شبير
05-07-2006, 11:51 PM
د. عبدالحميد الأنصاري *
* كاتب قطري وعميد كلية الشريعة السابق
في تطور جديد في خطاب المطلوب الأول في العالم, بثته »الجزيرة« في 23/4/2006 هاجم »بن لادن« المفكرين العرب »الليبراليين« ووصفهم بالمستهزئين بالدين, وحذر من الاستماع إلى طروحاتهم التي هي »غزو فكري« وبخاصة في مطالبتهم بتطوير المناهج الدراسية ودعوتهم للحوار الحضاري مع الغرب بديلاً عن الصدام الحضاري, وأكد أن الغرب لا يريد الحوار إلا من أجل كسب الوقت وخداعنا بينما الصدام قائم من جانب الغرب ضد المسلمين فيما سماه »حرباً صليبية صهيونية«.
المفردات الجديدة جاءت في سياق خطاب طويل, دعا فيه زعيم القاعدة أنصاره إلى الاستعداد لحرب طويلة ضد من أسماهم »اللصوص الصليبيين« في دارفور, وهاجم الغرب مؤكداً عداوته الأبدية للمسلمين ومستشهداً بحصار الغرب لحكومة حماس بعد فوزها في الانتخابات ومقاطعته لها.
ويرى المراقبون أن شريط بن لادن يأتي ضمن حرب الشرائط التي تشنها »القاعدة« في الذكرى الثالثة لسقوط نظام صدام للتذكير بأن أميركا منيت بهزيمة كبرى في العراق, وبخاصة أن مؤسسة »سحاب« بثت شريطين جديدين متزامنين, على الإنترنت للظواهري والقحطاني الهارب من سجن باغرام.
ولكن اللافت للنظر, في خطاب زعيم القاعدة - طبقاً لمشاري الذايدي - أنه للمرة الأولى يذكر أسماء كتاب وسياسيين أغلبهم سعوديون, ويحرض أتباعه على اغتيالهم, جرياً على سنة الاغتيالات في الإسلام (حسب زعمه) إذ يرى بن لادن أن الكتاب الليبراليين الذين وصفهم بالمستهزئين بالدين, هم زنادقة وملحدون, يجب قتلهم بطريق الاغتيال السري ولا حاجة لمشاورة أو فتوى, كما فعل الصحابي محمد بن مسلمة في قتله كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي الذي نال من رسولنا, مؤكداً أن اغتيالهم أمر يحبه الله ورسوله, واستشهد بفتاوى لعدد من علماء الإسلام في المنطقة - لم تنشر الصحف الخطاب كاملاً, عدا صحيفة »القاهرة« 2/,5 نشرته كاملاً بعنوان: كيف يفكر العقل الإرهابي?
- ويستنتج شاكر النابلسي من التحريض القاعدي والإعلام الأصولي المتعاطف معه ضد الليبراليين أدلة على »انتصار الليبرالية وتقدمها في المنطقة« و»إفلاس الأصولية الإرهابية في مواجهة الحجة بالحجة إذ تواجه الكلمة بالسيف« ويقول إنه قبل شهر تلقى أكثر من 30 كاتباً ليبرالياً إنذاراً بالتوبة والكف عن الكتابة وإلا قتلوا, ويضيف: إن النصر المزعوم لقوى الظلام إنما تجسد فحسب في أعمالهم الوحشية الدموية التي توقع - يوميا - العشرات من القتلى الأبرياء من المسلمين بأكثر مما أوقعته الحروب الصليبية في الماضي.
لندع خطاب بن لادن وكيفية نظرته إلى المخالفين له ولننتقل إلى الساحة الكويتية لنشاهد كيف ينظر قادة »السلفية« إلى من خالفهم في أمر خلافي?
ما زالت قيامة »السلفيين« قائمة ضد د. محمد عبدالغفار الشريف (العميد السابق لكلية الشريعة وأحد الفضلاء المعروفين بالمنهج الوسطي الاعتدالي والداعين إلى الله على بصيرة) لقد جند السلفيون أقلامهم وألسنتهم في مقالات لا تنقطع وفي محاضرات وندوات لا تنفض, في تجريحه والإساءة إليه, لماذا?! لأنه رأى جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وأنه (بدعة حسنة) ولأنه لم يقل بشرك من طاف بالأضرحة والقبور وقال اما الطواف بالقبور فغير مشروع عند كل علماء المسلمين بما فيهم الصوفية واختلفوا هل هو حرام ام مكروه ولم يقل احد انه شرك الا بعض المعدودين على الاصابع ممن ينسب الى العلم.
