سلسبيل
05-10-2006, 10:05 AM
د رسول محمَّد رسول
كاتب عراقي ـ الإمارات
كان نوري المالكي، رئيس وزراء العراق الجديد، قد أعلن في أول تصريح إعلامي له بُعيد الإعلان عن تسلمه ولاية العراق لأربع سنوات قادمة، عن عزمه حل جميع المليشيات العراقية المسلحة العاملة في البلاد، والتي يصل عددها إلى إحدى عشرة مليشيا واضحة التكوين المؤسساتي، ناهيك عن المليشيات الشبحيَّة التي تكرِّس العُنف الدموي الحاد بالعراق منذ آب/ أغسطس 2003 حتى الآن، ودمجها في القوات العسكرية والشرطية والأمنية الجديدة. وقد أثارت هذه التصريحات ردود أفعال عراقية وعربية ودولية، بعضها إيجابي وغيرها سلبي، فضلاً عن ردود أفعال ما زالت قلقة وغير حاسمة. ولعل السؤال الأهم الذي يُطرح اليوم هو: هل يقوى نوري المالكي على احتواء المليشيات المسلحة؟
الفُقهاء.. ونزع السلاح..
على الصعيد المجتمعي، رحَّبت شرائح كثيرة في المجتمع العراقي بضرورة التخلُّص من المليشيات المسلحة، سواء بالقضاء عليها أم بدمجها في القوات العراقي المسلحة الجديدة، لأن وجود السلاح يعني استمرار إراقة دماء العراقيين في كل لحظة، ووجود هذه المليشيات يعني استمرار الصراع والتصادم في المجتمع على أسس جهويَّة تتوسَّل السلاح، وهذا ما يريد المجتمع العراقي التخلص منه.
إن تحقيق رغبة شعبية من هذا النوع لا بد وأن تُحاط بدعم ديني مرجعي، في ظل الدور الاستثنائي الذي يمارسه الفقهاء العراقيون وتأثيرهم الفاعل في المشهد السياسي والمجتمعي العراقي الجديد. ومن هنا لجأ المالكي إلى هؤلاء الفقهاء لاستثمار دورهم في دعم دعوته لاحتواء المليشيات، فجاء زيارته يوم الخميس 27/4/2006 إلى فقهاء النجف الكبار الذين دعموا رغبة المالكي، وفي هذا السياق أوضح بيان صادر من مكتب المرجع الديني الأعلى علي السيستاني بالنجف على (ضرورة حصر حمل السلاح بيد القوات الأمنية الحكومية، وبناء هذه القوات على أسس وطنية سليمة بحيث يكون ولاؤها للوطن وحده، لا شيء أو لأي جهة سياسية أخرى).
بدا موقف المرجعيات الدينية بالنجف متوقعا، ولكن ليس بعيدا عن النجف، التقى المالكي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يعيش تياره أزمة حقيقية مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ومع الأكراد من جهة أخرى في ظل تواجد نحو 250 عنصرا من عناصره في مدينة كركوك المتنازع عليها بين الأكرد والأتراك والعرب. والتي يمثل أنصاره (جيش المهدي) أكبر المليشيات في العراق لكونها شعبية. وفي خلال اللقاء أكد الصدر للمالكي أن (كل ما يصب في مصلحة الشعب العراقي أنا أؤيده، سواء كان على المستوى الأمني أو الاقتصادي. في حين قال حازم الأعرجي، أحد قياديي التيار الصدري: إن (جيش المهدي) هو جيش عقائدي وغير مسلح، أما الأسلحة الموجودة الآن لدى عناصره فهي شخصية يجيزها القانون. لكن الأعرجي أشار إلى أن تعليمات مقتدى الصدر تسمح بانضمام عناصر جيش المهدي إلى قوات الشرطة والجيش إذا رغب كل عنصر في ذلك.
الدليمي.. والبيشمركة..
