المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ليس حراما ظهور شخصيات الأنبياء فى الأعمال الدرامية



موالى
04-24-2006, 11:28 PM
د أحمد صبحي منصور



بسم الله الرحمن الرحيم



مقدمة
1 ـ من أفضل الأعمال الدرامية التى ناقشت سيرة النبى محمد عليه السلام فيلم ( الرسالة ) للمخرج السورى العالمى الراحل مصطفى العقاد. الخطأ الوحيد فى السيناريو أنه جعل حمزة عم النبى هو الشخصية المحورية فى الفيلم مع وجود البطل الحقيقى وهو النبى محمد محجوبا عن الظهور، مع أنه محور الأحداث. بالطبع اضطر المخرج لهذا لأنه لا يمكن أن يغامر باظهار شخصية النبى محمد على الشاشة، فاستعاض عنه بتضخيم دور عمه حمزة. ومع ذلك فان شيوخ الأزهر لا يزالون يرفضون التصريح بعرض الفيلم فى مصر لأن الفيلم أظهر حمزة عم النبى وهذا عندهم محظور.
2 ـ كتبنا كثيرا فى معرض التأكيد على انه ليس فى الاسلام مؤسسة دينية كهنوتية تتحدث باسم الله تعالى وتكون مرجعية رسمية فيما يجوز وما لايجوز فى دين الله تعالى.

ليس فى الاسلام سوى " أهل الذكر " أو " الذين أوتوا العلم " وهو مجال مفتوح امام الجميع كل على حسب ااجتهاده البشرى، وكل منهم يعبّر عن رأيه الشخصى الذى يقبل الخطأ والنقد والصواب والنقاش. ما يقوله احدهم ليس وحيا من السماء وليس معبرا عن دين الاسلام، انما يعبر عن نفسه ومدى علمه، ورأيه صحيح بقدر ما فيه من اقناع وما يجلبه من اقتناع. وبالتالى فهذه ليست مهنة رسمية وانما استعداد فكرى وموهبةعقلية، و من الخبل ان نتصور ان تتفتح المواهب العقلية ويظهر الابداع العلمى بقرار رسمى، أو أن يكون حكرا على موظفين تعينهم الدولة من بين خدمها من أهل الثقة الذين يتراقصون فى مواكبها يسبحون بحمد ولىّ النعم.

وقلنا أن الأزهر هو مؤسسة مدنية تتبع الدولة، ورئيس الجمهورية هو الذى يعيّن شيخ الأزهر وبقية شيوخه، أى أن شيخ الأزهر ليس معينا من لدن الله تعالى بل هو افراز لمؤسسة سياسية هى نظام الحكم فى مصر، وهذا النظام الحاكم فى مصر ليس مرسلا من عند الله تعالى بل لا يعبّر عن مصر نفسها لأنه يعبر فقط عن الحزب الوطنى ومستوى الفاعلين فيه، وهو مستوى من الأداء سىء السمعة ومتهم ـ محليا واقليميا وعالميا ـ بالفساد والاستبداد والتعذيب. وبالتالى فان الأزهر فى هذا العهد أصبح مؤيدا للفساد، بالتالى لن ننتظر منه الاجتهاد والتنوير وهو الذى يطارد زعماء الاصلاح ويحكم بتكفير المجتهدين.
المصيبة الكبرى حين يعكف بعض مسئولى الأزهر على التدخل بالحظر والمنع وتحريم الحلال فى كل شىء خلافا لتشريع الاسلام. ومن ذلك اصرار شيوخ الأزهر على تحريم ظهور شخصيات الأنبياء وكبارالصحابة فى الأعمال الدرامية.

