مقاتل
05-21-2006, 07:32 AM
د. طارق سيف - الاتحاد الاماراتية
من نعم الله على البشر "الوعي"؛ وهو الإدراك بما حولهم من مكان وزمان ومواقف وحالات وظروف وأهل وأقارب، أما الغيبوبة فهي تعني انفصال العقل عن الواقع المحسوس وغياب ذلك كله، فيعيش البشر في زمنهم الخاص غير عابئين بتغير الزمن، ولا يشعرون بواقعهم، ويصبحون في مكان آخر بعيداً ومختلفاً عن مجتمعهم تماماً، ويحيون في ظلمة النفس منفصلين عما حولهم.
وللأسف هذا هو حال المثقفين العرب اليوم؛ الذين يملؤون وسائل الإعلام ضجيجاً، فقد أصيبوا بالغيبوبة "الفكرية" والزهايمر "الثقافي"؛ فاستمرؤوها وسعدوا بها؛ واحتموا بداخلها من ضعفهم المعرفي والثقافي وتداعي قدرتهم على التجديد؛ لأنهم في واقع الأمر يفتقدون مفاتيح الفكر، وضلوا الطريق إلى أبواب المعرفة، ومغيبون عن حقيقة التطور، ولا يتابعون أي تجديد، فتوقف زمانهم، وتحجرت ثقافتهم، وتدهورت كتاباتهم، وتراجعت قدراتهم، وتقادمت أفكارهم، تراهم صوراً مستنسخة ومتكررة لشخصيات باهتة عفا عليها الزمن منذ عقود، إلا أنهم متشبثون بقوة بالظهور المستمر في وسائل الإعلام بأسرها، من مرئية ومقروءة ومسموعة، كلامهم وحواراتهم وأحاديثهم وكتاباتهم كلها مكررة ومعادة ولا تقبل التجديد منذ نحو أربعين عاماً، فباتوا في غيبوبة مستمرة، سعدوا بها، وسعدت بهم.
تعود جذور غيبوبة المثقفين العرب إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما أخذت حركة التحديث والنهضة في تقويض وتهميش مؤسسة الفكر التي حافظت على لحمة المثقفين ودفعتهم إلى أتون حركة التنوير الوطني لمواجهة الغزو الأجنبي، لذلك فالمثقفون العرب لم يولدوا في التاريخ الحديث من رحم حركة تطور داخلية، كما كان عليه الحال في السياق التاريخي الثقافي الغربي، بل من حركة تحديث مفاجئة قادتها الدولة، فأصبح المثقفون العرب، حالهم مثل حال أوضاع المجتمع العربي بأسره، منقسمين على ذاتهم منذ البداية، لسبب بسيط هو أن لحظة ولادة الحركة الثقافية التنويرية في جوهرها كانت لحظة انقسام عربي على الذات وما زالت منقسمة إلى اليوم، وعلى الرغم من ذلك فإن حقبة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي شهدت تحرك المظاهرات الشعبية بمبادرة من المثقفين، فغيرت السياسات وأسقطت الوزراء وأزالت الحكومات، ولكن أدى تصاعد حدة تأثير الانقسام والغيبوبة على المثقفين إلى زيادة سطوة الدولة، فتنوعت كتابات مثقفي الغيبوبة وجرت في تيارات مختلفة، وجرى فرز واضح لأنواعها على الساحة الإعلامية، في ظل هشاشة واضحة في بنائها الفكري والثقافي.
حيث نجد اليوم أن كتابات وأحاديث وحوارات المثقفين العرب لا تخرج عن إطار أربعة تيارات مختلفة ومتباينة، تشمل:
* "تيار الاجترار"، حيث يجتر المثقف مجموعة ثابتة من المفردات والشعارات الجذابة، ويظل يكررها في كل لقاء صحفي أو تلفزيوني أو إذاعي، بل ويطرحها على موقعه على شبكة المعلومات العالمية "الإنترنت"، في ظل سيادة مفهوم أن التكرار يعلم "الشطار"، لذلك فلا ضير من اجترار ما سبق أن كتبه مع تغيير الألفاظ والمسميات، ودس الشعارات الجوفاء وارتفاع وتيرة الحديث وزجه ببعض الألفاظ البذيئة، على اعتبار أن ذلك كافٍ لجذب المستمع أو القارئ أو المشاهد، فالعرب ظاهرة "صوتية".