بداية، رحَّب الرئيس جلال الطالباني بأهمية حل المليشيات المسلحة بالعراق لكنه رفض أن تكون قوات البيشمركة الكردية مليشيا خاضعة للحل أو للدمج مع الجيش العراقي، وبرر ضرورة وجودها بأن قوات عسكرية إيرانية وأخرى تركية تتاخم على حدود المنطقة الكردية في شمالي العراق. في حين نظر عدنان الدليمي، رئيس (كتلة التوافق العراقية)، الذي قال عن قوات البيشمركة إنها لم يصدر منها ما يثير المتاعب كي تكون موضع جدل، كما أنها موجودة في منطقة يسودها النظام والأمن، وأضاف: نريد تعيين عناصر هذه الميليشيات في المؤسسات المدنية للدولة وإبعادها عن أي منصب أمني أو عسكري. ولعل هذا الموقف سيشكِّلُ عقبة أمام مسعى المالكي لدمج المليشيات في الجيش والشرطة الوطنية، ويضمر مخاوف بعض الأطراف السنية العراقيين من دمج المليشيات الشيعية في تلك القوات والتي ربما يتصيَّر الجيش والشرطة من خلالها مؤسسة أمنية عقائدية قد تكرس البُعد الطائفي في التعامل الأمني.
وفيما لم يصدر أي تعليق عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق لكونه أول من دعا إلى دمج (قوات بدر) قبل أن تتحوّل تلك القوات إلى منظمة سياسية، دعا حسن ساري، زعيم (حزب الله) المقرب من المجلس، إلى دمج المليشيات، وأكد أن للحزب الإسلامي العراقي برئاسة طارق الهاشمي، وللحزب الشيوعي برئاسة حميد مجيد موسى، ولحركة الوفاق برئاسة إياد علاوي تنظيمات مسلحة لا بد من دمجها وفق يرنامج يعد لهذا الغرض.
الحذر الأمريكي!
على رغم أن وجود المليشيات المسلحة هو وجود سلبي على المشروع الأمريكي بالعراق، ورغم أن برايمر كان قد رفض دعوة عبد العزيز الحكيم عام 2003 لدمج (قوات بدر) في الجيش العراقي، ما زالت واشنطن تتخوف من هذا الدمج، ولهذا الغرض تعتقد واشنطن أنه ينبغي السماح لأعضاء المليشيات العراقية بالانضمام إلى الجيش الذي تدربه الولايات المتحدة فقط، وعلى أساس فردي فقط وليس كمجموعات، لأن دمج كل الميليشيات في الجيش يمكن أن يؤدي إلى وجود مشكلات جديدة، وميّز المسئول الأمريكي بين مليشيات منضبطة وأخر غير منضبطة، و(جيش المهدي) يعتبر دليلا على هذا النوع الأخير.
هذه المخاوف عبَّرت عنها أيضا كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية عندما قالت في تصريحات صحافية: في أيِّ حالة لديكَ فيها ميليشيات مرتبطة بأحزاب سياسية، فلن تكون تلك مهمة يسيرة. لكن واشنطن ستواصل تدريب جيش وقوة شرطة وطنيين يمكنهما جعل مثل تلك الجماعات المسلحة غير ضرورية، وأن أفضل شيء يمكننا فعله هو التأكد من أن تدريباتنا ستساعدهم في تشكيل قوات عسكرية وطنية حقيقية وقوات شرطة وطنية حقيقية، لان ذلك من شأنه عندئذ استبعاد أي إحساس بالحاجة إلى الميليشيات من أجل تحقيقي الأمن. في حين حمل السفير الأمريكي في العراق على تلك المليشيات بأنها تقتل بشرا أكثر مما يقتلهم المسلحون المعرفون.
إن المالكي بإزاء مشروع حل المليشيات ميدانيا ودمجها شكليا أو مرحليا لغسل أدوارها ربما من خلال وضع المليشيات على ملاك وزارتي الدفاع والداخلية، ومن ثم إحالة عناصرهما إلى التقاعد أو نقل كوادرها إلى المؤسسات المدنية، خصوصا الخدمية منها، أو قبول بعض العناصر لتدريبها من قبل الأمريكان حسبما يسعون إلى ذلك، ومعلوم أن تجربة ناجحة أجراها الأكراد عندما دمجوا الكثير من عناصر (جيش البيشمركة) في الجيش العراقي الجديد بعد أن خضعوا إلى تدريبات عسكرية أمريكية دقيقة.
