فاتن
05-24-2006, 04:44 PM
ما أحلاها عيشة الحرية".. لكن داخل السجون! ..
الرباط - خدمة قدس برس
"ما أحلاها عيشة الحرية".. أغنية لا يحبها "عبد السلام" وأصدقاؤه، لأنهم ببساطة "يملون" من الحرية بين الفينة والأخرى، ويحلمون باللحظة التي تحتضنهم فيها أبواب السجن!.
قد يبدو الأمر وكأنه مزحة ثقيلة، كما يقولون، لكنه ليس كذلك، إذ أن السجن في نظرهم يوفر الطعام والشراب والدفء، في الوقت يقولون إنه بات من الصعب الحصول على هذه الضروريات خارجه أسوار الحبس.
ينحدر عبد السلام من أحد الأرياف الجبلية في الشمال المغربي، ولا يعرف أي عمل آخر غير جني الزيتون، وبعض المحاصيل الزراعية، وعندما ينتهي موسم جني الزيتون، لا يبقى لديه أي خيار آخر غير البحث عن "جريمة" صغيرة، تجعله ينزل ضيفا على مديرية السجون المغربية، التي تتكفل بمصاريفه اليومية البسيطة بضعة أشهر، إلى أن تتحسن الظروف في الخارج، وتتوفر بعض المهن الموسمية!.
كان سرد "عبد السلام" قصته مع السجن، غير قابلة للتصديق، لكن سجلاته العدلية تصدّق ما رواه لوكالة "قدس بس"، ويقول بنبرة واثقة: "أسرتي فقيرة جدا وتحتاج إلى من يعيلها، وأنا ليست لي أية صنعة، أو مستوى دراسي يمكنني من تحسين وضعي، لذا فأنا خلال مواسم جني الزيتون، أسافر إلى القرية، حيث أعمل فوق طاقتي لأوفر بعض المال، وعندما ينتهي الموسم أعود إلى مدينة طنجة (شمال المغرب)".
ويضيف: "لكن لا تمضي سوى أسابيع، حتى أجد أن صاحب الغرفة التي استأجرتها يطاردني، ولا أجد لقمة خبز أسد بها جوعي، وبعد معاناة مع التشرد والجوع، أجد أن السجن أرحم من الشارع، والدخول إليه لا يستدعي سوى افتعال مشاجرة في مكان عمومي، أو انتشال حقيبة يد، أو تصفية بعض الحسابات القديمة مع بعض الرفاق".
فترات الحبس متوفرة بحسب الطلب!
لقد بات عبد السلام خبيرا في قوانين المحاكم وفترات الحبس، لذلك فإنه وكما يؤكد لنا، حذر جدا في اختيار "نوع الحبسة وزمنها"، والتي تجمع بين راحة البال من جهة وبين الخروج وقت الموسم، كي لا يضيع عليه فرصة العمل، ثم العودة مجددا إلى "سجنه الدافئ".
يقول عبد السلام: "إنني أسعى دائما، لكي لا أقوم بأي عمل قد يورطني مدة طويلة في السجن، لأنني أفضل أحكاما تتراوح بين شهرين إلى ستة أشهر، أخرج بعدها لأستأنف حياتي وأزور عائلتي، وعندما يحاصرني التشرد من جديد خصوصا في أيام البرد القاسية، أجد طريقة للاحتماء بجدران السجن".
