سلسبيل
04-25-2006, 11:36 AM
لا أحتاج أن أكون منجماً كي أتوقع أخباراً سيئة لعالمنا العربي
كتب:جمال احمد خاشقجي
مازلت اشعر بالفخر والاطمئنان بأن ثمة أمل في مستقبل عربي افضل، وذلك بعدما أمضيت مساء السبت الماضي وسط عدد من الشباب والشابات العرب النابغين في جامعة ماستشوستس للتكنولوجيا الشهيرة، في حفل دعت له منظمة الطلبة العرب بالجامعة العريقة
http://web.mit.edu/arab/www/index.html
لتوزيع جوائزها للنابغين العرب في حقلي العلوم والتقنية، وانصح أي زعيم عربي أو مفكر أو كاتب سيشعر خلال العام المقبل بالاكتئاب والضيق لما سيتراكم من حوله من أخبار سيئة ـ ولا احتاج أن أكون منجما كي أتوقع أخبارا سيئة لعالمنا العربي ـ أن يقبل أو حتى يدعو نفسه لحضور احتفالهم السنوي القادم.
ايها القادة العرب احجزوا مقاعدكم من اليوم فإنه اكثر إمتاعا من أي قمة عربية.
على طاولة العشاء الأنيقة كان عن يميني شاب مصري اسمه مجدي، يحضر الدكتوراه في الطب ويُدرس في نفس الوقت الفيزياء، وعن يساري شابة مصرية هي الأخرى اسمها إيمان تخرجت في الأكاديمية السعودية في واشنطن و تدرس حاليا تخطيط المدن، مازحتها قائلا هل تطمحين إلى أن تكوني أول امرأة ترأس بلدية القاهرة، ردت مبتسمة إن القاهرة «كبيرة آوي، كفاية ابدأ من الجيزة» ما أدراها ؟ فعالمنا العربي في مخاض و ما سمعته منها عن تخطيط المدن أقنعني بأنها ستكون افضل من رؤساء البلديات الحاليين الذين رأينا ما فعلوه في مدننا العربية.
عن يمين مجدي شاب سعودي اسمه عبد الرحمن طرابزوني معروف على نطاق واسع بنبوغه في برمجة الكمبيوتر ويسميه أصدقاؤه بيل جيتس السعودي، عن يسار إيمان شاب سعودي آخر هو تركي الثنيان الذي يحضر للدكتوراه في القانون من جامعة هارفرد والذي لا ألتقيه، إلا ويشكوا لي من عزوف الطلبة السعوديين عن الجامعات الأمريكية العريقة وتهيبهم منها لتوقعهم الخاطئ، كما يقول الثنيان، بأنها صعبة وبعيدة المنال .
وهو رأي يشاركه فيه الملحق التعليمي السعودي في واشنطن الدكتور مزيد المزيد والذي كان معنا أو كنا معه على نفس الطاولة والمشغول هذه الأيام بسيل من الطلبة السعوديين المبتعثين للولايات المتحدة، ويقول الدكتور المزيد انهم في الملحقية يقتنصون بين آلاف الملفات التي تصلهم كل يوم من يصفونهم بطلبة A+ ويشجعونهم على الالتحاق بالجامعات الأمريكية العريقة مثل هارفرد وستانفورد وييل وإم إي تي، غير انه لاحظ أن الطلبة ورغم تفوقهم يخشون أن يتقدموا فيرفضون، إذا ما قبلوا يطاردهم شبح الفشل، ويبدو أن المتفوقين يرعبهم أن يقال عنهم أن فلانا فشل في جامعة هارفرد أو بيركلي .
أعجبني رأي سمعته خلال العشاء ان أحد الأدوار التي ينبغي أن تنيط منظمة الطلبة العرب نفسها به هو التعريف بفرص القبول في الجامعات العريقة وذلك بالاتصال بالمنظمات والاتحادات الطلابية في العالم العربي وخارجه، وهو نفس ما قاله السفير السعودي في واشنطن الأمير تركي الفيصل الذي قبل دعوة الطلبة وسافر لبوسطن لحضور احتفالهم، وعندما شكره أحدهم لتجشمه متاعب السفر رد سمو الأمير انه يؤمن بأن هناك مصلحة استراتيجية للعرب بدخول هذه الجامعات العريقة والنجاح فيها، وكرر نفس الرأي الدكتور شارلز العشي اللبناني والذي كرمته المنظمة في حفلها فقال في كلمته للطلبة العرب انه لا يريدهم أن يدرسوا للنجاح فقط «من يريد النجاح يحرص على تتبع المواد السهلة فيحصل فيها على A ولكني أريدكم أن تأخذوا المواد الصعبة ولا بأس لو حصل أحدكم على B أو اقل من ذلك، المهم أن تتعلم شيئا صعبا وجديدا» ويبدو انه فعل ذلك في شبابه فهو اليوم رئيس مجموعة تنتج محركات سفن الفضاء التي تطير إلى الكواكب الأخرى لحساب وكالة الفضاء الأمريكية، وبالتأكيد أمر كهذا يحتاج إلى عالم يؤمن بحل المسائل الصعبة وغير المطروقة من قبل.
