زوربا
05-05-2006, 09:45 AM
شعبان عبود - كاتب سوري
يوجد في بعض الدول العربية الخليجية أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، ومن هذه القاعدة تقوم القوات الاميركية بتوفير الدعم الفني والتقني لقواتها المنتشرة في العراق
وأفغانستان وغيرها من بؤر التوتر الاقليمية، بالوقت ذاته الذي تبث من هذه الدولة محطة فضائية عربية شهيرة لا تخلو برامجها من تحريض على الولايات المتحدة وجيشها في العراق، كما أنها تعطي الفرصة الكبيرة للاسلاميين والقوميين العرب الذين يملكون رؤى فكرية وسياسية متناقضة مع الولايات المتحدة ومشاريعها لدرجة لافتة في حدتها، بكل تأكيد لن يخلو الموقف والحالة من استغراب، لكن من الخطأ والمبكر جدا اعتبار ذلك يأتي في اطار حرية البث الاعلامي أو مناخ الحريات الصحافية الذي تتمتع به تلك الدولة، لأن مسألة الحريات، ومنها حرية وسائل الاعلام، في تلك الدولة العربية، وهي قطر، والمحطة الفضائية هي «الجزيرة»، ما زالت تعاني من اشكالات كبيرة، اسوة ببقية الدول العربية، ما عدا استثناءات قليلة في لبنان ومصر والكويت.
وعودة للنقطة الأولى، فان السؤال الذي يطرح نفسه على كل مراقب محايد هو كيف تملك دولة حليفة للولايات المتحدة وعلى أراضيها توجد أكبر قاعدة عسكرية للجيش الاميركي في تلك المنطقة، المقدرة على بث برامج اعلامية تتعارض والسياسة والاهداف الاميركية في العراق، وتستضيف رجال دين يقفون على الجبهة النقيضة من الولايات المتحدة، ومفكرين وباحثين واعلاميين قوميين عرب لايختلفون كثيرا عن سابقيهم لناحية الموقف من الولايات المتحدة ومشاريعها «الاستعمارية» و«حروبها الصليبية» في المنطقة، كما أن هذه المحطة ومن خلال برامجها الاخبارية تحتفي اشد الاحتفاء بآخر أخبار العمليات العسكرية وأعمال العنف في العراق في حين تبدو غير متحمسة لأي نجاح تحققه العملية السياسية في العراق، كما أنها لا توفر فرصة للفوز بسبق «صحافي» من خلال بثها لآخر تعليمات وتوجيهات رجال مثل بن لادن والظواهري وابو مصعب الزرقاوي لأتباعهم المنتشرين في كل بقاع الأرض, كيف يمكنها القيام بذلك، هل هي «جزيرة» معزولة عن جزيرة قطر الدولة؟
من جهة ثانية، لكن في السياق نفسه، ألا يبدو مستغربا أن تجد بعض الدول والأنظمة العربية «القومجية» التي هي اليوم في حال من التناقض والخلاف، وربما العداء مع الولايات المتحدة في هذه المحطة الفضائية فرصة للتعبير عن آراء ومواقف تنتقد الولايات المتحدة، حتى باتت كما لو أنها محطة «داخلية ورسمية» بالنسبة اليهم، وتقدم لهم خدمات لا تستطيع وسائل الاعلام الحكومية التابعة لها أن تقدمها، طبعا مع العلم أن محطة «الجزيرة» كانت حتى اعوام قليلة خلت، مجرد «محطة عميلة، ومشكوك في تمويلها» بالنسبة لهذه الأنظمة ، حتى ان بعض المسؤولين في بعض هذه الدول العربية شككوا في وجود «أيادٍ اسرائيلية كانت وراء انطلاقتها»، ومنهم من قال يوما ان «اسرائيل تمول هذه المحطة», ان هذه كلها أسئلة مشروعة كما قلنا لأي مراقب.
