جمال
05-12-2006, 08:25 AM
مرحبا ألف ِِ بأخي عبداللطيف العتيقي.
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/12-5-2006//165806_100005_small.jpg
الشريف
12/05/2006
بقلم: أ.د. محمد عبدالغفار الشريف
ارسل الي اخي الحبيب، الاديب الاريب عبداللطيف بن سيف العتيبي ادام الله بقاءه واعلى في الدنيا والآخرة مقامه، تحية عطرة عبر جريدة 'القبس'.. بتاريخ 3/5/2006 اعادت الي الامل ببقاء الخلق الكريم في صفوف العاملين في حقل الدعوة، فهو لم يلمز، ولم يطعن، ولم ينتقص، مخالفه ليظهر نفسه، بل تمثل قول الحق 'وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن، ان الشيطان ينزغ بينهم، ان الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا'.
قال سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، 'ان المؤمن ليختار اطايب الكلام كما يختار احدكم اطايب الثمر فعسى ان يكون قدوة للآخرين'.
واستجابة لقوله تعالى 'واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها او ردوها' خططت رسالتي هذه اليك والتي اقول فيها:
الحرية أساس دعوة الإسلام
جاء في خبر وفادة ربعي بن عامر -0 رضي الله عنه - على رستم قائد الفرس انه سأله: ما جاء بكم؟ قال ربعي 'الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام (البداية والنهاية 7/39) وكلنا نردد قول عمر - رضي الله عنه 'متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا' يقولها لواليه، في مواجهة قبطي غير مسلم!!
نعم، انها حرية، ولكنها حرية مسؤولة، قال تعالى 'ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد' ومن مسؤولياتها ان تشهد لصالح الحق بحقه، ولو على نفسك، قال تعالى 'ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى'، ومن اسؤأ الاستعباد ان تستعبد عقلك لاي انسان كان، لان الانسان يخطئ ويصيب، الا الانبياء المعصومين عليهم الصلاة والسلام، ولذا لا يتحاكم المؤمن الا الى الوحيين - الكتاب والسنة - اللذين تكفل الله - تعالى بحفظهما، ثم يأتي الاجماع، الذي شهد له المصطفى عليه وعلى آله افضل الصلاة والتسليم - بالعصمة، ولا بد ان يكون مستند الاجماع الكتاب او السنة، كما هو معلوم عند الاصوليين.
اما اقوال الرجال فليس قول احد حجة على غيره، بل يلزمه هو ومن يقلده.
ولذا اسمح لي ومن خلقك السماحة ان اقولها وبكل صراحة بان الامام ابن تيمية رحمه الله، ليس حجة الله على الناس، بل هو عالم من علماء المسلمين، يصيب ويخطئ فإن اصاب فحيهلا والا فقوله مردود عليه، 'والحق احب الينا من شيخ الاسلام'.
عتاب أخوي:
قال الشاعر: ويبقى الود ما بقي العتاب
اما عتبي اخي انك لم تنقل كلامي في الموضوع الذي عاتبتني فيه كاملا، ولذا سأورده لك غير متجزأ كما ورد في كتاب ثقافة الامة للهيئة الخيرية ص82 قلت، حفظك الله - بعد الشكر ما يلي: بعد ان ذكرت ان من المهم حتى نتعرف على الآخر ان نقرأ في تراثه، ثم ضربت مثلا بابن العربي - رحمه الله فقلت: 'كنا سابقا يخوفوننا من اسم ابن عربي كثيرا، وكنت اتحاشى كتبه، حتى ملكت بعض كتبه فوجدت نفسي اقف امام طود عظيم، عقلا وثقافة شرعية، وان كان كل انسان لا يخلو من الاخطاء، واضع خطا كبيرا تحت 'عقلا وثقافة شرعية'، وتحت 'وان كان كل انسان لايخلو من اخطاء'.
كلام العلماء في الشيخ الاكبر:
وانقل لك كلام امام من ائمة الجرح والتعديل، وهو الامام الذهبي، رحمه الله، تلميذ ابن تيمية، يقول الذهبي في كتابه 'التاريخ الكبير في حوادث 638' سنة وفاة الشيخ الاكبر - رحمه الله، بعد ان يذكر ماله وما عليه، وان كنا لانسلم له كل ما قاله، و'لابن العربي توسع في الكلام وذكاء وقوة حافظة وتدقيق في التصوف، وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحات كلامه وشعره لكان كلمة اجماع، ولعل ذلك وقع منه في حال سكره وغيبته (مصطلحان صوفيان) فنرجو له الخير (وانظر ما ذكره في الميزان وفي السير).
