yasmeen
05-02-2006, 06:04 AM
خليل حيدر - الوطن
أثارت تصريحات الرئيس مبارك حول علاقة الشيعة بإيران مواجع العلاقات العربية ـ الايرانية، والمشاكل المذهبية من جديد، واثارت معها قضايا وكوامن لا مجال للتطرق اليها في مقال واحد. كثيرا ما يقال، وعن حق، بأن الاسلام دينا وثقافة وحضارة، اعتمد على العرب والفرس والاتراك ولكن ما اكثر الخلافات والاختلافات والصراعات بين هؤلاء الثلاثة!
ويمكن القول ان الخلافات الايرانية العربية الحديثة قد بدأت مع ذيول الصراع الصفوي ـ العثماني، ثم القاجاري ـ العثماني. وعلى الرغم من ان المعركة العسكرية حُسمت لصالح العثمانيين بعد ان خسرت ايران المعركة في »جالديران« عام 1514، الا ان الصراع الثقافي الايراني التركي، والتنافس المذهبي السني الشيعي، استمرا في العراق بالذات حتى زوال الدولة العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الاولى. وعلى الرغم من كل التهم الموجهة للدولة العثمانية والاتراك، الا ان العثمانيين كانوا في الواقع يحاربون على الجبهة الشيعية والسنية معا، وبخاصة في القرن التاسع عشر، عندما قاموا بتصفية الحركة الوهابية والدولة السعودية الاولى.
وكانت العراق على الدوام بؤرة الصراع الرئيسية لأسباب مختلفة. وقد ادى اعتماد العثمانيين بسبب صراعهم مع ايران الشيعية، الى زيادة الاعتماد على السنة في العراق، وتحاشي تجنيد الشيعة، أو اشراكهم في شؤون الحكم. فكانت هذه السياسة من اسباب الانقسامات الطائفية.. وتكريس الخلاف.
بدأت المرحلة الثانية من العلاقات العربية ـ الايرانية باستلام رضا شاه حكم ايران عام 1926، والملك فيصل الاول حكم العراق عام 1921، والملك عبدالعزيز آل سعود حكم المملكة العربية السعودية عام .1932 اما تركيا العثمانية فقد ألغيت فيها الخلافة عام 1924 وخرجت رسميا من صراعات المنطقة، وبخاصة منطقة الخليج والجزيرة، بعد قرون طويلة من الوجود والتأثير في العراق والاحساء والحجاز.
شهدت هذه المرحلة، بين الحربين العالميتين، تجارب العرب والايرانيين والاتراك في بناء الدولة الحديثة المستقلة.
وفي كل هذه الدول، وبخاصة العراق وايران اشتد التعصب القومي، والذي تم على حساب الاقليات القومية والمذهبية في البلدين مهما كان حجم هذه »الاقليات«، كالشيعة في العراق مثلا.
حاولت ايران رضا شاه ان تستنسخ تجربة مصطفى كمال اتاتورك في مجال تغيير الابجدية العربية وتحرير المرأة وتخليص الثقافة الايرانية من المؤثرات العربية والاسلامية. ولكن قوة ونفوذ رجال الدين الشيعة واستقلالهم المادي، لاعتمادهم على ضريبة الخُمس وتقاليد المرجعية، اجهضت جوانب عديدة من محاولات رضا شاه. بل حرصت المرجعية الشيعية لسنوات طويلة قبل وصول الملك الى العرش في طهران، ان تقيم في النجف الاشرف وسامراء بالعراق، كي تكون بمنجى من نفوذ ملوك ايران. كانت السلفية الوهابية من جانب ثان شديدة التأثير على الحياة الدينية في دول الخليج الجزيرة، وبخاصة بالنسبة لشيعة العراق والاحساء، ممن ظلوا مهددين بشدة، ربما الى نهاية الحرب العالمية الثانية، من القوى السلفية، عندما تمكنت الدولة السعودية الجديدة من تخضيد شوكتها المتعصبة. ومن اللافت للنظر حقا ان نرى الملك عبدالعزيز بن سعود يصطدم بالاخوان الوهابيين في نجد، بينما يدخل رضا شاه كذلك في صراع عنيف مع رجال الدين والمراجع الشيعية في مسعاه لتجميع خيوط السلطة في يده كأحد مستلزمات بناء ايران الجديدة.
