سلسبيل
05-07-2006, 07:14 AM
http://www.aawsat.com/2006/05/07/images/interview.362002.jpg
جمال هلال مترجم الرؤساء الأميركيين في حوار مع الشرق الاوسط
هبة القدسي - الشرق الاوسط
يتوسط جمال هلال جميع القادة العرب عندما يلتقون مع الرئيس الاميركي جورج بوش، وهو عادة ما يهمس في أذن الرئيس بوش وآذان القادة العرب، ويتكرر ظهوره مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع وديك تشيني نائب الرئيس ومستشار الأمن القومي. جمال هلال، أميركي من اصل مصري يعمل في وظيفة «كبير المترجمين الدبلوماسيين» داخل الادارة الاميركية، وهو مخزن متحرك من الاسرار السياسية. حضر خلال عمله كمترجم خاص للرئيس الاميركي، مئات اللقاءات والاجتماعات والجلسات المغلقة خلال فترات لثلاثة رؤساء للولايات المتحدة الاميركية وستة وزراء خارجية وخمسة وزراء دفاع.
كان دائما هو «لسان» الرئيس الاميركي، نقل عنه قرارات صنعت تاريخا وغيرت مجرى الاحداث وقادت الى حروب والى مفاوضات سلام، كان حاضرا في قرارات الحرب لتحرير الكويت مع جورج بوش الاب، وفي قرار الحرب في العراق مع جورج بوش الابن، وبينهما كان مشاركا دبلوماسيا في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين مع الرئيس بيل كلينتون. ومع كل رئيس له ذكريات خاصة واسرار، وعلاقة تخرج عن الاطار المهني الى اطار الصداقة والدعوة لزيارات خاصة. يروي جمال هلال في هذا الحوار مع «الشرق الاوسط»، وهو أول حوار مع مطبوعة عربية، رحلته من مصر الى الولايات المتحدة، وعلاقته الخاصة جدا بكل رئيس والجانب الآخر الذي لا يعرفه الناس عن هذا الرئيس. في ما يلي نص الحوار :
> هاجرت الى الولايات المتحدة في بداية السبعينات للدراسة والعمل، كيف كانت الرحلة حتى وصلت الى منصب كبير المترجمين الدبلوماسيين في الادارة الاميركية ومستشار سياسي للخارجية؟
ـ ولدت في أسيوط عام 1954، وتخرجت من كلية الزراعة، لكن فكرة الهجرة تولدت لدي في المرحلة الاعدادية والثانوية، كان حلمي ان أعمل في منظمة الأمم المتحدة لحبي الشديد للسياسة الدولية، وبعد تخرجي عام 1976 سافرت الى الولايات المتحدة وهنا بدأت بالفعل حياتي الدراسية والمهنية، حصلت على دبلوم في الدراسات الدولية ثم ماجستير من ولاية فيرمونت في التواصل بين الحضارات، كانت تلك الفترة أصعب فترات حياتي، أتذكر أنني خلال خمس سنوات لم آخذ يوما واحدا إجازة من الدراسة والعمل، عملت في كل الأشغال التي يمكن تخيلها في الحدائق والمطابع والمخيمات وعملت كمشرف على مبنى في المدينة الجامعية التي أسكن فيها حتى اسدد مبلغاً أقل للسكن الجامعي، وكان بإمكاني أن ابدأ حياتي لدى أسرة عمي الذي يقيم في الساحل الغربي في كاليفورنيا، وأنا في الساحل الشرقي، لكني فضلت ان أتحمل المسؤولية بالكامل بالنسبة للدراسة والاعاشة. وعملت بعد ذلك في بداية الثمانينات مع زوجة الرئيس جيمي كارتر في برنامج التبادل الثقافي بين مواطني الولايات المتحدة والدول الاخرى، واقترح علي احد الاصدقاء التقدم للعمل في وزارة الخارجية الأميركية، رغم ان تفكيري آنذاك كان منصبا على العمل في الأمم المتحدة. لكنني تقدمت للعمل في مجال الترجمة الشفهية، إذ أن هناك نوعين من الترجمة، الكتابية للوثائق والأوراق، والشفهية الخاصة بالاجتماعات واللقاءات. > ما هي المواصفات والمتطلبات فيمن يعمل كمترجم دبلوماسي للرئيس والمسؤولين؟
ـ النجاح في الامتحانات. خضت سلسلة من الاختبارات أمام لجنة تتكون من ثمانية أشخاص، أقوم بالترجمة الشفهية (الفورية والمتقطعة) لمدة ساعتين، رغم أن المطلوب والمعمول به هو نصف ساعة فقط، ثم امتحانات في القضايا السياسية والاقتصادية، بالاضافة الى اختبارات في مدى قدرة تكيف الشخص لهذا العمل، فالمترجم الخاص للرئيس والوزراء، لا بد ان يكون على قدر من اللباقة والقدرة على التعامل مع الآخرين، وقدر من المعرفة في القضايا المختلفة، والاختبار الحقيقي هو العمل نفسه، لانني اذا اسأت الاداء سأخرج فوراً.