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي وهو من تلاميذ ابن تيمية، بعد كلام طويل: وقفت على كتابه الذي سماه 'الفتوحات المكية' لانه صنعه بمكة، وهو في عشرين مجلدة بخطه، فرأيت اثناءه دقائق وغرائب ليست توجد في كلام غيره، وكأن المنقول والمعقول ممثلان بين عينيه في صورة محصورة يشاهدها، متى اراد اتى بالحديث او الامر ونزوله على ما يريده، وهذه قدرة ونهاية اطلاع وتوقد ذهن وغاية حفظ وذكر، ومن وقف على هذا الكتاب علم قدره، وهو من اجل مصنفاته (الوافي في الوفيات 4//174).
فهل ترى قولي خرج عما قاله هذان الامامان الجليلان تلميذا ابن تيمية رحمهم الله جميعا؟!
بل ارى انني قصرت كثيرا عما قالا في حقه!
عقيدة الشيخ الأكبر:
قال الصلاح الصفدي - رحمه الله - في الوافي 4/174 وقد ذكر في كتاب الفتوحات المكية (1/162 طبعة د. عثمان يحيى) في المجلدة الاولى عقيدته، فرأيتها من اولها الى آخرها عقيدة الشيخ ابي الحسن الاشعري ليس فيها ما يخالف رأيه، وكان الذي طلبها مني بصفد وانا في القاهرة فنقلتها اعني العقيدة لا غير في كراسة وكتبت عليها:
ليس في هذه العقيدة شيء
يقتضيه التكذيب والبهتان
لا ولا ما قد خالف العقل
والنقل الذي قد اتى به القرآن
وعليها للأشعري مدار
ولها في مقاله إمكان
وعلى ما ادعاه يتجه البحث
ويأتي الدليل والبرهان
بخلاف الشناع عنه ولكن
ليس يخلو من حاسد إنسان
ولم أكن وقفت على شيء من كلامه ثم اني وقفت على 'فصوص الحكم' التي له فرأيت فيها اشياء منكرة الظاهر لا توافق الشرع، وما فيه شك انه يحصل له ولأمثاله حالات عند معاناة الرياضات في الخلوات، يحتاجون الى العبارة عنها فيأتون بما تقصر الالفاظ عن تلك المعاني التي تمحوها في تلك الحالات، فنسأل الله العصمة من الوقوع فيما خالف الشرع.
خطورة التكفير:
ان من اعظم البلاء ان يسارع المسلم في تكفير المخالف، او رميه بالعظائم، قال رسول الله 'من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما'، والاخطر من ذلك من يحكم على ما في قلوب الناس وضمائرهم، ويجعل نفسه حكما على ما يسر الناس وما يعلنون، فيحمل حال الناس على الاسوأ حسب ما يتراى لعقله السقيم، وهذا خلاف منهج الاسلام، ففي حديث اسامة بن زيد - رضي الله عنهما - في الرجل الذي قتله في المعركة بعد ان نطق بالشهادتين، ثم سأل عن ذلك سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال الرحمة المهداة - عليه الصلاة والسلام - 'لا تقتله' فقال اسامة 'انما قالها مخافة من السيف' فقال له الحبيب عليه الصلاة والسلام 'هلا شققت عن قلبه' وما زال يكررها عليه، حتى تمنى اسامة انه لم يسلم الا بعد هذه الحادثة، ليكون الإسلام مكفرا لعمله ذلك.
قال الشيخ محيي الدين بن العربي - رحمه الله تعالى - اجمع القوم على ان من حمل الناس على المحامل السينة فإنما ذلك صورة نفسه هو، فكأنه يقول: انا من اهل ذلك القبيح، ومذهب اهل السنة والجماعة: ان الشخص الواحد يجتمع فيه الخير والشر في وقت واحد فيكون وليا لله تعالى من وجه، كما انه عدو لله من وجه آخر.
قال: وهذا هو الحق الواضح الذي شواهده كثيرة من الكتاب والسنة بخلاف من قال: بالاحباط وكفر المؤمنين بالمعاصي والذنوب كما فعل الخوارج وغيرهم.