هل كان ولاء الشيعة خلال هذه المراحل لمراجعهم الدينية أم للحكومة الايرانية؟ هذه مسألة جديرة بالبحث فيما بعد. ولكن اتباع المذهب الشيعي كانوا لقرون عديدة يرون انفسهم في بيئة معادية أو غير ودية تتهددهم مخاطر من كل نوع، ومنها مثلا ما حدث في كربلاء عام 1801 من مجازر مات فيها الآلاف من سكان مدينة كربلاء حيث نهبت المراقد المقدسة على يد القوى »الوهابية«، التي ظلت تهدد الكويت نفسها حتى عام .1920 ومع تنامي ملامح الدولة القومية، العربية في العراق والفارسية في ايران، والاسلامية السلفية في السعودية، تضاعف شعور الشيعة بالعزلة وخطر الاضطهاد. ففي ايران كان ثمة قمع واسع للمعارضة السياسية والدينية، وفي العراق هيمنت النخبة السنية ذات الخبرة المتقدمة في الادارة السياسية والعسكرية مستعينة بالعمق العربي عموما، فيما كانت السلفية الوهابية تهدد مدنهم المقدسة وتكفرهم صراحة، بل تتوعدهم، كما نرى في عراق اليوم، بالابادة.
مع اختفاء مؤسسي ايران والسعودية والعراق بعد وفاة ملوكها بدأت مرحلة ثالثة، خلال حكم محمد رضا شاه والرئيس جمال عبدالناصر ومن قبله الملك فاروق والملكان سعود وفيصل في المملكة العربية السعودية. وتميزت هذه المرحلة بمحاولة التقريب بين المذهبين الشيعي والسني توجت في الازهر الشريف خلال فبراير 1958 بصدور فتوى تجيز التعبد بموجب »المذهب الجعفري« الشيعي. ولكن المرحلة كانت كذلك شديدة التوتر على الصعيد السياسي، بعد اصطدام مصر الناصرية بإيران والسعودية على حد سواء. وهكذا ساد التوتر العلاقات العربية العربية من جانب، والعلاقات العربية ـ الايرانية من جانب ثان، والتهبت المشاعر القومية العربية وزادت الشكوك في كل ما يمت الى ايران بصلة. واذا كانت الصراعات والاختلافات الايرانية ـ العربية السابقة محدودة الاطار بعض الشيء، فإن هذه المرحلة، ما بين 1952 ـ 1967، قد دخلت فيها الصحافة والاذاعة والتلفاز والراديو والمسجل والميكروفونات والمدرسة والبيت والمسجد والتظاهرات، وهكذا جرى اشراك جمهور واسع جدا في الشد والجذب.
مع وفاة الرئيس عبدالناصر عام 1970 وشاه ايران 1980، والملك فيصل في العربية السعودية 1975، بدأت مرحلة الثورة الايرانية بقيادة آية الله الخميني وهيمنة الرئيس صدام حسين على مقدرات العراق، فيما تصدرت المملكة العربية السعودية مع الملك فهد العالم العربي.