دعنا نناقش هذه القضية على شكل سؤال وجواب

1 ـ هل هو حرام اظهار شخصية النبى فى الأعمال الدرامية؟

ليس حراما. لأن الأصل فى التشريع الاسلامى هو الاباحة، وان الحرام هو الاستثناء. القرآن الكريم يذكر الحرام والمحرمات بالتفصيل، وغيره يكون حلالا مباحا بدون قيد طالما لا يدخل ضمن أى محرم منصوص عليه. ليس اظهار شخصيات الأنبياء فى الدراما ضمن المحرمات المذكورة فى القرآن الكريم، واذن فذلك العمل ليس حراما.

2 ـ ولكن قد يقال أن الدراما لم تكن فى عهد نزول القرآن الكريم، أى تستلزم تشريعا جديدا

الاسلام اكتمل بالقرآن الكريم، وهو صالح لكل زمان ومكان. ومنه نأخذ الحكم فى كل ما يستجد من مخترعات وتطورات، والذى أنزل القرآن هو رب العزة الذى يعلم طبائع الانسان ( أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ : الملك 14 )، ومن السهل تطبيق تشريعات القرآن فى كل عصر طالما فهمناها من خلال القرآن الكريم نفسه وبمصطلحاته الكريم وما فيها من مقاصد تشريعية ( التيسير، رفع الحرج، رعاية حقوق العباد،التقوى) وما فيها من قواعد وتفصيلات وتأكيد على القيم العليا من العدل وحرية الرأى والفكر والمعتقد والاحسان والتسامح. واذا رجعنا الى القرآن الكريم بهذا المنهج وجدنا انه يجوز ظهور شخصيات الأنبياء على الشاشة.

3 ـ ماذا لو هاجم شخص ما الأنبياء وسخر منهم مستعملا الدراما ؟

لم يتوقف الهجوم على الانبياء ولن يتوقف. حدث هذا فى كل عصر وسيستمر طبقا للحرية المطلقة التى خلق الله تعالى الناس عليها، ووقوع أكثرية البشر فى الضلال، وسوء استغلالهم لتلك الحرية، وأمامهم يوم هائل اسمه يوم الحساب.ولذلك تظل ارادة الله تعالى سارية الى قيام الساعة، وهى أن لأى شخص ان يفكر كيفما شاء وأن يعبر عن وجهة نظره كيف شاء، وبكل طريقة ممكنة، ولذلك ترى البشر مختلفين فى الدين، ومختلفين الى مذاهب داخل كل دين، والى مدارس فكرية داخل كل مذهب. و لا توجد قوة بشرية تستطيع اجبار انسان على ان يعتنق مخلصا عقيدة يرفضها. قد يضطر الى اظهار عكس ما يعتقد نفاقا ومداراة ولكن لا تستطيع قهر قلبه على اعتناق ما يرفض. وفى النهاية فكل منا مسئول يوم القيامة عما اعتقد وعما قال وعما فعل.
وبالتالى فلو أن شخصا أنتج فيلما مليئا بالسب فى أحد الأنبياء فان عقابه عند ربه جل وعلا، وليس له عقاب من السلطة، وليس للسلطة أن تتدخل بالمنع أو المصادرة لهذا العمل الفنى. ولو قام شخص آخر بانتاج فيلم يوضح فيه حقائق تاريخية عن نبى من الأنبياء بما يعد عند الله تعالى من الأعمال الصالحة النافعة فان اجره عند الله تعالى يوم القيامة، وايضا ليس للدولة أن تتدخل فى عمله بالمنع أو بالمصادرة.، اذ ليس فى سلطة الدولة الاسلامية التدخل فى حرية التعبير والعقيدة والفكر.
الممنوع بالنسبة للدولة هو تدخلها فى كل ما يخص حرية الرأى والعقيدة والتعبير، والمتاح المباح للفرد هو حريته المطلقة فيما يعتقد وفيما يبدع وفيما يؤلف وفيما ينشر وينتج وهو مسئول يوم القيامة عما فعل.

4 ـ هذا يستلزم دليلا من القرآن الكريم.!!