قال: الشيخ محمد بن علي المصري - رحمه الله - اذا علمت ذلك يا اخي: فإياك ان تحمل احوال الناس على احوالك السيئة ما دمت لم تتنظف من الرذائل. واعلم انه يجب عليك اذا رأيت في احد نقصا ان ترجع على نفسك باللوم وتجاهدها بالرياضة حتى لا تصير ترى في احد نقصا الا تبعا للشرع، كما يجب عليك ان تنظر فيما يترتب على الامور التي يسبق الى الذهن فيها سوء الظن من جواب او سكوت (حسن الظن بالناس ص34).
وختاما استميحك اخي الحبيب عذرا ان اطلت عليك في مقالي، فإن لي اسوة في كليم الله موسى - عليه الصلاة والسلام - عندما سأله رب العزة والجلال 'وما تلك بيمينك يا موسى' فأجاب 'هي عصاي اتوكأ عليها، واهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب اخرى'.
قال العلامة السيد ابن عجيبة الحسني في تفسيره الرائع 'البحر المديد 4/269' 'الاطناب في مناجاة الاحباب محمود'.
كلمة حكيم
قال قطب الدعوة والارشاد الحبيب عبدالله الحداد - رحمه الله - في رسالة المعاونة ص 49 ما يلي:
وينبغي ان يكون لك ورد من قراءة العلم النافع وهو الذي يزيد في معرفتك بذات الله واقواله وصفاته وافعاله وآلائه، وتعرف به ما أمرك به من طاعته ونهاك عنه من معصيته، ويورثك زهدا في الدنيا ورغبة في الآخرة، ويبصرك بعيوب نفسك وآفات اعمالك ومكائد عدوك.
وهذا العلم مبثوث في الكتاب والسنة وكتب الائمة. وقد جمعه الإمام الغزالي في كتبه العظيمة القدر، الكبيرة الخطر، عند من له بصيرة في الدين ورسوخ في العلم وكمال في اليقين، فواظب على مطالعتها ان كانت لك همة في سلوك الطريق ورغبة في الوصول الى مراتب التحقيق، وقد انفردت الكتب الغزالية من بين كتب المحققين من الصوفية بالجمع والتحرير وحصول التأثير الكثير في الزمن القصير.
وعليك بالإكثار من قراءة كتب الحديث والتفسير ومن مطالعة كتب القوم عامة فإن ذلك فتح عام وسلوك تام كما قال بعض العارفين.
ولكن ينبغي لك ان تحترز عما يشتمل من رسائلهم على الامور الغامضة والحقائق المجردة وهذه الاشياء توجد في اكثر مؤلفات الشيخ محمد بن عربي وفي شيء من رسائل الامام الغزالي كالمعراج والمضنون به، وقد ذكر الشيخ زروق في 'تأسيس القواعد' قاعدة في التحذير من الكتب التي تجرى هذا المجرى فراجعها ان شئت.
'فإن' قال قائل لا بأس علي في مطالعة هذه الكتب، لاني آخذ ما افهمه واسلم لما لا افهمه لقائله.
'قيل له' قد انصفت، ونحن انما نخشى عليك مما تفهمه ان تفهمه على غير وجهه فتضل عن سواء السبيل.
مؤلفات الشيخ الأكبر
يقول الأستاذ الدكتور ابو العلا عفيفي في تصديره على كتاب فصوص الحكم ص 5 'للشيخ محيي الدين ابن عربي المتوفى سنة 638ه من المؤلفات مالا يكاد العقل يتصور صدوره عن مؤلف واحد، لم ينفق كل لحظة من لحظات حياته في التأليف والتحرير، بل شغل شطرا غير قليل منها فيما يشغل به الصوفية انفسهم من ضروب العبادة والمجاهدة والمراقبة والمحاسبة، ولا جدال في ان مولفاته تربى على المائتين - على اقل تقدير'.
