مقاتل
05-22-2006, 07:16 AM
نصيبهن الشتائم والسمعة السيئة! ...
الجزائر- إسماعيل طلاي الحياة - 22/05/06//
ظلّ ينظر إليها بازدراء شديد، يتمتم عبارات لم تفقه منها شيئاً، أشعرها بأنه لا يطيقها، فنظراته كانت تنبعث منها شرارة قاتلة تنم عن غلٍّ يكنه تجاهها، لكن لماذا؟ هي حتى لا تعرفه ولم تربطهما علاقة، ولا حتى صادف وجهها قبل اليوم. ظل هكذا يرقبها بعين تتخفى وراء صفحة الجريدة، وأخرى ترقب حركات يدها وهي تتدلل كفتاة أوروبية وتتمايل برأسها يميناً وشمالاً مع موسيقى صاخبة ينبعث صداها من سماعة الاذنين، بينما هو جالس على الأريكة الفخمة في قاعة شاي غصت بسحب دخان ينفثه الشباب، هناك في شارع حيدرة الراقي في الجزائر العاصمة.
http://www.alhayat.com/society/youth/05-2006/Item-20060521-5817748b-c0a8-10ed-01d1-b9b7e428412b/young_19.jpg_440_-1.jpg
أما هي، فانتبهت لتنورتها القصيرة، وسحبتها بيدها إلى الأسفل خشية أن تكون ساقها قد انكشفت فأحرج الرجل. لكنها لم تشعر بالخوف منه للحظة. فزمن الإرهاب وأهله ولى، والرجل ليس من أصحاب اللحى الطويلة. لكنه ظل ينظر إليها، وهي غير آبهة به. وفجأة، تحول الاشمئزاز إلى حيرة، وغضب ما عاد قادراً على ضبطه. الفتاة لم تكن وحيدة، واقتنع أخيراً أنه هو من ينبغي أن يغادر وليس هي. فعلى الجهة المقابلة جلست فتاة أخرى، لاحت بيدها في الحقيبة الصغيرة، وناولها صديقها عود الثقاب بكل تودد يرجوها أن تسمح له بإشعال سيجارتها الأوروربية الصنع. كان العاشقان يتبادلان نظرات الحب، فيما بركان الغضب يتأجج في أعماق الرجل. لم يحتمل الوضع، فاستعجل الحساب وانصرف قبل أن يرتشف قهوته.
وفيما هو متجه نحو الباب راح يصرخ «يا للعار، جزائريات يدخن السجائر، أين الكرامة، أين الحياء؟». لكن أحداً من هؤلاء الشباب لم يعره انتباهاً. وحدها الفتاة التي كانت تجلس على مقربة منه شد انتباهها رحيل الرجل وصدى صراخه، فأزاحت السماعتين عن أذنيها وردت عليه بسخرية «يا لك من متخلف! أين العيب في ما نفعل؟».
هذه صورة لواقع اجتماعي يعرفه الجزائريون كلهم، عن التناقضات التي تتغلغل يومياً داخل المجتمع، ويقابلها رد فعل ساخط من الرافضين لها. لكن المجتمع لا يقوى عن التصدي لهذه العادات الجديدة، فيكتفي أفراده بالتفرج بعين الأسى والحسرة ويوكلون أمرهم لله، ولسان حالهم يردد دوماً «لم يبق شيء، زال الحياء والاحتشام، لقد أصبحنا مثل الأوروبيين».
في صالونات الشاي والمطاعم الفخمة، وقاعات الأعراس، تسقط المحرمات، وتنكشف الأقنعة عن تصرفات فئات كبيرة من المجتمع الجزائري توضع في خانة المحرمات و»التابوهات الاجتماعية»، ولا تقوى عن الإفصاح عنها أمام العلن، فتختلي إلى تلك القاعات المنعزلة لتستبيح لنفسها ما لا تجرؤ على القيام به أمام الأهل! بعض هؤلاء شابات اكتشفن متعة التدخين، فهربن إلى حيث يمكنهن تحقيق رغباتهن بعيداً من أعين المجتمع وأحكام التقاليد ولكل قصتها مع السيجارة الأولى.
التدخين في الجزائر ليس ظاهرة جديدة، حتى وإن لم تصل نسب التدخين الى ما بلغته في دول المشرق العربي. أما عند شريحة الشباب، فتشير التقارير الرسمية إلى أن 40.4 في المئة من الشباب الذكور يدخنون أو حاولوا التدخين، منهم 38 في المئة مقيمون في المناطق الريفية، ويبلغ معدل أعمار الشباب المدخنين إجمالاً 28 عاماً، في حين أن 19.7 في المئة تقل أعمارهم عن 20 عاماً، و 50 في المئة من الشباب المدخنين تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 24 عاماً، وسجلت أكبر النسب لدى الشباب ما بين 25 و28 عاماً وبلغت 50.4 في المئة .