> هل تتذكر أول يوم قمت به بالترجمة للرئيس جورج بوش الأب، وما هي ابرز الاحداث واللقاءات التي تتذكرها معه؟
ـ نعم كان أول يوم قمت به بالترجمة للرئيس بوش الاب، أثناء القائه خطابا نقلته إذاعة «صوت أميركا». وعندما بدأت مع الرئيس بوش كنت مترجما «دبلوماسيا» فقط، وهي ليست اعلى درجة في مجال الترجمة، وتدرجت حتى أصبحت كبير المترجمين الدبلوماسيين في عام 1995، وتتلخص مهمتي في الترجمة لخمس شخصيات بشكل أساسي، هم رئيس الولايات المتحدة ونائب الرئيس ووزير الخارجية، ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي. وأتذكر أنه من الاجتماعات السياسية المهمة التي غيرت وجه التاريخ كان اللقاء بين جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة وطارق عزيز وزير خارجية العراق، في ذلك الوقت، في مدينة جنيف في التاسع من يناير (كانون الثاني) عام 1991، وهو الاجتماع الذي أدى الى بداية حرب تحرير الكويت، وكان بالفعل أول اجتماع بهذه الأهمية غير العادية بالنسبة لي. كنا ندرك ان هذا الاجتماع إما أن يقود الى الحرب او الى التراجع عنها، وبالتالي كان هناك نوع من الضغط والتوتر، وكان مقرراً ان يدوم الاجتماع ساعة او ساعتين، لكنه استمر ست ساعات ونصف الساعة، وفي نهايته اتضح للجميع انه لا مفر من الحرب، ووقف جيمس بيكر أمام عدد كبير من الصحافيين في بهو الفندق معلنا، بأسف، انه لم يتم احراز اي تقدم في هذا الاجتماع، وكان بالفعل من الاجتماعات التي لها اهمية بالغة في حياتي.
والحدث الثاني بنفس الاهمية العالمية من وجهة نظري، كان توقيع اتفاقية اوسلو للسلام بين الرئيس بيل كلينتون والرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين في البيت الأبيض في سبتمبر (ايلول) 1993.
> عملت مع الرئيس جورج بوش الاب، ثم بيل كلينتون لمدة ثماني سنوات، ثم الرئيس الحالي جورج بوش الابن، ما هي أوجه الخلاف او الشبه بين الرؤساء الثلاثة؟
ـ عملت مع الرؤساء الثلاثة بصفتي كبير المترجمين الدبلوماسيين، لكن منذ عام 1996، بدأت أعمل في الجانب السياسي وتقلص دوري في الترجمة الشفهية، وأصبح قاصرا على الترجمة للرئيس وكبار المسؤولين من الوزراء فقط، والجزء الاكبر هو عملي في ادارة الشرق الأدنى كمستشار سياسي، حيث عملت مع دنيس روس منسق عملية السلام كبير مستشارين منذ عام 1996. وأصبحت عضوا في فريق عملية السلام، الذي كان يضم الرئيس كلينتون ومستشار الأمن القومي سيندي برجر، ووزيرة الخارجية مادلين اولبرايت واثنين من مجلس الأمن القومي ودنيس روس منسق عملية السلام وأنا.
الاختلافات بين الرؤساء الثلاثة طفيفة، لكن كل رئيس عملت معه، نشأت بيني وبينه علاقة قوية، «لانني امتداد له» فالترجمة ليست مجرد آلة او زر يتم الضغط عليه، فمن يقوم بالترجمة عليه مسؤولية ضخمة، هي نقل جوهر الحديث، ولا بد ان يعكس الجانب الانساني للشخص الذي يترجم كلماته، لان الترجمة هي عملية اتصال، والكلمة تعكس فكرا ومفهوما ومشاعر لما يدور في الذهن، والعبارات هي أداة التعبير عن هذا الفكر، لذا مهمة المترجم هي توصيل كل ذلك، خاصة عندما يمارس عملا دبلوماسيا في أمور تخص مستقبل وحياة دول وشعوب.
> هل صادفك موقف كان الرئيس الاميركي يوجه رسالة حادة بعبارات قوية وواجهت حرجا في ترجمة رسالته؟
ـ اذا كانت الرسالة التي يوجهها الرئيس الأميركي حادة، فهناك هدف ان تكون تلك الرسالة حادة، لكن ليس بالشكل الذي يتخيله الناس، فاللغة الدبلوماسية بها كثير من الحزم واللطف ايضا، ولا يمكن ان يرتكب رؤساء الدول اخطاء جسيمة تجعل المترجم يتردد في توصيلها، لان الدقة الشديدة هي جوهر عمل المترجم وتوصيل جوهر الموضوع من دون زيادة او نقصان، لان كل كلمة لها ابعاد قانونية وسياسية مقصودة، بالاضافة الى الامانة الفكرية، لان ابعاد الكلمة ايضا لا بد من ترجمتها. ووجود قدر كبير من الثقة لان عملي لا يقتصر فقط على المسؤولين الاميركيين، وانما ايضا جميع القادة العرب، ولا اتردد على الاطلاق في ان اسأل ما المقصود بهذه الكلمة اذا كانت الفكرة غير واضحة، فلا توجد مساحة للافتراض او الاجتهاد.
> كانت فترة رئاسة الرئيس جورج بوش حافلة باحداث حرب تحرير الكويت وفترة رئاسة كلينتون مليئة بمفاوضات مكثفة لدعم جهود السلام، وفترة رئاسة بوش الابن تميزت باحداث 11 سبتمبر وغزو العراق، كيف يتعامل كل رئيس مع القضايا الساخنة وكيف يتخذ قراره؟
ـ الرئيس بوش الاب كان جزء كبير من نهجه يعتمد على بناء التحالفات والائتلافات، وبالتالي كانت لقاءاته واتصالاته واجتماعاته برؤساء الدول تتم بشكل شبه مستمر، قبل حرب تحرير الكويت لمحاولة اقناع عدد كبير من رؤساء الدول للانضمام لهذا التحالف الذي يقوده، وكان عليه التعامل مع أزمة سياسية ضخمة واحتلال دولة وازالتها من الخريطة، وفي نفس الوقت كان يقود ذلك من خلال الاستخدام الامثل للدبلوماسية.
