فاطمي
05-03-2006, 08:48 AM
صلاح الفضلي - الرأي العام
كاتب كويتي
salahma@yahoo.com
لما تولى الحجاج شؤون أرض العراق ، أمر أحد مرؤوسيه أن يطوف بالليل فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه، فطاف ليلة فوجد ثلاثة شبان، فأحاط بهم وسألهم : من أنتم حتى عصيتم أمر الأمير؟ فقال الأول :
«أنا ابـن الذي دانت الرقاب لـه
مـا بـين مـخزومــها وهـاشمها
تـأتي إلـيه الـرقاب صـاغرة
يـأخـذ مـن مـالها ومـن دمــها»
فأمسك عن قتله، وقال لعله من أقارب الأمير، فقال الثاني:
«أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قـدره
وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس افواجاً إلى ضوء ناره
فمنهم قياماً حولها وقعــود»
فتأخر عن قتله وقال : لعله من أشراف العرب الكرام ، وقال الثالث:
«أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه
وقـومها بالـسيف حـتـى اسـتـقامت
ركــابـاه لا تـنـفـك رجـــلا مـنـهـما
إذا الـخـيل فــي يـوم الـكريهة ولــت»
فترك قتله وقال : لعله من شجعان العرب ، فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج وأحضرهم ، وكشف عن حالهم فإذا، بالأول ابن حجام (حلاق)، والثاني ابن بائع فول (باجلا)، والثالث ابن سائس الخيل، فتعجب الحجاج من قصائدهم وقال لجلسائه : علموا أولادكم الأدب فلولا فصاحتهم، لضربت أعناقهم ثم أطلقهم وأنشد :
«كن ابن من شئت واكتسب أدباً
يغنك محموده عــن النسب
إن الفتى مــن قال ها أنذا
ليس الفتى من قال كان أبـي»
أذكر هذه القصة بمناسبة ما نقرأه هذه الأيام في بعض الصحف من بعض الاعلانات التي تدل على أن البعض مازال يعيش بعقلية ما قبل الدولة، بينما الواقع يقول اننا في دولة مدنية وأن زمان تقسيمات ما قبل الدولة قد ولى وفقد قيمته.
ومن ناحية أخرى، فإن الأهم من الافتخار بالانتساب هو أن يفتخر الإنسان بعمله، وهذا الفرق بين العصامي الذي يعتمد على ما تكسبه يداه، وبين «العظامي» الذي يعتمد على عظام آبائه وأجداده التي بليت, ليس من العصبية أن يحب المرء قومه كما يقول الإمام علي بن الحسين، ولكن العصبية أن «يرى شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين».
كاتب كويتي
salahma@yahoo.com
لما تولى الحجاج شؤون أرض العراق ، أمر أحد مرؤوسيه أن يطوف بالليل فمن وجده بعد العشاء ضرب عنقه، فطاف ليلة فوجد ثلاثة شبان، فأحاط بهم وسألهم : من أنتم حتى عصيتم أمر الأمير؟ فقال الأول :
«أنا ابـن الذي دانت الرقاب لـه
مـا بـين مـخزومــها وهـاشمها
تـأتي إلـيه الـرقاب صـاغرة
يـأخـذ مـن مـالها ومـن دمــها»
فأمسك عن قتله، وقال لعله من أقارب الأمير، فقال الثاني:
«أنا ابن الذي لا ينزل الدهر قـدره
وإن نزلت يوماً فسوف تعود
ترى الناس افواجاً إلى ضوء ناره
فمنهم قياماً حولها وقعــود»
فتأخر عن قتله وقال : لعله من أشراف العرب الكرام ، وقال الثالث:
«أنا ابن الذي خاض الصفوف بعزمه
وقـومها بالـسيف حـتـى اسـتـقامت
ركــابـاه لا تـنـفـك رجـــلا مـنـهـما
إذا الـخـيل فــي يـوم الـكريهة ولــت»
فترك قتله وقال : لعله من شجعان العرب ، فلما أصبح رفع أمرهم إلى الحجاج وأحضرهم ، وكشف عن حالهم فإذا، بالأول ابن حجام (حلاق)، والثاني ابن بائع فول (باجلا)، والثالث ابن سائس الخيل، فتعجب الحجاج من قصائدهم وقال لجلسائه : علموا أولادكم الأدب فلولا فصاحتهم، لضربت أعناقهم ثم أطلقهم وأنشد :
«كن ابن من شئت واكتسب أدباً
يغنك محموده عــن النسب
إن الفتى مــن قال ها أنذا
ليس الفتى من قال كان أبـي»
أذكر هذه القصة بمناسبة ما نقرأه هذه الأيام في بعض الصحف من بعض الاعلانات التي تدل على أن البعض مازال يعيش بعقلية ما قبل الدولة، بينما الواقع يقول اننا في دولة مدنية وأن زمان تقسيمات ما قبل الدولة قد ولى وفقد قيمته.
ومن ناحية أخرى، فإن الأهم من الافتخار بالانتساب هو أن يفتخر الإنسان بعمله، وهذا الفرق بين العصامي الذي يعتمد على ما تكسبه يداه، وبين «العظامي» الذي يعتمد على عظام آبائه وأجداده التي بليت, ليس من العصبية أن يحب المرء قومه كما يقول الإمام علي بن الحسين، ولكن العصبية أن «يرى شرار قومه خيرا من خيار قوم آخرين».