وعليه كيف يمكن تفسير ذلك كله في ظل المعطيات السابقة التي سقناها، وأولها السؤال المتعلق بقيام محطة عربية ببث برامج لا ترضى عنها الولايات المتحدة، لابل أن مسؤولين اميركيين انتقدوها أكثر من مرة، في وقت ندرك تماما أن دولة قطر ترتبط بعلاقة تحالفية، مع الولايات المتحدة، علاقة تسمح لواشنطن بطلب تغيير وجهة المحطة وربما ايقافها لو شاءت؟
ان التفسير الوحيد الممكن لهذه الوضعية التي تبدو اشكالية للبعض هو أن الولايات المتحدة تريد من بعض الاعلام العربي أن يقوم بلعب دور تحريضي ضدها يعزز مناخات التطرف والتعصب الاسلامي والقومجي العربي ضدها، لأن ذلك وحده هو ما يخدم الآيديولوجية الاميركية الجديدة التي يغذيها ويقف وراءها المحافظون الجدد في اميركا، هؤلاء الذين أطلقوا نظرية صراع الحضارات وبحثوا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عن عدو جديد وعالمي غير الشيوعية .
ان مناخات التعصب السائدة اليوم في بعض الشارع العربي، اذ التكفير للآخر ، واذ الآخر الغربي مجرد «صليبي» كافر، يجب مقاومته والتصدي له في «العراق» والجزيرة العربية وأخيرا في «دارفور» في السودان حسب التوجيه الأخير لأسامة بن لادن الذي أطلقه عبر تسجيل صوتي بثته قناة «الجزيرة»، وآخر للظواهري طالب فيه بالتصدي للأنظمة والصليبيين في كل من الجزيرة العربية ومصر والعراق والأردن وآخر لأبو مصعب الزرقاوي لايختلف عما جاء من تعليمات وتوجيهات لمعلميه الأولين، ان ذلك كله يعزز من أسباب ودوافع بقاء القوات الاميركية في المنطقة ويعطي مبررات «رسالية» لمحاربة هؤلاء «الارهابيين»، وأيضا يقدم خدمة جليلة لأركان الادارة الاميركية ومحافظيها الجدد أمام جمهورهم الذي مازال يحتفظ بذكريات سلبية ومقيتة عن مجموعات «اسلامية» فجرت مركز التجارة العالمي في نيويورك لغاية قتل مواطنين أبرياء، مجموعات ارهابية لا تطيق نمط الحياة الغربية القائم على الديموقراطية واحترام الحريات.
وحقا، لولا مناخات الكراهية والتعصب القومي والديني والطائفي اضافة لانتشار ثقافة التكفير التي تنتشر في دولنا العربية اليوم بكثرة، لولا ذلك فأي دواع وتبريرات وبروبوغاندا كانت ستلجأ اليها الولايات المتحدة ومحافظوها الجدد لتبرير وجودها في العراق، وللاصرار على بقاء قواتها لأمد غير محدود حتى اليوم؟
مناخ التطرف وايديولوجيا الصراع تحتاج دائما الى مبرارتها لتعتاش عليها وتستمر، انها لعبة «بينغ بونغ» حقيقة لا يمكن أن تستمر أشواطها الا بوجود لاعبين اثنين واحد يضرب الكرة و آخر يردها للآخر الى أن تحسم المنازلة بخسارة الطرف الأضعف, وفي حالتنا العربية، من الواضح تماما أن دولنا العربية ضعيفة جدا لدرجة لا يمكن مقارنتها بجبروت الدول الأقوى في العالم، لكن الولايات المتحدة لا تريد أن تظهر أن عدوها ضعيف، انها تسعى لاظهار عدوها على أنه «عالمي» وموجود في كل المنطقة والدول العربية والاسلامية «حيث الارهابيون الذين يخططون لتدمير العالم الحر وثقافته» في ما لو لم تواجهه بمشاركة الدول الغربية عسكريا حتى القضاء عليه.
لهذه الأسباب تبدو الولايات المتحدة متساهلة وغير قلقة من بث بعض الاعلام العربي ومنه محطة «الجزيرة» لبرامج تنتقد السياسات الامريكية، وبرامج تحريضية ضدها تعطي وقتا لبعض قادة القاعدة ومن يدورون في فلكهم من اسلاميين، كما لا تبخل المحطة على الأنظمة «القومجية» العربية في منحهم الوقت الكافي لبث بروبوغاندا تلعن الولايات المتحدة وأهدافها «الامبريالية» الجديدة في المنطقة, ان ذلك كله، ان هذا بالذات ما تريده الولايات المتحدة ومحافظوها الجدد، وللحقيقة، فانه الى اليوم لا تتوافر بيئة أفضل من البيئة العربية والاسلامية ليعتاش عليها المشروع الاميركي ويعطي لذاته مبررات البقاء والاستمرار.