قامت القيامة ولم تقعد ضد د. الشريف وضد »الصوفية« كلها وبلغ بالسلفيين في الكويت ان قالوا »الصوفية دين اميركا الجديد في المنطقة والمتصوفة افراخ لعبدة الاصنام.
»السياسة«4/5 ¯ و الصوفية وسيلة الكفار والمستعمرين لبلاد الاسلام.
والسؤال هنا اولا لماذا هذا الغلو في الاتهام?
وما الجامع بين خطاب (بن لادن)ضد الليبراليين وخطاب هؤلاء ضد الصوفية ?
وجواب السؤالين واحد وهو ان هؤلاء جميعا يعتقدون اعتقادا جازما انهم يملكون الحقيقة المطلقة وان ما يرونه هو الصواب المطلق الذي لا يأتيه الباطل مطلقا وان من اختلف معهم في رأيهم فهو على ضلالة وبطلان. ولعلنا نتذكر ان مثل هذا الاعتقاد المتسلط هو الدافع لذلك المسلم الانتحاري الذي تسلل وسط 50 الف مسلم احتشدوا في حديقة عامة في باكستان للاحتفال بالمولد النبوي ففجر نفسه فيهم فقتل العشرات واصاب المئات وهو يحسب انه شهيد ونصيبه الجنة والحور واما قتلاه فهم اهل كفر وضلالة فالى جهنم ¯ جمال خاشقجي هذه العقلية التعصبية هي التي تحكم ساحة الفكر الديني وخطابه التحريضي ضد الاخر المختلف معه مذهبا او طائفة.. هذا المنهج الاقصائي التشكيكي التخويني التكفيري هو اصل الداء في تنامي الفكر العنيف في المنطقة ولم تفلح مؤتمرات تطوير التعليم والتربية وندوات الحوار من تفكيكه وتجاوزه لماذا?
لانه راسخ ومتأصل في الموروث الاجتماعي والفقهي منذ عصر الملل والنحل حين تمسك كل فريق بحديث واه مؤداه ان اليهود افترقوا (71) فرقة والنصارى افترقوا 72 فرقة واما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتفترق(73) فرقة كلها في النار الا واحدة فادعت كل فرقة انها هي الناجية وغيرها في النار. ثم ترسخ هذا المنهج الاقصائي عبر طريقة تدريسنا موضوع الفرق الاسلامية من منطلق مذهبي دفاعي ننتصر فيه لمذهبنا ضد الاخر الضال غافلين حكمة الخالق عز وجل والذي يحدثنا في القرآن في ايات كثيرة عن التعددية المذهبية والدينية وانه عز وجل هو وحده الذي يحكم بين الناس فيما كانوا يختلفون لا نحن.
»الصوفية« الصحيحة دعوة للمحبة والتسامح والخير.. وما انتشرت في ارض الا سادتها قيم التراحم والتعاطف والايثار.. وما من قوم حاربوا التصوف والمتصوفة الا ابتلوا بالفكر المتشدد والاحداث الارهابية المعاصرة شاهدة ومؤكدة لهذا القول وما هؤلاء الشباب الذين تحولوا الى قنابل موقوتة ضد مجتمعاتهم وضد انفسهم الا ضحايا لذلك الفكر الاقصائي التعصبي الذي تشربوا منه وتغذوا عليه.
وخطاب بن لادن الاخير في هجومه واستهدافه الليبراليين بالقتل ما هو الا احد افرازات او تجليات هذا المنهج الاقصائي.. لندع التشكيك في عقائد المخالفين لنا مذهبا او طائفة او دينا فنحن الان في حاجة اكثر الى تفاهم مشترك بين ابناء المجتمع الواحد والامة الواحدة.. نحن في حاجة الى منهج بديل منهج لا يقصي احدا ولا يفسق ولا يخون ولا يكفر ولا يشكك في العقيدة والايمان بل ولا يجرح او يشوه او يكره.. نحن في حاجة الى حوار الذات بين ابناء المجتمع الواحد لنعلم ابناءنا كيف يحترمون الاخرين المخالفين. نربيهم على الشورى والتحاور, نشجعهم على ابداء الرأي, نغرس في قلوبهم قيمة التسامح ومبادئ الاسلام الجامعة للمسلمين يجب ان يكون خطابنا الديني اكثر استنارة وخطابنا الاعلامي اكثر انفتاحا وخطابنا الثقافي اكثر تسامحا وخطابنا التعليمي اكثر قبولا للاخرين وخطابنا التربوي اكثر ديمقراطية حتى لا نشقى بحياتنا ونكسب المستقبل.
