سلسبيل
04-30-2006, 06:43 AM
عبدي ركب موجة الثورة كأحد أبطال أزمة الرهائن الأميركيين وأصبح أحد رموز الإصلاحيين
طهران: مايكل سلاكمان*
عندما كان عباس عبدي شاباً، أمن بضرورة اسقاط شاه ايران ومعاقبة الولايات المتحدة لتأييدها حكومته. ولذا شارك في تخطيط وتنفيذ الاستيلاء على السفارة الاميركية في طهران واحتجاز 52 رهينة اميركية، لمدة 444 يوماً.
وبعد سنوات طويلة، اعتقد عبدي ان على الحكومة الايرانية ان تصبح اكثر تجاوباً مع الشعب، ولذا شارك في تأسيس حركة الاصلاح الايرانية، التي نجحت في انتخاب الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي لولايتين متتاليتين، وشجعت امال تحقيق المزيد من الحريات السياسية والاجتماعية.
والآن بينما تتنازع طهران مع الغرب حول برنامجها النووي، وتسيطر الايديولوجية المحافظة على كل اجهزة الحكم، يرى عبدي ان بلده اصبحت ثملة بثورة النفط وتتجه نحو «انهيار اجتماعي». ويرى ايضاً ان مشروعيه التاريخيين ـ مساعدة تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية والمشاركة في تطوير حركة الاصلاح ـ اما انتهيا او في طريقهما للنسيان. وأوضح عبدي في تقييمه لموقف الحكومة «الموقف الآن مثل الموقف في الاتحاد السوفياتي قبل سقوط الشيوعية»، مضيفاً «النظام الحالي في ايران ليس مرناً ولم يعد يعمل». وبالنسبة لحركة الاصلاح، قال انها «لم تعد قائمة».
وكغيره من ابناء الشعب الايراني، تتابع حياة عبدي، تطور الجمهورية الاسلامية الايرانية. فقد ركب موجة الثورة: كزعيم لجماعة من الطلاب استولت على السفارة الاميركية وكمسؤول في الحكومة الاولى، وككاتب اصلاحي يتحدى ما يراه نظاماً اصبح فاسداً ومنفصلاً عن الشعب، وكشخص متفائل، يعمل من اجل انتشار الديمقراطية، ثم كسجين عوقب وسجن من قبل هؤلاء الذين اعتبروا تطوره الشخصي تحدياً وتهديداً.
واصحب عبدي الآن وحيداً، يعارض هؤلاء الذين يسيطرون على مقاليد الحكم وينتقد بحدة هؤلاء الذين قادوا حركة الاصلاح. وذكر ان المصلحين فشلوا، ليس لأن اهدافهم خطأ، ولكن لأنهم كانوا غير فعاليين اطلاقاً، موضحاً: «لم يرغبوا في دفع الثمن» (لافكارهم). ويعبر الرجل، الذي كانت افكاره سابقاً مقياساً لتغيير المجتمع الايراني، عن استيائه وقلقه وسخريته. وقال عن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد «عصر احمدي نجاد سيصبح مثل التراجيديا في تاريخنا». ومن المؤكد ان هذا التوصيف سيعادي القيادات الايرانية.
وحكم على عبدي بالسجن لمدة خمس سنوات عام 2003 لرئاسته مركز لاستطلاعات الرأي العام في ايران، ولاجراء استطلاعات بالتعاون مع مؤسسة اميركية. وقد افرج عنه في مايو (ايار) 2005، بعدما رفضت المحكمة العليا الاتهامات الموجهة اليه بالتجسس. ومنذ الافراج عنه، بدأ يخرج عبدي عن صمته الذي نتج عن حيرته حول المستقبل، اكثر من كونه نتيجة التخويف. ويقول انه لا يزال غير واثق. وعندما سؤل عن العلاج المطلوب لإعادة بعث حركة الاصلاح قال ببساطة «لا شيء». ويقضى عبدي وقته في مكتب صغير في طهران، وهو عبارة عن غرفة صغيرة في الطابق الارضي مطلة على حديقة، تحتوي على مكتب وبعض ارفف الكتب، حيث يستأنف كتابة المقالات التي تتحدى النظام. وعبدي، المهندس وعالم الاجتماع الذي علم نفسه بنفسه، يملك اسلوباً تلقينيا، وأفكاراً كثيفة مترابطة معا لتقود القارئ الى النتيجة، ومثل هذا المنطلق يصبح اكثر أمناً في ايران بدلاً عن التصريحات المباشرة.