* "تيار الماضي"، ويتبع أصحاب هذا التيار مقولة إن العرب لا يقرؤون وإذا قرؤوا ينسون، لذلك فإن التمسك بما كتبه أو قاله في الماضي يعني تمسكه بثوابته من جانب، كما أن إعادته لن تؤثر في شيء لأن القارئ العربي فقد اهتمامه وثقته في كل شيء، وبات منشغلاً بأولويات أخرى "ترفيهية ومسلية" تشغله عن همومه ومعاناته اليومية، وافتقاده لأي أمل في الإصلاح.
* "تيار السبوبة"، حيث نجد أن أصحاب هذا التيار يملؤون فراغات الصحف وساعات البث الإذاعي والمرئي بأي شيء وكل شيء، فهي كلمات متراصة لا تعني شيئاً، فالهدف هو لقمة العيش، ولا يضيرهم شيء إذا كانت إسهاماتهم تؤثر في المتلقي من عدمه، كما لا يعنيهم ما يقال عنهم فالهدف واضح والطريق إليه "رص الكلمات".
* "تيار الإدمان"، من الواضح أن أصحاب هذا التيار مدمنو كتابة، والإدمان مرض يصعب بل يستحيل الفكاك منه إلا في ظل علاج قاس وظروف معينة، لذلك فهم يلعبون على الحبال كلها ويمدحون من يدفع أكثر، ويخلصون لصاحب الكرسي، لأنه جواز المرور لاستمرارهم في الكتابة، فتراهم متمسكين بمبدأ "مات الملك عاش الملك".
بعد أن استعرضنا التيارات الأربعة المعبرة عن كتابات وأحاديث وحوارات المثقفين العرب، نجدهم ينقسمون إلى أربعة أنواع من المثقفين:
أولاً: "المثقف المتخفي"، وهو نوع من المثقفين نجحت السلطة الحاكمة في تجنيدهم، فباتوا بوقاً لها في وسائل الإعلام مدافعين بحق ودون حق عن أفعالها وسياساتها وجرائمها، ولتذهب إلى الجحيم الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والحريات، وهذا النوع من المثقفين العرب يعتبر نفسه أحد جنود السلطة، لذلك فهو لا يملك أية رؤى أو قدرة على أن يخرج بجديد، فبات أحد عناصر أزمة الحكم في العالم العربي.
ثانياً: "المثقف المستأنس"، وهو المثقف المتطوع ذاتياً للدفاع عن النظام الحاكم دون أن يطلب أحد منه ذلك، وفي أغلب الأحوال دون قناعة ذاتية بما يكتبه، فهو يبذل كل ما يستطيع لتبرير ما يصنعه النظام لأنه أحد صور "عبده مشتاق"، الذي ينتظر أن يحصل على مكافأة ما يقوم به رغم افتقاده أية مؤهلات ثقافية وفكرية سوى إصراره المستميت للدفاع عن النظام الحاكم، لذلك تجده حاضراً في وسائل الإعلام بأنواعها ولا يهتم بما يقول أو يكتب... فهو خبير في كل شيء يتعلق بالنظام ومصالحه وتوجهاته، ويحفظ من المبررات ما يملأ مجلدات، ويتميز بعلو صوته ووقاحة أسلوبه، ويعتبر نفسه "لا يكذب ولكنه يتجمل" من أجل أن يستمر على الساحة الإعلامية.
