المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الوهم: أخطر أمراض المثقفين! ......أنيس منصور



جمال
05-18-2006, 06:49 AM
بقلم / أنيس منصور


لا بد أن يكون لي أصدقاء من الأطباء من معظم التخصصات، فأنا موسوس، أتوهم الإصابة بأي مرض من مجرد رؤية مريض أو الجلوس معه، وخصوصاً إذا كان مزكوماً، وكان بعض الناس يتصور أنني أبالغ أو أتوهم أو أتصنع ذلك، ولكن يكفي أن يعطس أحد وفي لحظة أكون قد عطست، فعندما قيل لي إن الرئيس نميري مزكوم وأنه لا داعي للأحضان والقبلات، فلم أكد اقترب منه حتى عطست مع أنه لم يكن مزكوماً، وإنما كانت مداعبة من الرئيس السادات لتكون المفاجأة المضحكة، ومرة أخرى عندما كان لا بد أن أقابل مناحم بيجين برسالة من الرئيس السادات، وفوجئت به يعطس فعطست، ولم يكن مزكوماً وإنما هي مداعبة خشنة!

وكان أصدقائي الأطباء ـ ولا يزالون ـ يتوقعون أن أصاب بأعراض أي مرض، فإذا طلبت واحداً منهم ودون أن يسألني عن صحتي أو عن أي شيء آخر فإنه يقول: لا داعي للشرح، تعال أنا في انتظارك!

وكان يطاوعنا في هذه الأوهام أكبر أطباء الأمراض الباطنية الدكتور أنور المفتي، وكان أكثر الناس تردداً عليه كاتبنا الساخر محمود السعدني وأنا، وقبل أن نذهبا إليه يدور حوار بيننا ليعرف كل منا ما الذي يشكو منه، وكانت شكوانا واحدة: المصران الغليظ العصبي، أو مرض المثقفين أو مرض البيروقراطية، أي الذين يجلسون مشدودين إلى مكاتبهم، تماماً كما يفعل أستاذنا عباس العقاد، فهو إذا جلس وضع يده على بطنه، على مصرانه، وإذا ضحك وضع يده على مصرانه وإذا قام وإذا جلس. وكان الدكتور أنور المفتي يؤكد لنا ـ ولا نصدقه ـ أننا مصابون بوهم مرضي، وأنه لا صحة لأوهامنا هذه، وقرر في يوم من الأيام أن يؤكد لنا صحة رأيه، ذهبنا إليه، طلب مني أن أتمدد على السرير، وأنه سوف يضع يده ويضغط برفق على بطني، وقال: إذا أوجعتك فقل لي، وقلت له: آه.. وطلب مني أن أنظر ورائي، لقد كان الطبيب بعيداً، وهو لم يلمسني، وتكرر نفس الشيء مع محمود السعدني!

ثم قرر أن يكتب «روشتة» وكانت طويلة جداً، وطلب منا أن نتناولها بمنتهى الدقة وفي ساعة محددة وأن نجيء إليه بعد ثلاثة أيام، وجئنا في غاية السعادة والراحة والنوم الهادئ، وكان رد فعل د. المفتي أن ضحك وأضحك علينا مصر كلها، فقد روى ما حدث، أما العقاقير التي كتبها وأوصى بتناولها فهي: فحم + عسل نحل + حبوب ملينة، ولها أسماء مختلفة لا أكثر ولا أقل، وهي ليست عقاقير طبية وإنما هي نباتية ولسنا في حاجة إلى طبيب. توفي الدكتور أنور المفتي، وبقي أطباء آخرون يكتبون نفس الروشتات ولنفس الوهم!