ففي احدى المقالات الاخيرة، ذكر عبدي ان شرعية الحكومة تنطلق من كونه منتخبة من قبل الشعب ـ وليس من كونها حكومة دينية. وهي فكرة تتعلق مباشرة بنظام الجمهوري الاسلامية الديني، الذي يحتوي على وظيفة «مرشد اعلى» والعديد من المسؤولين الدينيين الذين تتعدى سلطاتهم سلطات كل المؤسسات المنتخبة. ويبلغ عبدي من العمر 56 عاما، متوسط الطول والوزن ويضع نظارات ذات عدسات كبيرة، وهو نوع شائع وسط الايرانيين من جيله. ويعطي صوته الهادئ وضحكته المتميزة انطباعاً خاطئاً عن شخص لا يزال يرفض تقديم أي اعتذار عن مساعدته في الهجوم على السفارة الاميركية عام 1979. ففي لقاء جمعه عام 1997 في باريس مع باري روزين، وهو احد الرهائن السابقين في السفارة الاميركية، حاول عبدي تبرير احتجاز الرهائن بقوله ان الأحداث التي وقعت كان يجب ان تحدث وانها في نهاية الامر كانت ذات تأثير ايجابي على العالم. وقال عبدي انه وروزين كانا جزءاً من حرب بين دولتين ونظامين وبالتالي فإن احتجاز روزين رهينة لم يكن مسألة «شخصية»، على حد قوله.
ويقول عبدي ان للولايات المتحدة اليوم سلطة اخلاقية اكبر بكثير، مقارنة بما كان عليه الحال في السابق عام 1979. كما لديه فيما يبدو احترام لعدوه القديم، اذ يشيد من وقت لآخر بواشنطن، بل ذهب الى حد الإشارة الى العراق قائلاً ان الولايات المتحدة حاولت على الأقل بناء مؤسسات ديمقراطية فيه. وشرح عبدي: «قارن فقط بين التدخل الاميركي في كوسوفو بتدخلها في فيتنام. اميركا غيرت سياساتها. فقد ساندت في السابق انظمة دكتاتورية، لكنها تضغط الآن على بعض الدول مطالبة بالتغيير». وعن رأيه بترويج الولايات المتحدة للديمقراطية لتحل محل الدكتاتورية، يجيب عبدي على هذا السؤال قائلاً:
«اعتقد ان احتلال السفارة الاميركية كان احد أسباب وراء التغيير. فقد اصابت الاميركيين بصدمة جعلتهم يعيدون النظر في ما فعلوه. إننا دفعنا ثمناً غالياً، إلا ان آخرين استفادوا». وحول الجدل الذي وصل قمته في الآونة الاخيرة بين الغرب وإيران بسبب برنامجها النووي، يقول عبدي انه استطاع ان يرى نتائج وتداعيات اكبر حجماً. وأوضح ان كثيرين في منطقة الشرق الاوسط اصبحوا اكثر ميلاً الى التطرف، خصوصاً المسلمين السنة، بسبب احتلال العراق. ويعتقد انه بسبب نظرة هؤلاء الى حكوماتهم ذات الصلات القريبة والوثيقة بواشنطن، باتوا ينظرون الى ايران كقوة اقليمية قائدة.
وأضاف ان ايران اذا نجحت في إحراز تقدم في برنامجها النووي على الرغم من احتجاجات الغرب، فإن هذا الانتصار سيعزز من قوة الحكومة ويساعدها على تعزيز قاعدة تأييدها على مدى سنوات مقبلة، مستفيدة من عائدات النفط التي تقدر بمليارات الدولارات. ويقول عبدي ان ايران اذا استطاعت الاستمرار في برنامجها النووي، المسألة لن تقف عند هذا الحد، إذ ان الاصولية ستشهد نمواً في المنطقة. ويرى ايضاً ان أي من الطرفين لن يتراجع وانه «سينشب نزاع بينهما». وبالنظر الى تقييمه للأوضاع في ايران، سئل عبدي حول ما اذا كان نادماً على تأييده للثورة الايرانية او احتلال السفارة الاميركية، ليرد انهم كشباب ثوريين في ذلك الوقت كان هدفهم أطاحة الحكومة، ويعتقد انه كان هدفاً نيلاً. ولكن فيما يتعلق بماذا يأتي بعد إطاحة الحكومة، لم تكن لديهم فكرة عن النظام الذي يريدونه ان يحل محل نظام الشاه السابق. وعن القيادة الحالية في ايران، اعتبر عبدي انها «ليست الثورة»، مؤكداً انه لا يطلق عليها تسمية «الثورة فقط لأن المسؤولين يسمونها ثورة». وتابع: «النظام السائد الآن أكثر استبداداً والمستبدون لا يعترفون بأنهم مستبدون، بل دائماً ما ينظرون الى انفسهم كديمقراطيين».