rasmad@maktoob.com
كاتب عراقي ـ الإمارات
كان نوري المالكي، رئيس وزراء العراق الجديد، قد أعلن في أول تصريح إعلامي له بُعيد الإعلان عن تسلمه ولاية العراق لأربع سنوات قادمة، عن عزمه حل جميع المليشيات العراقية المسلحة العاملة في البلاد، والتي يصل عددها إلى إحدى عشرة مليشيا واضحة التكوين المؤسساتي، ناهيك عن المليشيات الشبحيَّة التي تكرِّس العُنف الدموي الحاد بالعراق منذ آب/ أغسطس 2003 حتى الآن، ودمجها في القوات العسكرية والشرطية والأمنية الجديدة. وقد أثارت هذه التصريحات ردود أفعال عراقية وعربية ودولية، بعضها إيجابي وغيرها سلبي، فضلاً عن ردود أفعال ما زالت قلقة وغير حاسمة. ولعل السؤال الأهم الذي يُطرح اليوم هو: هل يقوى نوري المالكي على احتواء المليشيات المسلحة؟
الفُقهاء.. ونزع السلاح..
على الصعيد المجتمعي، رحَّبت شرائح كثيرة في المجتمع العراقي بضرورة التخلُّص من المليشيات المسلحة، سواء بالقضاء عليها أم بدمجها في القوات العراقي المسلحة الجديدة، لأن وجود السلاح يعني استمرار إراقة دماء العراقيين في كل لحظة، ووجود هذه المليشيات يعني استمرار الصراع والتصادم في المجتمع على أسس جهويَّة تتوسَّل السلاح، وهذا ما يريد المجتمع العراقي التخلص منه.
إن تحقيق رغبة شعبية من هذا النوع لا بد وأن تُحاط بدعم ديني مرجعي، في ظل الدور الاستثنائي الذي يمارسه الفقهاء العراقيون وتأثيرهم الفاعل في المشهد السياسي والمجتمعي العراقي الجديد. ومن هنا لجأ المالكي إلى هؤلاء الفقهاء لاستثمار دورهم في دعم دعوته لاحتواء المليشيات، فجاء زيارته يوم الخميس 27/4/2006 إلى فقهاء النجف الكبار الذين دعموا رغبة المالكي، وفي هذا السياق أوضح بيان صادر من مكتب المرجع الديني الأعلى علي السيستاني بالنجف على (ضرورة حصر حمل السلاح بيد القوات الأمنية الحكومية، وبناء هذه القوات على أسس وطنية سليمة بحيث يكون ولاؤها للوطن وحده، لا شيء أو لأي جهة سياسية أخرى).
بدا موقف المرجعيات الدينية بالنجف متوقعا، ولكن ليس بعيدا عن النجف، التقى المالكي زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر الذي يعيش تياره أزمة حقيقية مع الولايات المتحدة الأمريكية من جهة ومع الأكراد من جهة أخرى في ظل تواجد نحو 250 عنصرا من عناصره في مدينة كركوك المتنازع عليها بين الأكرد والأتراك والعرب. والتي يمثل أنصاره (جيش المهدي) أكبر المليشيات في العراق لكونها شعبية. وفي خلال اللقاء أكد الصدر للمالكي أن (كل ما يصب في مصلحة الشعب العراقي أنا أؤيده، سواء كان على المستوى الأمني أو الاقتصادي. في حين قال حازم الأعرجي، أحد قياديي التيار الصدري: إن (جيش المهدي) هو جيش عقائدي وغير مسلح، أما الأسلحة الموجودة الآن لدى عناصره فهي شخصية يجيزها القانون. لكن الأعرجي أشار إلى أن تعليمات مقتدى الصدر تسمح بانضمام عناصر جيش المهدي إلى قوات الشرطة والجيش إذا رغب كل عنصر في ذلك.
الدليمي.. والبيشمركة..
