المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبناء الطبقة الوسطى يبيعون ممتلكاتهم ويغادرون العراق بأعداد كبيرة



سمير
05-20-2006, 09:10 AM
رجل أعمال: نحن مثل الغنم في مذبح

1.8 مليون جواز سفر جديد

شيخ قبيلة: الموقف اشبه بإنجاب طفل مشوه

بغداد: سابرينا تافرنيز*


http://www.aawsat.com/2006/05/20/images/feature.363968.jpg


تتكرر الوفيات في حياة أسرة بهجت بسرعة، أربعة من الجيران، حلاق، ثلاثة بقالين. رجلان يديران محلا لبيع العملات.
ولكن عندما اقتحم 6 رجال مسلحين مدرسة ابنهم الابتدائية هذا الشهر، وأطلقوا النار على حارسها فقتلوه، وتركوا خلفهم منشورات تأمر بإغلاق المدرسة، عرف أسعد بهجت ان الوقت قد حان للمغادرة.

وقال بهجت الذي كان واقفا في غرفة مليئة بالحقائب وأثاث غرف النوم في شرق بغداد «الامر الرئيسي الآن هو الخروج من العراق».

وفي أحدث الادلة على الصعوبات التي يواجهها العراقيون في حياتهم اليومية، بدأت أعداد متزايدة من أبناء الطبقة المتوسطة في بذل كل ما يمكنها لترك البلاد. ففي العشرة أشهر الاخيرة، أصدرت الدولة جوازات سفر جديدة لـ 1.85 مليون عراقي، أي 7 في المائة من اجمالي السكان، و25 في المائة من أبناء الطبقة المتوسطة.

ويشير نظام التعليم الى دليل آخر: منذ عام 2004، بعثت وزارة التعليم 39554 رسالة تسمح فيها لأولياء الامور بالحصول على شهادة بالسجلات العلمية لأولادهم للخارج. وتضاعف عدد مثل هذه الخطابات في العام الماضي عن العام الذي يسبقه، طبقة لمدير إدارة الامتحانات في وزارة التعليم. ويحدد المسؤولون العراقيون والمنظمات الدولية عدد العراقيين في الاردن بما يقرب من مليون مواطن، بينما زاد عدد العراقيين في المدن السورية.

وبعدما أدى تفجير الاضرحة في سامراء الى إثارة مصادمات طائفية، انتشرت الجرائم وعمليات القتل في المجتمع العراقي بدرجة أكبر، وشلت الاحياء السكنية وشتت الاسر. والآن ومع الاستعدادات لحكومة جديدة يعبر العراقيون عن وجهات نظر متشائمة للغاية عن مستقبلهم في الاعوام الثلاثة القادمة. وذكر رجل اعمال يستعد للانتقال للعراق «نعم مثل الغنم في مذبح للحيوانات. ننتظر دورنا». وقد ادت تفجيرات سامراء الى نوعية جديدة من العنف الطائفي. فقد قامت عصابات من الشيعة في بغداد بإخراج السنة من منازلهم ومساجدهم وقتلتهم في عمليات أدت الى هجمات انتقامية وتشريد 14 الفا و500 اسرة في ثلاثة شهور، طبقا لوزارة الهجرة.

وتشير أسر الطبقات المتوسطة إلى ان ما يثير مخاوفهم أكثر هو محدودية ما قامت به الحكم لوقف العنف. وقد اثر الفشل على المستقبل، وجعلهم ذلك يعتقدون ان الحكومة غير قادرة على حمايتهم، والأسوأ من ذلك، انها (الحكومة) ربما سهلت عمليات القتل. اذ اتهمت القوات الحكومية الواقعة تحت السيطرة الشيعية بتنفيذ عمليات قتل طائفية.

وذكر منقذ عبد الرزاق، وهو سني من الطبقة المتوسطة، قرر الرحيل بعد التفجيرات «لقد أصبحت معزولا الآن. ليست لدي حكومة ولا حماية من الحكومة. ويمكن لأي شخص الحضور لمنزلي وقتلي وإلقاء جثتي في القمامة».

