المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الإنترنت يكشف فضيحة عالم صيني أراد أن يلحق بالغرب



سلسبيل
05-16-2006, 07:43 AM
http://www.aawsat.com/2006/05/16/images/news.363432.jpg


من بطل قومي في مجال المعلومات الرقمية إلى «حقير» بدون امتيازات


شانغهاي: ديفيد باربوزا *


قبل فترة قصيرة بدأت الصين ترى نفسها أنها على وشك تحقيق طفرة تكنولوجية. لكن يبدو أنها اليوم تحت تأثير صدمة كبيرة وتشعر بالخجل، بسبب الفضيحة التي بدأت تشوه هذه النظرة. حدث ذلك بعد أن أصبح تشين جن عالم الكومبيوتر بطلا قوميا في عام 2003، حينما قال إنه ابتكر رقاقات إشارات رقمية هي الأولى من نوعها في الصين بالنسبة للكومبيوترات الصينية، حيث تستطيع أن تعالج المعلومات الرقمية على الهواتف الجوالة والكاميرات والأجهزة الإلكترونية الأخرى. وبدا اكتشافه هذا وكأنه يملأ فراغا كبيرا يفصل ما بين الغرب والصين، في مجال العلوم والتكنولوجيا.

لكن الحكومة الصينية قالت، يوم الجمعة الماضي، إن كل ذلك كان مجرد احتيال. فكل ما قام به العالم المتميز في جامعة جياتونغ، كان مجرد سرقة تصاميم رقاقة من شركة أجنبية ثم قدمها باعتبارها من ابتكاره.

لكن تشين الذي لم يعترف بعد بقيامه بأي عمل خاطئ تجنب التعليق بأي شيء حينما تم الاتصال به يوم الأحد الماضي وقال «هذا هو الوقت غير المناسب للتحدث فيه».

وفي مجتمع، حيث الشرف يمتلك أهمية كبيرة، وحيث الخجل من الافتضاح عميق في النفوس كان لقصة تشين صدى كبير. والآن وبعد كل التكريم الذي منح للعالم، الذي يبلغ السابعة والثلاثين والذي عاد من الولايات المتحدة إلى الصين مع شهادة دكتوراه من جامعة تكساس قبل ستة أعوام، بدأ الناس هنا يتساءلون في ما إذا كانت الصين تدفع بأبنائها المبدعين كثيرا في حقل الابتكار للحاق بالغرب. وهم يتساءلون في ما إذا كان سقوط تشين يجسد مثالا حول كيفية إجبار الأشخاص الناجحين والأذكياء في الصين، كي يقلصوا من جهودهم عبر طرق قصيرة لتلبية أهداف الأمة الصينية الكبيرة.

قال باي روين، المتخصص بالإعلام من الصين، الذي يعمل حاليا في جامعة الينويس «هناك تنافس على مستوى الوطن في الصين وهناك توقعات عالية جدا من الأكاديميين العائدين من الغرب. وتُدفع لهم عادة رواتب كبيرة كحافز للانجاز. وبالمقابل يُتوقع من الباحثين أن يقدموا نتائج ملموسة». وظلت الصين مكانا شهيرا لسرقة وخرق ملكية الابتكارات ولسرقة التكنولوجيا والمهارات من الغرب، لكن فجأة تغيرت الأشياء بسبب التكنولوجيا، خصوصا مع توفر الإنترنت الذي جعل من السهل تقصي أي سرقات في هذا الميدان.

بدأ سقوط تشين في ديسمبر (كانون الاول) 2005، حينما نشر شخص رسالة على الإنترنت، ومعها بدأ التحقيق الذي قامت به الحكومة وجامعته، وانتهى يوم الجمعة الماضي حينما طرد تشين من مناصبه في جامعة جياوتونغ وسحب منه كل التكريم والامتيازات.

وعلى الرغم من أنه غير معروف في الغرب فإن تشين يعتبر أكثر العلماء ذكاء في الصين. وتسلم منحة كبيرة من بكين ليرأس معهد بحوث، وكان رئيسا لأكثر الجامعات الصينية شهرة، بل وحتى رئيس الوزراء وين جياباو زار مختبره.