أما الرئيس كلينتون فكانت فترة رئاسته مليئة بالاحداث، لكنها تنصب على مجال المفاوضات المكثفة طوال سنوات رئاسته الثماني، وكان هو شخصيا جزءا من هذه المفاوضات في «واي بلانتيش» ومفاوضات كامب ديفيد وكان كلينتون يقوم بدور المايسترو في هذه المفاوضات، لانه يتمتع بقدرة النظر للصورة الكلية للاحداث، وإحداث التوازنات ليس فقط داخل قضية معينة لكن على مستوى اكبر واشمل. لكن في فترة رئاسة جورج بوش الابن، اختلفت الامور، لان ما حدث في 11 سبتمبر (ايلول) غير الكثير في الولايات المتحدة، فهي المرة الثانية التي تتعرض فيها اميركا لهجمة من الخارج، كانت الاولى في بيرل هاربر، عندما قام الجيش الياباني بضرب الميناء، وادى ذلك الى دخول الولايات المتحدة الاميركية في الحرب العالمية الثانية. المشكلة ان هجمات 11 سبتمبر غيرت اشياء كثيرة للأسوأ، فليس من السهل على المواطن او المسؤول الاميركي ان يتقبل الهجوم عليه من دون سبب او استفزاز، وان يقتل الابرياء في هجوم بربري بهذا الشكل، فهذه بالفعل فترة صعبة، قامت فيها الولايات المتحدة بشن حرب على الارهاب، وهي حرب غير محددة المدة ولا العدو ولا المكان او الزمان، لان هناك عدواً يريد الحاق الضرر بالولايات المتحدة بصفة خاصة، والغرب بصفة عامة، وهذا جعل من فترة رئاسة الرئيس بوش فترة مليئة بقضايا لا تحتمل الانتظار، لأنها قضايا مرتبطة بتهديدات آنية وفورية، وتجبر اي رئيس على ان يكون على استعداد للتعامل الفردي معها، بمعنى انه لن ينتظر موافقة جهة او دولة أخرى للقيام بهجوم معين، لان القضية اصبحت الدفاع عن مصلحة وأمن دولته.
وعملي مع هؤلاء الرؤساء عن قرب يعطيني مجالا لا يتوفر لعدد كبير من الاشخاص، ان أرى المسؤول وهو يتعامل مع المسؤولية الملقاة على عاتقه، لكن ابرز ما يميز الرؤساء الاميركيين، ان لديهم عمقا انسانيا كبيرا واحساسا بانسانية الآخرين، مما يجعل عملية اخذ القرار في منتهى الصعوبة، خاصة في ما يتعلق بقرار حرب قد تقتل فيها مئات والاف الارواح.
ولا يكون ظاهرا، وراء الابواب المغلقة مدى الصعوبة الشخصية التي يواجهها الرئيس كي يتخذ القرار الصحيح لتحقيق مصلحة الدولة، وما يترتب عليه من ابعاد. وكل رئيس عملت معه، أحسست بهذا الصراع داخله، لكن هناك قرارات لا مفر من اتخاذها.
> هل تشعر بالتعاطف مع الرئيس بسبب قربك المهني والشخصي منه؟
ـ هذا ليس تعاطفاً وانما فهم وادراك لصعوبة القرارات التي يتخذها، كثير من الناس لديها نزعة وميل لتبسيط الامور، ولا يدركون ان عملية اتخاذ القرار تمر بمراحل معقدة، والقرارات ليست نابعة من أفراد لان الولايات المتحدة دولة مؤسسات واي قرار يتم اتخاذه لابد من موافقة جهات عديدة وقطاعات ووزارات عليه، والبعض يخطئ في فهم ذلك ويحكمون من خلال مفهوم الانظمة القائمة في الشرق الاوسط التي يتخذ فيها الرئيس بصفته الشخصية معظم القرارات.
> ما هو الوجه الاخر للرئيس جورج بوش كيف تصفه من خلال قربك الشخصي له؟
ـ أنا مقرب جدا من الرئيس بوش، وبداخله كم هائل من الانسانية وبعيد كل البعد عن التعالي والتكبر، بل هو شخص في منتهى البساطة، مؤمن جدا، ويحاول ان يمارس حياته كرئيس دولة من دون ان يجعل هذا المنصب يطغي على انسانيته او العلاقة بينه وبين الخالق، والشيء الثابت في تعاملاته هو احترامه للآخر ايا كان هذا الآخر.
> هل تذكر موقفا له دلالته بينك وبين الرئيس جورج بوش... وما هي نوعية العلاقة بينكما، هل تراه خارج اوقات العمل ؟
ـ نعم ارى الرئيس بوش أحيانا في غير اوقات العمل، فانا لا أعمل معه كمترجم فقط وانما اعمل ايضا في الجانب السياسي، وتربطني به علاقة إنسانية قوية.