أعداء النبى محمد عليه السلام كانوا يستهزئون به ويلاحقونه بالسخرية والتندر. كان ممكنا ان يتجاهل القرآن الكريم أقاويلهم الساخرة وان يصادرها خصوصا انه ليس تاريخا مفصلا لسيرة النبى ؛ أشار لبعض الجوانب وترك بعضها. كان استهزاء الكفار بالنبى محمد مما ركّز عليه القرآن الكريم. كانوا اذا رأوه يرتاد الأسواق ويأكل فيها تندروا عليه قائلين ساخرين : ما لهذا الرسول يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ؟ اذا كان رسولا من عند الله فعلا فلماذا لم يصحبه ملك من السماء ولماذا لم يعطه الله كنزا ذهبيا أوبساتين ؟ ( الفرقان 7 : 8 )
كان محمد عليه السلام فى مظهره شخصا عاديا، لم يكن مترفا منعما ولم يكن زعيما مطاعا صاحب جاه، أى لم يكن ( عظيما) بمقياس العظمة فى الجاهلية حيث تفرز بيئات الظلم فى كل عصرـ ومنها عصرنا ـ مجرمين تضفى عليهم سيماء العظمة. كان عليه السلام عظيما بالمقياس الالهى،ولذلك اختاره ربه عز وجل ليكون خاتم الأنبياء، والله تعالى أعلم اين يضع رسالاته، ولذلك فان كبار المجرمين ( العظماء فى عصره ) استكثروا أن يختار الله تعالى شخصا بسيطا مسالما لرسالته وتركهم وهم أصحاب السطوة والجاه والنفوذ ( الأنعام 123 : 124 )، بل كانت حجتهم فى الرفض أنه ليس عظيما ( الزخرف 31 ). ولأنه ليس عظيما بمقياسهم ولأنه مع ذلك ادعى النبوة فى نظرهم فقد ركزوا على سخريتهم به متخذين من مظهره العادى البسيط حجة عليه ومادة للاستهزاء به، بل كان الاستهزاء يصل بهم الى درجة الاحتقار حين يوجهون له أصابعهم قائلين : أهذا الذى بعث الله رسولا؟ أهذا الذى يعيب على آلهتكم ( الفرقان 41 )( الأنبياء 36 )
كل اتهامات المشركين للنبى محمد وكل اتهامات المشركين للأنبياء السابقين أوردها القرآن الكريم فى صور رائعة من البيان، فأصبحت تلك الاتهامات مع الردّ الالهى عليها جزءا من القرآن الكريم المحفوظ الى يوم القيامة، والذى يتعبد المسلمون بتلاوته.
والله تعالى ذكر ذلك وجعله ضمن آيات القرآن لنتعلم منه ان النبى كان بشرا عاديا يتعرض للأذى، وأن حرية الكفار فى الفكر والدين والتعبير كانت مباحة وسيحاسبون عليها.

5 ـ اكثر من ذلك هو القصص القرآنى نفسه. اليس كذلك ؟

نعم. القصص القرآنى للأنبياء وغيرهم أحد جوانب الاعجاز فى اسلوبه وتفصيلاته وفى اشاراته الدرامية وفى بنائه القصصى وفى منهجيته التاريخية الفريدة، وقد فصّلنا القول فى ذلك فى كتاب لنا كان مقررا على طلبة قسم التاريخ فى جامعة الأزهرسنة 1984 بعنوان ( البحث فى مصادر التاريخ الدين : دراسة عملية).
استخدام القصص من أروع فنون التعبير، ولذك كان ضمن اساليب القرآن الكريم والكتب السماوية السابقة. وعليه فان اللجوء للقصص من الأمور المستحبة لكل صاحب دعوة. اى هو طريق متاح للجميع. والقصص الدرامى هو أكثر أنواع القصص ابهارا وتأثيرا،وأزعم انه لو كان موجودا فى عصر الأنبياء السابقين لاستعملوه فى الدعوة للحق، ولاستعمله خصومهم فى الدعوة للباطل. هو أداة مباحة محايدة متاحة فى يد الجميع. غاية ما هنالك انها تستخدم فى الحق او فى الباطل. والله تعالى هو وحده الذى سيحاسبنا على سوء الاستخدام أو سوء الاستعمال.