ويؤكد "أحمد"، رواية صديقه، قائلا: "لقد اشتغلت في مدينة طنجة سنين طويلة، وتعرفت على عدد من الأشخاص الذين يفضلون المكوث فترات معينة دخول السجن، بسبب الحاجة الشديدة، وقلة العمل، وقد عرفت أحد الشباب الذي تقاسمت معه غرفة واحدة بعض الوقت، وعندما عجز عن دفع الإيجار، أخبرني أنه يعرف شرطيا يمكنه أن يساعده لقضاء بضعة أشهر في السجن مقابل بعض المال، وكنت أعتقد أنه يمزح أو يبالغ فيما يقول، إلى أن أخبرني أصدقاؤه أنه فعلا يقضي عقوبة سجنية "بفضل" مساعدة أحد رجال الأمن، الذي يبدو أنه وجد له تهمة ما تفي بالغرض"!.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية المغربية أن الحياة داخل السجون أرحم منها خارجها بالنسبة لعدد كبير من المواطنين، حيث أكدت أرقام المندوبية السامية للتخطيط حول خارطة الفقر بالمغرب، أن عائلات كاملة تعيش بأقل من دولار واحد في اليوم، بينما يكلف كل سجين وزارة العدل دولارا كاملا لإطعامه وعلاجه وإيوائه.
كما أن التقارير الدولية تشير إلى نسبة فقر مقلقة في المغرب، والتي غالبا ما تؤدي إلى مثل هذه الظواهر الغريبة، وحسب آخر تقرير للبنك الدولي فإن المؤشر الرقمي المغربي للفقر يصل إلى نحو 17 في المائة، من إجمالي سكان المغرب، ويختلف هذا المؤشر بين المدن والأرياف.
وتؤكد التقارير إلى أن نسبة الفقر في الأرياف أكثر منها في الحضر، إذ أن معدل الدخل السنوي فيها يقارب 3037 درهما (366.47 دولار)، في حين يصل المعدل السنوي للدخل بالمدن إلى 3922 درهما (473.26 دولار)، الأمر الذي يجعل أعداد الفقراء قد يتجاوزون 6 ملايين شخص من إجمالي السكان، المقدر بـ 33 مليون نسمة تقريبا.
وغالبا ما تعزو مؤسسات الدولة الرسمية، ومندوبية التخطيط ارتفاع الفقر إلى اهتزاز الاقتصاد المغربي بفعل التقلبات الدولية، وهو ما يجعله عاجزا عن خلق المزيد من فرص الشغل، ويعمق من أزمة البطالة التي تصل نسبتها في الحضر بالمغرب إلى 21 في المائة، بينما تتضاعف في الريف لتصل إلى 45 في المائة.
الرباط - خدمة قدس برس
"ما أحلاها عيشة الحرية".. أغنية لا يحبها "عبد السلام" وأصدقاؤه، لأنهم ببساطة "يملون" من الحرية بين الفينة والأخرى، ويحلمون باللحظة التي تحتضنهم فيها أبواب السجن!.
قد يبدو الأمر وكأنه مزحة ثقيلة، كما يقولون، لكنه ليس كذلك، إذ أن السجن في نظرهم يوفر الطعام والشراب والدفء، في الوقت يقولون إنه بات من الصعب الحصول على هذه الضروريات خارجه أسوار الحبس.
ينحدر عبد السلام من أحد الأرياف الجبلية في الشمال المغربي، ولا يعرف أي عمل آخر غير جني الزيتون، وبعض المحاصيل الزراعية، وعندما ينتهي موسم جني الزيتون، لا يبقى لديه أي خيار آخر غير البحث عن "جريمة" صغيرة، تجعله ينزل ضيفا على مديرية السجون المغربية، التي تتكفل بمصاريفه اليومية البسيطة بضعة أشهر، إلى أن تتحسن الظروف في الخارج، وتتوفر بعض المهن الموسمية!.
كان سرد "عبد السلام" قصته مع السجن، غير قابلة للتصديق، لكن سجلاته العدلية تصدّق ما رواه لوكالة "قدس بس"، ويقول بنبرة واثقة: "أسرتي فقيرة جدا وتحتاج إلى من يعيلها، وأنا ليست لي أية صنعة، أو مستوى دراسي يمكنني من تحسين وضعي، لذا فأنا خلال مواسم جني الزيتون، أسافر إلى القرية، حيث أعمل فوق طاقتي لأوفر بعض المال، وعندما ينتهي الموسم أعود إلى مدينة طنجة (شمال المغرب)".
