كما يقول المفكر الإيراني الدكتور عبدالكريم سروش، كنسبية نتيجة ما في قياس ما، مضيفا بأن نتيجة قياس ما منسوبة إلى "مقدماته"، أي أنه يتغذى منها، وكل تغيير في تلك المقدمات ينتهي بتغيير النتيجة، وثبات النتيجة معلل أيضا بثبات المقدمات. لذا فإن نسبية النتيجة لا تتنافى مع ثباتها. المهم هو أن "ثبات النتيجة" وكذلك "تحولها" منسوب إلى "مقدماتها".
وهو ما يجعلنا نؤكد بأن التيار الديني بشقيه السني والشيعي لا يزال يؤمن من جهة بثبات المقدمات التي يستند إليها الفهم الديني ما أدى إلى اقتناعه بثبات النتيجة الصادرة من فهمه. كما إنه من جهة أخرى يرفض أي تغيير في تلك المقدمات ما أدى به إلى رفض قيام مناهج التفسير الجديدة بتغيير مقدماتها التي أدت وستؤدي إلى تغيير نتائج فهمها الديني. إذن فتغيير الأسس أو المقدمات التي يبنى عليها الفهم، سواء فهم الطبيعة أو الشريعة، هو تغيير باتجاه تجديد وتغيير وعصرنة الفهم.
ssultann@hotmail.com