واصعب ما في مؤلفات الشيخ محيي الدين مصطلحاته، لذا تصدى مؤلفون كثيرون لشرحها، ومن اهم الاعمال الجليلة في شرح مصطلحات الشيخ الاكبر موسوعة أ.د. سعاد الحكيم 'المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة'، التي امضت في اعدادها سنوات، ثم قال: والآن نسأل ما نتيجة صبرنا خلال سنوات حاولنا فيها فك طلاسم شيخنا الاكبر، وتتبع التجربة الصوفية في سلوكها ومفرداتها؟
الواقع ان عملا كهذا، لا يعتبر كاملا، وذلك نظرا لضخامة المشروع، فمعجم صوفي تنتقي مفرداته من قمة تفتح التجربة الصوفية واللغة الصوفية، في اطلالتها على الفلسفة بأنواعها والفلك والجفر و... يجعل عملا كهذا في حكم المشروع الانساني، يضاف الى ذلك غزارة نتاج الشيخ الاكبر اذ ان فتوحاته تزيد على ثلاثة آلاف صفحة فقط، والوصول الى مرتبة كمالية في عمل مماثل، يتطلب جهد جماعة من الباحثين لانه عندئذ قد يستوعب عشرات المجلدات، ولكن هذا المعجم وان لم يكن كاملا، الا انه يعتبر خطوة علمية موضوعية، وبدء طريق قد نترافق به، ونكمل الدرب ما اتسع لنا السير فيه، واخيرا، نضع صفاحتنا هذه بين يدي القارئ ينبض كل حرف فيها في صراحة، بتقديرنا وحبنا لهذه الشخصية الفذة التي تألقت عبر نضج تجربتها الصوفية بأصالة عربية حقيقية، والتي استطاعت بصدق نبراتها ان تسد مسام الثغرة التي تفصلنا عن القرن السادس الهجري، وتمدنا بذاك التواصل الحقيقي مع تراثنا العربي وحضارتنا الشرقية.
خلاصة القول في ابن عربي
خلاصة القول في الشيخ الاكبر - رحمه الله - ما قاله فيه الباحث الايراني الدكتور محسن جهانكير - استاذ الفلسفة في جامعة طهران - في كتابه القيم محيي الدين ابن عربي ص 515.
'ان الوجود الثقافي القيم، والوجه الروحاني والمعنوي، والشخصية العميقة ذات الابعاد الكثيرة لابن عربي قد استقطبت جماعة كبيرة من رجال العلم والدين، بمن فيهم اعلام العلم والحكمة في دار الاسلام، فراحوا يبحثون ويدرسون آثاره بجد وينقدون افكاره، فطأطأوا رؤوسهم تعظيما واجلالا لما وجدوا لديه من معلومات عميقة واسعة، واثنوا جميعا على درجته العلمية والثقافية الرفعية، الا انهم ابدوا آراء متضاربة في ايمانه واعتقاده الديني وتقواه، فبعضهم اطرى درجة ايمانه وقدسه وزهده ما يستطيع، وارتفع بمقامه الروحاني والمعنوي الى مرتبة الولاية وعده من اكابر اولياء الله. وبعضهم قال عنه انه عديم الايمان والدين، وفاسق، وفاجر، وكافر، وملعون، ومكذب بجميع الكتب والرسل، ومحلل جميع الفروج، وشيخ سوء وكذاب، لانهم لم يجدوا اقواله وأفكاره متناسبة مع ظاهر الدين والشريعة، او بعبارة اصح ما فهموه من الدين والشريعة، وبعضهم وقف موقف المتحير فاحجموا عن ابداء اية وجهة نظر فيه، ورأى البعض انه معذور رغم ما في افكاره وعقائده من تعارض مع الدين والايمان - ظاهرا.
والحقيقة هي ان ظهور هذه الآراء المتضادة - لاسيما تحير وتوقف بعض المفكرين فيه - ينبئ عن عمق شخصيته وكثرة ابعادها. وللعلم لم يكن الشيخ الاكبر الشخص الوحيد في التاريخ الاسلامي الذي كثر الخلاف فيه، بل هناك كثيرون غيره، ومنهم ابن تيمية فالخلاف حول شخصيته بين العلماء اكثر من الخلاف حول شخصية ابن العربي، وانظر ترجمته في المراجع نفسها التي ذكرتها لترجمة الشيخ محيي الدين'.