ولكن بالرغم من سعادتنا كسعوديين بإنجازات أبنائنا في مختلف الجامعات الأمريكية، إلا أن التهيب من الجامعات العريقة والكبرى لا يزال قائما، إذ أكد لي بنبرة متحسرة الملحق التعليمي الدكتور مزيد المزيد أن عدد الطلبة في جامعة MIT لا يزال دون أربعة الطلاب فقط، ونفس الحال في بقية الجامعات الكبرى وهو أمر يحتاج بالفعل إلى اهتمام من قبل وزارة التعليم العالي، فهذه الجامعات ليست مجرد دور علم وإنما فيها تصنع الحضارة الإنسانية التي نعيشها اليوم، فجل الاختراعات والأفكار والنظريات، التي ننعم بها اليوم خرجت من معامل ومراكز بحث هذه الجامعات، كما أن هناك تداخلا كبيرا بينها وبين قطاع الأعمال والإنتاج، وطلابها يتخرجون ليجدوا أن وظائفهم تنتظرهم فورا في كبرى الشركات.
إن القبول في هذه الجامعات ممكن، فالدولة لن تتردد في تحمل مصاريفها المرتفعة كما يؤكد الملحق التعليمي، كما أن في معظمها نظاما يعطي مختلف الدول «كوتا» معينة وكنت قد حصلت على قائمة من الصديق تركي الثنيان بعدد الطلبة الأجانب في جامعة هارفرد التي يدرس فيها وهي تظهر بوضوح أننا دون الكوتا المخصصة لطلاب المملكة الذين لا يزيدون على الخمسة بينما من إسرائيل يدرس 21 طالبا، والحق أن حالنا ليست أسوأ من غيرنا من الدول العربية فمن مصر طالبان فقط ومن لبنان مثلهما.
أعود إلى الحفل حيث الأخبار المفرحة، لقد لفت انتباهي حالة الصداقة بل الحب بين الطلبة العرب في الجامعة، وهم من مختلف الجنسيات والأديان، عندما قدم أحدهم مؤسس الجائزة شريف قنديل وذكر انه سيتخرج بعد أسابيع بعد عشر سنوات قضاها في الجامعة «إذ لم يعد لدى MIT مزيدا من الشهادات تمنحها لها» غلبت الدموع المتحدث، وعندما تقدم الشاب المصري والذي نشأ في السعودية احمد غازي ويحضر لشهادتي دكتوراه في الطب (ما شاء الله) واحدة من هارفرد والثانية من ييل لتسلم جائزته ضجت القاعة بالتصفيق والصفير، وعندما تقدم الشاب الفلسطيني الدكتور هشام كساب والذي حصل على الدكتوراه في الهندسة الكهربائية وأسس شركة واصبح استشاريا في البنك الدولي وسجل اختراعا باسمه والكثير من الكتب وهو لم يتجاوز الثلاثين وتحدث عن والدته التي رعته عن بعد بدعائها ووالده الذي لم يمنعه فقر مخيم فلسطيني عاش فيه من تعليم ابنه افضل تعليم وإرساله إلى افضل جامعة في العالم، رأيت دموعا أخرى في أعين زملائه.
في نهاية الحفل قال رئيس المنظمة الشاب السعودي عمر الماضي الذي يوشك أن ينهي رسالة الدكتوراه في الإدارة من MIT قال ممازحا الحضور «اعتقد بأننا قدمنا لكم حفلا شيقا، لقد قدمنا لكم كل أشكال الدراما من الفرح إلى البكاء والدموع».
شكرا يا عمر ولكل زملائك، لقد قدمتم لنا «قصة نجاح» وما اقل قصص النجاح في عالمنا العربي، سنخسر بعضكم بالتأكيد لصالح كبرى الشركات والجامعات ومراكز البحث الأمريكية والعالمية ولكنكم ستحملون معكم همَّ عالمكم العربي دوما، عسى ولعل أن تتحقق على أيديكم قصة نجاح اكبر تشملنا جميعا.