ومن اطرف ما قرأت في مجال العلاقات العربية الايرانية ما يورده الباحث »سعيد باديب«، اذ يبدو ان نقطة الخلاف الكبيرة بين ايران في زمن الشاه والسعودية في زمن الملك فيصل، كانت حول السياسة النفطية، حيث كانت مواقف البلدين منها عكس ما نرى اليوم: »ففيما كانت المملكة العربية السعودية تقيم رابطا بين سياسة انتاج النفط لديها وبين الصراع العربي الاسرائيلي، كانت سياسات الشاه تبدي اهتماما كبيرا بالدعم الذي كان يتلقاه من الولايات المتحدة، ولقد تعقد الوضع كثيرا من جراء رغبة المملكة العربية السعودية في الاستجابة للطلب على النفط في الغرب دون الاساءة الى القضية العربية، وهي قضية كان الملك فيصل، ووزير نفطه الشيخ احمد زكي اليماني، لا يكفان عن اعلان الالتزام بها«. (العلاقات السعودية الايرانية 1932 ـ 1983، لندن 1994، ص84).
وهذا بالطبع عكس ما نرى في سياسة البلدين النفطية.. اليوم! بدأت مع نشوب الحرب العراقية ـ الايرانية المدمرة والتي دامت 8 سنوات، مرحلة جديدة من التوتر الطائفي وصلت بعض موجاته الى مصر وشمال افريقيا والسودان. ومع تزايد مخاوف السنة من انتصار ايران في هذه الحرب، وجد الشيعة انفسهم في معظم الاحيان محاصرين بين الايديولوجية المذهبية والسياسية المتشددة من جانب والشكوك في حقيقة موقفهم الوطني من جانب آخر.
ولم تصطدم الثورة الايرانية بالدول العربية فحسب، بل اشتد خلافهما حتى مع الاحزاب الاسلامية العربية كالاخوان المسلمين وحزب التحرير وغيرهما. وفي دمشق، بعد ان انحاز الاخوان المسلمون السوريون الى صدام حسين، هاجم قاضي الثورة الايرانية صادق خلخالي الاخوان وسماهم »اخوان الشياطين«، واتهمت اجهزة الاعلام الايرانية بعض قادة الاخوان في مصر بمن فيهم مرشدهم عمر التلمساني بأنهم »عملاء امريكيون«. (اعتدال أم تطرف، خليل علي حيدر، 1998، ص105) بلغ الاستقطاب السياسي والمذهبي مداه خلال تلك الحرب الدامية المروعة التي رافقتها هذه المرة اجهزة التلفاز الملونة والاغاني الحماسية وحملة اعلامية لا تبقي ولا تذر. احد الكتب العراقية التي نشرها النظام على نطاق واسع عام 1985 كان كتاب »المدارس اليهودية والايرانية في العراق«. يقول المؤلف د.فاضل البراك فيه، ص227، ما يلي: »الصهيونية والخمينية مظهران لحقيقة واحدة، تطابقت فيهما القواعد والمرتكزات مع اختلاف في الصورة الخارجية، انهما صنوان نبتا من شجرة خبيثة واحدة، اصلها في بحر آسن، اجتمعت فيه كل معاني الغطرسة والكبرياء، والتعصب والجهل، والحقد والعنصرية«.
مرت العلاقات السنية ـ الشيعية بمرحلة من التحسن والهدوء مع انتهاء الحرب، وفي اعقاب تحرير الكويت، والدور المقاوم لاسرائيل لشيعة لبنان، والتغييرات في البحرين والمملكة العربية السعودية، وغير ذلك. ولكن العلاقة ما لبثت ان دخلت مع حرب تحرير العراق عام 2003، في مرحلة جديدة، تقودها هذه المرة ايران العازمة على استخدام كل ورقة للتحول الى دولة اقليمية ذرية عظمى، وجماعات تكفيرية سلفية جهادية متحالفة مع بقايا النظام العراقي المدحور. فإلى اين ستقود هذه التطورات الجديدة الشيعة في العالم العربي؟ لا احد يدري، ولكن تصريحات الرئيس مبارك مهما اختلفنا معها وعارضناها، ينبغي ان تدرس من الشيعة والسنة.. على حد سواء!