* كاتب قطري وعميد كلية الشريعة السابق
في تطور جديد في خطاب المطلوب الأول في العالم, بثته »الجزيرة« في 23/4/2006 هاجم »بن لادن« المفكرين العرب »الليبراليين« ووصفهم بالمستهزئين بالدين, وحذر من الاستماع إلى طروحاتهم التي هي »غزو فكري« وبخاصة في مطالبتهم بتطوير المناهج الدراسية ودعوتهم للحوار الحضاري مع الغرب بديلاً عن الصدام الحضاري, وأكد أن الغرب لا يريد الحوار إلا من أجل كسب الوقت وخداعنا بينما الصدام قائم من جانب الغرب ضد المسلمين فيما سماه »حرباً صليبية صهيونية«.
المفردات الجديدة جاءت في سياق خطاب طويل, دعا فيه زعيم القاعدة أنصاره إلى الاستعداد لحرب طويلة ضد من أسماهم »اللصوص الصليبيين« في دارفور, وهاجم الغرب مؤكداً عداوته الأبدية للمسلمين ومستشهداً بحصار الغرب لحكومة حماس بعد فوزها في الانتخابات ومقاطعته لها.
ويرى المراقبون أن شريط بن لادن يأتي ضمن حرب الشرائط التي تشنها »القاعدة« في الذكرى الثالثة لسقوط نظام صدام للتذكير بأن أميركا منيت بهزيمة كبرى في العراق, وبخاصة أن مؤسسة »سحاب« بثت شريطين جديدين متزامنين, على الإنترنت للظواهري والقحطاني الهارب من سجن باغرام.
ولكن اللافت للنظر, في خطاب زعيم القاعدة - طبقاً لمشاري الذايدي - أنه للمرة الأولى يذكر أسماء كتاب وسياسيين أغلبهم سعوديون, ويحرض أتباعه على اغتيالهم, جرياً على سنة الاغتيالات في الإسلام (حسب زعمه) إذ يرى بن لادن أن الكتاب الليبراليين الذين وصفهم بالمستهزئين بالدين, هم زنادقة وملحدون, يجب قتلهم بطريق الاغتيال السري ولا حاجة لمشاورة أو فتوى, كما فعل الصحابي محمد بن مسلمة في قتله كعب بن الأشرف الشاعر اليهودي الذي نال من رسولنا, مؤكداً أن اغتيالهم أمر يحبه الله ورسوله, واستشهد بفتاوى لعدد من علماء الإسلام في المنطقة - لم تنشر الصحف الخطاب كاملاً, عدا صحيفة »القاهرة« 2/,5 نشرته كاملاً بعنوان: كيف يفكر العقل الإرهابي?
- ويستنتج شاكر النابلسي من التحريض القاعدي والإعلام الأصولي المتعاطف معه ضد الليبراليين أدلة على »انتصار الليبرالية وتقدمها في المنطقة« و»إفلاس الأصولية الإرهابية في مواجهة الحجة بالحجة إذ تواجه الكلمة بالسيف« ويقول إنه قبل شهر تلقى أكثر من 30 كاتباً ليبرالياً إنذاراً بالتوبة والكف عن الكتابة وإلا قتلوا, ويضيف: إن النصر المزعوم لقوى الظلام إنما تجسد فحسب في أعمالهم الوحشية الدموية التي توقع - يوميا - العشرات من القتلى الأبرياء من المسلمين بأكثر مما أوقعته الحروب الصليبية في الماضي.
لندع خطاب بن لادن وكيفية نظرته إلى المخالفين له ولننتقل إلى الساحة الكويتية لنشاهد كيف ينظر قادة »السلفية« إلى من خالفهم في أمر خلافي?
ما زالت قيامة »السلفيين« قائمة ضد د. محمد عبدالغفار الشريف (العميد السابق لكلية الشريعة وأحد الفضلاء المعروفين بالمنهج الوسطي الاعتدالي والداعين إلى الله على بصيرة) لقد جند السلفيون أقلامهم وألسنتهم في مقالات لا تنقطع وفي محاضرات وندوات لا تنفض, في تجريحه والإساءة إليه, لماذا?! لأنه رأى جواز الاحتفال بالمولد النبوي الشريف وأنه (بدعة حسنة) ولأنه لم يقل بشرك من طاف بالأضرحة والقبور وقال اما الطواف بالقبور فغير مشروع عند كل علماء المسلمين بما فيهم الصوفية واختلفوا هل هو حرام ام مكروه ولم يقل احد انه شرك الا بعض المعدودين على الاصابع ممن ينسب الى العلم.