ثالثاً: "المثقف الانفتاحي أو المخصخص"، وهو المثقف الذي عنده كل شيء بثمن، فهو يخدم من يدفع، "خصخص" قلمه بعد أن توقفت أفكاره وثقافته ومعارفه منذ عقود مضت عند قضايا بعينها يتاجر بها كلما دعت الحاجة، ولا يهتم بتطوير معارفه ومداركه، لأنه منشغل بجمع المال واستثماره والبحث عن الزبائن، ويتظاهر بمعرفته بكل شيء من "الإبرة" إلى "العولمة"، لذا فإنه يرى الفساد "اجتهاداً"، والرشوة "مكافأة" عمل إضافي، والقمع أفضل طريق للحفاظ على "الأمن" والدفاع عن "مصالح الدولة"، والاستماتة في التمسك بالمنصب "إنجازاً عبقرياً" يستحق الثناء والتكريم.
رابعاً: "المثقف المحنط"، هو الذي يعيش ماضيه في حاضره، ويعتمد على إرث ماضيه حيث انغلق على فكره المتقادم، ويرى في ذلك أصالة وتراثاً يجب التمسك بهما والحفاظ عليهما، توقف قطار معرفته عند الزمن الماضي، ويشعر أنه يجلس على كرسي التميز ينتابه شعور بأنه ليس في الإمكان أحسن مما مضى وكان، لذلك فهو يرفض أن يواكب تطورات العصر بمعطياته وأدواته وآلياته، وكأنه يعيش في ثقافة أهل الكهف، وظلمة التحنيط.
وعلى الرغم من أن المثقفين العرب بأنواعهم كافة في غيبوبة، إلا أنه يجمعهم عامل مشترك هو السباق اليومي للظهور في وسائل الإعلام بأنواعها، والمدهش أنهم على قناعة داخلية بأنهم سبقوا عصرهم، والأغرب من ذلك أن وسائل الإعلام تفتح لهم أذرعها دون اهتمام بالمضمون أو المحتوى الذي يعرضونه، فالمهم هو ملء الفراغ بين برامج التسلية والترفيه، ومساحات الورق بين أخبار الرياضة والفن، وساعات الإرسال الإذاعي بين الأغاني الهابطة والصاعدة... ثم لماذا نقصر حديثنا عن غيبوبة المثقفين وكأنها ظاهرة منفصلة عن محيطها وبيئتها، فالعالم العربي بأسره مغيّب وخارج الزمن؟!
من نعم الله على البشر "الوعي"؛ وهو الإدراك بما حولهم من مكان وزمان ومواقف وحالات وظروف وأهل وأقارب، أما الغيبوبة فهي تعني انفصال العقل عن الواقع المحسوس وغياب ذلك كله، فيعيش البشر في زمنهم الخاص غير عابئين بتغير الزمن، ولا يشعرون بواقعهم، ويصبحون في مكان آخر بعيداً ومختلفاً عن مجتمعهم تماماً، ويحيون في ظلمة النفس منفصلين عما حولهم.
وللأسف هذا هو حال المثقفين العرب اليوم؛ الذين يملؤون وسائل الإعلام ضجيجاً، فقد أصيبوا بالغيبوبة "الفكرية" والزهايمر "الثقافي"؛ فاستمرؤوها وسعدوا بها؛ واحتموا بداخلها من ضعفهم المعرفي والثقافي وتداعي قدرتهم على التجديد؛ لأنهم في واقع الأمر يفتقدون مفاتيح الفكر، وضلوا الطريق إلى أبواب المعرفة، ومغيبون عن حقيقة التطور، ولا يتابعون أي تجديد، فتوقف زمانهم، وتحجرت ثقافتهم، وتدهورت كتاباتهم، وتراجعت قدراتهم، وتقادمت أفكارهم، تراهم صوراً مستنسخة ومتكررة لشخصيات باهتة عفا عليها الزمن منذ عقود، إلا أنهم متشبثون بقوة بالظهور المستمر في وسائل الإعلام بأسرها، من مرئية ومقروءة ومسموعة، كلامهم وحواراتهم وأحاديثهم وكتاباتهم كلها مكررة ومعادة ولا تقبل التجديد منذ نحو أربعين عاماً، فباتوا في غيبوبة مستمرة، سعدوا بها، وسعدت بهم.