تاريخ النشر: الثلاثاء 2/5/2006
أثارت تصريحات الرئيس مبارك حول علاقة الشيعة بإيران مواجع العلاقات العربية ـ الايرانية، والمشاكل المذهبية من جديد، واثارت معها قضايا وكوامن لا مجال للتطرق اليها في مقال واحد. كثيرا ما يقال، وعن حق، بأن الاسلام دينا وثقافة وحضارة، اعتمد على العرب والفرس والاتراك ولكن ما اكثر الخلافات والاختلافات والصراعات بين هؤلاء الثلاثة!
ويمكن القول ان الخلافات الايرانية العربية الحديثة قد بدأت مع ذيول الصراع الصفوي ـ العثماني، ثم القاجاري ـ العثماني. وعلى الرغم من ان المعركة العسكرية حُسمت لصالح العثمانيين بعد ان خسرت ايران المعركة في »جالديران« عام 1514، الا ان الصراع الثقافي الايراني التركي، والتنافس المذهبي السني الشيعي، استمرا في العراق بالذات حتى زوال الدولة العثمانية مع نهاية الحرب العالمية الاولى. وعلى الرغم من كل التهم الموجهة للدولة العثمانية والاتراك، الا ان العثمانيين كانوا في الواقع يحاربون على الجبهة الشيعية والسنية معا، وبخاصة في القرن التاسع عشر، عندما قاموا بتصفية الحركة الوهابية والدولة السعودية الاولى.
وكانت العراق على الدوام بؤرة الصراع الرئيسية لأسباب مختلفة. وقد ادى اعتماد العثمانيين بسبب صراعهم مع ايران الشيعية، الى زيادة الاعتماد على السنة في العراق، وتحاشي تجنيد الشيعة، أو اشراكهم في شؤون الحكم. فكانت هذه السياسة من اسباب الانقسامات الطائفية.. وتكريس الخلاف.
بدأت المرحلة الثانية من العلاقات العربية ـ الايرانية باستلام رضا شاه حكم ايران عام 1926، والملك فيصل الاول حكم العراق عام 1921، والملك عبدالعزيز آل سعود حكم المملكة العربية السعودية عام .1932 اما تركيا العثمانية فقد ألغيت فيها الخلافة عام 1924 وخرجت رسميا من صراعات المنطقة، وبخاصة منطقة الخليج والجزيرة، بعد قرون طويلة من الوجود والتأثير في العراق والاحساء والحجاز.
شهدت هذه المرحلة، بين الحربين العالميتين، تجارب العرب والايرانيين والاتراك في بناء الدولة الحديثة المستقلة.
وفي كل هذه الدول، وبخاصة العراق وايران اشتد التعصب القومي، والذي تم على حساب الاقليات القومية والمذهبية في البلدين مهما كان حجم هذه »الاقليات«، كالشيعة في العراق مثلا.
حاولت ايران رضا شاه ان تستنسخ تجربة مصطفى كمال اتاتورك في مجال تغيير الابجدية العربية وتحرير المرأة وتخليص الثقافة الايرانية من المؤثرات العربية والاسلامية. ولكن قوة ونفوذ رجال الدين الشيعة واستقلالهم المادي، لاعتمادهم على ضريبة الخُمس وتقاليد المرجعية، اجهضت جوانب عديدة من محاولات رضا شاه. بل حرصت المرجعية الشيعية لسنوات طويلة قبل وصول الملك الى العرش في طهران، ان تقيم في النجف الاشرف وسامراء بالعراق، كي تكون بمنجى من نفوذ ملوك ايران. كانت السلفية الوهابية من جانب ثان شديدة التأثير على الحياة الدينية في دول الخليج الجزيرة، وبخاصة بالنسبة لشيعة العراق والاحساء، ممن ظلوا مهددين بشدة، ربما الى نهاية الحرب العالمية الثانية، من القوى السلفية، عندما تمكنت الدولة السعودية الجديدة من تخضيد شوكتها المتعصبة. ومن اللافت للنظر حقا ان نرى الملك عبدالعزيز بن سعود يصطدم بالاخوان الوهابيين في نجد، بينما يدخل رضا شاه كذلك في صراع عنيف مع رجال الدين والمراجع الشيعية في مسعاه لتجميع خيوط السلطة في يده كأحد مستلزمات بناء ايران الجديدة.
