مشاهدة النسخة كاملة : ما هو وجه الخلاف بين الدكتور محمد عبدالغفار الشريف وبين صالح الفوزان والسلفيين
قرأت في الايام الماضية جدالا كبيرا في الصحف بين الدكتور المتنور محمد عبدالغفار الشريف وبين مجموعة من السلفيين يقودهم الشيخ صالح الفوزان من هيئة كبار العلماء فى المملكة العربية السعودية ، وكان الجدال حول حلية الطواف حول القبور الذي كان يؤيده الدكتور الشريف ويعارضه الفوزان بشدة ويعتبره شركا كالعادة .
هل لدى احد اعضاء المنتدى تلخيصا مفيدا لما جرى من نقاشات ، لأنني لم استطع متابعة ما تم طرحه من اراء للفريقين .
سلسبيل
04-24-2006, 06:20 AM
شتائم الصحوة الجديدة
عبد الرحمن النجار - الوطن الكويتية
من صفات «الصحوة الجديدة» أنها تمارس التحزب قولا وعملا.. فأفرادها يدورون في فلك «مشايخهم» فقط، وغير مستعدين للحوار الراقي أو الجدل العفيف مع من لا ينتسبون الى فكر اولئك «المشايخ» الذي رضعوا منهم «الفقه الخاص» و«المفاهيم الشرعية المنغلقة» التي لا تخرج عن ذلك التوجه المعين.. ولذلك فلسان حالهم يقول باستمرار: من عارضنا فهو منحرف.. ومن رأى غير ما نرى فهو «مبتدع».. ومن لم يتفق مع فكر «مشايخنا» فهو لا يساوي عندنا جناح بعوضة مهما كان علمه واسهاماته وشهاداته وجهوده في مجالات الشريعة والفكر الاسلامي!!!
ونحن لا نتحدث هنا من فراغ، بل امامنا الحقائق الدامغة، والتي تتلخص هذه المرة بهجومهم الكاسح على الدكتور الاستاذ الفاضل محمد عبدالغفار الشريف، الامين العام للامانة العامة للاوقاف، والعميد السابق لكلية الشريعة في جامعة الكويت، والاستاذ الذي تخرج على يديه الآلاف من ابناء وبنات الكويت والوافدين والمقيمين من طلاب العلم.. بل تخرج على يديه اولئك «الشباب» الذين يهاجمونه اليوم ويحاولون الحط من قدره ومكانته.. وياللعجب.. منذ متى صار طلبة العلم «يشرشحون» اساتذتهم؟!!.. هذه هي «البدعة» الحقيقية التي لم يعرفها ولم يمارسها حتى الآن الا متحزبو «الصحوة الجديدة» التي اشرنا لها في بداية المقال!!.. تصوروا.. لقد بلغ سوء الخلق واللامبالاة بأحدهم ان يصف الاستاذ الفاضل الدكتور محمد عبدالغفار الشريف بـ «الرويبضة».. هل تعلم عزيزي القارئ ما هو «الرويبضة»؟؟.. «الرويبضة» هو الرجل التافه الذي يتحدث في الشأن العام.. فيالها من أوصاف ونعوت متدنية يطلقها بعض «شباب الصحوة الجديدة» على اساتذتهم وعمدائهم من اصحاب المؤلفات العلمية الذين قاموا بتدريسهم في كلية الشريعة واشرفوا على رسائل الدراسات العليا والمعروفين عند الجميع بالخلق الكريم والتواضع والاعتدال.
والحمدلله ان الرد على المسيئين والمشاغبين جاء منذ عدة ايام في مقالات كل من الاستاذ الدكتور علي جمعة، مفتي الديار المصرية («الوطن» 2006/4/20) والاستاذ الدكتور عجيل النشمي، العميد الاسبق لكلية الشريعة في الكويت («الوطن» 2006/4/21) والتي وضعت الامور في نصابها الصحيح مؤيدة ما جاء به الدكتور محمد عبدالغفار الشريف.. ولا ندري هل سيعود «اهل الصحوة الجديدة» الى رشدهم ام انهم سوف يستمرون في توزيع صفات «الرويبضة» على باقي علماء المسلمين والمفتين وعمداء كليات الشريعة؟!!
سلسبيل
05-15-2006, 09:04 AM
اخت فاتن
الدكتور عبدالغفار يواجه هجوما كبيرا من التيار السلفي الوهابي في الكويت في الصحف والمنتديات الفكرية والسياسية التابعة للسلفيين ، بسبب رأيه الديني المنصف والمخالف لعقائدهم الدينية التي تكفر المسلمين الذين يزورون القبور ، وهذا الامر يثبت لنا ان الاخوة السنة ليسوا كلهم نواصب او تكفيريين ، فهناك اناس مثل الشيخ الشريف علماء افاضل يحترمون انسانية المسلم ويحترمون اختلافهم معه .
شيخ السلفية
05-15-2006, 09:53 AM
الشريف صاحب فكر قبوري مخالف للشرع ولعلماء الامة ولا ادري من اين يأتي بكلامه الذي لا يتفق مع الشرع الحنيف بجواز زيارة القبور ، ومؤخرا اخذ بمدح ابن عربي الذي اجمع علماء الجرح والتعديل بأنه زنديق فاسد العقيدة وكذاب ضال .