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/12-5-2006//165806_100005_small.jpg
الشريف
12/05/2006
بقلم: أ.د. محمد عبدالغفار الشريف
ارسل الي اخي الحبيب، الاديب الاريب عبداللطيف بن سيف العتيبي ادام الله بقاءه واعلى في الدنيا والآخرة مقامه، تحية عطرة عبر جريدة 'القبس'.. بتاريخ 3/5/2006 اعادت الي الامل ببقاء الخلق الكريم في صفوف العاملين في حقل الدعوة، فهو لم يلمز، ولم يطعن، ولم ينتقص، مخالفه ليظهر نفسه، بل تمثل قول الحق 'وقل لعبادي يقولوا التي هي احسن، ان الشيطان ينزغ بينهم، ان الشيطان كان للإنسان عدوا مبينا'.
قال سيدنا عمر بن الخطاب، رضي الله عنه، 'ان المؤمن ليختار اطايب الكلام كما يختار احدكم اطايب الثمر فعسى ان يكون قدوة للآخرين'.
واستجابة لقوله تعالى 'واذا حييتم بتحية فحيوا بأحسن منها او ردوها' خططت رسالتي هذه اليك والتي اقول فيها:
الحرية أساس دعوة الإسلام
جاء في خبر وفادة ربعي بن عامر -0 رضي الله عنه - على رستم قائد الفرس انه سأله: ما جاء بكم؟ قال ربعي 'الله ابتعثنا لنخرج من شاء من عبادة العباد الى عبادة الله، ومن ضيق الدنيا الى سعتها، ومن جور الاديان الى عدل الاسلام (البداية والنهاية 7/39) وكلنا نردد قول عمر - رضي الله عنه 'متى استبعدتم الناس وقد ولدتهم امهاتهم احرارا' يقولها لواليه، في مواجهة قبطي غير مسلم!!
نعم، انها حرية، ولكنها حرية مسؤولة، قال تعالى 'ما يلفظ من قول الا لديه رقيب عتيد' ومن مسؤولياتها ان تشهد لصالح الحق بحقه، ولو على نفسك، قال تعالى 'ولا يجرمنكم شنآن قوم على الا تعدلوا، اعدلوا هو اقرب للتقوى'، ومن اسؤأ الاستعباد ان تستعبد عقلك لاي انسان كان، لان الانسان يخطئ ويصيب، الا الانبياء المعصومين عليهم الصلاة والسلام، ولذا لا يتحاكم المؤمن الا الى الوحيين - الكتاب والسنة - اللذين تكفل الله - تعالى بحفظهما، ثم يأتي الاجماع، الذي شهد له المصطفى عليه وعلى آله افضل الصلاة والتسليم - بالعصمة، ولا بد ان يكون مستند الاجماع الكتاب او السنة، كما هو معلوم عند الاصوليين.
اما اقوال الرجال فليس قول احد حجة على غيره، بل يلزمه هو ومن يقلده.
ولذا اسمح لي ومن خلقك السماحة ان اقولها وبكل صراحة بان الامام ابن تيمية رحمه الله، ليس حجة الله على الناس، بل هو عالم من علماء المسلمين، يصيب ويخطئ فإن اصاب فحيهلا والا فقوله مردود عليه، 'والحق احب الينا من شيخ الاسلام'.
عتاب أخوي:
قال الشاعر: ويبقى الود ما بقي العتاب
اما عتبي اخي انك لم تنقل كلامي في الموضوع الذي عاتبتني فيه كاملا، ولذا سأورده لك غير متجزأ كما ورد في كتاب ثقافة الامة للهيئة الخيرية ص82 قلت، حفظك الله - بعد الشكر ما يلي: بعد ان ذكرت ان من المهم حتى نتعرف على الآخر ان نقرأ في تراثه، ثم ضربت مثلا بابن العربي - رحمه الله فقلت: 'كنا سابقا يخوفوننا من اسم ابن عربي كثيرا، وكنت اتحاشى كتبه، حتى ملكت بعض كتبه فوجدت نفسي اقف امام طود عظيم، عقلا وثقافة شرعية، وان كان كل انسان لا يخلو من الاخطاء، واضع خطا كبيرا تحت 'عقلا وثقافة شرعية'، وتحت 'وان كان كل انسان لايخلو من اخطاء'.
كلام العلماء في الشيخ الاكبر:
وانقل لك كلام امام من ائمة الجرح والتعديل، وهو الامام الذهبي، رحمه الله، تلميذ ابن تيمية، يقول الذهبي في كتابه 'التاريخ الكبير في حوادث 638' سنة وفاة الشيخ الاكبر - رحمه الله، بعد ان يذكر ماله وما عليه، وان كنا لانسلم له كل ما قاله، و'لابن العربي توسع في الكلام وذكاء وقوة حافظة وتدقيق في التصوف، وتواليف جمة في العرفان، ولولا شطحات كلامه وشعره لكان كلمة اجماع، ولعل ذلك وقع منه في حال سكره وغيبته (مصطلحان صوفيان) فنرجو له الخير (وانظر ما ذكره في الميزان وفي السير).