هل كان ولاء الشيعة خلال هذه المراحل لمراجعهم الدينية أم للحكومة الايرانية؟ هذه مسألة جديرة بالبحث فيما بعد. ولكن اتباع المذهب الشيعي كانوا لقرون عديدة يرون انفسهم في بيئة معادية أو غير ودية تتهددهم مخاطر من كل نوع، ومنها مثلا ما حدث في كربلاء عام 1801 من مجازر مات فيها الآلاف من سكان مدينة كربلاء حيث نهبت المراقد المقدسة على يد القوى »الوهابية«، التي ظلت تهدد الكويت نفسها حتى عام .1920 ومع تنامي ملامح الدولة القومية، العربية في العراق والفارسية في ايران، والاسلامية السلفية في السعودية، تضاعف شعور الشيعة بالعزلة وخطر الاضطهاد. ففي ايران كان ثمة قمع واسع للمعارضة السياسية والدينية، وفي العراق هيمنت النخبة السنية ذات الخبرة المتقدمة في الادارة السياسية والعسكرية مستعينة بالعمق العربي عموما، فيما كانت السلفية الوهابية تهدد مدنهم المقدسة وتكفرهم صراحة، بل تتوعدهم، كما نرى في عراق اليوم، بالابادة.
مع اختفاء مؤسسي ايران والسعودية والعراق بعد وفاة ملوكها بدأت مرحلة ثالثة، خلال حكم محمد رضا شاه والرئيس جمال عبدالناصر ومن قبله الملك فاروق والملكان سعود وفيصل في المملكة العربية السعودية. وتميزت هذه المرحلة بمحاولة التقريب بين المذهبين الشيعي والسني توجت في الازهر الشريف خلال فبراير 1958 بصدور فتوى تجيز التعبد بموجب »المذهب الجعفري« الشيعي. ولكن المرحلة كانت كذلك شديدة التوتر على الصعيد السياسي، بعد اصطدام مصر الناصرية بإيران والسعودية على حد سواء. وهكذا ساد التوتر العلاقات العربية العربية من جانب، والعلاقات العربية ـ الايرانية من جانب ثان، والتهبت المشاعر القومية العربية وزادت الشكوك في كل ما يمت الى ايران بصلة. واذا كانت الصراعات والاختلافات الايرانية ـ العربية السابقة محدودة الاطار بعض الشيء، فإن هذه المرحلة، ما بين 1952 ـ 1967، قد دخلت فيها الصحافة والاذاعة والتلفاز والراديو والمسجل والميكروفونات والمدرسة والبيت والمسجد والتظاهرات، وهكذا جرى اشراك جمهور واسع جدا في الشد والجذب.
مع وفاة الرئيس عبدالناصر عام 1970 وشاه ايران 1980، والملك فيصل في العربية السعودية 1975، بدأت مرحلة الثورة الايرانية بقيادة آية الله الخميني وهيمنة الرئيس صدام حسين على مقدرات العراق، فيما تصدرت المملكة العربية السعودية مع الملك فهد العالم العربي.