6 ـ اذن من المستحب لنا تصوير الأنبياء فى الدراما لاظهار حقائق الاسلام؟

اذا كان الله تعالى قد استخدم أروع البيان الفصيح فى تقديم قصص الأنبياء فى القرآن الكريم فهذه دعوة لنا لنستخدم نفس القصص مستغلين أروع ما اخترعه عصرنا من ابهار وانتشار. واذا كان الله تعالى قد ذكر ملامح واقعية من تاريخ الأنبياء وأكّد على أنهم بشر مثلنا فلماذا نتحرّج من تصويرهم مثلنا؟ واذا كانت بشرية الأنبياء تقع فى صلب عقيدة التوحيد الاسلامية التى لا تقديس فيها لنبى أو أى بشرأو حجر فانه يكون من الدعوة للاسلام الصحيح تصوير النبى محمد عليه السلام بصورته الحقيقية البشرية كما جاء فى القرآن ؛ رجلا عاديا فى مظهره يأكل الطعام ويمشى فى الأسواق ويعانى من احتقار الكفرة المجرمين المترفين فى عصره، بل يعانى من أزواجه ومن بعض المقربين من أصحابه، علاوة على مكائدالمنافقين وخداع بعض الصحابة الذين وصفهم الله تعالى بالمرجفين فى المدينة والذين فى قلوبهم مرض.
فى القرآن الكريم كنوز من التاريخ الواقعى والملامح الدرامية للأنبياء وغيرهم، وله منهجه فى الفن الدرامى مع أنه ليس كتابا فى القصص أو الدراما أو التاريخ او التشريع،انما هو كتاب للهداية، وفى سياق الدعوة للهداية تترى آيات التشريع والقصص واشارات للاعجاز العلمى وفق منهج خاص به. لكن المسلمين اتخذوه مهجورا وانشغلوا عنه طوال تاريخهم باللهو من الأحاديث ليضلوا عن القرآن سبيل الله تعالى. ومن اعجاز القرآن أنه أنبأ بذلك قبل وقوعه وجعل هذه المهمة القذرة سارية المفعول فى أى مجتمع أو أى ( ناس ):( لقمان 6 )