أما التدخين بين الشباب الذكور، فهو ظاهرة منتشرة في الجزائر أمام العلن على رغم كل الإجراءات التي تحاول الحكومة، عبثاً وضعها لردع الناس ومنع الأطفال من بيع السجائر وشرائها.
في المقابل، لا يزال التدخين لدى الفتيات من المحرمات التي بدأت تتساقط شيئاً فشيئا، وما عادت أوراق التوت تغطي الكثير من التناقضات الاجتماعية.
وتعترف فايزة (34 عاماً) وهي مدخنة شرهة، أنها وقعت ضحية التقليد حينما كانت تراقب أباها كلما أشعل سيجارته، فتقول ضاحكة: «كان عمري 17 عاماً، حينما تناولت سيجارة لأول مرة، أعترف أنني فعلت ذلك بدافع التقليد، لأنني كنت أراقب أبي كلما جلس يدخن سجارته، وطيش الشباب جعلني أتوهم وأشعر بشيء من العظمة لدى أبي كلما نفث سيجارته وتصاعد دخانها نحو السماء». تسكت قليلاً، ثم تمضي في الحديث بلهجة المدخنة غير النادمة فتقول: «كان أبي يطلب مني بين الفينة والأخرى أن أشعل له سيجارته من شرارة المدفئة أو مسخن المطبخ، وقررت يوماً أن أجرب التدخين، حتى تعلقت بالسيجارة وبقيت عاماً كاملاً أدخن خفية من دون أن ينتبه لي أحد، وأنا طالبة بالثانوية».
وتضيف فائزة: «والدي كان إنساناً حكيماً ومتفهماً. لكن أمي لم تتقبل بتاتاً أن أدخن وكان رد فعلها عنيفا جدا حينما اكتشفتني صدفة داخل غرفتي وقد نسيت أن أغلق الباب على غير عادة! لكن الوالد قال لي بالحرف الواحد: يا بنيتي لن أطلب منك التوقف عن التدخين، لأنني أعرف معنى ذلك، لكني سأطلب منك أن تكوني رزينة ولا تكثري منها، والأفضل أن تتوقفي. وحينما اكتشفتني مديرة الثانوية طلبت مني إحضار والدي، على أساس أن الأب أكثر صرامة، ففوجئت وهو يقول لها: ابنتاي تدخنان، وأنا من يقتني لهما السجائر، لأنني لا أقبل أن تلجآ الى السرقة لاقتناء علب السجائر، وحينما وقعت على القانون الداخلي للمدرسة لم يكن هناك بند يمنع الفتيات من التدخين، ولو أنها كانت متهاونة في دراستها لجعلتك تتفرجين كيف أعاقبها وأربيها، لكن التدخين حرية شخصية ولا يمكنني أن أقمعها لأجل ذلك».
وتعترف فائزة أنها تفضل أن لا يتعلم ابنها التدخين، على رغم أن زوجها مدخن أيضاً، وتقول إنها تكون قد أقلعت عن التدخين ريثما يكبر ابنها.
بيد أن هذا «الجو الديموقراطي» - إن صحّ وصفه - غير موجود داخل كل البيوت الجزائرية، فالفتاة المدخنة عادة ما ينظر إليها على أنها فتاة «منبوذة» و «منحرفة» أخلاقياً.
ولا تزال هناك حواجز نفسية تجعل المدخنات لا يجرؤن على التدخين أمام الملأ وفي الشوارع، فيندر أن تشاهد فتاة أو امرأة تقوم بذلك. صحيح أن منظر الفتاة اليوم وهي تدخن داخل قاعة شاي بات رائجاً، الا أن حملها للسيجارة وسط الشارع يبقى مرفوضاً، ويعرضها للتعليقات الساخطة أو الشتائم كـ «استحي على عرضك، نحن مسلمون ولسنا أوروبيين».
لكن قد يأتي يوم يقبل فيه الجزائريون ما لا يرضونه اليوم. وفي أحسن الأحوال سيكتفون بترديد العبارة نفسها «أستغفر الله، لم يبق هناك حياء ولا احتشام». ويقول آخرون: «الله يباعد عني المصائب». وحينها تسقط ورقة أخرى من أوراق التوت التي يتغطى بها المجتمع بدافع التقاليد والقيم، من دون أن يترافق ذلك بحملات توعية وإقناع.
