سلسبيل
05-05-2006, 03:30 PM
محمد عبدالقادر الجاسم
لم تكن المكانة المميزة التي اخذها الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح رحمه الله في قلوب الشعب الكويتي نتاج خلو عهده من المشاكل بل على عكس هذا تماما فقد واجهت الكويت في عهده رحمه الله الكثير من المحن, وكانت اخفاقات الحكومات المتعاقبة بل واخفاقات الأسرة الحاكمة لا تعد ولا تحصى. ففي عهده رحمه الله تم حل مجلس الامة وتعليق الدستور كما تخبطت الحكومة في حل اكبر كارثة اقتصادية مرت على البلاد وهي كارثة المناخ, كما وقع الغزو العراقي وسقطت الدولة في غمضة عين, كما تشعب واشتد الصراع بين اقطاب الاسرة الحاكمة ودفعت البلاد والاسرة الحاكمة ثمنا باهظا جراء ذلك كله. لكن مع ذلك ورغم ذلك احتضن الشعب الكويتي كله بعفوية وصدق وبكل فئاته اميرهم الراحل لا بعد وفاته فقط بل اثناء حياته. وحين يوصف رحمه الله بأنه امير القلوب فذاك وصف لا يجافي الواقع اطلاقا.
من جانب آخر (كان) للديوان الاميري في عهد المرحوم الشيخ جابر الاحمد تقاليد واعراف رسختها اخلاق الشيخ جابر اكثر مما فعلت البروتوكولات والمراسم. ولم تكن احاديث الشيخ جابر مع زواره تستخدم للإثارة السياسية او لتصفية الحسابات او لأي غرض آخر, فقد كانت هيبة الشيخ جابر رحمه الله ومكانته تمنعان التلاعب السياسي في تلك الاحاديث بل ان الديوان الاميري, كمؤسسة رسمية, كان في منأى عن القيل والقال, وبذلك كان هناك نوع من التوازن بين ذات الامير المصانة قانونا وبين مكانته خارج اطار الدستور والقانون.
اقول هذا بعد ان تابعت ما نشر حول زيارة النواب مسلم البراك ووليد الجري ومحمد الخليفة لصاحب السمو الشيخ صباح الاحمد. وبصرف النظر عن تقييم ما ذهب النواب الثلاثة لأجله فإن ما يحزن هو دخول الديوان الاميري في عهد الشيخ صباح طرفا في الاثارة السياسية وتنازل الديوان عن تلك المكانة التي بناها الشيخ جابر الاحمد. واذا كان الديوان الاميري سوف يعمل وفق قواعد "اللعبة السياسية" الدارجة فإن هذا, فضلا عن عدم ملائمته لمكانة من يشغل الديوان الاميري, هو في الواقع اقحام لمسند الامارة في الخصومات السياسية, وهذا الاقحام لن يكون له اتجاه واحد بل من المحتوم ان ينطبق على الديوان الاميري ما ينطبق على غيره من الجهات التي تخوض في وحل السياسة والصحافة, ولا اظن ان صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد يريد مثل هذا الامر. ولكن اذا افترضنا ان الديوان الاميري يريد الدخول كطرف مباشر في اللعبة السياسية فإن الامر يحتاج الى تعديل القوانين كي يصبح التعامل الصحفي والسياسي مع اخبار الامير واجتماعاته بل وانتقاده ايضا من المسائل المباحة قانونا وبالتالي يمكن للصحف ان تنشر ما يتوفر لديها من معلومات حول اجتماعات الامير دون الحاجة لموافقة الديوان الاميري المسبقة باعتبار ان الديوان لم يعد يتمتع بالحياد السياسي الذي رسخه امراء الكويت! اقول هذا وانا لست مهتما بمن قام بتسريب خبر زيارة النواب الثلاثة لصاحب السمو والحوار الذي دار بين سموه وبينهم, فما يعنيني انه تم اقحام الديوان الاميري في اللعبة السياسية. اما من قام بالتسريب فتلك مشكلة الديوان الذي لم يتصرف تجاه الواقعة وهو ما يوحي بموافقته!!