7 ـ هل يمكنك ان تعطينا مثالا من القرآن يصلح لمشهد درامى ؟

فى كتاب لم ينشر بعد هو ( ملامح من الفن الدرامى فى القصص القرآنى ) قمت بتحليل سورة يوسف دراميا، وسبق تحليلها تاريخيا فى كتابى ( مصر فى القرآن الكريم ) الذى نشرته مؤسسة الأخبار فى مصر سنة 1990. ما جاء عن سيرة محمد خاتم الأنبياء كنوز درامية فى مشاهد متفرقة تستحق التصوير لاظهار حقائق جديدة منسية غفل عنها المسلمون.
لنقرأ معا تلك الآيات من سورة (الجن): (وَأَنَّ الْمَسَاجِدَ لِلَّهِ فَلَا تَدْعُوا مَعَ اللَّهِ أَحَدًا وَأَنَّهُ لَمَّا قَامَ عَبْدُ اللَّهِ يَدْعُوهُ كَادُوا يَكُونُونَ عَلَيْهِ لِبَدًا.قُلْ إِنَّمَا أَدْعُو رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِهِ أَحَدًا. قُلْ إِنِّي لَا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلَا رَشَدًا.قُلْ إِنِّي لَن يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِن دُونِهِ مُلْتَحَدًا.إِلَّا بَلَاغًا مِّنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ. )
التدبر فى الآيات يعطى حقيقة قرآنية مسكوتا عنها، هى أن العرب فى الجاهلية كانت لهم مساجد يؤدون فيها الصلاة على ملة ابراهيم التى توارثوها، وهى نفس الصلاة التى نؤديها اليوم، والتفاصيل فى كتابنا القادم ( الصلاة فى القرآن الكريم ). الا أن العرب وقريش بالذات أضاعت ملة ابراهيم وأضاعت الصلاة، أى أحبطت ثمرتها بالوقوع فى الشرك وبالوقوع فى الانحلال الخلقى، أو بتعبير القرآن الكريم " لم يقيموا الصلاة " اى لم يقيموها فى سلوكهم تقوى لله تعالى وسموا فى اخلاقهم وفى عقائدهم. ملأوا مساجد الله تعالى بالقبور المقدسة أو الأضرحة. وجعلوا الصلاة لله تعالى مقترنة بالتوسل بالولى المدفون على أمل أن تقربهم أولئك الأولياء لله تعالى زلفى، وجعلوا الاذان للصلاة مرتبطة بالتقديس والتحميد وذكر أولئك الأولياء. باختصار، فعلوا مثلما نفعل الآن فى مساجدنا لأن الشيطان مارس معنا نفس اللعبة، وأضلنا كما أضل السابقين. لذا أرسل الله تعالى خاتم النبيين لتصحيح ملة ابراهيم ولارجاعها الى نقائها، وجعل القرآن الكريم محفوظا من التحريف ليكون حجة على المسلمين بالذات الى يوم القيامة.
لم يقتصر خاتم النبيين على مجرد القول، بل كان يذهب بنفسه الى تلك المساجد القبورية المليئة بأضرحتها المقدسة ومريديهم ليعلن لهم بصوت عال : أن المساجد يجب أن تكون لله تعالى وحده، فلا يرتفع فى الآذان ( الله أكبر ) اسم مع اسم الله تعالى، ولا يذكر فى الصلاة اسم بجانب اسمه. حين قال ذلك تجمعوا عليه يريدون الفتك به( كادوا يكونون عليه لبدا)، الا أنه واصل وعظهم قائلا انه لا يشرك مع الله تعالى أحدا، وانه لا يملك هدايتهم لأن الهداية مسئولية شخصية، ومن اهتدى فانما يهتدى لنفسه ومن ضلّ فانما يضل على نفسه، وكل ما عليه هو البلاغ. وانه هو نفسه يوم القيامة لن ينجيه أحد من المساءلة أمام ربه ولن يجيره أحد من عذاب ربه الا تبليغ الرسالة.

هذا هو معنى الآيات الكريمة التى تصف موقفا دراميا فيه الصراع بين النبى محمد وخصومه، وهو صراع مشحون بالحركة والصوت والانفعالات. العنصر الانسانى الكامن هنا هو حب النبى محمد لقومه وخوفه عليهم، وهذا هو شأن كل نبى مع قومه، بل هو شأن كل مصلح حريص على هداية قومه، حتى اذا كان قاسيا فى الاسلوب. الا أن خاتم النبيين عليه وعليهم السلام كان قمة فى سمو الخلق، لهذا يواجه عسفهم به وتألبهم عليه بالحكمة والموعظة الحسنة مؤكدا انها مسئوليتهم هم فى الايمان أو الكفر، وأنه لا يملك لهم ضرا ولا رشدا، وأنه مسئول فقط على تبليغ الرسالة ويتمنى لهم الخير.

