زهير
05-04-2006, 10:17 AM
قالوا إنهم يعيشون في زمن «الماكو».. ولا يعرفون معنى الأمل والمستقبل
بغداد: معد فياض - الشرق الاوسط
كل شيء «ماكو»، أي مفقود، في بغداد.. «ماكو أمن، ماكو ماء، ماكو كهرباء، ماكو دولة، ماكو حكومة، ماكو شغل، ماكو وقود، ماكو خدمات».
العراقيون متميزون بقول «شكو ماكو»، فكلما تقابل عراقيان او أكثر طُرح سؤال «شكو ماكو». وسوف نستغرب اذا عرفنا ان الاكديين في بابل، كانوا يتداولون هذا السؤال الصعب والمعقد بينهم «شكو ماكو» وبقي حتى اليوم.
في مقهى انترنت في شارع 14 رمضان وسط منطقة المنصور الراقية، او التي كانت راقية، يتجمع فتيان وشبان ما بين 17 وحتى 26 عاما، ينشغلون بتداول الاحاديث المكتوبة عبر «الماسنجر» او تبادل الموسيقى ومقاطع الفيديو او الصور. يقول حسن احمد 17 عاما، في الصف الثالث المتوسط :«املك كومبيوترا في بيتنا ومشترك في الانترنت، ولكن اذا لم يتوفر خط هاتف لربط الانترنت وماكو كهرباء فكيف استطيع ان اشبك مع الانترنت؟».
هذا الفتى، الذي يجد ان ابواب المستقبل مقفلة امامه، في ظل اوضاع مأساوية، ترك مع غيره الكثير من طلبة الدراسة الثانوية مقاعدهم الدراسية واتجهوا اما للعمل او لمقاهي الانترنت، في ظل غياب دور السينما ومراكز الشباب والمراكز الرياضية. يضيف حسن «نلعب هنا لعبة الحرب والقتال فنحن ننام على اصوات الانفجارات ونصحو عليها، والاكثر من هذا فنحن فتحنا اعيننا على الانفجارات منذ الحرب العراقية الايرانية مرورا بحرب تحرير الكويت وحتى اليوم».
هشام صفاء،21 عاما، يحاجج قائلا: «لماذا ادرس واكلف عائلتي المال والجهد ومستقبلنا مجهول، شقيقي وشقيقتي انهيا دراستيهما الجامعية، هي صيدلانية وهو مهندس، ولم يجدا اية فرصة عمل، هل ستقول ان الاوضاع ستتحسن؟ أسألك كيف ومتى، ها نحن نرى ان الاوضاع تزداد سوءا، فقد رحل صدام الذي ما كنا نشعر في عهده بالامان وجاء مائة صدام».
وقلما تجد فتيات في مثل هذه المقاهي، لكن اسماء علي، 19 عاما، جاءت برفقة شقيقها منتصر، 17 عاما، لتفتح حديثا عبر الماسنجر مع ابنة عمها المقيمة في كندا، تقول «عندنا كومبيوتران في البيت واشتراك مع الانترنت ومولدة للطاقة الكهربائية، لكن ماكو وقود للمولدة وكهرباء الوطنية يأتي تقريبا ساعة واحدة اثناء النهار وساعة اخرى اثناء الليل، نحن جيل مصاب بالكآبة واليأس، لا نستطيع التمشي في الشارع او في الاسواق، لاننا سنواجه مخاطر الاختطاف او القتل، لا استطيع زيارة صديقاتي ولا أمارس اية هواية، هوايتنا الوحيدة هي مراقبة مجيء التيار الكهربائي، تأتي الوطنية فنطفئ المولدة ونشغل الثلاجات وغسالة الملابس وماطور تجهيز الخزانات بالماء، تنقطع الوطنية نطفئ الثلاجات ونشغل المولد وهكذا هي حياتنا».
تضيف اسماء «تركت المدرسة خشية على نفسي من مخاطر الحياة اليومية، وصرنا نشاهد الفضائيات كلما توفرت الطاقة الكهربائية. قل لي اي حياة هذه التي نعيشها، بيت عمي حالفهم الحظ وهاجروا الى كندا، وابنة عمي تحدثني من هناك عن حياتها، التي تبدو لي خيالية ولا تصدق، هل هذه هي الجنة التي وعدتنا اميركا بها والحكومات الجديدة، وهل هذه هي الديمقراطية التي وعدنا بها، نريد حكما ديكتاتوريا شرط ان يوفر لنا الامن والمستقبل والخدمات والحياة الكريمة، فانا لا اهتم اذا كانت هناك وعود وهمية بالديمقراطية مع مشاكل تأكل شبابنا او حكم ديكتاتوري يوفر لي حياة آمنة».