الجزائر- إسماعيل طلاي الحياة - 22/05/06//
ظلّ ينظر إليها بازدراء شديد، يتمتم عبارات لم تفقه منها شيئاً، أشعرها بأنه لا يطيقها، فنظراته كانت تنبعث منها شرارة قاتلة تنم عن غلٍّ يكنه تجاهها، لكن لماذا؟ هي حتى لا تعرفه ولم تربطهما علاقة، ولا حتى صادف وجهها قبل اليوم. ظل هكذا يرقبها بعين تتخفى وراء صفحة الجريدة، وأخرى ترقب حركات يدها وهي تتدلل كفتاة أوروبية وتتمايل برأسها يميناً وشمالاً مع موسيقى صاخبة ينبعث صداها من سماعة الاذنين، بينما هو جالس على الأريكة الفخمة في قاعة شاي غصت بسحب دخان ينفثه الشباب، هناك في شارع حيدرة الراقي في الجزائر العاصمة.
http://www.alhayat.com/society/youth/05-2006/Item-20060521-5817748b-c0a8-10ed-01d1-b9b7e428412b/young_19.jpg_440_-1.jpg
أما هي، فانتبهت لتنورتها القصيرة، وسحبتها بيدها إلى الأسفل خشية أن تكون ساقها قد انكشفت فأحرج الرجل. لكنها لم تشعر بالخوف منه للحظة. فزمن الإرهاب وأهله ولى، والرجل ليس من أصحاب اللحى الطويلة. لكنه ظل ينظر إليها، وهي غير آبهة به. وفجأة، تحول الاشمئزاز إلى حيرة، وغضب ما عاد قادراً على ضبطه. الفتاة لم تكن وحيدة، واقتنع أخيراً أنه هو من ينبغي أن يغادر وليس هي. فعلى الجهة المقابلة جلست فتاة أخرى، لاحت بيدها في الحقيبة الصغيرة، وناولها صديقها عود الثقاب بكل تودد يرجوها أن تسمح له بإشعال سيجارتها الأوروربية الصنع. كان العاشقان يتبادلان نظرات الحب، فيما بركان الغضب يتأجج في أعماق الرجل. لم يحتمل الوضع، فاستعجل الحساب وانصرف قبل أن يرتشف قهوته.
وفيما هو متجه نحو الباب راح يصرخ «يا للعار، جزائريات يدخن السجائر، أين الكرامة، أين الحياء؟». لكن أحداً من هؤلاء الشباب لم يعره انتباهاً. وحدها الفتاة التي كانت تجلس على مقربة منه شد انتباهها رحيل الرجل وصدى صراخه، فأزاحت السماعتين عن أذنيها وردت عليه بسخرية «يا لك من متخلف! أين العيب في ما نفعل؟».
هذه صورة لواقع اجتماعي يعرفه الجزائريون كلهم، عن التناقضات التي تتغلغل يومياً داخل المجتمع، ويقابلها رد فعل ساخط من الرافضين لها. لكن المجتمع لا يقوى عن التصدي لهذه العادات الجديدة، فيكتفي أفراده بالتفرج بعين الأسى والحسرة ويوكلون أمرهم لله، ولسان حالهم يردد دوماً «لم يبق شيء، زال الحياء والاحتشام، لقد أصبحنا مثل الأوروبيين».
في صالونات الشاي والمطاعم الفخمة، وقاعات الأعراس، تسقط المحرمات، وتنكشف الأقنعة عن تصرفات فئات كبيرة من المجتمع الجزائري توضع في خانة المحرمات و»التابوهات الاجتماعية»، ولا تقوى عن الإفصاح عنها أمام العلن، فتختلي إلى تلك القاعات المنعزلة لتستبيح لنفسها ما لا تجرؤ على القيام به أمام الأهل! بعض هؤلاء شابات اكتشفن متعة التدخين، فهربن إلى حيث يمكنهن تحقيق رغباتهن بعيداً من أعين المجتمع وأحكام التقاليد ولكل قصتها مع السيجارة الأولى.
التدخين في الجزائر ليس ظاهرة جديدة، حتى وإن لم تصل نسب التدخين الى ما بلغته في دول المشرق العربي. أما عند شريحة الشباب، فتشير التقارير الرسمية إلى أن 40.4 في المئة من الشباب الذكور يدخنون أو حاولوا التدخين، منهم 38 في المئة مقيمون في المناطق الريفية، ويبلغ معدل أعمار الشباب المدخنين إجمالاً 28 عاماً، في حين أن 19.7 في المئة تقل أعمارهم عن 20 عاماً، و 50 في المئة من الشباب المدخنين تتراوح أعمارهم ما بين 20 إلى 24 عاماً، وسجلت أكبر النسب لدى الشباب ما بين 25 و28 عاماً وبلغت 50.4 في المئة .