وتنتشر آثار مغادرة البلاد في الحياة اليومية. فقد أشار عبد الرزاق، الذي سينقل أسرته الى سورية في الشهر القادم، حيث استأجر شقة، الى وقوع مشاجرة بالأيادي خلال انتظاره لخمس ساعات في مكتب مزدحم للجوازات لتقديم طلب لولديه الصغيرين. وفي الصالحية، وهي منطقة تجارية في وسط بغداد، ذكرت شركات الحافلات المتخصصة في الرحلات الى سورية والأردن ان مبيعات التذاكر زادت زيادة كبيرة. وأوضح كريم العاني الذي يملك واحدة من تلك الشركات، وهي شركة تايغر ان اليوم المزدحم بالعمل كان يعني في العام الماضي ثلاث رحلات يوميا، ولكن في الشهور الاخيرة اقترب عدد الرحلات اليومية من 10 رحلات، وأضاف: «قبل ذلك كانت نسبة كبيرة من المسافرين من السياح، أما الآن فننقل كل شيء حتى الأثاث».

ويمكن ملاحظة تأثير ذلك في الاحياء هنا. ففي الوقت الذي تزدحم فيه معظم أحياء المدينة خلال ساعات النهار، فإن المناطق التي تعرضت للمشاكل، مثل أحياء الجنوب وفي العامرية والغزالية والخضرا في الغرب، تصبح خالية مع منتصف النهار. وفي العمارة السكنية التي يقيم بها بهجت في الدورة توجد خمس شقق فقط من بين 40 شقة مأهولة. ومعظم الشقق والمساكن الخالية عليها عبارة «كتيبة عمر»، وهي جماعة سنية تقتل الشيعة.

ومن المعروف ان السكان كانوا يحتجون، على الاقل على الورق. ففي تصرف يعبر عن اليأس، وضعت لافتة ضخمة عبر منزل في الدورة عليها عبارة «هل يوافق الله والإسلام على انتقالي للعيش مع أولادي الخمسة وزوجتي في معسكر؟». وقالت ايلين بهجت، زوجة أسعد، في وصفها لما تبقى في الحي «مجرد ظلال وقتل».

وفي الدورة، وهي واحدة من أسوأ المناطق في كل بغداد، توقفت الحياة العامة. فقد قتل 4 مدرسين في الأيام العشرة الماضية في المنطقة التي يعيش فيها بهجت.

وربما لن تتمكن، مدرسة أحمد الوائلي التي يدرس فيها ولدا بهجت، 12 و8 سنوات، من عقد امتحانات بسبب القتل. كما أطلق النار على ثلاثة مدرسين في مدرسة الباتول الثانوية في اواخر شهر ابريل (نيسان).

كما يتم جمع القمامة بطريقة غير منتظمة. ففي 3 ابريل الماضي، أطلق المتمردون النار على سبعة من جامعي القمامة فقتلوهم بالقرب من عربة جمع القمامة. وبقيت جثثهم لمدة 8 ساعات قبل أن تتمكن السلطات من نقلها، طبقا لما ذكره نعيم الكعبي، نائب العمدة لشؤون البلديات في بغداد. وقتل 312 من عمال جمع القمامة في بغداد في الستة أشهر الماضية في بغداد وحدها.

وقال بهجت، وهو مسيحي، نقل أسرته الى منطقة سكنية تعرف باسم بغداد الجديدة في شرق العاصمة للإقامة مع اقارب، «سنة، شيعة، مسيحيون، يريدون تفريغ المكان من سكانه. علينا أن نبدأ من الصفر، ربما من تحت الصفر. ولكن لا يوجد اختيار آخر. وحتى مع مرور الوقت لن يتحسن الأمن».

