المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الزرزور.. يساعد العلماء على فهم تطور لغة البشر



زهير
05-04-2006, 10:09 AM
أظهر قدرة أكثر من القرد.. في مجال تمييز أنماط أصوات بشرية


نيويورك: كارل زيمر*


زقزقة طائر الزرزور تبدو بسيطة للغاية، لكنها اصبحت الآن موضوعا لجدل حاد بخصوص طبيعة اللغة. ففي العدد الحالي من مجلة «ناتشر»، ذكر علماء ان الزرزور يتعرف على نماذج التغريد اعتمادا على نوعية تجعل اللغة ممكنة. وادت هذه الدراسة الى ردود فعل بين مؤيدين ومعارضين وسط علماء اللغة وخبراء اتصالات الحيوانات.
ويدور الجدل حول ماهية تلك النتائج بالنسبة للغة البشر. فبعض العلماء يعتقد ان الاكتشافات تقدم تفسيرات جديدة لكيفية تطور اللغة، بينما يرفض البعض الآخر ذلك.

يشار الى ان لغة البشر مميزة في عالم الاتصالات الحيوانية. فالإنسان يمكنه نقل مجالات متعددة من الافكار بمجموعة محدودة من الكلمات، لأنها ليست محدودة بوتيرة من الاصوات غير المترابطة. ويمكن للبشر توليد معان عن طريق المزج بين كلمات بطرق مختلفة وتحويلها الى ادلة وإدخال تلك الادلة في عبارات.

ومن الممكن التوصل الى العديد من القواعد لتجميع الرموز معا. ففي الخمسينات، حدد نعوم تشومسكي، من معهد ماساتشوسيتس للتكنولوجيا، طبقات اللوائح طبقا لقوتها. وفي ابسط مستوياتها هي ان الكلمة تتبعها كلمة اخرى. وقال تشومسكي ان الاجراءات التي تحمي اللغة يجب ان تكون قوية، اذ يجب في الاقل، ان تسمح للناس بإدخال مجموعات صغيرة من الكلمات في مجموعات اكبر.وفي عام 2002 كتب تشومسكي مع مارك هاوسر، من جامعة هارفارد، ودبليو تكوميش فيتش، من جامعة سنت اندرو في اسكوتلندا، دراسة حول ماذا يعني كل ذلك بالنسبة لتطور اللغة، وذكروا ان تطور اللغة غامض لأنها تعتمد على امور كثيرة ليست خاصة باللغة ذاتها. وأوضح الدكتور هاوسر في مقابلة صحافية «ان الذاكرة مهمة للغة، لأنك اذا ما لم تتمكن من تذكر عدة اجزاء من الجملة، فلا يمكنك فهم أي شيء. لكن الذاكرة ليست خاصة باللغة».والسؤال الذي لم يلق اجابة بعد هو ما اذا كانت هناك صفات خاصة بين اللغة والبشر. ففي دراستهم اشار هاوسر وزملاؤه الى وجود امر واحد يمكن ان يكون خاصا باللغة والبشر: وهو القدرة على الربط بين الكلمات والمعاني بمساعدة الاشتقاق.

ولاختبار وجهة النظر هذه، خلق كل من الدكتور هاوسر والدكتور فيتش لغات مصطنعة، كانت الكلمات فيها مكونة من قطاعين من الكلمات. في القطاع الاول اصوات قصيرة لرجال مثل «مو» و«لي»، والقطاع الآخر هو نفس الاصوات لنساء. ويجعل الفرق في درجة النغم من السهولة تحديد الكلمات من القطاعين.

وبعد ذلك، دمج الدكتور هاوسر والدكتور فيتش تلك الاصوات طبقا لإجراءين مختلفين، الاول بسيط ويتمثل في صدور صوت امرأة ثم يتبعه صوت رجل. ثم طب اجراءات اكثر تقدما يتمثل في جمع صوت نسائي رجالي مع صوت رجالي نسائي آخر. أي اننا في حال تسمية نوعي الكلمات «أ» و«ب»، ينتج عن هذا الاجراء البسيط «أ ب أ ب» بينما الاجراء المتقدم يؤدي الى «أ أ ب ب».

وكما ذكر العلماء في الدراسة التي صدرت عام 2004، تمكن البشر من تحديد النموذجين. فقد استمع طلاب الجامعات الى 30 جملة ثم شاركوا في اختبارات حول جمل جديدة، وتمكن 80 في المائة من تحديد ما اذا كانت العبارة تتماشى مع النموذج ام لا.