وأذكر موقفا خاصا عندما زار الرئيس بوش شرم الشيخ في مصر، واجتمع وقتها مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد والرئيس مبارك والملك عبد الله الثاني ملك الاردن وملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة ومحمود عباس رئيس الوزراء الفلسطيني انذاك في مدينة شرم الشيخ في يونيو (حزيران) 2003، والقى هؤلاء القادة خطاباتهم، وكان الجو حارا في منتصف اليوم، وكنت اقوم بالترجمة الفورية لخطابات الرؤساء من داخل كابينة درجة الحرارة بها 50 درجة، كنت اتصبب عرقا حتى كدت اغيب عن الوعي، وعندما انتهى الرؤساء من خطاباتهم، خرجت من الكابينة، ووجدت الرئيس بوش منزعجا لمظهري واسرع بأخذ فوطة مبللة ومسح لي جبهتي ووجهي، وقد التقطت وكالة اسوشيتد بريس هذه الصورة وهذا موقف يعد رد فعل بديهيا وانسانيا لهذا الشخص، رغم انه محاط بستة من ملوك ورؤساء الدول.
> هل تشعر كمصري بميل عاطفي وتحاول نقل صورة جيدة اثناء المحادثات الرسمية بين بوش والمسؤولين المصريين؟
ـ انا لا أعيش في الولايات المتحدة كمصري مغترب. أنا لدي هوية مصرية، هذه النقطة في غاية الاهمية، لان على كل انسان ان يعرف هويته، ولكني أعتبر نفسي مواطناً اميركياً مائة بالمائة. ولي جذور مصرية اعتز بها جدا، لكن هذا لا يعني على الاطلاق وجود مفاضلة واختيار، فقد قبلت بكامل قواي العقلية ان اكون مواطنا اميركيا.
> كيف تصف علاقتك بالقادة العرب، ومن هو اكثرهم قرباً لك؟
ـ علاقتي طيبة بكل القادة العرب واكن لهم كل الاحترام، لكن اكثر من عملت معه هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
> دنيس روس وزير الخارجية الاسبق من أكثر الشخصيات التي أثرت فيك ما نوع هذا التأثير؟
ـ دنيس صديق مقرب جدا لي على المستوى المهني والسياسي وهناك نوع من التفاهم السريع، وهو يعد من أقرب اصدقائي على المستوى الشخصي، فصداقتنا عمرها عشرون عاما، وهو من الشخصيات المبدعة سياسيا ويتمتع بقدر كبير من الذكاء والاخلاص للقضايا التي يكون مسؤولا عنها. واعتقد ان التأثير مزدوج فهو ايضا تأثر بي.
> عملك مع ستة وزراء خارجية بينهم اثنان من ابرز السيدات في تاريخ الخارجية الأميركية، مثل مادلين اولبرايت وكوندوليزا رايس كيف ترى الفارق بين الوزيرتين وبقية الوزراء الرجال؟
ـ وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت كانت لديها طاقة للعمل ولا تبخل بجهدها في خدمة قضية سياسية معينة، وكانت كثيرة السفر وعقد الاجتماعات وعلاقتي بها قوية.
أما «كوندي» فهي تمثل جيلا جديدا من المرأة الاميركية وجيلا جديدا من الدبلوماسية الاميركية، فهي امرأة في غاية الذكاء ولديها فهم عميق لقضايا الأمن القومي واحساس بمسؤولية دولة كالولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، وإحداث التوازن الصعب بين الإبقاء على الطبيعة المنفتحة للولايات المتحدة وتقوية العلاقات، وفي نفس الوقت حماية الولايات المتحدة بعد تفجيرات 11 سبتمبر، لذا من القضايا المهمة التي تتعامل معها كوندوليزا رايس بشكل يومي هي الخاصة بالحفاظ على أمن الولايات المتحدة من جهة والإبقاء على طبيعة الولايات المتحدة كمجتمع منفتح من جهة أخرى.
لكن من جانب اخر لا توجد فروق بين الرجل والمرأة في منصب وزير الخارجية، لان وزير الخارجية ايضا لا يعمل بصفة شخصية، فكبار المسؤولين في الولايات المتحدة عليهم الكثير من الأعباء وجدول اعمالهم منظم بعدد حافل من الاجتماعات والقضايا ولديهم طاقم ضخم من المساعدين والمستشارين الذي يشاركون في صياغة السياسة وتنفيذها.
> هل واجهتك مواقف طريفة أثناء عملك مع الرؤساء الاميركيين؟
ـ الطرافة موجودة وروح الدعابة لدى الرؤساء الاميركيين ووزراء الخارجية متوفرة بشكل غير عادي ولديهم قدرة على القاء النكت. > هل تضحك حتى لو كانت نكتة الرئيس بوش سخيفة او قديمة؟
ـ عادة ما تكون النكات التي يلقيها جديدة ومضحكة والمشكلة التي اقابلها هي أنني استمر في الضحك لمدة طويلة.
> وسط هذه الاحداث البالغة الاهمية تاريخيا وسياسيا، الا تفكر في كتابة مذكراتك في كتاب يجمع كل هذه الاسرار؟
ـ جميع اصدقائي يسألونني نفس السؤال، لكنني لم اقرر بعد ذلك، وانا أؤمن بأمر واحد وهو «الامانة»، فلا يمكن ان أذيع الاسرار الشخصية مطلقا، واذا كان هناك هدف من كشف هذه الاسرار بعد 30 عاما فهذا قرار متروك للحكومة الأميركية. لكن ليس لي نية حاليا ان اكتب، واعتبر ان جزءا كبيرا من عملي يعتمد على احترام خصوصية هؤلاء الاشخاص الذين أعمل معهم ولن احترم نفسي اذا قمت بافشاء هذه الاسرار.