وتجدر الاشارة الى ان القتل ليس هو الأمر الوحيد الذي قضى على أي أمل في المستقبل. فقد انتظر العراقيون لمدة خمسة اشهر لتشكيل حكومة دائمة، بعد التصويت في انتخابات عامة في شهر ديسمبر (كانون الأول)، وبالرغم من ان القيادات السياسية على ابواب الاعلان عن حكومة جديدة، فإن بعض العراقيين يقولون ان حجم الجدل الذي استغرقه تشكيل الحكومة يجعلهم يشكون في انها ستتمكن من حل المشاكل الاكبر.

وقال عبد الكريم المحمداوي، وهو من شيوخ القبائل من العمارة في جنوب العراق، الذي قاتل لسنوات طويلة ضد صدام حسين، ان الموقف يشبه «إنجاب طفل مشوه».

وكما أنه يؤكد وجهة نظره، تبلور مشهد من مشاهد الحزب خارج منزل المحمداوي، حيث اجتمع افراد اسرته، ليحاولوا أن يستوعبوا خبر قتل واحد من ابناء الاسرة عمره 13 سنة على يد خاطفين.

وبالرغم من قرار العديد من الاسر بمغادرة العراق، فإنهم يشيرون الى ان المغادرة مؤقتة ويأملون في العودة اذا ما اتحدت الجماعات العراقية وأوقفت تيار القتل.

وتبيع الاسر السيارات والاثاث، ولكن هؤلاء الذين يمكنهم تحمل الموقف من الناحية المادية، مثل اسرة عبد الرزاق يحتفظون بممتلكاتهم. ففي الخضرا في غرب بغداد قضت نسمة عبد الرزاق زوجة بهجت الشهور الماضية تغلف صور العائلة والفازات والاثاث وتضعها في صناديق. وتحدثت عن حزنها للغرف الخالية والالم الذي تشعر به لاضطرارها لبناء حياة جديدة في مكان غريب.

وقالت نسمة في حديث بالهاتف، حيث المنطقة التي تعيش فيها غير آمنة بالنسبة لمراسل غربي «يعتريني الغضب. وأشعر بالأسى. لا أريد مغادرة بغداد. ولكن يجب أن افعل ذلك من أجل الأولاد. لقد شاهدت ما فيه الكفاية».

وفي مسكن هادئ في المنصور، وهو حي للطبقة الثرية، حيث تنتشر القصور، تقضي أسرة كبة معظم وقتها في الداخل. وقد استمروا في حياتهم التي اعتادوها: فثلاثة من الاولاد يدرسون الكمان، والفلوت، والباليه في مدرسة للفنون خارج الحي بالرغم من انتشار العنف.

وفي الخريف الماضي، قادت رائحة عفنة الجيران الى جثث سبعة من ابناء اسرة واحدة في منزل يبعد عدة منازل عن منزل الكبة. وتبين انهم تعرضوا لحادث سرقة. وفي العام الماضي ذهب فهد كبة، وعمره 15 سنة، لشراء خبز وشاهد تجمعا للناس بالقرب من المخبز، واعتقد انهم يشاهدون مباراة في الطاولة وعندما اقترب شاهد رجلا قتل لتوه.

الا ان الطبيعة الطائفية المتزايدة للعنف، وهو أمر يثير أسى العراقيين الذين يفتخرون بتراثهم من التزواج بين ابناء الطوائف الاخرى، هو الذي دفع فالح كبة وزوجته سميرة الى التفكير في مغادرة العراق مع اولادهم، فهد ورولا 13 سنة، وهيا 12 سنة.

وذكر كبة، وهو رجل اعمال زوجته سنية «لقد أقنعتنا الشهور القليلة الماضية، انهم يريدون القتل على الهوية. قتل الاميركيين كان مختلفا، ولكن على الهوية، لا يمكنك الانتقال في الشوارع».

وأضاف: «في البداية قلنا يجب الانتظار، ربما ستتحسن الأمور في الغد. والآن اعرف ان الوقت قد حان للمغادرة».

* شاركت منى محمد وصابر نجيب وقيس مظهر في هذا الموضوع

* خدمة «نيويورك تايمز»