يوجد في بعض الدول العربية الخليجية أكبر قاعدة عسكرية للولايات المتحدة في المنطقة، ومن هذه القاعدة تقوم القوات الاميركية بتوفير الدعم الفني والتقني لقواتها المنتشرة في العراق
وأفغانستان وغيرها من بؤر التوتر الاقليمية، بالوقت ذاته الذي تبث من هذه الدولة محطة فضائية عربية شهيرة لا تخلو برامجها من تحريض على الولايات المتحدة وجيشها في العراق، كما أنها تعطي الفرصة الكبيرة للاسلاميين والقوميين العرب الذين يملكون رؤى فكرية وسياسية متناقضة مع الولايات المتحدة ومشاريعها لدرجة لافتة في حدتها، بكل تأكيد لن يخلو الموقف والحالة من استغراب، لكن من الخطأ والمبكر جدا اعتبار ذلك يأتي في اطار حرية البث الاعلامي أو مناخ الحريات الصحافية الذي تتمتع به تلك الدولة، لأن مسألة الحريات، ومنها حرية وسائل الاعلام، في تلك الدولة العربية، وهي قطر، والمحطة الفضائية هي «الجزيرة»، ما زالت تعاني من اشكالات كبيرة، اسوة ببقية الدول العربية، ما عدا استثناءات قليلة في لبنان ومصر والكويت.
وعودة للنقطة الأولى، فان السؤال الذي يطرح نفسه على كل مراقب محايد هو كيف تملك دولة حليفة للولايات المتحدة وعلى أراضيها توجد أكبر قاعدة عسكرية للجيش الاميركي في تلك المنطقة، المقدرة على بث برامج اعلامية تتعارض والسياسة والاهداف الاميركية في العراق، وتستضيف رجال دين يقفون على الجبهة النقيضة من الولايات المتحدة، ومفكرين وباحثين واعلاميين قوميين عرب لايختلفون كثيرا عن سابقيهم لناحية الموقف من الولايات المتحدة ومشاريعها «الاستعمارية» و«حروبها الصليبية» في المنطقة، كما أن هذه المحطة ومن خلال برامجها الاخبارية تحتفي اشد الاحتفاء بآخر أخبار العمليات العسكرية وأعمال العنف في العراق في حين تبدو غير متحمسة لأي نجاح تحققه العملية السياسية في العراق، كما أنها لا توفر فرصة للفوز بسبق «صحافي» من خلال بثها لآخر تعليمات وتوجيهات رجال مثل بن لادن والظواهري وابو مصعب الزرقاوي لأتباعهم المنتشرين في كل بقاع الأرض, كيف يمكنها القيام بذلك، هل هي «جزيرة» معزولة عن جزيرة قطر الدولة؟
من جهة ثانية، لكن في السياق نفسه، ألا يبدو مستغربا أن تجد بعض الدول والأنظمة العربية «القومجية» التي هي اليوم في حال من التناقض والخلاف، وربما العداء مع الولايات المتحدة في هذه المحطة الفضائية فرصة للتعبير عن آراء ومواقف تنتقد الولايات المتحدة، حتى باتت كما لو أنها محطة «داخلية ورسمية» بالنسبة اليهم، وتقدم لهم خدمات لا تستطيع وسائل الاعلام الحكومية التابعة لها أن تقدمها، طبعا مع العلم أن محطة «الجزيرة» كانت حتى اعوام قليلة خلت، مجرد «محطة عميلة، ومشكوك في تمويلها» بالنسبة لهذه الأنظمة ، حتى ان بعض المسؤولين في بعض هذه الدول العربية شككوا في وجود «أيادٍ اسرائيلية كانت وراء انطلاقتها»، ومنهم من قال يوما ان «اسرائيل تمول هذه المحطة», ان هذه كلها أسئلة مشروعة كما قلنا لأي مراقب.