جمال هلال مترجم الرؤساء الأميركيين في حوار مع الشرق الاوسط
هبة القدسي - الشرق الاوسط
يتوسط جمال هلال جميع القادة العرب عندما يلتقون مع الرئيس الاميركي جورج بوش، وهو عادة ما يهمس في أذن الرئيس بوش وآذان القادة العرب، ويتكرر ظهوره مع وزيرة الخارجية الأميركية كوندوليزا رايس ودونالد رامسفيلد وزير الدفاع وديك تشيني نائب الرئيس ومستشار الأمن القومي. جمال هلال، أميركي من اصل مصري يعمل في وظيفة «كبير المترجمين الدبلوماسيين» داخل الادارة الاميركية، وهو مخزن متحرك من الاسرار السياسية. حضر خلال عمله كمترجم خاص للرئيس الاميركي، مئات اللقاءات والاجتماعات والجلسات المغلقة خلال فترات لثلاثة رؤساء للولايات المتحدة الاميركية وستة وزراء خارجية وخمسة وزراء دفاع.
كان دائما هو «لسان» الرئيس الاميركي، نقل عنه قرارات صنعت تاريخا وغيرت مجرى الاحداث وقادت الى حروب والى مفاوضات سلام، كان حاضرا في قرارات الحرب لتحرير الكويت مع جورج بوش الاب، وفي قرار الحرب في العراق مع جورج بوش الابن، وبينهما كان مشاركا دبلوماسيا في مفاوضات السلام بين الفلسطينيين والاسرائيليين مع الرئيس بيل كلينتون. ومع كل رئيس له ذكريات خاصة واسرار، وعلاقة تخرج عن الاطار المهني الى اطار الصداقة والدعوة لزيارات خاصة. يروي جمال هلال في هذا الحوار مع «الشرق الاوسط»، وهو أول حوار مع مطبوعة عربية، رحلته من مصر الى الولايات المتحدة، وعلاقته الخاصة جدا بكل رئيس والجانب الآخر الذي لا يعرفه الناس عن هذا الرئيس. في ما يلي نص الحوار :
> هاجرت الى الولايات المتحدة في بداية السبعينات للدراسة والعمل، كيف كانت الرحلة حتى وصلت الى منصب كبير المترجمين الدبلوماسيين في الادارة الاميركية ومستشار سياسي للخارجية؟
ـ ولدت في أسيوط عام 1954، وتخرجت من كلية الزراعة، لكن فكرة الهجرة تولدت لدي في المرحلة الاعدادية والثانوية، كان حلمي ان أعمل في منظمة الأمم المتحدة لحبي الشديد للسياسة الدولية، وبعد تخرجي عام 1976 سافرت الى الولايات المتحدة وهنا بدأت بالفعل حياتي الدراسية والمهنية، حصلت على دبلوم في الدراسات الدولية ثم ماجستير من ولاية فيرمونت في التواصل بين الحضارات، كانت تلك الفترة أصعب فترات حياتي، أتذكر أنني خلال خمس سنوات لم آخذ يوما واحدا إجازة من الدراسة والعمل، عملت في كل الأشغال التي يمكن تخيلها في الحدائق والمطابع والمخيمات وعملت كمشرف على مبنى في المدينة الجامعية التي أسكن فيها حتى اسدد مبلغاً أقل للسكن الجامعي، وكان بإمكاني أن ابدأ حياتي لدى أسرة عمي الذي يقيم في الساحل الغربي في كاليفورنيا، وأنا في الساحل الشرقي، لكني فضلت ان أتحمل المسؤولية بالكامل بالنسبة للدراسة والاعاشة. وعملت بعد ذلك في بداية الثمانينات مع زوجة الرئيس جيمي كارتر في برنامج التبادل الثقافي بين مواطني الولايات المتحدة والدول الاخرى، واقترح علي احد الاصدقاء التقدم للعمل في وزارة الخارجية الأميركية، رغم ان تفكيري آنذاك كان منصبا على العمل في الأمم المتحدة. لكنني تقدمت للعمل في مجال الترجمة الشفهية، إذ أن هناك نوعين من الترجمة، الكتابية للوثائق والأوراق، والشفهية الخاصة بالاجتماعات واللقاءات. > ما هي المواصفات والمتطلبات فيمن يعمل كمترجم دبلوماسي للرئيس والمسؤولين؟
ـ النجاح في الامتحانات. خضت سلسلة من الاختبارات أمام لجنة تتكون من ثمانية أشخاص، أقوم بالترجمة الشفهية (الفورية والمتقطعة) لمدة ساعتين، رغم أن المطلوب والمعمول به هو نصف ساعة فقط، ثم امتحانات في القضايا السياسية والاقتصادية، بالاضافة الى اختبارات في مدى قدرة تكيف الشخص لهذا العمل، فالمترجم الخاص للرئيس والوزراء، لا بد ان يكون على قدر من اللباقة والقدرة على التعامل مع الآخرين، وقدر من المعرفة في القضايا المختلفة، والاختبار الحقيقي هو العمل نفسه، لانني اذا اسأت الاداء سأخرج فوراً.