قامت القيامة ولم تقعد ضد د. الشريف وضد »الصوفية« كلها وبلغ بالسلفيين في الكويت ان قالوا »الصوفية دين اميركا الجديد في المنطقة والمتصوفة افراخ لعبدة الاصنام.
»السياسة«4/5 ¯ و الصوفية وسيلة الكفار والمستعمرين لبلاد الاسلام.
والسؤال هنا اولا لماذا هذا الغلو في الاتهام?
وما الجامع بين خطاب (بن لادن)ضد الليبراليين وخطاب هؤلاء ضد الصوفية ?
وجواب السؤالين واحد وهو ان هؤلاء جميعا يعتقدون اعتقادا جازما انهم يملكون الحقيقة المطلقة وان ما يرونه هو الصواب المطلق الذي لا يأتيه الباطل مطلقا وان من اختلف معهم في رأيهم فهو على ضلالة وبطلان. ولعلنا نتذكر ان مثل هذا الاعتقاد المتسلط هو الدافع لذلك المسلم الانتحاري الذي تسلل وسط 50 الف مسلم احتشدوا في حديقة عامة في باكستان للاحتفال بالمولد النبوي ففجر نفسه فيهم فقتل العشرات واصاب المئات وهو يحسب انه شهيد ونصيبه الجنة والحور واما قتلاه فهم اهل كفر وضلالة فالى جهنم ¯ جمال خاشقجي هذه العقلية التعصبية هي التي تحكم ساحة الفكر الديني وخطابه التحريضي ضد الاخر المختلف معه مذهبا او طائفة.. هذا المنهج الاقصائي التشكيكي التخويني التكفيري هو اصل الداء في تنامي الفكر العنيف في المنطقة ولم تفلح مؤتمرات تطوير التعليم والتربية وندوات الحوار من تفكيكه وتجاوزه لماذا?
لانه راسخ ومتأصل في الموروث الاجتماعي والفقهي منذ عصر الملل والنحل حين تمسك كل فريق بحديث واه مؤداه ان اليهود افترقوا (71) فرقة والنصارى افترقوا 72 فرقة واما أمة محمد صلى الله عليه وسلم فتفترق(73) فرقة كلها في النار الا واحدة فادعت كل فرقة انها هي الناجية وغيرها في النار. ثم ترسخ هذا المنهج الاقصائي عبر طريقة تدريسنا موضوع الفرق الاسلامية من منطلق مذهبي دفاعي ننتصر فيه لمذهبنا ضد الاخر الضال غافلين حكمة الخالق عز وجل والذي يحدثنا في القرآن في ايات كثيرة عن التعددية المذهبية والدينية وانه عز وجل هو وحده الذي يحكم بين الناس فيما كانوا يختلفون لا نحن.
»الصوفية« الصحيحة دعوة للمحبة والتسامح والخير.. وما انتشرت في ارض الا سادتها قيم التراحم والتعاطف والايثار.. وما من قوم حاربوا التصوف والمتصوفة الا ابتلوا بالفكر المتشدد والاحداث الارهابية المعاصرة شاهدة ومؤكدة لهذا القول وما هؤلاء الشباب الذين تحولوا الى قنابل موقوتة ضد مجتمعاتهم وضد انفسهم الا ضحايا لذلك الفكر الاقصائي التعصبي الذي تشربوا منه وتغذوا عليه.
وخطاب بن لادن الاخير في هجومه واستهدافه الليبراليين بالقتل ما هو الا احد افرازات او تجليات هذا المنهج الاقصائي.. لندع التشكيك في عقائد المخالفين لنا مذهبا او طائفة او دينا فنحن الان في حاجة اكثر الى تفاهم مشترك بين ابناء المجتمع الواحد والامة الواحدة.. نحن في حاجة الى منهج بديل منهج لا يقصي احدا ولا يفسق ولا يخون ولا يكفر ولا يشكك في العقيدة والايمان بل ولا يجرح او يشوه او يكره.. نحن في حاجة الى حوار الذات بين ابناء المجتمع الواحد لنعلم ابناءنا كيف يحترمون الاخرين المخالفين. نربيهم على الشورى والتحاور, نشجعهم على ابداء الرأي, نغرس في قلوبهم قيمة التسامح ومبادئ الاسلام الجامعة للمسلمين يجب ان يكون خطابنا الديني اكثر استنارة وخطابنا الاعلامي اكثر انفتاحا وخطابنا الثقافي اكثر تسامحا وخطابنا التعليمي اكثر قبولا للاخرين وخطابنا التربوي اكثر ديمقراطية حتى لا نشقى بحياتنا ونكسب المستقبل.