ويضيف: "لكن لا تمضي سوى أسابيع، حتى أجد أن صاحب الغرفة التي استأجرتها يطاردني، ولا أجد لقمة خبز أسد بها جوعي، وبعد معاناة مع التشرد والجوع، أجد أن السجن أرحم من الشارع، والدخول إليه لا يستدعي سوى افتعال مشاجرة في مكان عمومي، أو انتشال حقيبة يد، أو تصفية بعض الحسابات القديمة مع بعض الرفاق".
فترات الحبس متوفرة بحسب الطلب!
لقد بات عبد السلام خبيرا في قوانين المحاكم وفترات الحبس، لذلك فإنه وكما يؤكد لنا، حذر جدا في اختيار "نوع الحبسة وزمنها"، والتي تجمع بين راحة البال من جهة وبين الخروج وقت الموسم، كي لا يضيع عليه فرصة العمل، ثم العودة مجددا إلى "سجنه الدافئ".
يقول عبد السلام: "إنني أسعى دائما، لكي لا أقوم بأي عمل قد يورطني مدة طويلة في السجن، لأنني أفضل أحكاما تتراوح بين شهرين إلى ستة أشهر، أخرج بعدها لأستأنف حياتي وأزور عائلتي، وعندما يحاصرني التشرد من جديد خصوصا في أيام البرد القاسية، أجد طريقة للاحتماء بجدران السجن".
ويؤكد "أحمد"، رواية صديقه، قائلا: "لقد اشتغلت في مدينة طنجة سنين طويلة، وتعرفت على عدد من الأشخاص الذين يفضلون المكوث فترات معينة دخول السجن، بسبب الحاجة الشديدة، وقلة العمل، وقد عرفت أحد الشباب الذي تقاسمت معه غرفة واحدة بعض الوقت، وعندما عجز عن دفع الإيجار، أخبرني أنه يعرف شرطيا يمكنه أن يساعده لقضاء بضعة أشهر في السجن مقابل بعض المال، وكنت أعتقد أنه يمزح أو يبالغ فيما يقول، إلى أن أخبرني أصدقاؤه أنه فعلا يقضي عقوبة سجنية "بفضل" مساعدة أحد رجال الأمن، الذي يبدو أنه وجد له تهمة ما تفي بالغرض"!.
وتؤكد الإحصاءات الرسمية المغربية أن الحياة داخل السجون أرحم منها خارجها بالنسبة لعدد كبير من المواطنين، حيث أكدت أرقام المندوبية السامية للتخطيط حول خارطة الفقر بالمغرب، أن عائلات كاملة تعيش بأقل من دولار واحد في اليوم، بينما يكلف كل سجين وزارة العدل دولارا كاملا لإطعامه وعلاجه وإيوائه.
كما أن التقارير الدولية تشير إلى نسبة فقر مقلقة في المغرب، والتي غالبا ما تؤدي إلى مثل هذه الظواهر الغريبة، وحسب آخر تقرير للبنك الدولي فإن المؤشر الرقمي المغربي للفقر يصل إلى نحو 17 في المائة، من إجمالي سكان المغرب، ويختلف هذا المؤشر بين المدن والأرياف.
وتؤكد التقارير إلى أن نسبة الفقر في الأرياف أكثر منها في الحضر، إذ أن معدل الدخل السنوي فيها يقارب 3037 درهما (366.47 دولار)، في حين يصل المعدل السنوي للدخل بالمدن إلى 3922 درهما (473.26 دولار)، الأمر الذي يجعل أعداد الفقراء قد يتجاوزون 6 ملايين شخص من إجمالي السكان، المقدر بـ 33 مليون نسمة تقريبا.
وغالبا ما تعزو مؤسسات الدولة الرسمية، ومندوبية التخطيط ارتفاع الفقر إلى اهتزاز الاقتصاد المغربي بفعل التقلبات الدولية، وهو ما يجعله عاجزا عن خلق المزيد من فرص الشغل، ويعمق من أزمة البطالة التي تصل نسبتها في الحضر بالمغرب إلى 21 في المائة، بينما تتضاعف في الريف لتصل إلى 45 في المائة.