هذا الصراع بين الخير والشر هو لب الدراما فى كل زمان ومكان، ولأنه صراع متجدد فان الاعجاز القرآنى هنا يصف النبى محمدا عليه السلام بوصف شديد الايحاء، فيقول عنه ( عبد الله ). الاعجاز هنا يتجلى فى ناحيتين : الأولى: للرد مقدما على أولئك ( المسلمين ) الذين عبدوا محمدا وقدّسوه وتنكبوا طريقه وتجاهلوا تاريخه، فبعد أن جاهد لتأسيس عقيدة لا اله الا الله قاموا هم باتخاذه هو الاها مع الله. وبعد أن نزلت نفس الآية تصف كيف تصدى للمشركين فى مساجدهم المقامة على القبور جاء أولئك المسلمون وأقاموا مسجدا على قبره هو أو ما يزعمون أنه قبره، وبعد أن تصدى للمشركين وهم يضيفون أسماء أوليائهم لله تعالى فى الأذان وفى الصلاة ويكتبونها الى جانب اسم الله جاء أولئك المسلمون بعدها بقرون يرفعون اسم محمد الى جانب الله تعالى فى الشهادة وفى الأذان وفى الصلاة وعلى حيطان المساجد. كان لا بد من وصف محمد هما بأنه عبد الله، أى ليس الاها مع الله ليردّ القرآن مقدما على الخبل الذى وقع فيه المسلمون بعد النبى بقرون.

الثانى : هو استمرارية الدعوة بعد النبى محمد وعدم انقطاعها بموته. فهو عبد الله الذى قال له ربه ( انك ميت : الزمر 30 ) ولكن الدعوة ستستمر بكثير من ( عباد الله ) الذين يسيرون على نفس الطريق الوعر فى دعوة الناس الى ما كان يدعو اليه خاتم الأنبياء، ويستمسكون بالقرآن وحده وهو الذى كان يستمسك به النبى محمد الذى قال له ربه (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ، وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ ) الزخرف 43، 44 ).الداعية للحق القرآنى فى كل زمان ومكان يسير على منهاج النبى محمد عليه السلام وسنته الحقيقية، وليست سنة المشركين أتباع الوحى الشيطانى أعداء الأنبياء ( الأنعام 112 : 116 الفرقان30 : 31 ) وذلك ما امر الله تعالى خاتم الأنبياء أن يقوله : (قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي وَسُبْحَانَ اللّهِ وَمَا أَنَاْ مِنَ الْمُشْرِكِينَ) يوسف 108 ) وما حدث لعبد الله محمد عليه السلام سيحدث مثله لأى عبدلله مخلص لربه اذا فعل نفس الشىء. وتخيل نفسك قد دخلت مسجد الحسين أو السيدة زينب فى القاهرة، أو مسجد السيد البدوى فى طنطا أو الدسوقى فى دسوق أو ابوالعباس فى الاسكندرية، وقلت ما قاله عبدالله خاتم النبيين، ماذا سيحدث لك ؟ سيكونون عليك " لبدا " اى سيتجعون حولك للفتك بك، وستستضيفك مباحث أمن الدولة،و سينادى بقتلك الأزهر و جماعات الاخوان وتنظيماتهم ما ظهر منها وما بطن، وستكتشف أن كفار قريش كانوا ارحم واقل طغيانا من رفاقهم فى عصرنا.

نعود الى موضوعنا ونقول انه ما دامت هذه هى سبيل الرسول محمد عليه السلام هو ومن اتبعه فلا بد من التعبير عنها وايصالها الى الناس فى كل عصر بما يناسبه من وسائل. وفى عصرنا فالدراما هى أسرع الطرق وأكثرها فاعلية. وبظهور شخصية النبى محمد فى دراما مأخوذة من القرآن يمكن كشف كل حقائق الاسلام التى هجرها المسلمون، وأكثر من ذلك التأكيد على بشرية النبى محمد التى يؤكدها القرآن والاسلام الذى لا اله فيه الا الله تعالى وحده، والتأكيد على أن المجال مفتوح لكل مسلم أن يدعو الى ما كان النبى محمد يدعو اليه فى حياته، ويصير بذلك مستحقا لأجمل وصف وصف الله تعالى به رسوله محمدا، وهو ( عبد الله ).