بداية، رحَّب الرئيس جلال الطالباني بأهمية حل المليشيات المسلحة بالعراق لكنه رفض أن تكون قوات البيشمركة الكردية مليشيا خاضعة للحل أو للدمج مع الجيش العراقي، وبرر ضرورة وجودها بأن قوات عسكرية إيرانية وأخرى تركية تتاخم على حدود المنطقة الكردية في شمالي العراق. في حين نظر عدنان الدليمي، رئيس (كتلة التوافق العراقية)، الذي قال عن قوات البيشمركة إنها لم يصدر منها ما يثير المتاعب كي تكون موضع جدل، كما أنها موجودة في منطقة يسودها النظام والأمن، وأضاف: نريد تعيين عناصر هذه الميليشيات في المؤسسات المدنية للدولة وإبعادها عن أي منصب أمني أو عسكري. ولعل هذا الموقف سيشكِّلُ عقبة أمام مسعى المالكي لدمج المليشيات في الجيش والشرطة الوطنية، ويضمر مخاوف بعض الأطراف السنية العراقيين من دمج المليشيات الشيعية في تلك القوات والتي ربما يتصيَّر الجيش والشرطة من خلالها مؤسسة أمنية عقائدية قد تكرس البُعد الطائفي في التعامل الأمني.
وفيما لم يصدر أي تعليق عن المجلس الأعلى للثورة الإسلامية في العراق لكونه أول من دعا إلى دمج (قوات بدر) قبل أن تتحوّل تلك القوات إلى منظمة سياسية، دعا حسن ساري، زعيم (حزب الله) المقرب من المجلس، إلى دمج المليشيات، وأكد أن للحزب الإسلامي العراقي برئاسة طارق الهاشمي، وللحزب الشيوعي برئاسة حميد مجيد موسى، ولحركة الوفاق برئاسة إياد علاوي تنظيمات مسلحة لا بد من دمجها وفق يرنامج يعد لهذا الغرض.
الحذر الأمريكي!
على رغم أن وجود المليشيات المسلحة هو وجود سلبي على المشروع الأمريكي بالعراق، ورغم أن برايمر كان قد رفض دعوة عبد العزيز الحكيم عام 2003 لدمج (قوات بدر) في الجيش العراقي، ما زالت واشنطن تتخوف من هذا الدمج، ولهذا الغرض تعتقد واشنطن أنه ينبغي السماح لأعضاء المليشيات العراقية بالانضمام إلى الجيش الذي تدربه الولايات المتحدة فقط، وعلى أساس فردي فقط وليس كمجموعات، لأن دمج كل الميليشيات في الجيش يمكن أن يؤدي إلى وجود مشكلات جديدة، وميّز المسئول الأمريكي بين مليشيات منضبطة وأخر غير منضبطة، و(جيش المهدي) يعتبر دليلا على هذا النوع الأخير.
هذه المخاوف عبَّرت عنها أيضا كوندوليزا رايس، وزيرة الخارجية الأمريكية عندما قالت في تصريحات صحافية: في أيِّ حالة لديكَ فيها ميليشيات مرتبطة بأحزاب سياسية، فلن تكون تلك مهمة يسيرة. لكن واشنطن ستواصل تدريب جيش وقوة شرطة وطنيين يمكنهما جعل مثل تلك الجماعات المسلحة غير ضرورية، وأن أفضل شيء يمكننا فعله هو التأكد من أن تدريباتنا ستساعدهم في تشكيل قوات عسكرية وطنية حقيقية وقوات شرطة وطنية حقيقية، لان ذلك من شأنه عندئذ استبعاد أي إحساس بالحاجة إلى الميليشيات من أجل تحقيقي الأمن. في حين حمل السفير الأمريكي في العراق على تلك المليشيات بأنها تقتل بشرا أكثر مما يقتلهم المسلحون المعرفون.
إن المالكي بإزاء مشروع حل المليشيات ميدانيا ودمجها شكليا أو مرحليا لغسل أدوارها ربما من خلال وضع المليشيات على ملاك وزارتي الدفاع والداخلية، ومن ثم إحالة عناصرهما إلى التقاعد أو نقل كوادرها إلى المؤسسات المدنية، خصوصا الخدمية منها، أو قبول بعض العناصر لتدريبها من قبل الأمريكان حسبما يسعون إلى ذلك، ومعلوم أن تجربة ناجحة أجراها الأكراد عندما دمجوا الكثير من عناصر (جيش البيشمركة) في الجيش العراقي الجديد بعد أن خضعوا إلى تدريبات عسكرية أمريكية دقيقة.
rasmad@maktoob.com