yasmeen
04-24-2006, 08:41 AM
مشعل السديري
كنت أركب معه في سيارته الأنيقة النظيفة الجديدة، وهو رجل (نازك) كسيارته، وكنا مسافرين من بلدة إلى أخرى، ومن سوء الحظ أن احد الكفرات (بنشرت) وتعطل، ونزلنا من السيارة، وحيث إنني لا أعرف كيف أتصرف، وهو لا يريد أن تتسخ يديه، وقفنا على جانب الطريق نؤشر للسيارات العابرة، فتوقفت خلفنا شاحنة كبيرة، نزل منها سائقها الضخم يعرض علينا مساعدته، رحبنا به وأشرنا للكفر، فأخذ يضحك ويغني وهو يفتح الشنطة ويخرج (الاستبنة)، ويبدلها بالأخرى المعطوبة في خلال أقل من عشر دقائق، شكره صاحب السيارة (النازك) وأخرج من جيبه مبلغا من المال ليعطيه إياه، غير أن السائق اعتذر عن عدم أخذه، وقال له مازحاً:
لا يا سيدي وما أدراك فربما نقلتني أنت يوماً بسيارتك إذا تعطلت شاحنتي القديمة، فنظر إليه (النازك) من فوق لتحت متأملاً بقرف واضح ثيابه الملطخة بالزيت والشحم، وقال له: يا ابن الحلال خذ هذه الدراهم أحسن لك، لأنني من المستحيل أن أنقلك بسيارتي النظيفة وأنت بهذه الحالة المزرية. فما كان من السائق إلا أن (نتش) المبلغ منه، وأتبَعَ ذلك بمصافحة إجبارية عنيفة (مرمصت) يد النازك بالزيت وسواد الكفرات، ثم تركه بعد أن كاد يحطم أصابعه، بدون أي محاولة للتدخل من قبلي، ثم تركنا وتوجه إلى شاحنته وشغَّلها، وفوجئت به يتوجه بها مسرعاً ناحيتنا، وتوقعت انه قاصد دهسنا، وفعلاً حاولنا الانطلاق في كل جهة، غير انه كان أسرع منا مما دعانا للتكور ببعضنا البعض، ودار حولنا دورة كاملة محدثاً زوبعة ترابية كادت تدفننا ثم تركنا بعد أن أطلق من نفير شاحنته اصواتاً كادت تخرق طبلات آذاننا وكأنه يودعنا ويقول لنا: (طز).
وبعد أن غاب عن ناظرينا بالطريق العام، نهضنا ونحن نقول لبعضنا بعضا: الحمد لله على السلامة، تأملت وجه النازك وهندامه، وإذا به لا يمتُّ للنزاكة بأية صلة، وكتمت في صدري ضحكة مجلجلة كادت تفلت من عقالها، في الوقت الذي بدا الذهول على ملامحه وقال لي وهو يكاد يبكي: هل مرت عليك في حياتك (نذالة) أكثر من نذالة ذلك السائق الجِلف؟!، وكان ردي غير المتوقع عليه كالتالي: نعم إنها (نذالتك) أنت، صعق من جوابي عليه وقال لي وهو غير مصدق: معقول أن هذا الكلام يصدر منك؟! قلت له: نعم (معقولين)، فقال: أَمِنْ أجل سائق شرشوح تصفني بالنذالة؟!، قلت له: الشرشوح الذي نتحدث عنه قد (شرشحنا) نحن الاثنين، ثم تعال: هل تتصور أن (الدراهم) هي التي تطمس العيوب، وهي التي تعمي العيون، وهي التي تقتل الضمائر، وهي التي تجذر فعل الخير في النفوس، وهي التي تصنع المحبة، إذا كنت تظن ذلك فقط فأنت واهم، ولا تعتقد أنني أتكلم بهذا الكلام من منطلق المثالية، لا أبداً فأنا أبعد ما أكون عنها، وقد لا اقل عنك في التهافت على الدراهم، ولكن الفرق بيني وبينك أنني أقول الحق حتى ولو كان على نفسي، وبعد أن أفرغت تلك الشحنة المعتملة في نفسي توقفت عن الكلام وأخذت ألهث.