* خدمة «نيويورك تايمز»
طهران: مايكل سلاكمان*
عندما كان عباس عبدي شاباً، أمن بضرورة اسقاط شاه ايران ومعاقبة الولايات المتحدة لتأييدها حكومته. ولذا شارك في تخطيط وتنفيذ الاستيلاء على السفارة الاميركية في طهران واحتجاز 52 رهينة اميركية، لمدة 444 يوماً.
وبعد سنوات طويلة، اعتقد عبدي ان على الحكومة الايرانية ان تصبح اكثر تجاوباً مع الشعب، ولذا شارك في تأسيس حركة الاصلاح الايرانية، التي نجحت في انتخاب الرئيس الايراني السابق محمد خاتمي لولايتين متتاليتين، وشجعت امال تحقيق المزيد من الحريات السياسية والاجتماعية.
والآن بينما تتنازع طهران مع الغرب حول برنامجها النووي، وتسيطر الايديولوجية المحافظة على كل اجهزة الحكم، يرى عبدي ان بلده اصبحت ثملة بثورة النفط وتتجه نحو «انهيار اجتماعي». ويرى ايضاً ان مشروعيه التاريخيين ـ مساعدة تأسيس الجمهورية الاسلامية الايرانية والمشاركة في تطوير حركة الاصلاح ـ اما انتهيا او في طريقهما للنسيان. وأوضح عبدي في تقييمه لموقف الحكومة «الموقف الآن مثل الموقف في الاتحاد السوفياتي قبل سقوط الشيوعية»، مضيفاً «النظام الحالي في ايران ليس مرناً ولم يعد يعمل». وبالنسبة لحركة الاصلاح، قال انها «لم تعد قائمة».
وكغيره من ابناء الشعب الايراني، تتابع حياة عبدي، تطور الجمهورية الاسلامية الايرانية. فقد ركب موجة الثورة: كزعيم لجماعة من الطلاب استولت على السفارة الاميركية وكمسؤول في الحكومة الاولى، وككاتب اصلاحي يتحدى ما يراه نظاماً اصبح فاسداً ومنفصلاً عن الشعب، وكشخص متفائل، يعمل من اجل انتشار الديمقراطية، ثم كسجين عوقب وسجن من قبل هؤلاء الذين اعتبروا تطوره الشخصي تحدياً وتهديداً.
واصحب عبدي الآن وحيداً، يعارض هؤلاء الذين يسيطرون على مقاليد الحكم وينتقد بحدة هؤلاء الذين قادوا حركة الاصلاح. وذكر ان المصلحين فشلوا، ليس لأن اهدافهم خطأ، ولكن لأنهم كانوا غير فعاليين اطلاقاً، موضحاً: «لم يرغبوا في دفع الثمن» (لافكارهم). ويعبر الرجل، الذي كانت افكاره سابقاً مقياساً لتغيير المجتمع الايراني، عن استيائه وقلقه وسخريته. وقال عن الرئيس الايراني محمود احمدي نجاد «عصر احمدي نجاد سيصبح مثل التراجيديا في تاريخنا». ومن المؤكد ان هذا التوصيف سيعادي القيادات الايرانية.
وحكم على عبدي بالسجن لمدة خمس سنوات عام 2003 لرئاسته مركز لاستطلاعات الرأي العام في ايران، ولاجراء استطلاعات بالتعاون مع مؤسسة اميركية. وقد افرج عنه في مايو (ايار) 2005، بعدما رفضت المحكمة العليا الاتهامات الموجهة اليه بالتجسس. ومنذ الافراج عنه، بدأ يخرج عبدي عن صمته الذي نتج عن حيرته حول المستقبل، اكثر من كونه نتيجة التخويف. ويقول انه لا يزال غير واثق. وعندما سؤل عن العلاج المطلوب لإعادة بعث حركة الاصلاح قال ببساطة «لا شيء». ويقضى عبدي وقته في مكتب صغير في طهران، وهو عبارة عن غرفة صغيرة في الطابق الارضي مطلة على حديقة، تحتوي على مكتب وبعض ارفف الكتب، حيث يستأنف كتابة المقالات التي تتحدى النظام. وعبدي، المهندس وعالم الاجتماع الذي علم نفسه بنفسه، يملك اسلوباً تلقينيا، وأفكاراً كثيفة مترابطة معا لتقود القارئ الى النتيجة، ومثل هذا المنطلق يصبح اكثر أمناً في ايران بدلاً عن التصريحات المباشرة.
