المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عميد الشريعة السابق عبدالحميد الأنصاري: الغزو العراقي للكويت فضح مواقف الرموز الدينية



زهير
05-21-2006, 07:42 AM
القاهرة - من إيهاب حشيش


أكد عميد كلية الشريعة والقانون السابق في جامعة قطر الدكتور عبد الحميد الأنصاري أن «وسائل الاعلام هنا وهناك والسياسات غير المتوازنة بين المسلمين مع مختلف الشعوب والأمم ساعدت على تغذية حالة التوجس والارتياب والتشويه، ما أفرز في النهاية مناخا غير صحي ساعد على انعاش ظاهرتين تعاني منهما المجتمعات الاسلامية والغربية معا».

الأولـى نمو وانتشار موجات التطرف عندنا، وبالذات لدى أفراد وجماعات منظمة ترى في الغرب عدوا متآمرا حاقدا ضد الاسلام والمسلمين يجب محاربته بكل الوسائل، والثانية تصاعد وانتشار الموجة اليمينية المتطرفة في المجتمعات الغربية والتي تنظر للاسلام والمسلمين نظرة كراهية وعداء وحقد، وتريد أن تتخلص من الجاليات الاسلامية وتحد من انتشار الاسلام في الغرب».

وأوضح الأنصاري في ورقة العمل التي قدمها بعنوان «كيف تم تشويه مفهوم الجهاد - لـورشة العمل الثانية حول الاسلام والاصلاح، التي نظمها قبل أيام، مركز ابن خلدون للدراسات الانمائية في القاهرة ان «جانبا كبيرا من هذا الركام الثقيل هو من مسؤولياتنا ويجب أن تكون عندنا الشجاعة الكافية للاعتراف بذلك بدلا من القاء اللوم على الآخر وتحميله المسؤولية كاملة».

وقال: «علينا بدلا من لعن الظلام والشياطين السعي للعمل الجاد والدؤوب على جبهتين: الأولى الداخلية بتفعيل الحوار الداخلي بين جميع الأفراد والفصائل والتيارات والتنظيمات دون اقصاء لأي طرف أو تخوين أو تكفير أو تشويه».

وأشار الأنصاري الى أن «هذا الحوار يهدف الى اخضاع كل المنظومة المجتمعية «الفكرية والسياسية والثقافية والتعليمية والدينية والاعلامية والتربوية» الى عمليتي المراجعة والنقد والتقويم وصولا الى مواطن الخلل والتعويق والتشويه.
وقال الدكتور الانصاري: ان الجهاد لغة بذل أقصى ما في الوسع والطاقة، وهو مدلول عام يؤيده ما ورد في القرآن والسنة من نصوص تشمل العمل الحربي وبذل المال والجهد مطلقا في سبيل نصرة الدين واعلاء قيم الحق والخير ونشر الدعوة والعمل على اصلاح المجتمع وتوطيد العدل ونصرة المظلوم ورد العدوان وجهاد النفس وجهاد الشيطـان.

ولكن الفقهاء خصصوا الجهاد بقتال الكفار لنصرة الاسلام بعد دعوتهم ووجود المقتضى، وهو تخصيص لا مستند له شرعا، يقول الله تعالى (وجاهدوا في الله حق جهاده، هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج) - الحج 87.

وأوضح الأنصاري أن الجهاد شُرع لعدة أهداف سامية لرفع الظلم ولازالة العدوان لا ازالة الكفر: (أذن للذين يُقاتلون بأنهم ظلموا وان الله على نصرهم لقدير).