ومن اطرف ما قرأت في مجال العلاقات العربية الايرانية ما يورده الباحث »سعيد باديب«، اذ يبدو ان نقطة الخلاف الكبيرة بين ايران في زمن الشاه والسعودية في زمن الملك فيصل، كانت حول السياسة النفطية، حيث كانت مواقف البلدين منها عكس ما نرى اليوم: »ففيما كانت المملكة العربية السعودية تقيم رابطا بين سياسة انتاج النفط لديها وبين الصراع العربي الاسرائيلي، كانت سياسات الشاه تبدي اهتماما كبيرا بالدعم الذي كان يتلقاه من الولايات المتحدة، ولقد تعقد الوضع كثيرا من جراء رغبة المملكة العربية السعودية في الاستجابة للطلب على النفط في الغرب دون الاساءة الى القضية العربية، وهي قضية كان الملك فيصل، ووزير نفطه الشيخ احمد زكي اليماني، لا يكفان عن اعلان الالتزام بها«. (العلاقات السعودية الايرانية 1932 ـ 1983، لندن 1994، ص84).
وهذا بالطبع عكس ما نرى في سياسة البلدين النفطية.. اليوم! بدأت مع نشوب الحرب العراقية ـ الايرانية المدمرة والتي دامت 8 سنوات، مرحلة جديدة من التوتر الطائفي وصلت بعض موجاته الى مصر وشمال افريقيا والسودان. ومع تزايد مخاوف السنة من انتصار ايران في هذه الحرب، وجد الشيعة انفسهم في معظم الاحيان محاصرين بين الايديولوجية المذهبية والسياسية المتشددة من جانب والشكوك في حقيقة موقفهم الوطني من جانب آخر.
ولم تصطدم الثورة الايرانية بالدول العربية فحسب، بل اشتد خلافهما حتى مع الاحزاب الاسلامية العربية كالاخوان المسلمين وحزب التحرير وغيرهما. وفي دمشق، بعد ان انحاز الاخوان المسلمون السوريون الى صدام حسين، هاجم قاضي الثورة الايرانية صادق خلخالي الاخوان وسماهم »اخوان الشياطين«، واتهمت اجهزة الاعلام الايرانية بعض قادة الاخوان في مصر بمن فيهم مرشدهم عمر التلمساني بأنهم »عملاء امريكيون«. (اعتدال أم تطرف، خليل علي حيدر، 1998، ص105) بلغ الاستقطاب السياسي والمذهبي مداه خلال تلك الحرب الدامية المروعة التي رافقتها هذه المرة اجهزة التلفاز الملونة والاغاني الحماسية وحملة اعلامية لا تبقي ولا تذر. احد الكتب العراقية التي نشرها النظام على نطاق واسع عام 1985 كان كتاب »المدارس اليهودية والايرانية في العراق«. يقول المؤلف د.فاضل البراك فيه، ص227، ما يلي: »الصهيونية والخمينية مظهران لحقيقة واحدة، تطابقت فيهما القواعد والمرتكزات مع اختلاف في الصورة الخارجية، انهما صنوان نبتا من شجرة خبيثة واحدة، اصلها في بحر آسن، اجتمعت فيه كل معاني الغطرسة والكبرياء، والتعصب والجهل، والحقد والعنصرية«.
مرت العلاقات السنية ـ الشيعية بمرحلة من التحسن والهدوء مع انتهاء الحرب، وفي اعقاب تحرير الكويت، والدور المقاوم لاسرائيل لشيعة لبنان، والتغييرات في البحرين والمملكة العربية السعودية، وغير ذلك. ولكن العلاقة ما لبثت ان دخلت مع حرب تحرير العراق عام 2003، في مرحلة جديدة، تقودها هذه المرة ايران العازمة على استخدام كل ورقة للتحول الى دولة اقليمية ذرية عظمى، وجماعات تكفيرية سلفية جهادية متحالفة مع بقايا النظام العراقي المدحور. فإلى اين ستقود هذه التطورات الجديدة الشيعة في العالم العربي؟ لا احد يدري، ولكن تصريحات الرئيس مبارك مهما اختلفنا معها وعارضناها، ينبغي ان تدرس من الشيعة والسنة.. على حد سواء!
تاريخ النشر: الثلاثاء 2/5/2006