كاتب ومستشار إعلامي سعودي
تاريخ النشر: الثلاثاء 25/4/2006
كتب:جمال احمد خاشقجي
مازلت اشعر بالفخر والاطمئنان بأن ثمة أمل في مستقبل عربي افضل، وذلك بعدما أمضيت مساء السبت الماضي وسط عدد من الشباب والشابات العرب النابغين في جامعة ماستشوستس للتكنولوجيا الشهيرة، في حفل دعت له منظمة الطلبة العرب بالجامعة العريقة
http://web.mit.edu/arab/www/index.html
لتوزيع جوائزها للنابغين العرب في حقلي العلوم والتقنية، وانصح أي زعيم عربي أو مفكر أو كاتب سيشعر خلال العام المقبل بالاكتئاب والضيق لما سيتراكم من حوله من أخبار سيئة ـ ولا احتاج أن أكون منجما كي أتوقع أخبارا سيئة لعالمنا العربي ـ أن يقبل أو حتى يدعو نفسه لحضور احتفالهم السنوي القادم.
ايها القادة العرب احجزوا مقاعدكم من اليوم فإنه اكثر إمتاعا من أي قمة عربية.
على طاولة العشاء الأنيقة كان عن يميني شاب مصري اسمه مجدي، يحضر الدكتوراه في الطب ويُدرس في نفس الوقت الفيزياء، وعن يساري شابة مصرية هي الأخرى اسمها إيمان تخرجت في الأكاديمية السعودية في واشنطن و تدرس حاليا تخطيط المدن، مازحتها قائلا هل تطمحين إلى أن تكوني أول امرأة ترأس بلدية القاهرة، ردت مبتسمة إن القاهرة «كبيرة آوي، كفاية ابدأ من الجيزة» ما أدراها ؟ فعالمنا العربي في مخاض و ما سمعته منها عن تخطيط المدن أقنعني بأنها ستكون افضل من رؤساء البلديات الحاليين الذين رأينا ما فعلوه في مدننا العربية.
عن يمين مجدي شاب سعودي اسمه عبد الرحمن طرابزوني معروف على نطاق واسع بنبوغه في برمجة الكمبيوتر ويسميه أصدقاؤه بيل جيتس السعودي، عن يسار إيمان شاب سعودي آخر هو تركي الثنيان الذي يحضر للدكتوراه في القانون من جامعة هارفرد والذي لا ألتقيه، إلا ويشكوا لي من عزوف الطلبة السعوديين عن الجامعات الأمريكية العريقة وتهيبهم منها لتوقعهم الخاطئ، كما يقول الثنيان، بأنها صعبة وبعيدة المنال .
وهو رأي يشاركه فيه الملحق التعليمي السعودي في واشنطن الدكتور مزيد المزيد والذي كان معنا أو كنا معه على نفس الطاولة والمشغول هذه الأيام بسيل من الطلبة السعوديين المبتعثين للولايات المتحدة، ويقول الدكتور المزيد انهم في الملحقية يقتنصون بين آلاف الملفات التي تصلهم كل يوم من يصفونهم بطلبة A+ ويشجعونهم على الالتحاق بالجامعات الأمريكية العريقة مثل هارفرد وستانفورد وييل وإم إي تي، غير انه لاحظ أن الطلبة ورغم تفوقهم يخشون أن يتقدموا فيرفضون، إذا ما قبلوا يطاردهم شبح الفشل، ويبدو أن المتفوقين يرعبهم أن يقال عنهم أن فلانا فشل في جامعة هارفرد أو بيركلي .
أعجبني رأي سمعته خلال العشاء ان أحد الأدوار التي ينبغي أن تنيط منظمة الطلبة العرب نفسها به هو التعريف بفرص القبول في الجامعات العريقة وذلك بالاتصال بالمنظمات والاتحادات الطلابية في العالم العربي وخارجه، وهو نفس ما قاله السفير السعودي في واشنطن الأمير تركي الفيصل الذي قبل دعوة الطلبة وسافر لبوسطن لحضور احتفالهم، وعندما شكره أحدهم لتجشمه متاعب السفر رد سمو الأمير انه يؤمن بأن هناك مصلحة استراتيجية للعرب بدخول هذه الجامعات العريقة والنجاح فيها، وكرر نفس الرأي الدكتور شارلز العشي اللبناني والذي كرمته المنظمة في حفلها فقال في كلمته للطلبة العرب انه لا يريدهم أن يدرسوا للنجاح فقط «من يريد النجاح يحرص على تتبع المواد السهلة فيحصل فيها على A ولكني أريدكم أن تأخذوا المواد الصعبة ولا بأس لو حصل أحدكم على B أو اقل من ذلك، المهم أن تتعلم شيئا صعبا وجديدا» ويبدو انه فعل ذلك في شبابه فهو اليوم رئيس مجموعة تنتج محركات سفن الفضاء التي تطير إلى الكواكب الأخرى لحساب وكالة الفضاء الأمريكية، وبالتأكيد أمر كهذا يحتاج إلى عالم يؤمن بحل المسائل الصعبة وغير المطروقة من قبل.