كما أنه شُرع لتحرير الشعوب المضطهدة والمستعبدة من قبل أنظمتها الاستبدادية الظالمة مثل شعوب فارس والشام ومصر والساحل الأفريقي والتي احتلت من قبل القوتين الأعظم الفرس والرومان.
واشار الأنصاري الى أن «تشويه الجهاد لدى بعض الرموز الاسلامية المعتدلة نتيجة للتوظيف السياسي للمفهوم وهو ما تبدى في موقف التيارات والرموز الاسلامية من حرب تحرير الكويت كان موقف معظم التيارات السياسية الاسلامية، وكذلك الرموز الدينية بمن فيهم من أهل الاعتدال، موقفا مخزيا جدا سواء من الغزو العراقي الظالم للكويت أو من الجهاد في تحريرها, رغم فداحة الظلم والطغيان في الغزو ووضوح القضية وحلها، وضوح الشمس، ولكنها المصالح الحزبية والأهواء السياسية والأحقاد الشخصية التي شكلت مواقف هؤلاء الضالين المضلين ودفعتهم لتأييد الباطل والتنكر للحق والحل بغية استدامة الوضع الظالم حتى يكون أمرا واقعا».

وقال الأنصاري: «اذا استثنينا الموقف الشرعي الصحيح والمشّرف الذي وقفه علماء السعودية والخليج والأزهر الشريف الذين أدانوا الباطل قولة واحدة ورأوا في حرب تحرير الكويت جهادا واجبا وأيّدوا من غير تردد الاستعانة بقوات التحالف الدولي، فانّ عامة الرموز والتيارات الاسلامية ضلت وأضلت اذ وقفت موقفا مناقضاًً في تشويه متعمد لمفاهيم الجهاد وقلب للحقائق الثابتة وبخاصة في العراق والأردن وفلسطين والجزائر وتونس».

وتابع: «بلغت الحماقة ببعضهم أن اعتبروا العدوان العراقي جهادا مشروعا في سبيل توحيد الأمة العربية ولو بالقوة ولو على الجماجم والأعراض ونهب الأموال، واستمات هؤلاء في اتهام من يشارك في تحرير الكويت بالكفر والارتداد وموالاة الكفار.

وأما عامة الاخوان المسلمين وبخاصة القيادة الأم فهم اذ أدانوا صراحة الغزو الغاشم، الا أنهم تخاذلوا في تحرير الكويت بحجة عدم جواز الاستعانة بالأجنبي واعتبروا الغزو خطأ والتحرير بالأجنبي خطيئة واستندوا الى فقه الموازنات حسب مفهومهم وطالبوا بحل عربي (مزعوم ومستحيل)»، مؤكدا ان «العرب أعجز من أن يُحلّوا حادثا حدوديا بين دولتين عربيتين فكيف بكارثة»، وهم أدرى بالوضع العربي المهترئ، ولكنها المناورة والخداع لاستدامه الوضع الظالم حتى يصبح أمرا واقعا مستعصيا على الحل كقضية فلسطين - قضية العرب الأولى - ولتكون قضية الكويت هي الثانية ولا حول ولا قوة الا بالله، ولو انتظرنا وانتظر الشرفاء في كل مكان حلَّهم المزعوم لما تحررت الكويت ولكن الله بصير بالعباد ورحمته بالكويت والخليج واسعة».

وقال: «اني اذ أستنكر موقف هؤلاء في قضية واضحة وضوح الشمـس في رائعة النهار أتساءل -مندهشا- ما الحرج في الاستعانة بقوات التحالف الدولي لازالة الظلم والعدوان ودفع الشر والطغيان؟، ولماذا تلك الحساسية المرضية والظنون والأوهام والارتياب في التعاون والتحالف مع القوات الأجنبية في نصرة الحق واقرار العدل ودفع الباطل ؟ لماذا نحن - وحدنا- دون الأمم مسكونون بذلك الكم الهائل من الهواجس المرضية؟».

وذكر ان «كل الشعوب وكل الأمم وكل الدول تتعاون وتتحالف من أجل أهداف مشتركة دون عقد وعلل الا نحن, هل قال لنا الاسلام لا تتعاونوا ولا تتحالفوا,, أم هي نفوسنا السقيمة وموروثاتنا البائسة؟.
ألم يتمن رسولنا عليه الصلاة والسلام أن يتحالف مع أشراف قريش في حلف الفضول مع أنهم مشركون، ولم يمنعه شركهم من التعاون معهم في سبيل تحقيق الأهداف الانسانية من أجل نجدة الضعيف واغاثة الملهوف واعانة المظلوم ؟.