تعود جذور غيبوبة المثقفين العرب إلى النصف الثاني من القرن التاسع عشر عندما أخذت حركة التحديث والنهضة في تقويض وتهميش مؤسسة الفكر التي حافظت على لحمة المثقفين ودفعتهم إلى أتون حركة التنوير الوطني لمواجهة الغزو الأجنبي، لذلك فالمثقفون العرب لم يولدوا في التاريخ الحديث من رحم حركة تطور داخلية، كما كان عليه الحال في السياق التاريخي الثقافي الغربي، بل من حركة تحديث مفاجئة قادتها الدولة، فأصبح المثقفون العرب، حالهم مثل حال أوضاع المجتمع العربي بأسره، منقسمين على ذاتهم منذ البداية، لسبب بسيط هو أن لحظة ولادة الحركة الثقافية التنويرية في جوهرها كانت لحظة انقسام عربي على الذات وما زالت منقسمة إلى اليوم، وعلى الرغم من ذلك فإن حقبة الأربعينيات والخمسينيات من القرن الماضي شهدت تحرك المظاهرات الشعبية بمبادرة من المثقفين، فغيرت السياسات وأسقطت الوزراء وأزالت الحكومات، ولكن أدى تصاعد حدة تأثير الانقسام والغيبوبة على المثقفين إلى زيادة سطوة الدولة، فتنوعت كتابات مثقفي الغيبوبة وجرت في تيارات مختلفة، وجرى فرز واضح لأنواعها على الساحة الإعلامية، في ظل هشاشة واضحة في بنائها الفكري والثقافي.
حيث نجد اليوم أن كتابات وأحاديث وحوارات المثقفين العرب لا تخرج عن إطار أربعة تيارات مختلفة ومتباينة، تشمل:
* "تيار الاجترار"، حيث يجتر المثقف مجموعة ثابتة من المفردات والشعارات الجذابة، ويظل يكررها في كل لقاء صحفي أو تلفزيوني أو إذاعي، بل ويطرحها على موقعه على شبكة المعلومات العالمية "الإنترنت"، في ظل سيادة مفهوم أن التكرار يعلم "الشطار"، لذلك فلا ضير من اجترار ما سبق أن كتبه مع تغيير الألفاظ والمسميات، ودس الشعارات الجوفاء وارتفاع وتيرة الحديث وزجه ببعض الألفاظ البذيئة، على اعتبار أن ذلك كافٍ لجذب المستمع أو القارئ أو المشاهد، فالعرب ظاهرة "صوتية".
* "تيار الماضي"، ويتبع أصحاب هذا التيار مقولة إن العرب لا يقرؤون وإذا قرؤوا ينسون، لذلك فإن التمسك بما كتبه أو قاله في الماضي يعني تمسكه بثوابته من جانب، كما أن إعادته لن تؤثر في شيء لأن القارئ العربي فقد اهتمامه وثقته في كل شيء، وبات منشغلاً بأولويات أخرى "ترفيهية ومسلية" تشغله عن همومه ومعاناته اليومية، وافتقاده لأي أمل في الإصلاح.
* "تيار السبوبة"، حيث نجد أن أصحاب هذا التيار يملؤون فراغات الصحف وساعات البث الإذاعي والمرئي بأي شيء وكل شيء، فهي كلمات متراصة لا تعني شيئاً، فالهدف هو لقمة العيش، ولا يضيرهم شيء إذا كانت إسهاماتهم تؤثر في المتلقي من عدمه، كما لا يعنيهم ما يقال عنهم فالهدف واضح والطريق إليه "رص الكلمات".
* "تيار الإدمان"، من الواضح أن أصحاب هذا التيار مدمنو كتابة، والإدمان مرض يصعب بل يستحيل الفكاك منه إلا في ظل علاج قاس وظروف معينة، لذلك فهم يلعبون على الحبال كلها ويمدحون من يدفع أكثر، ويخلصون لصاحب الكرسي، لأنه جواز المرور لاستمرارهم في الكتابة، فتراهم متمسكين بمبدأ "مات الملك عاش الملك".