شقيقها منتصر لا يعرف معنى لمفردات مثل الامل والمستقبل والدراسة، فهو يهتم بجمع الصور وآخر الاخبار عن السيارات الفارهة والسريعة، يقول «آتي الى هنا لاذهب الى مواقع السيارات لارى آخر الموديلات من سيارات فيراري وبورش وأوستن مارتن ولمبركيني، وهكذا، فانا بالطبع لا افكر بشراء احداها لكنني اتمنى قيادة واحدة من هذه السيارات من غير ان اعرف كيف ومتى، ربما اصير ذات يوم غنيا كأن يحظى والدي بمنصب راق في الحكومة ويستطيع ان (يلهف) مبلغا كبيرا، مثلما يقال ان غالبية اعضاء الحكومة يفعلون ذلك و(يلهفون الملايين) من الدولارات».
هذه شريحة بسيطة من الشباب العراقي الذي يعيش في زمن الماكو، ويقول صديقي تحسين الربيعي، وهو مدرس لغة انجليزية في ثانوية منذ اكثر من 27 عاما، «اشعر بالحزن واليأس كلما تعمقت وفكرت بوضع هؤلاء الطلبة، هم اذكياء بل اكثر ذكاء من جيلنا يفهمون في الكومبيوتر من غير ان يدرسوه ويجيدون اللغة الانجليزية التي تعلموها عبر الانترنت، وعندما اسألهم عن سبب غيابهم عن المدرسة يقولون ولماذا ندرس، أو يأتون بأعذار، مثل حدث انفجار قريب من بيتنا واغلقت الطرق، او يقولون بصراحة، استاذ ماكو فائدة من كل هذه الدراسة».
امام مفردة الماكو وازمة الماكو التي يعيشها هؤلاء الشباب هناك كل شيء موجود في اسواق بغداد من مواد كهربائية ومواد غذائية وباسعار رخيصة قياسا لاسواق الدول المجاورة، ولكن الاوضاع الاقتصادية لغالبية العراقيين لا تسمح لهم بالحصول على مثل هذه المواد، لا سيما ان نسبة البطالة تزيد عن 75%، حسب احصائيات رابطة العاطلين عن العمل.
بغداد: معد فياض - الشرق الاوسط
كل شيء «ماكو»، أي مفقود، في بغداد.. «ماكو أمن، ماكو ماء، ماكو كهرباء، ماكو دولة، ماكو حكومة، ماكو شغل، ماكو وقود، ماكو خدمات».
العراقيون متميزون بقول «شكو ماكو»، فكلما تقابل عراقيان او أكثر طُرح سؤال «شكو ماكو». وسوف نستغرب اذا عرفنا ان الاكديين في بابل، كانوا يتداولون هذا السؤال الصعب والمعقد بينهم «شكو ماكو» وبقي حتى اليوم.
في مقهى انترنت في شارع 14 رمضان وسط منطقة المنصور الراقية، او التي كانت راقية، يتجمع فتيان وشبان ما بين 17 وحتى 26 عاما، ينشغلون بتداول الاحاديث المكتوبة عبر «الماسنجر» او تبادل الموسيقى ومقاطع الفيديو او الصور. يقول حسن احمد 17 عاما، في الصف الثالث المتوسط :«املك كومبيوترا في بيتنا ومشترك في الانترنت، ولكن اذا لم يتوفر خط هاتف لربط الانترنت وماكو كهرباء فكيف استطيع ان اشبك مع الانترنت؟».
هذا الفتى، الذي يجد ان ابواب المستقبل مقفلة امامه، في ظل اوضاع مأساوية، ترك مع غيره الكثير من طلبة الدراسة الثانوية مقاعدهم الدراسية واتجهوا اما للعمل او لمقاهي الانترنت، في ظل غياب دور السينما ومراكز الشباب والمراكز الرياضية. يضيف حسن «نلعب هنا لعبة الحرب والقتال فنحن ننام على اصوات الانفجارات ونصحو عليها، والاكثر من هذا فنحن فتحنا اعيننا على الانفجارات منذ الحرب العراقية الايرانية مرورا بحرب تحرير الكويت وحتى اليوم».