صمتنا برهة وكلٌ منا مدير ظهره للآخر، غير انه التفت ناحيتي، وقال: لو سمحت توجد في جيب باب السيارة علبة كلنكس وكولونيا أرجوك احضرهما لي لأنني لا أستطيع أن افتح الباب ويدي (مزروطة) بهذا الشكل، أحضرت له ما طلب، فسكب كل ما في القارورة على يده، ومسحها بكل ما مناديل العلبة وذهب ليركبَ سيارته، غير أنني منعته من ذلك قبل أن يجمع كل المناديل التي بعثرها على الأرض ولوث بها البيئة، قائلاً له بدون أية رحمة: إن فعلك هذا يعتبر أيضاً قمة في (النذالة).
meshal@asharqalawsat.com
كنت أركب معه في سيارته الأنيقة النظيفة الجديدة، وهو رجل (نازك) كسيارته، وكنا مسافرين من بلدة إلى أخرى، ومن سوء الحظ أن احد الكفرات (بنشرت) وتعطل، ونزلنا من السيارة، وحيث إنني لا أعرف كيف أتصرف، وهو لا يريد أن تتسخ يديه، وقفنا على جانب الطريق نؤشر للسيارات العابرة، فتوقفت خلفنا شاحنة كبيرة، نزل منها سائقها الضخم يعرض علينا مساعدته، رحبنا به وأشرنا للكفر، فأخذ يضحك ويغني وهو يفتح الشنطة ويخرج (الاستبنة)، ويبدلها بالأخرى المعطوبة في خلال أقل من عشر دقائق، شكره صاحب السيارة (النازك) وأخرج من جيبه مبلغا من المال ليعطيه إياه، غير أن السائق اعتذر عن عدم أخذه، وقال له مازحاً:
لا يا سيدي وما أدراك فربما نقلتني أنت يوماً بسيارتك إذا تعطلت شاحنتي القديمة، فنظر إليه (النازك) من فوق لتحت متأملاً بقرف واضح ثيابه الملطخة بالزيت والشحم، وقال له: يا ابن الحلال خذ هذه الدراهم أحسن لك، لأنني من المستحيل أن أنقلك بسيارتي النظيفة وأنت بهذه الحالة المزرية. فما كان من السائق إلا أن (نتش) المبلغ منه، وأتبَعَ ذلك بمصافحة إجبارية عنيفة (مرمصت) يد النازك بالزيت وسواد الكفرات، ثم تركه بعد أن كاد يحطم أصابعه، بدون أي محاولة للتدخل من قبلي، ثم تركنا وتوجه إلى شاحنته وشغَّلها، وفوجئت به يتوجه بها مسرعاً ناحيتنا، وتوقعت انه قاصد دهسنا، وفعلاً حاولنا الانطلاق في كل جهة، غير انه كان أسرع منا مما دعانا للتكور ببعضنا البعض، ودار حولنا دورة كاملة محدثاً زوبعة ترابية كادت تدفننا ثم تركنا بعد أن أطلق من نفير شاحنته اصواتاً كادت تخرق طبلات آذاننا وكأنه يودعنا ويقول لنا: (طز).
وبعد أن غاب عن ناظرينا بالطريق العام، نهضنا ونحن نقول لبعضنا بعضا: الحمد لله على السلامة، تأملت وجه النازك وهندامه، وإذا به لا يمتُّ للنزاكة بأية صلة، وكتمت في صدري ضحكة مجلجلة كادت تفلت من عقالها، في الوقت الذي بدا الذهول على ملامحه وقال لي وهو يكاد يبكي: هل مرت عليك في حياتك (نذالة) أكثر من نذالة ذلك السائق الجِلف؟!، وكان ردي غير المتوقع عليه كالتالي: نعم إنها (نذالتك) أنت، صعق من جوابي عليه وقال لي وهو غير مصدق: معقول أن هذا الكلام يصدر منك؟! قلت له: نعم (معقولين)، فقال: أَمِنْ أجل سائق شرشوح تصفني بالنذالة؟!، قلت له: الشرشوح الذي نتحدث عنه قد (شرشحنا) نحن الاثنين، ثم تعال: هل تتصور أن (الدراهم) هي التي تطمس العيوب، وهي التي تعمي العيون، وهي التي تقتل الضمائر، وهي التي تجذر فعل الخير في النفوس، وهي التي تصنع المحبة، إذا كنت تظن ذلك فقط فأنت واهم، ولا تعتقد أنني أتكلم بهذا الكلام من منطلق المثالية، لا أبداً فأنا أبعد ما أكون عنها، وقد لا اقل عنك في التهافت على الدراهم، ولكن الفرق بيني وبينك أنني أقول الحق حتى ولو كان على نفسي، وبعد أن أفرغت تلك الشحنة المعتملة في نفسي توقفت عن الكلام وأخذت ألهث.
صمتنا برهة وكلٌ منا مدير ظهره للآخر، غير انه التفت ناحيتي، وقال: لو سمحت توجد في جيب باب السيارة علبة كلنكس وكولونيا أرجوك احضرهما لي لأنني لا أستطيع أن افتح الباب ويدي (مزروطة) بهذا الشكل، أحضرت له ما طلب، فسكب كل ما في القارورة على يده، ومسحها بكل ما مناديل العلبة وذهب ليركبَ سيارته، غير أنني منعته من ذلك قبل أن يجمع كل المناديل التي بعثرها على الأرض ولوث بها البيئة، قائلاً له بدون أية رحمة: إن فعلك هذا يعتبر أيضاً قمة في (النذالة).
meshal@asharqalawsat.com