ألم يستعن الرسول صلى الله عليه وسلم بغير المسلمين في العديد من غزواتـه ومن غير حاجـة ولا ضـرورة ملجئة ؟ وألم يشترك « الجراجمة « وغيرهم من غير المسلمين في فتوحات الصحابة والتابعين؟».

واضاف الانصاري: «المثل الآخر هو الموقف الاسلامي من مفهوم الجهاد في حرب تحرير العراق فلم يعرف التاريخ البشري كله، نظاما اجراميا في بشاعة وعدوانية النظام العراقي المقبور والذي امتد ثلاثة عقود مظلمة، عانى الشعب العراقي خلالها كل صنوف العذاب وقاسى بما لم يسمع به من قبل، زَجَّ بهم في حربين أبادتا الأخضر واليابس، قتل فيهما الملايين من العرب والمسلمين، ودُفن من الشعب العراقي والايراني والكويتي الآلاف فيما يسمى بالمقابر الجماعية»، وشُرد من الشعب العراقي أكثر من (4) ملايين، هربوا فرارا بدينهم وحياتهم فيما ظل الباقي من الشعب في سجن كبير يستغيث المسلمين دون مجيب، ثلاثون سنة والشعب العراقي يستصرخ المسلمين وحاكمهم يسومهم سوء العذاب والمسلمون منشغلون وبخاصة النخب الثقافية والفكرية والدينية بتمجيد النظام والتغني بالانتصارات، يفدون الى بغداد في مهرجانات لا تنتهي، يلقون قصائدهم ويتلقون الخُلَع ويعودون محملين».

وزاد: «ظلت المعارضة العراقية تجوب تخوم وآفاق الأرض العربية تتوسل وتستصرخ ضمائر العرب دون جدوى بل كانوا يقابلون بالصدود والاستهزاء والاتهام والتخوين تزلفا واسترضاء للنظام الجائر، ولم تجد المعارضة العراقية أذنا مفتوحة الا عند الغرب الذي آواهم ونصرهم».

وافاد انه «شاءت ارادة المولى عز وجل الاذن بزوال هذا النظام الذي طغى وبغى وتجاوز شره وبوائقه شعبه الى جيرانه فجاء من يدك بنيانه ويزيل دولة الظلم والطغيان , وتلك عاقبة المجرمين احقاقا للحق وتثبيتا للعدل، ولكن انظر - الى بعض الرموز الدينية - كيف قلبوا الأمور، اذ تنادوا بضرورة الجهاد عبر المنابر الدينية ضد قوات التحالف، بل فعل ذلك بعض مشايخنا في دولنا الخليجية المساندة لقوات التحالف والمتمركزة قواعدها وقواتها فيها، فانخدع شباب غر -بفعل العاطفة الدينية - بتلك الفتاوى التحريضية واندفعوا لمقاتلة أمريكا، وهم على الأرض وهي في السماء، فقُتل من قُتل منهم وتيتمت أسر وترملت نساء وفُجع أب أو أم، وأُسر من أُسر منهم، ونُكل بمن نكل من قبل الشعب العراقي نفسه، وتلك جناية الفتاوى السياسية الخاطئة حينما تتلبس غطاء الدين، والدين منها براء».