وقال الشيخ صلاح الدين الصفدي وهو من تلاميذ ابن تيمية، بعد كلام طويل: وقفت على كتابه الذي سماه 'الفتوحات المكية' لانه صنعه بمكة، وهو في عشرين مجلدة بخطه، فرأيت اثناءه دقائق وغرائب ليست توجد في كلام غيره، وكأن المنقول والمعقول ممثلان بين عينيه في صورة محصورة يشاهدها، متى اراد اتى بالحديث او الامر ونزوله على ما يريده، وهذه قدرة ونهاية اطلاع وتوقد ذهن وغاية حفظ وذكر، ومن وقف على هذا الكتاب علم قدره، وهو من اجل مصنفاته (الوافي في الوفيات 4//174).
فهل ترى قولي خرج عما قاله هذان الامامان الجليلان تلميذا ابن تيمية رحمهم الله جميعا؟!
بل ارى انني قصرت كثيرا عما قالا في حقه!
عقيدة الشيخ الأكبر:
قال الصلاح الصفدي - رحمه الله - في الوافي 4/174 وقد ذكر في كتاب الفتوحات المكية (1/162 طبعة د. عثمان يحيى) في المجلدة الاولى عقيدته، فرأيتها من اولها الى آخرها عقيدة الشيخ ابي الحسن الاشعري ليس فيها ما يخالف رأيه، وكان الذي طلبها مني بصفد وانا في القاهرة فنقلتها اعني العقيدة لا غير في كراسة وكتبت عليها:
ليس في هذه العقيدة شيء
يقتضيه التكذيب والبهتان
لا ولا ما قد خالف العقل
والنقل الذي قد اتى به القرآن
وعليها للأشعري مدار
ولها في مقاله إمكان
وعلى ما ادعاه يتجه البحث
ويأتي الدليل والبرهان
بخلاف الشناع عنه ولكن
ليس يخلو من حاسد إنسان
ولم أكن وقفت على شيء من كلامه ثم اني وقفت على 'فصوص الحكم' التي له فرأيت فيها اشياء منكرة الظاهر لا توافق الشرع، وما فيه شك انه يحصل له ولأمثاله حالات عند معاناة الرياضات في الخلوات، يحتاجون الى العبارة عنها فيأتون بما تقصر الالفاظ عن تلك المعاني التي تمحوها في تلك الحالات، فنسأل الله العصمة من الوقوع فيما خالف الشرع.
خطورة التكفير:
ان من اعظم البلاء ان يسارع المسلم في تكفير المخالف، او رميه بالعظائم، قال رسول الله 'من قال لأخيه يا كافر فقد باء بها احدهما'، والاخطر من ذلك من يحكم على ما في قلوب الناس وضمائرهم، ويجعل نفسه حكما على ما يسر الناس وما يعلنون، فيحمل حال الناس على الاسوأ حسب ما يتراى لعقله السقيم، وهذا خلاف منهج الاسلام، ففي حديث اسامة بن زيد - رضي الله عنهما - في الرجل الذي قتله في المعركة بعد ان نطق بالشهادتين، ثم سأل عن ذلك سيدنا رسول الله - صلى الله عليه وعلى آله وسلم - فقال الرحمة المهداة - عليه الصلاة والسلام - 'لا تقتله' فقال اسامة 'انما قالها مخافة من السيف' فقال له الحبيب عليه الصلاة والسلام 'هلا شققت عن قلبه' وما زال يكررها عليه، حتى تمنى اسامة انه لم يسلم الا بعد هذه الحادثة، ليكون الإسلام مكفرا لعمله ذلك.
قال الشيخ محيي الدين بن العربي - رحمه الله تعالى - اجمع القوم على ان من حمل الناس على المحامل السينة فإنما ذلك صورة نفسه هو، فكأنه يقول: انا من اهل ذلك القبيح، ومذهب اهل السنة والجماعة: ان الشخص الواحد يجتمع فيه الخير والشر في وقت واحد فيكون وليا لله تعالى من وجه، كما انه عدو لله من وجه آخر.