ففي احدى المقالات الاخيرة، ذكر عبدي ان شرعية الحكومة تنطلق من كونه منتخبة من قبل الشعب ـ وليس من كونها حكومة دينية. وهي فكرة تتعلق مباشرة بنظام الجمهوري الاسلامية الديني، الذي يحتوي على وظيفة «مرشد اعلى» والعديد من المسؤولين الدينيين الذين تتعدى سلطاتهم سلطات كل المؤسسات المنتخبة. ويبلغ عبدي من العمر 56 عاما، متوسط الطول والوزن ويضع نظارات ذات عدسات كبيرة، وهو نوع شائع وسط الايرانيين من جيله. ويعطي صوته الهادئ وضحكته المتميزة انطباعاً خاطئاً عن شخص لا يزال يرفض تقديم أي اعتذار عن مساعدته في الهجوم على السفارة الاميركية عام 1979. ففي لقاء جمعه عام 1997 في باريس مع باري روزين، وهو احد الرهائن السابقين في السفارة الاميركية، حاول عبدي تبرير احتجاز الرهائن بقوله ان الأحداث التي وقعت كان يجب ان تحدث وانها في نهاية الامر كانت ذات تأثير ايجابي على العالم. وقال عبدي انه وروزين كانا جزءاً من حرب بين دولتين ونظامين وبالتالي فإن احتجاز روزين رهينة لم يكن مسألة «شخصية»، على حد قوله.
ويقول عبدي ان للولايات المتحدة اليوم سلطة اخلاقية اكبر بكثير، مقارنة بما كان عليه الحال في السابق عام 1979. كما لديه فيما يبدو احترام لعدوه القديم، اذ يشيد من وقت لآخر بواشنطن، بل ذهب الى حد الإشارة الى العراق قائلاً ان الولايات المتحدة حاولت على الأقل بناء مؤسسات ديمقراطية فيه. وشرح عبدي: «قارن فقط بين التدخل الاميركي في كوسوفو بتدخلها في فيتنام. اميركا غيرت سياساتها. فقد ساندت في السابق انظمة دكتاتورية، لكنها تضغط الآن على بعض الدول مطالبة بالتغيير». وعن رأيه بترويج الولايات المتحدة للديمقراطية لتحل محل الدكتاتورية، يجيب عبدي على هذا السؤال قائلاً:
«اعتقد ان احتلال السفارة الاميركية كان احد أسباب وراء التغيير. فقد اصابت الاميركيين بصدمة جعلتهم يعيدون النظر في ما فعلوه. إننا دفعنا ثمناً غالياً، إلا ان آخرين استفادوا». وحول الجدل الذي وصل قمته في الآونة الاخيرة بين الغرب وإيران بسبب برنامجها النووي، يقول عبدي انه استطاع ان يرى نتائج وتداعيات اكبر حجماً. وأوضح ان كثيرين في منطقة الشرق الاوسط اصبحوا اكثر ميلاً الى التطرف، خصوصاً المسلمين السنة، بسبب احتلال العراق. ويعتقد انه بسبب نظرة هؤلاء الى حكوماتهم ذات الصلات القريبة والوثيقة بواشنطن، باتوا ينظرون الى ايران كقوة اقليمية قائدة.
وأضاف ان ايران اذا نجحت في إحراز تقدم في برنامجها النووي على الرغم من احتجاجات الغرب، فإن هذا الانتصار سيعزز من قوة الحكومة ويساعدها على تعزيز قاعدة تأييدها على مدى سنوات مقبلة، مستفيدة من عائدات النفط التي تقدر بمليارات الدولارات. ويقول عبدي ان ايران اذا استطاعت الاستمرار في برنامجها النووي، المسألة لن تقف عند هذا الحد، إذ ان الاصولية ستشهد نمواً في المنطقة. ويرى ايضاً ان أي من الطرفين لن يتراجع وانه «سينشب نزاع بينهما». وبالنظر الى تقييمه للأوضاع في ايران، سئل عبدي حول ما اذا كان نادماً على تأييده للثورة الايرانية او احتلال السفارة الاميركية، ليرد انهم كشباب ثوريين في ذلك الوقت كان هدفهم أطاحة الحكومة، ويعتقد انه كان هدفاً نيلاً. ولكن فيما يتعلق بماذا يأتي بعد إطاحة الحكومة، لم تكن لديهم فكرة عن النظام الذي يريدونه ان يحل محل نظام الشاه السابق. وعن القيادة الحالية في ايران، اعتبر عبدي انها «ليست الثورة»، مؤكداً انه لا يطلق عليها تسمية «الثورة فقط لأن المسؤولين يسمونها ثورة». وتابع: «النظام السائد الآن أكثر استبداداً والمستبدون لا يعترفون بأنهم مستبدون، بل دائماً ما ينظرون الى انفسهم كديمقراطيين».
* خدمة «نيويورك تايمز»