واضاف: «في غمرة تلك الفتاوى المضللة والتي انهمرت عبر الفضائيات والمنابر في عدد من الدول العربية والاسلامية، كتبت مقالة بعنوان ( الفتوى الخطأ في الوقت الخطأ ) بينت فيها أن حالة العراق، حالة دولة غير طبيعية لها طبيعة عدوانية مستمرة، حالة رجل مريض قد أزمن ولم تفد فيه كل العلاجات ولم تبق الا العملية الجراحية على أيدي أطباء الخارج»، مبينا «أن هناك شعبا مضطهدا يجب تخليصه من نظامه الاستبدادي، واذا كنا نحن المسلمين قد تخلينا عن مسئولياتنا لعجزنا ولقصورنا ولأنانيتنا ونفاقنا ولم نستجب لنداء القرآن الكريم لنا ( وما لكم لا تقاتلون في سبيل الله والمستضعفين من الرجال والنساء والولدان الذين يقولون ربنا أخرجنا من هذه القرية الظالم أهلها واجعل لنا من لدنك وليا واجعل لنا من لدنك نصيرا ) وتقاعسنا ولم نأخذ على يد أخينا، مصداقا لقول رسولنا عليه الصلاة والسلام: ( انصر أخاك ظالما أو مظلوما,, قالوا يا رسول الله، هذا ننصره مظلوماً، فكيف ننصره ظالما , قال : تأخذوا على يديه ) -البخاري.

اذا لم نفعل شيئا من ذلك فيجدر بنا على الأقل أن نسكت لا أن نحرض شبابنا على الهلاك والانتحار وبخاصة أن الجميع يعرف أن المعركة محسومة لعدم وجود أي تكافؤ».

وقال: «ذكرت أن اعلان الجهاد شأن خاص بولي الأمر لا ينازعه أحد فيه فلا يحق لخطيب أو شيخ أن يدعو الناس للجهاد، وأن هؤلاء المشايخ الذين أصدروا فتاوى الجهاد وقعوا في أخطاء مغلّظة، من أهمها أنهم بدعوتهم للجهاد منحوا النظام المستبد شرعية البقاء والاستمرار في ارتكاب الجرائم والآثام»، موضحا انه «نشرت تلك المقالة في عدد من الصحف، وأرسلت صورا منها الى عدد من الرموز الدينية في الكويت وفي الأزهر الشريف وتوقعت من مشايخ الكويت تأييدا ولكنهم التزموا الصمت، ولكن عوضني الله خيراً، اذ جاءني رد سماحة الامام الأكبر فضيلة الدكتور محمد سيد طنطاوي تأييدا كاملا لما ذهبت اليه وكفى به تأييدا».

وتساءل الأنصاري: «أيصل تشويه المفاهيم الى هذه الدرجة؟ كان الأجدر بالرموز الدينية في الكويت أن يتصدروا المنابر والفضائيـات ويجاهروا بالحق ويخرسـوا تلك الألسنة التي تطاولت»، مشيرا الى ان «الكويت صاحبة المصلحة الأولى في التخلص من جار ظالم استفحل أذاه والآن هناك عمليات تخريبية مستمرة في العراق وتسميها الفضائيات وبعض المنابر الدينية «أعمال مقاومة وطنية وجهاد» الأبرياء يموتون على أيدي فئة ارهابية وتجد من يصف اجرامهم بالجهاد والبطولة للمقارنة فقط حينما استطال جرائم سفاح الصّرب واستمر ذبح المسلمين في كوسوفو والبوسنة والهرسك قامت أوروبا يدا واحدة ودكوا يوغسلافيا».

وأوصى الأنصاري - في نهاية ورقة العمل التي قدمها - باعادة النظر والمراجعة في المفاصل الخمسة للمجتمع المفصل التربوي : الذي يتقبل (العنف) أسلوبا في التنشئة، ويرى (التمييز) بين الأخ وأخته أسلوبا مقبولا.

والمفصل التعليمي : الذي يقوم على فكر أحادي لا يتقبل الحوار والنقد ويضيق بالآخر ويتغنى بالأمجاد والانتصارات والبطولات الفردية مع بخس حق الآخرين في تلك الانجازات.
والمفصل الثقافي : الذي يلقي باللوم على الآخرين في فشلنا واخفاقنا ويزيف وعي الناس حتى لا يصطدموا بحقائق واقعهم.

والمفصل الديني : الذي يصور العالم مؤامرة مستمرة ضد الاسلام والمسلمين، لا هم لهم الا استهداف الاسلام والمسلمين.
والمفصل الاعلامي : الذي يُحرض على تجارة الموت بتقديمه رموز الارهاب نجوما اعلامية.