قال: وهذا هو الحق الواضح الذي شواهده كثيرة من الكتاب والسنة بخلاف من قال: بالاحباط وكفر المؤمنين بالمعاصي والذنوب كما فعل الخوارج وغيرهم.
قال: الشيخ محمد بن علي المصري - رحمه الله - اذا علمت ذلك يا اخي: فإياك ان تحمل احوال الناس على احوالك السيئة ما دمت لم تتنظف من الرذائل. واعلم انه يجب عليك اذا رأيت في احد نقصا ان ترجع على نفسك باللوم وتجاهدها بالرياضة حتى لا تصير ترى في احد نقصا الا تبعا للشرع، كما يجب عليك ان تنظر فيما يترتب على الامور التي يسبق الى الذهن فيها سوء الظن من جواب او سكوت (حسن الظن بالناس ص34).
وختاما استميحك اخي الحبيب عذرا ان اطلت عليك في مقالي، فإن لي اسوة في كليم الله موسى - عليه الصلاة والسلام - عندما سأله رب العزة والجلال 'وما تلك بيمينك يا موسى' فأجاب 'هي عصاي اتوكأ عليها، واهش بها على غنمي، ولي فيها مآرب اخرى'.
قال العلامة السيد ابن عجيبة الحسني في تفسيره الرائع 'البحر المديد 4/269' 'الاطناب في مناجاة الاحباب محمود'.
كلمة حكيم
قال قطب الدعوة والارشاد الحبيب عبدالله الحداد - رحمه الله - في رسالة المعاونة ص 49 ما يلي:
وينبغي ان يكون لك ورد من قراءة العلم النافع وهو الذي يزيد في معرفتك بذات الله واقواله وصفاته وافعاله وآلائه، وتعرف به ما أمرك به من طاعته ونهاك عنه من معصيته، ويورثك زهدا في الدنيا ورغبة في الآخرة، ويبصرك بعيوب نفسك وآفات اعمالك ومكائد عدوك.
وهذا العلم مبثوث في الكتاب والسنة وكتب الائمة. وقد جمعه الإمام الغزالي في كتبه العظيمة القدر، الكبيرة الخطر، عند من له بصيرة في الدين ورسوخ في العلم وكمال في اليقين، فواظب على مطالعتها ان كانت لك همة في سلوك الطريق ورغبة في الوصول الى مراتب التحقيق، وقد انفردت الكتب الغزالية من بين كتب المحققين من الصوفية بالجمع والتحرير وحصول التأثير الكثير في الزمن القصير.
وعليك بالإكثار من قراءة كتب الحديث والتفسير ومن مطالعة كتب القوم عامة فإن ذلك فتح عام وسلوك تام كما قال بعض العارفين.
ولكن ينبغي لك ان تحترز عما يشتمل من رسائلهم على الامور الغامضة والحقائق المجردة وهذه الاشياء توجد في اكثر مؤلفات الشيخ محمد بن عربي وفي شيء من رسائل الامام الغزالي كالمعراج والمضنون به، وقد ذكر الشيخ زروق في 'تأسيس القواعد' قاعدة في التحذير من الكتب التي تجرى هذا المجرى فراجعها ان شئت.
'فإن' قال قائل لا بأس علي في مطالعة هذه الكتب، لاني آخذ ما افهمه واسلم لما لا افهمه لقائله.
'قيل له' قد انصفت، ونحن انما نخشى عليك مما تفهمه ان تفهمه على غير وجهه فتضل عن سواء السبيل.
مؤلفات الشيخ الأكبر
يقول الأستاذ الدكتور ابو العلا عفيفي في تصديره على كتاب فصوص الحكم ص 5 'للشيخ محيي الدين ابن عربي المتوفى سنة 638ه من المؤلفات مالا يكاد العقل يتصور صدوره عن مؤلف واحد، لم ينفق كل لحظة من لحظات حياته في التأليف والتحرير، بل شغل شطرا غير قليل منها فيما يشغل به الصوفية انفسهم من ضروب العبادة والمجاهدة والمراقبة والمحاسبة، ولا جدال في ان مولفاته تربى على المائتين - على اقل تقدير'.