أما التدخين بين الشباب الذكور، فهو ظاهرة منتشرة في الجزائر أمام العلن على رغم كل الإجراءات التي تحاول الحكومة، عبثاً وضعها لردع الناس ومنع الأطفال من بيع السجائر وشرائها.
في المقابل، لا يزال التدخين لدى الفتيات من المحرمات التي بدأت تتساقط شيئاً فشيئا، وما عادت أوراق التوت تغطي الكثير من التناقضات الاجتماعية.
وتعترف فايزة (34 عاماً) وهي مدخنة شرهة، أنها وقعت ضحية التقليد حينما كانت تراقب أباها كلما أشعل سيجارته، فتقول ضاحكة: «كان عمري 17 عاماً، حينما تناولت سيجارة لأول مرة، أعترف أنني فعلت ذلك بدافع التقليد، لأنني كنت أراقب أبي كلما جلس يدخن سجارته، وطيش الشباب جعلني أتوهم وأشعر بشيء من العظمة لدى أبي كلما نفث سيجارته وتصاعد دخانها نحو السماء». تسكت قليلاً، ثم تمضي في الحديث بلهجة المدخنة غير النادمة فتقول: «كان أبي يطلب مني بين الفينة والأخرى أن أشعل له سيجارته من شرارة المدفئة أو مسخن المطبخ، وقررت يوماً أن أجرب التدخين، حتى تعلقت بالسيجارة وبقيت عاماً كاملاً أدخن خفية من دون أن ينتبه لي أحد، وأنا طالبة بالثانوية».
وتضيف فائزة: «والدي كان إنساناً حكيماً ومتفهماً. لكن أمي لم تتقبل بتاتاً أن أدخن وكان رد فعلها عنيفا جدا حينما اكتشفتني صدفة داخل غرفتي وقد نسيت أن أغلق الباب على غير عادة! لكن الوالد قال لي بالحرف الواحد: يا بنيتي لن أطلب منك التوقف عن التدخين، لأنني أعرف معنى ذلك، لكني سأطلب منك أن تكوني رزينة ولا تكثري منها، والأفضل أن تتوقفي. وحينما اكتشفتني مديرة الثانوية طلبت مني إحضار والدي، على أساس أن الأب أكثر صرامة، ففوجئت وهو يقول لها: ابنتاي تدخنان، وأنا من يقتني لهما السجائر، لأنني لا أقبل أن تلجآ الى السرقة لاقتناء علب السجائر، وحينما وقعت على القانون الداخلي للمدرسة لم يكن هناك بند يمنع الفتيات من التدخين، ولو أنها كانت متهاونة في دراستها لجعلتك تتفرجين كيف أعاقبها وأربيها، لكن التدخين حرية شخصية ولا يمكنني أن أقمعها لأجل ذلك».
وتعترف فائزة أنها تفضل أن لا يتعلم ابنها التدخين، على رغم أن زوجها مدخن أيضاً، وتقول إنها تكون قد أقلعت عن التدخين ريثما يكبر ابنها.
بيد أن هذا «الجو الديموقراطي» - إن صحّ وصفه - غير موجود داخل كل البيوت الجزائرية، فالفتاة المدخنة عادة ما ينظر إليها على أنها فتاة «منبوذة» و «منحرفة» أخلاقياً.
ولا تزال هناك حواجز نفسية تجعل المدخنات لا يجرؤن على التدخين أمام الملأ وفي الشوارع، فيندر أن تشاهد فتاة أو امرأة تقوم بذلك. صحيح أن منظر الفتاة اليوم وهي تدخن داخل قاعة شاي بات رائجاً، الا أن حملها للسيجارة وسط الشارع يبقى مرفوضاً، ويعرضها للتعليقات الساخطة أو الشتائم كـ «استحي على عرضك، نحن مسلمون ولسنا أوروبيين».
لكن قد يأتي يوم يقبل فيه الجزائريون ما لا يرضونه اليوم. وفي أحسن الأحوال سيكتفون بترديد العبارة نفسها «أستغفر الله، لم يبق هناك حياء ولا احتشام». ويقول آخرون: «الله يباعد عني المصائب». وحينها تسقط ورقة أخرى من أوراق التوت التي يتغطى بها المجتمع بدافع التقاليد والقيم، من دون أن يترافق ذلك بحملات توعية وإقناع.