ولكن بالرغم من سعادتنا كسعوديين بإنجازات أبنائنا في مختلف الجامعات الأمريكية، إلا أن التهيب من الجامعات العريقة والكبرى لا يزال قائما، إذ أكد لي بنبرة متحسرة الملحق التعليمي الدكتور مزيد المزيد أن عدد الطلبة في جامعة MIT لا يزال دون أربعة الطلاب فقط، ونفس الحال في بقية الجامعات الكبرى وهو أمر يحتاج بالفعل إلى اهتمام من قبل وزارة التعليم العالي، فهذه الجامعات ليست مجرد دور علم وإنما فيها تصنع الحضارة الإنسانية التي نعيشها اليوم، فجل الاختراعات والأفكار والنظريات، التي ننعم بها اليوم خرجت من معامل ومراكز بحث هذه الجامعات، كما أن هناك تداخلا كبيرا بينها وبين قطاع الأعمال والإنتاج، وطلابها يتخرجون ليجدوا أن وظائفهم تنتظرهم فورا في كبرى الشركات.
إن القبول في هذه الجامعات ممكن، فالدولة لن تتردد في تحمل مصاريفها المرتفعة كما يؤكد الملحق التعليمي، كما أن في معظمها نظاما يعطي مختلف الدول «كوتا» معينة وكنت قد حصلت على قائمة من الصديق تركي الثنيان بعدد الطلبة الأجانب في جامعة هارفرد التي يدرس فيها وهي تظهر بوضوح أننا دون الكوتا المخصصة لطلاب المملكة الذين لا يزيدون على الخمسة بينما من إسرائيل يدرس 21 طالبا، والحق أن حالنا ليست أسوأ من غيرنا من الدول العربية فمن مصر طالبان فقط ومن لبنان مثلهما.
أعود إلى الحفل حيث الأخبار المفرحة، لقد لفت انتباهي حالة الصداقة بل الحب بين الطلبة العرب في الجامعة، وهم من مختلف الجنسيات والأديان، عندما قدم أحدهم مؤسس الجائزة شريف قنديل وذكر انه سيتخرج بعد أسابيع بعد عشر سنوات قضاها في الجامعة «إذ لم يعد لدى MIT مزيدا من الشهادات تمنحها لها» غلبت الدموع المتحدث، وعندما تقدم الشاب المصري والذي نشأ في السعودية احمد غازي ويحضر لشهادتي دكتوراه في الطب (ما شاء الله) واحدة من هارفرد والثانية من ييل لتسلم جائزته ضجت القاعة بالتصفيق والصفير، وعندما تقدم الشاب الفلسطيني الدكتور هشام كساب والذي حصل على الدكتوراه في الهندسة الكهربائية وأسس شركة واصبح استشاريا في البنك الدولي وسجل اختراعا باسمه والكثير من الكتب وهو لم يتجاوز الثلاثين وتحدث عن والدته التي رعته عن بعد بدعائها ووالده الذي لم يمنعه فقر مخيم فلسطيني عاش فيه من تعليم ابنه افضل تعليم وإرساله إلى افضل جامعة في العالم، رأيت دموعا أخرى في أعين زملائه.
في نهاية الحفل قال رئيس المنظمة الشاب السعودي عمر الماضي الذي يوشك أن ينهي رسالة الدكتوراه في الإدارة من MIT قال ممازحا الحضور «اعتقد بأننا قدمنا لكم حفلا شيقا، لقد قدمنا لكم كل أشكال الدراما من الفرح إلى البكاء والدموع».
شكرا يا عمر ولكل زملائك، لقد قدمتم لنا «قصة نجاح» وما اقل قصص النجاح في عالمنا العربي، سنخسر بعضكم بالتأكيد لصالح كبرى الشركات والجامعات ومراكز البحث الأمريكية والعالمية ولكنكم ستحملون معكم همَّ عالمكم العربي دوما، عسى ولعل أن تتحقق على أيديكم قصة نجاح اكبر تشملنا جميعا.
كاتب ومستشار إعلامي سعودي
تاريخ النشر: الثلاثاء 25/4/2006