والآن تسميه جامعته بـ«الحقير»، واكدت بكين أنه لن يسمح له مرة أخرى بالقيام ببحوث خاصة بالحكومة.

حينما أعلن تشين نتائج بحوثه في سلسلة من المؤتمرات الصحافية، عامي 2003 و2004 كان يبتسم للكاميرات وحمل في يده صفيحة تمثل رقائق الكومبيوتر الجديدة، وكتب فوقها «هانكسن»، التي تعني رقاقة الصين. واعتبرت الصحف انجازه نقلة كبيرة ستساعد على إنهاء الهيمنة الغربية على صناعة الرقائق. ويظل هذا السؤال مطروحا اليوم: كيف تمكن تشين وفريقه من إقناع الأمة الصينية؟ وليس معلوما في ما إذا كان هو أو أي من أعضاء فريقه سيواجهون تهما جنائية.

وقال يانغ يونيكسيا، الذي يعرف تشين والعامل في مايكروسوفت: «إنه شخص ذكي جدا». لكن مسؤولين من صناعة الرقائق، قال إن الضغط المفروض على العلماء الصينيين فظيع جدا، والهدف هو دفعهم لإنتاج رقائق كومبيوتر صينية. وقالوا إن الحكومة جعلت الأسبقية لهذا الهدف.

وحسب زملاء سابقين لتشين فإنه ولد في اقليم فيوجيان الساحلي عام 1968 مع شقيق توأم. وحصل على شهادة البكالوريوس من جامعة شانغهاي، ثم ذهب إلى الولايات المتحدة عام 1991 لدراسة هندسة الكومبيوتر في جامعة تكساس.

وفي عام 1998 حصل على شهادة الدكتوراه هناك، عندما كان يعمل في مركز أبحاث أوستن التابع لشركة موتورولا. وبينما كان في تكساس كتب عددا من الأبحاث العلمية مع جاكوب أبراهام، أستاذ هندسة الكومبيوتر والمشرف على رسالته لنيل الدكتوراه. وقال البروفيسور ابراهام بالهاتف «كان طالبا جيدا. وكان بحثه لنيل الدكتوراه يشتمل على عدد من الأفكار المبتكرة لاختبار الدوائر المتناظرة».

وفي عام 2000 ابلغ «البورتلاند أوريغونيان»، انه كان يقلص من راتبه البالغ 80 ألف دولار في موتورولا للعودة الى الصين. وعند عودته الى وطنه عمل في مركز أبحاث سوزو التابع لموتورولا، ليس بعيدا عن شنغهاي، قبل ان يحصل على وظيفة في جامعة جياوتونغ، التي درس فيها الرئيس السابق جيانغ زيمين.

وعندئذ كان تصميم رقاقة معالجة اشاراتية رقمية فعالة، قد أصبح اولوية بالنسبة للحكومة. وكانت شركة تكساس انسترومنتس متقدمة في هذا الحقل. ولم تكن هناك شركة صينية ناجحة تماما.

وخلال سنتين أعلن تشين ما قال انه ابتكاره: رقاقة معالجة اشاراتية رقمية يمكن ان تعالج 200 مليون من التعليمات في الثانية.

وعقد تشين ومسؤولون حكوميون رفيعو المستوى مؤتمرا صحافيا في فبراير (شباط) 2003 للاعلان عن انجازه. وظهرت العناوين الرئيسية في الصحف «تطوير رقاقة رقمية في البلاد» و«الصين تحقق اختراقا في تطوير الرقائق».