> هل تتذكر أول يوم قمت به بالترجمة للرئيس جورج بوش الأب، وما هي ابرز الاحداث واللقاءات التي تتذكرها معه؟
ـ نعم كان أول يوم قمت به بالترجمة للرئيس بوش الاب، أثناء القائه خطابا نقلته إذاعة «صوت أميركا». وعندما بدأت مع الرئيس بوش كنت مترجما «دبلوماسيا» فقط، وهي ليست اعلى درجة في مجال الترجمة، وتدرجت حتى أصبحت كبير المترجمين الدبلوماسيين في عام 1995، وتتلخص مهمتي في الترجمة لخمس شخصيات بشكل أساسي، هم رئيس الولايات المتحدة ونائب الرئيس ووزير الخارجية، ووزير الدفاع ومستشار الأمن القومي. وأتذكر أنه من الاجتماعات السياسية المهمة التي غيرت وجه التاريخ كان اللقاء بين جيمس بيكر وزير خارجية الولايات المتحدة وطارق عزيز وزير خارجية العراق، في ذلك الوقت، في مدينة جنيف في التاسع من يناير (كانون الثاني) عام 1991، وهو الاجتماع الذي أدى الى بداية حرب تحرير الكويت، وكان بالفعل أول اجتماع بهذه الأهمية غير العادية بالنسبة لي. كنا ندرك ان هذا الاجتماع إما أن يقود الى الحرب او الى التراجع عنها، وبالتالي كان هناك نوع من الضغط والتوتر، وكان مقرراً ان يدوم الاجتماع ساعة او ساعتين، لكنه استمر ست ساعات ونصف الساعة، وفي نهايته اتضح للجميع انه لا مفر من الحرب، ووقف جيمس بيكر أمام عدد كبير من الصحافيين في بهو الفندق معلنا، بأسف، انه لم يتم احراز اي تقدم في هذا الاجتماع، وكان بالفعل من الاجتماعات التي لها اهمية بالغة في حياتي.
والحدث الثاني بنفس الاهمية العالمية من وجهة نظري، كان توقيع اتفاقية اوسلو للسلام بين الرئيس بيل كلينتون والرئيس ياسر عرفات ورئيس الوزراء الإسرائيلي اسحاق رابين في البيت الأبيض في سبتمبر (ايلول) 1993.
> عملت مع الرئيس جورج بوش الاب، ثم بيل كلينتون لمدة ثماني سنوات، ثم الرئيس الحالي جورج بوش الابن، ما هي أوجه الخلاف او الشبه بين الرؤساء الثلاثة؟
ـ عملت مع الرؤساء الثلاثة بصفتي كبير المترجمين الدبلوماسيين، لكن منذ عام 1996، بدأت أعمل في الجانب السياسي وتقلص دوري في الترجمة الشفهية، وأصبح قاصرا على الترجمة للرئيس وكبار المسؤولين من الوزراء فقط، والجزء الاكبر هو عملي في ادارة الشرق الأدنى كمستشار سياسي، حيث عملت مع دنيس روس منسق عملية السلام كبير مستشارين منذ عام 1996. وأصبحت عضوا في فريق عملية السلام، الذي كان يضم الرئيس كلينتون ومستشار الأمن القومي سيندي برجر، ووزيرة الخارجية مادلين اولبرايت واثنين من مجلس الأمن القومي ودنيس روس منسق عملية السلام وأنا.
الاختلافات بين الرؤساء الثلاثة طفيفة، لكن كل رئيس عملت معه، نشأت بيني وبينه علاقة قوية، «لانني امتداد له» فالترجمة ليست مجرد آلة او زر يتم الضغط عليه، فمن يقوم بالترجمة عليه مسؤولية ضخمة، هي نقل جوهر الحديث، ولا بد ان يعكس الجانب الانساني للشخص الذي يترجم كلماته، لان الترجمة هي عملية اتصال، والكلمة تعكس فكرا ومفهوما ومشاعر لما يدور في الذهن، والعبارات هي أداة التعبير عن هذا الفكر، لذا مهمة المترجم هي توصيل كل ذلك، خاصة عندما يمارس عملا دبلوماسيا في أمور تخص مستقبل وحياة دول وشعوب.
> هل صادفك موقف كان الرئيس الاميركي يوجه رسالة حادة بعبارات قوية وواجهت حرجا في ترجمة رسالته؟
ـ اذا كانت الرسالة التي يوجهها الرئيس الأميركي حادة، فهناك هدف ان تكون تلك الرسالة حادة، لكن ليس بالشكل الذي يتخيله الناس، فاللغة الدبلوماسية بها كثير من الحزم واللطف ايضا، ولا يمكن ان يرتكب رؤساء الدول اخطاء جسيمة تجعل المترجم يتردد في توصيلها، لان الدقة الشديدة هي جوهر عمل المترجم وتوصيل جوهر الموضوع من دون زيادة او نقصان، لان كل كلمة لها ابعاد قانونية وسياسية مقصودة، بالاضافة الى الامانة الفكرية، لان ابعاد الكلمة ايضا لا بد من ترجمتها. ووجود قدر كبير من الثقة لان عملي لا يقتصر فقط على المسؤولين الاميركيين، وانما ايضا جميع القادة العرب، ولا اتردد على الاطلاق في ان اسأل ما المقصود بهذه الكلمة اذا كانت الفكرة غير واضحة، فلا توجد مساحة للافتراض او الاجتهاد.
> كانت فترة رئاسة الرئيس جورج بوش حافلة باحداث حرب تحرير الكويت وفترة رئاسة كلينتون مليئة بمفاوضات مكثفة لدعم جهود السلام، وفترة رئاسة بوش الابن تميزت باحداث 11 سبتمبر وغزو العراق، كيف يتعامل كل رئيس مع القضايا الساخنة وكيف يتخذ قراره؟
ـ الرئيس بوش الاب كان جزء كبير من نهجه يعتمد على بناء التحالفات والائتلافات، وبالتالي كانت لقاءاته واتصالاته واجتماعاته برؤساء الدول تتم بشكل شبه مستمر، قبل حرب تحرير الكويت لمحاولة اقناع عدد كبير من رؤساء الدول للانضمام لهذا التحالف الذي يقوده، وكان عليه التعامل مع أزمة سياسية ضخمة واحتلال دولة وازالتها من الخريطة، وفي نفس الوقت كان يقود ذلك من خلال الاستخدام الامثل للدبلوماسية.