حتى هذه اللحظة لم اتمكن من تحديد موقفي من (عدد) الدوائر الانتخابية الافضل للكويت, ذلك انني مقتنع جدا بوجوب اجراء تعديل على الدوائر باتجاه التخفيض. ولا اعتقد ان الفرق سوف يكون مهما بين الدوائر العشر او الخمس فالمهم هو الحرص على ان يحقق التغيير الاهداف المرجوة والتي من اهمها في اعتقادي توفير ضمانة حرية الاختيار وتقليص تدخل الشيوخ في الانتخابات. فإذا كان هذا الامر يتحقق بالعشر دوائر فليكن وان كان يتحقق بالخمس فليكن ايضا. بيد ان المهم حقيقة هو تميز الموقف الشعبي وتنوع الجهود التي تبذل حاليا من اجل "تجييش" الرأي العام سواء عبر استخدام الانترنت او الرسائل الهاتفية او عبر الندوات العامة او عبر المقالات في بعض الصحف, فكل هذه الجهود احيت في الواقع الرأي العام وافاقته من سبات عميق... وها نحن نرى الشعب الكويتي يتحرك ويضغط ويتحدث بصراحة تامة وهذا هو المكسب الحقيقي الذي يقض مضاجع فرقة الفساد والافساد وغيرهم ممن ابتلينا بوصايتهم على الكويت والذين نجحوا الى حد كبير في اخماد الحس الوطني ونجحوا في زرع اللامبالاة في ذهن شباب الكويت. ان " الفزعة " الحالية مهمة ليس من جهة مدى نجاحها في فرض نظام الدوائر الخمس بل هي مهمة لكونها تمثل تحركا شعبيا فقدناه منذ اكثر من عشر سنوات.
انني اتمنى من كل من يقف خلف الجهد الشعبي المميز الذي بذل حتى الآن في موضوع الدوائر الانتخابية ان لا يتراجع ايا كانت نتيجة الصراع حول الدوائر الانتخابية فهناك الكثير الكثير من القضايا التي نحتاج فيها الى ممارسة الضغط الشعبي سواء عبر الانترنت او الصحف او عبر المظاهرات والتجمعات المنظمة وبطريقة حضارية... نعم نريد لصوت الشعب ان يصل... نريد ان نلغي وصاية "الاشرار" الذين يعبثون في مستقبل الكويت... نعم نريد لصوت الشعب ان يصل لا عبر اعضاء مجلس الامة الذين يساوم بعضهم على كل شيء, فيما يصيغ بعضهم الآخر مواقفهم السياسية بحسب "مسطرة" المنفعة الخاصة ولا شيء آخر.
تعالوا نسقط ما تبقى من حواجز وهمية تمنعنا من التعبير عن رأينا فلم يعد العالم اليوم كماهو في العقود السابقة... ان السلطة السياسية لم تعد قادرة على تجاهل صوت الناس ولم تعد سياسة شراء الولاءات تكفيها لستر عوراتها... والاصلاح ليس "بشتا" جديدا يلبسه الشيخ!!
ان الكويت تحتاج الى "فزعة" كل يوم...
5/5/2006
لم تكن المكانة المميزة التي اخذها الشيخ جابر الاحمد الجابر الصباح رحمه الله في قلوب الشعب الكويتي نتاج خلو عهده من المشاكل بل على عكس هذا تماما فقد واجهت الكويت في عهده رحمه الله الكثير من المحن, وكانت اخفاقات الحكومات المتعاقبة بل واخفاقات الأسرة الحاكمة لا تعد ولا تحصى. ففي عهده رحمه الله تم حل مجلس الامة وتعليق الدستور كما تخبطت الحكومة في حل اكبر كارثة اقتصادية مرت على البلاد وهي كارثة المناخ, كما وقع الغزو العراقي وسقطت الدولة في غمضة عين, كما تشعب واشتد الصراع بين اقطاب الاسرة الحاكمة ودفعت البلاد والاسرة الحاكمة ثمنا باهظا جراء ذلك كله. لكن مع ذلك ورغم ذلك احتضن الشعب الكويتي كله بعفوية وصدق وبكل فئاته اميرهم الراحل لا بعد وفاته فقط بل اثناء حياته. وحين يوصف رحمه الله بأنه امير القلوب فذاك وصف لا يجافي الواقع اطلاقا.
من جانب آخر (كان) للديوان الاميري في عهد المرحوم الشيخ جابر الاحمد تقاليد واعراف رسختها اخلاق الشيخ جابر اكثر مما فعلت البروتوكولات والمراسم. ولم تكن احاديث الشيخ جابر مع زواره تستخدم للإثارة السياسية او لتصفية الحسابات او لأي غرض آخر, فقد كانت هيبة الشيخ جابر رحمه الله ومكانته تمنعان التلاعب السياسي في تلك الاحاديث بل ان الديوان الاميري, كمؤسسة رسمية, كان في منأى عن القيل والقال, وبذلك كان هناك نوع من التوازن بين ذات الامير المصانة قانونا وبين مكانته خارج اطار الدستور والقانون.