هشام صفاء،21 عاما، يحاجج قائلا: «لماذا ادرس واكلف عائلتي المال والجهد ومستقبلنا مجهول، شقيقي وشقيقتي انهيا دراستيهما الجامعية، هي صيدلانية وهو مهندس، ولم يجدا اية فرصة عمل، هل ستقول ان الاوضاع ستتحسن؟ أسألك كيف ومتى، ها نحن نرى ان الاوضاع تزداد سوءا، فقد رحل صدام الذي ما كنا نشعر في عهده بالامان وجاء مائة صدام».
وقلما تجد فتيات في مثل هذه المقاهي، لكن اسماء علي، 19 عاما، جاءت برفقة شقيقها منتصر، 17 عاما، لتفتح حديثا عبر الماسنجر مع ابنة عمها المقيمة في كندا، تقول «عندنا كومبيوتران في البيت واشتراك مع الانترنت ومولدة للطاقة الكهربائية، لكن ماكو وقود للمولدة وكهرباء الوطنية يأتي تقريبا ساعة واحدة اثناء النهار وساعة اخرى اثناء الليل، نحن جيل مصاب بالكآبة واليأس، لا نستطيع التمشي في الشارع او في الاسواق، لاننا سنواجه مخاطر الاختطاف او القتل، لا استطيع زيارة صديقاتي ولا أمارس اية هواية، هوايتنا الوحيدة هي مراقبة مجيء التيار الكهربائي، تأتي الوطنية فنطفئ المولدة ونشغل الثلاجات وغسالة الملابس وماطور تجهيز الخزانات بالماء، تنقطع الوطنية نطفئ الثلاجات ونشغل المولد وهكذا هي حياتنا».
تضيف اسماء «تركت المدرسة خشية على نفسي من مخاطر الحياة اليومية، وصرنا نشاهد الفضائيات كلما توفرت الطاقة الكهربائية. قل لي اي حياة هذه التي نعيشها، بيت عمي حالفهم الحظ وهاجروا الى كندا، وابنة عمي تحدثني من هناك عن حياتها، التي تبدو لي خيالية ولا تصدق، هل هذه هي الجنة التي وعدتنا اميركا بها والحكومات الجديدة، وهل هذه هي الديمقراطية التي وعدنا بها، نريد حكما ديكتاتوريا شرط ان يوفر لنا الامن والمستقبل والخدمات والحياة الكريمة، فانا لا اهتم اذا كانت هناك وعود وهمية بالديمقراطية مع مشاكل تأكل شبابنا او حكم ديكتاتوري يوفر لي حياة آمنة».
شقيقها منتصر لا يعرف معنى لمفردات مثل الامل والمستقبل والدراسة، فهو يهتم بجمع الصور وآخر الاخبار عن السيارات الفارهة والسريعة، يقول «آتي الى هنا لاذهب الى مواقع السيارات لارى آخر الموديلات من سيارات فيراري وبورش وأوستن مارتن ولمبركيني، وهكذا، فانا بالطبع لا افكر بشراء احداها لكنني اتمنى قيادة واحدة من هذه السيارات من غير ان اعرف كيف ومتى، ربما اصير ذات يوم غنيا كأن يحظى والدي بمنصب راق في الحكومة ويستطيع ان (يلهف) مبلغا كبيرا، مثلما يقال ان غالبية اعضاء الحكومة يفعلون ذلك و(يلهفون الملايين) من الدولارات».
هذه شريحة بسيطة من الشباب العراقي الذي يعيش في زمن الماكو، ويقول صديقي تحسين الربيعي، وهو مدرس لغة انجليزية في ثانوية منذ اكثر من 27 عاما، «اشعر بالحزن واليأس كلما تعمقت وفكرت بوضع هؤلاء الطلبة، هم اذكياء بل اكثر ذكاء من جيلنا يفهمون في الكومبيوتر من غير ان يدرسوه ويجيدون اللغة الانجليزية التي تعلموها عبر الانترنت، وعندما اسألهم عن سبب غيابهم عن المدرسة يقولون ولماذا ندرس، أو يأتون بأعذار، مثل حدث انفجار قريب من بيتنا واغلقت الطرق، او يقولون بصراحة، استاذ ماكو فائدة من كل هذه الدراسة».
امام مفردة الماكو وازمة الماكو التي يعيشها هؤلاء الشباب هناك كل شيء موجود في اسواق بغداد من مواد كهربائية ومواد غذائية وباسعار رخيصة قياسا لاسواق الدول المجاورة، ولكن الاوضاع الاقتصادية لغالبية العراقيين لا تسمح لهم بالحصول على مثل هذه المواد، لا سيما ان نسبة البطالة تزيد عن 75%، حسب احصائيات رابطة العاطلين عن العمل.