أما الرئيس كلينتون فكانت فترة رئاسته مليئة بالاحداث، لكنها تنصب على مجال المفاوضات المكثفة طوال سنوات رئاسته الثماني، وكان هو شخصيا جزءا من هذه المفاوضات في «واي بلانتيش» ومفاوضات كامب ديفيد وكان كلينتون يقوم بدور المايسترو في هذه المفاوضات، لانه يتمتع بقدرة النظر للصورة الكلية للاحداث، وإحداث التوازنات ليس فقط داخل قضية معينة لكن على مستوى اكبر واشمل. لكن في فترة رئاسة جورج بوش الابن، اختلفت الامور، لان ما حدث في 11 سبتمبر (ايلول) غير الكثير في الولايات المتحدة، فهي المرة الثانية التي تتعرض فيها اميركا لهجمة من الخارج، كانت الاولى في بيرل هاربر، عندما قام الجيش الياباني بضرب الميناء، وادى ذلك الى دخول الولايات المتحدة الاميركية في الحرب العالمية الثانية. المشكلة ان هجمات 11 سبتمبر غيرت اشياء كثيرة للأسوأ، فليس من السهل على المواطن او المسؤول الاميركي ان يتقبل الهجوم عليه من دون سبب او استفزاز، وان يقتل الابرياء في هجوم بربري بهذا الشكل، فهذه بالفعل فترة صعبة، قامت فيها الولايات المتحدة بشن حرب على الارهاب، وهي حرب غير محددة المدة ولا العدو ولا المكان او الزمان، لان هناك عدواً يريد الحاق الضرر بالولايات المتحدة بصفة خاصة، والغرب بصفة عامة، وهذا جعل من فترة رئاسة الرئيس بوش فترة مليئة بقضايا لا تحتمل الانتظار، لأنها قضايا مرتبطة بتهديدات آنية وفورية، وتجبر اي رئيس على ان يكون على استعداد للتعامل الفردي معها، بمعنى انه لن ينتظر موافقة جهة او دولة أخرى للقيام بهجوم معين، لان القضية اصبحت الدفاع عن مصلحة وأمن دولته.
وعملي مع هؤلاء الرؤساء عن قرب يعطيني مجالا لا يتوفر لعدد كبير من الاشخاص، ان أرى المسؤول وهو يتعامل مع المسؤولية الملقاة على عاتقه، لكن ابرز ما يميز الرؤساء الاميركيين، ان لديهم عمقا انسانيا كبيرا واحساسا بانسانية الآخرين، مما يجعل عملية اخذ القرار في منتهى الصعوبة، خاصة في ما يتعلق بقرار حرب قد تقتل فيها مئات والاف الارواح.
ولا يكون ظاهرا، وراء الابواب المغلقة مدى الصعوبة الشخصية التي يواجهها الرئيس كي يتخذ القرار الصحيح لتحقيق مصلحة الدولة، وما يترتب عليه من ابعاد. وكل رئيس عملت معه، أحسست بهذا الصراع داخله، لكن هناك قرارات لا مفر من اتخاذها.
> هل تشعر بالتعاطف مع الرئيس بسبب قربك المهني والشخصي منه؟
ـ هذا ليس تعاطفاً وانما فهم وادراك لصعوبة القرارات التي يتخذها، كثير من الناس لديها نزعة وميل لتبسيط الامور، ولا يدركون ان عملية اتخاذ القرار تمر بمراحل معقدة، والقرارات ليست نابعة من أفراد لان الولايات المتحدة دولة مؤسسات واي قرار يتم اتخاذه لابد من موافقة جهات عديدة وقطاعات ووزارات عليه، والبعض يخطئ في فهم ذلك ويحكمون من خلال مفهوم الانظمة القائمة في الشرق الاوسط التي يتخذ فيها الرئيس بصفته الشخصية معظم القرارات.
> ما هو الوجه الاخر للرئيس جورج بوش كيف تصفه من خلال قربك الشخصي له؟
ـ أنا مقرب جدا من الرئيس بوش، وبداخله كم هائل من الانسانية وبعيد كل البعد عن التعالي والتكبر، بل هو شخص في منتهى البساطة، مؤمن جدا، ويحاول ان يمارس حياته كرئيس دولة من دون ان يجعل هذا المنصب يطغي على انسانيته او العلاقة بينه وبين الخالق، والشيء الثابت في تعاملاته هو احترامه للآخر ايا كان هذا الآخر.
> هل تذكر موقفا له دلالته بينك وبين الرئيس جورج بوش... وما هي نوعية العلاقة بينكما، هل تراه خارج اوقات العمل ؟
ـ نعم ارى الرئيس بوش أحيانا في غير اوقات العمل، فانا لا أعمل معه كمترجم فقط وانما اعمل ايضا في الجانب السياسي، وتربطني به علاقة إنسانية قوية.