اقول هذا بعد ان تابعت ما نشر حول زيارة النواب مسلم البراك ووليد الجري ومحمد الخليفة لصاحب السمو الشيخ صباح الاحمد. وبصرف النظر عن تقييم ما ذهب النواب الثلاثة لأجله فإن ما يحزن هو دخول الديوان الاميري في عهد الشيخ صباح طرفا في الاثارة السياسية وتنازل الديوان عن تلك المكانة التي بناها الشيخ جابر الاحمد. واذا كان الديوان الاميري سوف يعمل وفق قواعد "اللعبة السياسية" الدارجة فإن هذا, فضلا عن عدم ملائمته لمكانة من يشغل الديوان الاميري, هو في الواقع اقحام لمسند الامارة في الخصومات السياسية, وهذا الاقحام لن يكون له اتجاه واحد بل من المحتوم ان ينطبق على الديوان الاميري ما ينطبق على غيره من الجهات التي تخوض في وحل السياسة والصحافة, ولا اظن ان صاحب السمو امير البلاد الشيخ صباح الاحمد يريد مثل هذا الامر. ولكن اذا افترضنا ان الديوان الاميري يريد الدخول كطرف مباشر في اللعبة السياسية فإن الامر يحتاج الى تعديل القوانين كي يصبح التعامل الصحفي والسياسي مع اخبار الامير واجتماعاته بل وانتقاده ايضا من المسائل المباحة قانونا وبالتالي يمكن للصحف ان تنشر ما يتوفر لديها من معلومات حول اجتماعات الامير دون الحاجة لموافقة الديوان الاميري المسبقة باعتبار ان الديوان لم يعد يتمتع بالحياد السياسي الذي رسخه امراء الكويت! اقول هذا وانا لست مهتما بمن قام بتسريب خبر زيارة النواب الثلاثة لصاحب السمو والحوار الذي دار بين سموه وبينهم, فما يعنيني انه تم اقحام الديوان الاميري في اللعبة السياسية. اما من قام بالتسريب فتلك مشكلة الديوان الذي لم يتصرف تجاه الواقعة وهو ما يوحي بموافقته!!
حتى هذه اللحظة لم اتمكن من تحديد موقفي من (عدد) الدوائر الانتخابية الافضل للكويت, ذلك انني مقتنع جدا بوجوب اجراء تعديل على الدوائر باتجاه التخفيض. ولا اعتقد ان الفرق سوف يكون مهما بين الدوائر العشر او الخمس فالمهم هو الحرص على ان يحقق التغيير الاهداف المرجوة والتي من اهمها في اعتقادي توفير ضمانة حرية الاختيار وتقليص تدخل الشيوخ في الانتخابات. فإذا كان هذا الامر يتحقق بالعشر دوائر فليكن وان كان يتحقق بالخمس فليكن ايضا. بيد ان المهم حقيقة هو تميز الموقف الشعبي وتنوع الجهود التي تبذل حاليا من اجل "تجييش" الرأي العام سواء عبر استخدام الانترنت او الرسائل الهاتفية او عبر الندوات العامة او عبر المقالات في بعض الصحف, فكل هذه الجهود احيت في الواقع الرأي العام وافاقته من سبات عميق... وها نحن نرى الشعب الكويتي يتحرك ويضغط ويتحدث بصراحة تامة وهذا هو المكسب الحقيقي الذي يقض مضاجع فرقة الفساد والافساد وغيرهم ممن ابتلينا بوصايتهم على الكويت والذين نجحوا الى حد كبير في اخماد الحس الوطني ونجحوا في زرع اللامبالاة في ذهن شباب الكويت. ان " الفزعة " الحالية مهمة ليس من جهة مدى نجاحها في فرض نظام الدوائر الخمس بل هي مهمة لكونها تمثل تحركا شعبيا فقدناه منذ اكثر من عشر سنوات.
انني اتمنى من كل من يقف خلف الجهد الشعبي المميز الذي بذل حتى الآن في موضوع الدوائر الانتخابية ان لا يتراجع ايا كانت نتيجة الصراع حول الدوائر الانتخابية فهناك الكثير الكثير من القضايا التي نحتاج فيها الى ممارسة الضغط الشعبي سواء عبر الانترنت او الصحف او عبر المظاهرات والتجمعات المنظمة وبطريقة حضارية... نعم نريد لصوت الشعب ان يصل... نريد ان نلغي وصاية "الاشرار" الذين يعبثون في مستقبل الكويت... نعم نريد لصوت الشعب ان يصل لا عبر اعضاء مجلس الامة الذين يساوم بعضهم على كل شيء, فيما يصيغ بعضهم الآخر مواقفهم السياسية بحسب "مسطرة" المنفعة الخاصة ولا شيء آخر.
تعالوا نسقط ما تبقى من حواجز وهمية تمنعنا من التعبير عن رأينا فلم يعد العالم اليوم كماهو في العقود السابقة... ان السلطة السياسية لم تعد قادرة على تجاهل صوت الناس ولم تعد سياسة شراء الولاءات تكفيها لستر عوراتها... والاصلاح ليس "بشتا" جديدا يلبسه الشيخ!!
ان الكويت تحتاج الى "فزعة" كل يوم...
5/5/2006