وقالت بعض المقالات ان الصين كانت تنفق مليارات الدولارات على شراء الرقائق الاجنبية الصنع، لاستخدامها في المعدات والأجهزة الإلكترونية. واشاروا الى ان الصين تستطيع، الآن، استخدام رقائقها الخاصة. وسمي تشين العميد المؤسس لمعهد المايكروإلكترونيك في جياوتونغ. وكان يدير مركز ابحاث جامعيا. وحصل على تمويل هائل من الحكومة. وحصل على لقب باحث تشانغ جيانغ، وهو لقب يتضمن امتيازات تمنحها بكين لمجموعة مختارة من أفضل العلماء الشباب في الصين، وكان في الخامسة والثلاثين من عمره انذاك. ومنذ ذلك الوقت، كان تشين يشرف على مختبر يضم ما يزيد على 100 من الباحثين واقام شركاته الخاصة. ووفقا للصحافة الرسمية يقوم عدد من هذه الشركات بتصميم الرقائق، بينها واحدة تتخذ من تكساس مقرا لها، وقد تأسست بمساعدة زميل دراسة سابق من تكساس. وعندما أعلن رقاقة هانكسن 2 و3 الأسرع كانت وزارة التعليم ووزارة العلوم والتكنولوجيا واللجنة القومية للاصلاح والتنمية وحكومة شنغهاي تساعد في تمويل عملياته. وقالت تقارير الصحف الصينية، ان هناك طلبات على ثلاثة ملايين ونصف المليون من الرقائق. مع صفقات محتملة مع شركات كبرى مثل آي بي أم.

ووفقا لتلك التقارير، فانه في وقت لاحق من العام الماضي تقدم كاشفو الفضائح، فقد بدأ بعض الزملاء ممن كانت لهم نزاعات مع تشين، الاتصال بالحكومة، وزعموا ان مهاجرين أجانب ازالوا اسم موتورولا من رقاقة ووضعوا اسم هانكسن. ومن المفترض ان تكون النسخة الأولى من هانكسن رقاقة شركة أجنبية، وهي التي أمكن لتشين أو مساعد له اعطاء مواصفاتها لشركات تصنيع من أجل انتاج واسع لها تحت اسم هانكسن.

وقدم الكاشفون تفاصيل طائفة من الشركات التي كان تشين يديرها للاستفادة من العقود الكبرى للحكومة التي تسلمها، بما في ذلك شركة تدعى انسوك، وهي مسجلة في أوستن. وفي الحقيقة كانت هناك تقارير صحافية طويلة حول فضيحة الرقاقة قبل فترة طويلة من اكمال التحقيق الحكومي هذا العام.

غير أن وكالة أنباء الصين الجديدة الرسمية أفادت بأن الحكومة توصلت الى ان تشين، كان قد زور النتائج. وألغت الحكومة في بكين مشروع هانكسن وطلبت سحب جميع التمويلات العلمية. وقال ريد هوندت، الرئيس السابق للجنة الاتصالات الفيدرالية، ومؤلف كتاب سيصدر قريبا تحت عنوان «في ظل الصين: أزمة المشاريع الأميركية الجديدة»، قال في مقابلة معه يوم اول من امس ان «المشكلة الأساسية تتمثل في ان الحكومة الصينية لم تؤسس حكم القانون في ما يتعلق بالأبحاث والتطوير». وقال انه ينظر الى قصة تشين باعتبارها قصة تحذيرية.

وفي يوم الأحد الماضي وفي حرم جامعة جياوتونغ، عبر عدد من الطلاب عن فزعهم من الفضيحة، وقلقهم بشأن تأثيرها على سيرهم المهنية، ولكنهم تساءلوا أيضا عما اذا كان هناك تمييز غير عادل لتشين في بلد تبدو فيه الفضائح الأكاديمية وباء منتشرا.

وقال الطالب وو الذي طلب عدم الاشارة الى اسمه الأول خشية من التمييز ضده ان «البروفيسور تشين سيئ الحظ فعلا. فقد كذب وكشف عنه. أعتقد أن هناك اشخاصا آخرين يزورون ابحاثهم، ولكن لم يكشف عنهم حتى الآن. وربما لا يعتبر الأسوأ».

وقال الطالب وانغ، الذي طلب هو الآخر عدم الاشارة الى اسمه الأول للسبب ذاته «لم أفاجأ بالفضيحة. ففي الوقت الحالي يوجد كثير من الأساتذة ممن يشبهون رجال الأعمال. فهم جيدون في الحديث والترويج، ولدى كثير منهم شركاته الخاصة وهم يحققون ما امكنهم من أرباح».

وفي مكتب تشين الذي كان يعمل فيه، وقرب الباب كانت هناك صورة فوتوغرافية كبيرة له وهو يقوم بجولة في مختبر أبحاثه مع مسؤولين كبار، بمن فيهم الزعيم السابق لهونغ كونغ ورئيس الوزراء.

* خدمة «نيويورك تايمز»