واصعب ما في مؤلفات الشيخ محيي الدين مصطلحاته، لذا تصدى مؤلفون كثيرون لشرحها، ومن اهم الاعمال الجليلة في شرح مصطلحات الشيخ الاكبر موسوعة أ.د. سعاد الحكيم 'المعجم الصوفي - الحكمة في حدود الكلمة'، التي امضت في اعدادها سنوات، ثم قال: والآن نسأل ما نتيجة صبرنا خلال سنوات حاولنا فيها فك طلاسم شيخنا الاكبر، وتتبع التجربة الصوفية في سلوكها ومفرداتها؟
الواقع ان عملا كهذا، لا يعتبر كاملا، وذلك نظرا لضخامة المشروع، فمعجم صوفي تنتقي مفرداته من قمة تفتح التجربة الصوفية واللغة الصوفية، في اطلالتها على الفلسفة بأنواعها والفلك والجفر و... يجعل عملا كهذا في حكم المشروع الانساني، يضاف الى ذلك غزارة نتاج الشيخ الاكبر اذ ان فتوحاته تزيد على ثلاثة آلاف صفحة فقط، والوصول الى مرتبة كمالية في عمل مماثل، يتطلب جهد جماعة من الباحثين لانه عندئذ قد يستوعب عشرات المجلدات، ولكن هذا المعجم وان لم يكن كاملا، الا انه يعتبر خطوة علمية موضوعية، وبدء طريق قد نترافق به، ونكمل الدرب ما اتسع لنا السير فيه، واخيرا، نضع صفاحتنا هذه بين يدي القارئ ينبض كل حرف فيها في صراحة، بتقديرنا وحبنا لهذه الشخصية الفذة التي تألقت عبر نضج تجربتها الصوفية بأصالة عربية حقيقية، والتي استطاعت بصدق نبراتها ان تسد مسام الثغرة التي تفصلنا عن القرن السادس الهجري، وتمدنا بذاك التواصل الحقيقي مع تراثنا العربي وحضارتنا الشرقية.
خلاصة القول في ابن عربي
خلاصة القول في الشيخ الاكبر - رحمه الله - ما قاله فيه الباحث الايراني الدكتور محسن جهانكير - استاذ الفلسفة في جامعة طهران - في كتابه القيم محيي الدين ابن عربي ص 515.
'ان الوجود الثقافي القيم، والوجه الروحاني والمعنوي، والشخصية العميقة ذات الابعاد الكثيرة لابن عربي قد استقطبت جماعة كبيرة من رجال العلم والدين، بمن فيهم اعلام العلم والحكمة في دار الاسلام، فراحوا يبحثون ويدرسون آثاره بجد وينقدون افكاره، فطأطأوا رؤوسهم تعظيما واجلالا لما وجدوا لديه من معلومات عميقة واسعة، واثنوا جميعا على درجته العلمية والثقافية الرفعية، الا انهم ابدوا آراء متضاربة في ايمانه واعتقاده الديني وتقواه، فبعضهم اطرى درجة ايمانه وقدسه وزهده ما يستطيع، وارتفع بمقامه الروحاني والمعنوي الى مرتبة الولاية وعده من اكابر اولياء الله. وبعضهم قال عنه انه عديم الايمان والدين، وفاسق، وفاجر، وكافر، وملعون، ومكذب بجميع الكتب والرسل، ومحلل جميع الفروج، وشيخ سوء وكذاب، لانهم لم يجدوا اقواله وأفكاره متناسبة مع ظاهر الدين والشريعة، او بعبارة اصح ما فهموه من الدين والشريعة، وبعضهم وقف موقف المتحير فاحجموا عن ابداء اية وجهة نظر فيه، ورأى البعض انه معذور رغم ما في افكاره وعقائده من تعارض مع الدين والايمان - ظاهرا.
والحقيقة هي ان ظهور هذه الآراء المتضادة - لاسيما تحير وتوقف بعض المفكرين فيه - ينبئ عن عمق شخصيته وكثرة ابعادها. وللعلم لم يكن الشيخ الاكبر الشخص الوحيد في التاريخ الاسلامي الذي كثر الخلاف فيه، بل هناك كثيرون غيره، ومنهم ابن تيمية فالخلاف حول شخصيته بين العلماء اكثر من الخلاف حول شخصية ابن العربي، وانظر ترجمته في المراجع نفسها التي ذكرتها لترجمة الشيخ محيي الدين'.