بعد أن استعرضنا التيارات الأربعة المعبرة عن كتابات وأحاديث وحوارات المثقفين العرب، نجدهم ينقسمون إلى أربعة أنواع من المثقفين:
أولاً: "المثقف المتخفي"، وهو نوع من المثقفين نجحت السلطة الحاكمة في تجنيدهم، فباتوا بوقاً لها في وسائل الإعلام مدافعين بحق ودون حق عن أفعالها وسياساتها وجرائمها، ولتذهب إلى الجحيم الليبرالية والديمقراطية وحقوق الإنسان وحقوق المرأة والحريات، وهذا النوع من المثقفين العرب يعتبر نفسه أحد جنود السلطة، لذلك فهو لا يملك أية رؤى أو قدرة على أن يخرج بجديد، فبات أحد عناصر أزمة الحكم في العالم العربي.
ثانياً: "المثقف المستأنس"، وهو المثقف المتطوع ذاتياً للدفاع عن النظام الحاكم دون أن يطلب أحد منه ذلك، وفي أغلب الأحوال دون قناعة ذاتية بما يكتبه، فهو يبذل كل ما يستطيع لتبرير ما يصنعه النظام لأنه أحد صور "عبده مشتاق"، الذي ينتظر أن يحصل على مكافأة ما يقوم به رغم افتقاده أية مؤهلات ثقافية وفكرية سوى إصراره المستميت للدفاع عن النظام الحاكم، لذلك تجده حاضراً في وسائل الإعلام بأنواعها ولا يهتم بما يقول أو يكتب... فهو خبير في كل شيء يتعلق بالنظام ومصالحه وتوجهاته، ويحفظ من المبررات ما يملأ مجلدات، ويتميز بعلو صوته ووقاحة أسلوبه، ويعتبر نفسه "لا يكذب ولكنه يتجمل" من أجل أن يستمر على الساحة الإعلامية.
ثالثاً: "المثقف الانفتاحي أو المخصخص"، وهو المثقف الذي عنده كل شيء بثمن، فهو يخدم من يدفع، "خصخص" قلمه بعد أن توقفت أفكاره وثقافته ومعارفه منذ عقود مضت عند قضايا بعينها يتاجر بها كلما دعت الحاجة، ولا يهتم بتطوير معارفه ومداركه، لأنه منشغل بجمع المال واستثماره والبحث عن الزبائن، ويتظاهر بمعرفته بكل شيء من "الإبرة" إلى "العولمة"، لذا فإنه يرى الفساد "اجتهاداً"، والرشوة "مكافأة" عمل إضافي، والقمع أفضل طريق للحفاظ على "الأمن" والدفاع عن "مصالح الدولة"، والاستماتة في التمسك بالمنصب "إنجازاً عبقرياً" يستحق الثناء والتكريم.
رابعاً: "المثقف المحنط"، هو الذي يعيش ماضيه في حاضره، ويعتمد على إرث ماضيه حيث انغلق على فكره المتقادم، ويرى في ذلك أصالة وتراثاً يجب التمسك بهما والحفاظ عليهما، توقف قطار معرفته عند الزمن الماضي، ويشعر أنه يجلس على كرسي التميز ينتابه شعور بأنه ليس في الإمكان أحسن مما مضى وكان، لذلك فهو يرفض أن يواكب تطورات العصر بمعطياته وأدواته وآلياته، وكأنه يعيش في ثقافة أهل الكهف، وظلمة التحنيط.
وعلى الرغم من أن المثقفين العرب بأنواعهم كافة في غيبوبة، إلا أنه يجمعهم عامل مشترك هو السباق اليومي للظهور في وسائل الإعلام بأنواعها، والمدهش أنهم على قناعة داخلية بأنهم سبقوا عصرهم، والأغرب من ذلك أن وسائل الإعلام تفتح لهم أذرعها دون اهتمام بالمضمون أو المحتوى الذي يعرضونه، فالمهم هو ملء الفراغ بين برامج التسلية والترفيه، ومساحات الورق بين أخبار الرياضة والفن، وساعات الإرسال الإذاعي بين الأغاني الهابطة والصاعدة... ثم لماذا نقصر حديثنا عن غيبوبة المثقفين وكأنها ظاهرة منفصلة عن محيطها وبيئتها، فالعالم العربي بأسره مغيّب وخارج الزمن؟!