وعليه كيف يمكن تفسير ذلك كله في ظل المعطيات السابقة التي سقناها، وأولها السؤال المتعلق بقيام محطة عربية ببث برامج لا ترضى عنها الولايات المتحدة، لابل أن مسؤولين اميركيين انتقدوها أكثر من مرة، في وقت ندرك تماما أن دولة قطر ترتبط بعلاقة تحالفية، مع الولايات المتحدة، علاقة تسمح لواشنطن بطلب تغيير وجهة المحطة وربما ايقافها لو شاءت؟
ان التفسير الوحيد الممكن لهذه الوضعية التي تبدو اشكالية للبعض هو أن الولايات المتحدة تريد من بعض الاعلام العربي أن يقوم بلعب دور تحريضي ضدها يعزز مناخات التطرف والتعصب الاسلامي والقومجي العربي ضدها، لأن ذلك وحده هو ما يخدم الآيديولوجية الاميركية الجديدة التي يغذيها ويقف وراءها المحافظون الجدد في اميركا، هؤلاء الذين أطلقوا نظرية صراع الحضارات وبحثوا منذ سقوط الاتحاد السوفياتي عن عدو جديد وعالمي غير الشيوعية .
ان مناخات التعصب السائدة اليوم في بعض الشارع العربي، اذ التكفير للآخر ، واذ الآخر الغربي مجرد «صليبي» كافر، يجب مقاومته والتصدي له في «العراق» والجزيرة العربية وأخيرا في «دارفور» في السودان حسب التوجيه الأخير لأسامة بن لادن الذي أطلقه عبر تسجيل صوتي بثته قناة «الجزيرة»، وآخر للظواهري طالب فيه بالتصدي للأنظمة والصليبيين في كل من الجزيرة العربية ومصر والعراق والأردن وآخر لأبو مصعب الزرقاوي لايختلف عما جاء من تعليمات وتوجيهات لمعلميه الأولين، ان ذلك كله يعزز من أسباب ودوافع بقاء القوات الاميركية في المنطقة ويعطي مبررات «رسالية» لمحاربة هؤلاء «الارهابيين»، وأيضا يقدم خدمة جليلة لأركان الادارة الاميركية ومحافظيها الجدد أمام جمهورهم الذي مازال يحتفظ بذكريات سلبية ومقيتة عن مجموعات «اسلامية» فجرت مركز التجارة العالمي في نيويورك لغاية قتل مواطنين أبرياء، مجموعات ارهابية لا تطيق نمط الحياة الغربية القائم على الديموقراطية واحترام الحريات.
وحقا، لولا مناخات الكراهية والتعصب القومي والديني والطائفي اضافة لانتشار ثقافة التكفير التي تنتشر في دولنا العربية اليوم بكثرة، لولا ذلك فأي دواع وتبريرات وبروبوغاندا كانت ستلجأ اليها الولايات المتحدة ومحافظوها الجدد لتبرير وجودها في العراق، وللاصرار على بقاء قواتها لأمد غير محدود حتى اليوم؟
مناخ التطرف وايديولوجيا الصراع تحتاج دائما الى مبرارتها لتعتاش عليها وتستمر، انها لعبة «بينغ بونغ» حقيقة لا يمكن أن تستمر أشواطها الا بوجود لاعبين اثنين واحد يضرب الكرة و آخر يردها للآخر الى أن تحسم المنازلة بخسارة الطرف الأضعف, وفي حالتنا العربية، من الواضح تماما أن دولنا العربية ضعيفة جدا لدرجة لا يمكن مقارنتها بجبروت الدول الأقوى في العالم، لكن الولايات المتحدة لا تريد أن تظهر أن عدوها ضعيف، انها تسعى لاظهار عدوها على أنه «عالمي» وموجود في كل المنطقة والدول العربية والاسلامية «حيث الارهابيون الذين يخططون لتدمير العالم الحر وثقافته» في ما لو لم تواجهه بمشاركة الدول الغربية عسكريا حتى القضاء عليه.
لهذه الأسباب تبدو الولايات المتحدة متساهلة وغير قلقة من بث بعض الاعلام العربي ومنه محطة «الجزيرة» لبرامج تنتقد السياسات الامريكية، وبرامج تحريضية ضدها تعطي وقتا لبعض قادة القاعدة ومن يدورون في فلكهم من اسلاميين، كما لا تبخل المحطة على الأنظمة «القومجية» العربية في منحهم الوقت الكافي لبث بروبوغاندا تلعن الولايات المتحدة وأهدافها «الامبريالية» الجديدة في المنطقة, ان ذلك كله، ان هذا بالذات ما تريده الولايات المتحدة ومحافظوها الجدد، وللحقيقة، فانه الى اليوم لا تتوافر بيئة أفضل من البيئة العربية والاسلامية ليعتاش عليها المشروع الاميركي ويعطي لذاته مبررات البقاء والاستمرار.