وأذكر موقفا خاصا عندما زار الرئيس بوش شرم الشيخ في مصر، واجتمع وقتها مع خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز عندما كان وليا للعهد والرئيس مبارك والملك عبد الله الثاني ملك الاردن وملك البحرين حمد بن عيسى بن سلمان آل خليفة ومحمود عباس رئيس الوزراء الفلسطيني انذاك في مدينة شرم الشيخ في يونيو (حزيران) 2003، والقى هؤلاء القادة خطاباتهم، وكان الجو حارا في منتصف اليوم، وكنت اقوم بالترجمة الفورية لخطابات الرؤساء من داخل كابينة درجة الحرارة بها 50 درجة، كنت اتصبب عرقا حتى كدت اغيب عن الوعي، وعندما انتهى الرؤساء من خطاباتهم، خرجت من الكابينة، ووجدت الرئيس بوش منزعجا لمظهري واسرع بأخذ فوطة مبللة ومسح لي جبهتي ووجهي، وقد التقطت وكالة اسوشيتد بريس هذه الصورة وهذا موقف يعد رد فعل بديهيا وانسانيا لهذا الشخص، رغم انه محاط بستة من ملوك ورؤساء الدول.
> هل تشعر كمصري بميل عاطفي وتحاول نقل صورة جيدة اثناء المحادثات الرسمية بين بوش والمسؤولين المصريين؟
ـ انا لا أعيش في الولايات المتحدة كمصري مغترب. أنا لدي هوية مصرية، هذه النقطة في غاية الاهمية، لان على كل انسان ان يعرف هويته، ولكني أعتبر نفسي مواطناً اميركياً مائة بالمائة. ولي جذور مصرية اعتز بها جدا، لكن هذا لا يعني على الاطلاق وجود مفاضلة واختيار، فقد قبلت بكامل قواي العقلية ان اكون مواطنا اميركيا.
> كيف تصف علاقتك بالقادة العرب، ومن هو اكثرهم قرباً لك؟
ـ علاقتي طيبة بكل القادة العرب واكن لهم كل الاحترام، لكن اكثر من عملت معه هو خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز.
> دنيس روس وزير الخارجية الاسبق من أكثر الشخصيات التي أثرت فيك ما نوع هذا التأثير؟
ـ دنيس صديق مقرب جدا لي على المستوى المهني والسياسي وهناك نوع من التفاهم السريع، وهو يعد من أقرب اصدقائي على المستوى الشخصي، فصداقتنا عمرها عشرون عاما، وهو من الشخصيات المبدعة سياسيا ويتمتع بقدر كبير من الذكاء والاخلاص للقضايا التي يكون مسؤولا عنها. واعتقد ان التأثير مزدوج فهو ايضا تأثر بي.
> عملك مع ستة وزراء خارجية بينهم اثنان من ابرز السيدات في تاريخ الخارجية الأميركية، مثل مادلين اولبرايت وكوندوليزا رايس كيف ترى الفارق بين الوزيرتين وبقية الوزراء الرجال؟
ـ وزيرة الخارجية السابقة مادلين اولبرايت كانت لديها طاقة للعمل ولا تبخل بجهدها في خدمة قضية سياسية معينة، وكانت كثيرة السفر وعقد الاجتماعات وعلاقتي بها قوية.
أما «كوندي» فهي تمثل جيلا جديدا من المرأة الاميركية وجيلا جديدا من الدبلوماسية الاميركية، فهي امرأة في غاية الذكاء ولديها فهم عميق لقضايا الأمن القومي واحساس بمسؤولية دولة كالولايات المتحدة في القرن الحادي والعشرين، وإحداث التوازن الصعب بين الإبقاء على الطبيعة المنفتحة للولايات المتحدة وتقوية العلاقات، وفي نفس الوقت حماية الولايات المتحدة بعد تفجيرات 11 سبتمبر، لذا من القضايا المهمة التي تتعامل معها كوندوليزا رايس بشكل يومي هي الخاصة بالحفاظ على أمن الولايات المتحدة من جهة والإبقاء على طبيعة الولايات المتحدة كمجتمع منفتح من جهة أخرى.
لكن من جانب اخر لا توجد فروق بين الرجل والمرأة في منصب وزير الخارجية، لان وزير الخارجية ايضا لا يعمل بصفة شخصية، فكبار المسؤولين في الولايات المتحدة عليهم الكثير من الأعباء وجدول اعمالهم منظم بعدد حافل من الاجتماعات والقضايا ولديهم طاقم ضخم من المساعدين والمستشارين الذي يشاركون في صياغة السياسة وتنفيذها.
> هل واجهتك مواقف طريفة أثناء عملك مع الرؤساء الاميركيين؟
ـ الطرافة موجودة وروح الدعابة لدى الرؤساء الاميركيين ووزراء الخارجية متوفرة بشكل غير عادي ولديهم قدرة على القاء النكت. > هل تضحك حتى لو كانت نكتة الرئيس بوش سخيفة او قديمة؟
ـ عادة ما تكون النكات التي يلقيها جديدة ومضحكة والمشكلة التي اقابلها هي أنني استمر في الضحك لمدة طويلة.
> وسط هذه الاحداث البالغة الاهمية تاريخيا وسياسيا، الا تفكر في كتابة مذكراتك في كتاب يجمع كل هذه الاسرار؟
ـ جميع اصدقائي يسألونني نفس السؤال، لكنني لم اقرر بعد ذلك، وانا أؤمن بأمر واحد وهو «الامانة»، فلا يمكن ان أذيع الاسرار الشخصية مطلقا، واذا كان هناك هدف من كشف هذه الاسرار بعد 30 عاما فهذا قرار متروك للحكومة الأميركية. لكن ليس لي نية حاليا ان اكتب، واعتبر ان جزءا كبيرا من عملي يعتمد على احترام خصوصية هؤلاء الاشخاص الذين أعمل معهم ولن احترم نفسي اذا قمت بافشاء هذه الاسرار.