ثم اجرى العلماء التجربة على قردة التامرين. في المساء اذاعوا تسجيلات لنوع معين من النماذج على القردة، وفي الصباح التالي اختبروا تلك القردة، وانتبهوا عندما نظرت القردة الى الشخص الذي نطق العبارات التي خرجت عن النموذج. وانتبهت القردة عندما تم انتهاك قواعد عبارة بسيطة مثل «ا ب ا ب».وتوصل الدكتور فيتش والدكتور هاوسر الى ان هناك حدا اقصى لقدرة قردة التامرين على معرفة النماذج في الاصوات. لكن العالمين ترددا في التوصل الي نتيجة موسعة، ودعوا الى اختبارات على حيوانات اخرى، وبالتالي جاء دور الزرزور.وتتكون زقزقة ذكر الزرزور من تغريد وخشخشة وصفير وأصوات اخرى تسمى مجتمعة مقاطع لحنية. ويقول تيموثي غينتنر، من جامعة كاليفورينا في سان دييغو، ان الزرازير «تتعلم مقاطع لحنية جديدة وتدخلها في أغانيها»، وأضاف انها تتعرف إلى الأفراد من خلال تعلم المقاطع اللحنية التي تستخدم من قبل كل طائر. ويقول غينتنر، الذي يعمل استاذا في مجال علم نفس الاعصاب، ان هذه المهارات هي التي جعلت من طائر الزرزور خيارا افضل لإجراء التجربة. وأضاف انه في حال كانت هناك مخلوقات قادرة على فعل ذلك فهي الزرازير. شكل غينتنر وزملاؤه لغة صناعية من التغريد والخشخشة. وكونوا بعض الأغاني وفقا لقاعدة «أ ب أ ب» وأخرى وفقا لقاعدة «أ أ ب ب» المركبة. ويجري تدريب الزرزور بالاستماع للأغاني، وينقر على حفرة اذا كان ترتيب الاغنية صحيحا ولا يفعل شيئا اذا كانت ترتيبها غير صحيح. واذا جاء الاختيار صحيحا تعطى الطيور طعاما، أما إذا كان اختيارها خاطئا فتطفأ الأضواء لفترة قصيرة. وقال الدكتور غينتنر «ان بامكانهم أن يفعلوا ذلك، ويفعلوه بدرجة عالية من الكفاءة». وهو واثق من ان بوسعه استبعاد احتمال انهم يستخدمون استراتيجية بسيطة جدا مثل ايلاء اهتمام الى ما اذا كان تغريد يتبعه تغريد آخر. واذا كان ذلك صحيحا فان الطيور سيكون لديها رد فعل بالطريقة ذاتها على نموذج «أ أ ب ب» وعلى نموذج «أ أ أ ب ب» الذي ينتهك القاعدة. وقال الدكتور غينتنر «اندهشت من مستوى الفعل الجيد عندما طرحنا تحديات شاقة حقا عليهم». وكتب غاري ماركوس، الباحث السيكولوجي في جامعة نيويورك، تعليقا على البحث الى مجلة «ناتشر»، تضمن ثناء عاليا على ذلك. وقال «أعتقد انها ورقة جيدة، البحث يفتح الباب لرؤية كيفية سعة انتشار هذه القابلية».

وسيكون من المهم رؤية ما اذا كانت قردة التامرين او الحيوانات الثديية الأخرى قادرة على اجتياز الاختبار مع التدريب، وفقا لما قاله الدكتور ماركوس. وقد ينتهي الأمر الى أن هذا المكون في اللغة وجد لدى اسلافنا البعيدين. وقد يكون نشوء اللغة «اعادة تركيب أجزاء قديمة. وهكذا فان دراسات مثل هذه تظهر لنا ما يمكن ان تكون عليه تلك الأجزاء»، وفقا للدكتور ماركوس.

ويعترض بعض اللغويين على ذلك بشدة. وقال جيفري بولوم، اللغوي في جامعة كاليفورنيا بسانتا كروز، والمؤلف المشارك لكتاب «كيمبردج في قواعد اللغة الانجليزية»، قائلا «أنا لا أقبل ذلك». وقال انه يشك في أن القواعد التي استخدمها العلماء لاعداد الأغاني كانت ذات صلة كبيرة بالسمات المهمة للغة البشرية. وجادل الدكتور بولوم أيضا بأن اختبارات قردة التامرين والزرزور استخدمت «جملا» قصيرة وبسيطة بحيث لا يمكن تسجيل أية عملية تفكير مرتبطة بالقواعد. ورأى ان الأمر يدور بالكامل حول قابليات الطيور، وليس حول أسس القابليات البشرية.ويرفض الدكتور تشومسكي استنتاجات الدكتور غينتنر. وهو يشير الى ان طيور الزرزور تقوم بحساب الزقزقة وحفظ العدد في ذاكرتها ثم تحسب التغريد. وقال عبر رسالة بالبريد الالكتروني ان «ذلك لا صلة له باللغة، وربما يرتبط بذاكرة قصيرة الأمد ليس إلا». وقال الدكتور غينتنر حتى اذا كانت الزقزقة محسوبة فانهم ما يزالون يستخدمون استراتيجية ارفع مما شوهد سابقا لدى الحيوانات.

ويبدو الدكتور هاوسر مندهشا من أن الزرازير يمكن أن تميز نماذج، حتى على الرغم من ان النماذج الجديدة لا تخلق معنى جديدا. وقال ان تمييز النموذج لدى البشر لا يرتبط بالكلام فحسب وانما بالمعنى. وقال الدكتور غينتنر «ان ذلك الفاصل بين المعنى والنموذج هو الذي نتفوق فيه حقا نحن البشر».

(* خدمة «نيويورك تايمز»)