Osama
05-15-2006, 02:09 PM
لم يزلزل كيان هذه الامة غير افكار السلفيين وتكفيرهم لعامة المسلمين .
JABER
05-17-2006, 08:23 AM
لماذا يهاجمون الصوفية في الكويت؟!
الاتحاد الاماراتية - د. عبدالحميد الأنصاري
من يتابع الساحة الكويتية هذه الأيام، يجد أن المعركة محتدمة منذ ما يقرب من شهر، بين السلفيين وأنصار التصوف، وتنشر الصحف الكويتية مقالات عديدة للطرفين مدافعة ومهاجمة. ويأتي هجوم السلفيين على المدافعين عن التصوف في أعقاب المولد النبوي الشريف بسبب أمرين:
1) تصريح الدكتور محمد عبدالغفار الشريف، وهو عميد كلية الشريعة السابق بجامعة الكويت والأمين العام للأمانة العامة للأوقاف حالياً، ومن المعروفين بالوسطية والاعتدال والداعين إلى الله على بصيرة، ومن العلماء الذين يتميزون بخلق رفيع واستنارة فكرية على كافة الاتجاهات والمذاهب. لقد قال عبر شاشة التلفزيون ومنابر الصحافة: "إن الاحتفال بالمولد النبوي الشريف جائز وهو بدعة حسنة"، وعارض السلفيين الذين يقولون بشرك من طاف بالأضرحة والقبور وقال: إن عمله غير مشروع عند جميع علماء المسلمين بما فيهم الصوفية ولكنه غير مشرك.
2) منع بعض كتب لبعض مشايخ السلفية مثل ابن باز وابن عثيمين والفوزان من معرض الكتاب الإسلامي، الذي تقيمه جمعية الإصلاح الاجتماعي سنوياً. وكان منع تلك الكتب أثار احتجاجات واسعة وانتقادات شديدة من قبل السلفيين وصلت إلى درجة التلويح باستجواب وزيري الإعلام والأوقاف والتهديد بإسقاط الحكومة بأكملها، وفقاً للنائب د. فهد الخنّة، الذي صرّح في ندوة "وسطية الإمامين ابن باز وابن عثيمين" بأن هناك أيادي صوفية وراء منع الكتب، وأن هناك مخططاً لمحاربة المذهب السلفي.
وكانت "القبس" قد نشرت صور وثائق رسمية صادرة من وزارة الأوقاف إلى وزارة الإعلام مضمونها منع تداول بعض كتب السلفية التي تروج لكفر تارك الصلاة كفراً مطلقاً بناءً على فتوى الشيخ ابن عثيمين جواباً على امرأة تسأل عن حكم زوجها الذي لا يصلي وهل يجوز أن تبقى في عصمته؟ فقال لها الشيخ بضرورة فسخ زواجها والتخلص من هذا الزوج الكافر، وهناك صورة لخطاب آخر بمنع تداول كتاب يتهم الصوفية بالضلال ومخالفة السُّنة.
لقد استشاط السلفيون غضباً وقامت قيامتهم ونشطت الجماعات السلفية في عقد ندوات وإلقاء محاضرات وكتابة مقالات، تهاجم الدكتور محمد عبدالغفار الشريف، وتتهم الصوفية بأنها وسيلة الكفار والمستعمرين لبلاد الإسلام، وأنهم عبدة الأصنام وأن الصوفية تقوم على الشرك بالله والموالد الإباحية كما ذكروا في ندوة (هذه هي الصوفية) وقالوا:
إن الصوفية هي أفيون الأمة. وحتى أميركا لم تسلم من ألسنة السلفيين، فقد اتهموها بأنها الحاضنة للصوفية وقالوا إن الصوفية دين أميركا الجديد في المنطقة. في المقابل نشط أنصار الصوفية في رد الهجوم وقالوا إن المسارعة إلى تكفير المسلمين من دأب الخوارج المارقين الذين استباحوا دماء المسلمين. ودخل مفتي مصر د. علي جمعة على الخط قائلاً: إن الأصل في أفعال المسلم حملها على الأوجه التي لا تتعارض مع أصل التوحيد، ولا يجوز أن نبادر برميه بالكفر أو الشرك، فإن إسلامه قرينة قوية توجب عدم حمل أفعاله على ما يقتضي الكفر، وهناك فارق كبير وبون شاسع ما بين الوسيلة والشرك، فالوسيلة مأمور بها شرعاً.
وبالمقابل استعان السلفيون في الكويت بمشايخ السلفية في السعودية مثل الشيخ صالح الفوزان، ورد الشيخ أبوبكر المليباري أمين عام جمعية علماء أهل السُّنة بالهند بقوله: ما رأينا إلا من "شذّ" قال إن الطواف بالقبور شرك. وكتب جمال خاشقجي محذراً: أيها العلماء الأفاضل هل سمعتم بما حصل في كراتشي؟ مذكراً بما فعله ذلك المسلم الانتحاري الذي فجّر نفسه وسط آلاف احتشدوا للاحتفال بالمولد الشريف وكانت الحصيلة (57) قتيلاً وأكثر من (100 جريح)، لأنه اعتقد بكفر وشرك هؤلاء الذين يحتفلون بالمولد وأنه سيدخل الجنة بعمله، أما قتلاه ففي النار! ويتساءل خاشقجي: لماذا لا ندرك أن الدم "هو الخط الأحمر الذي تتوقف عنده كل الاختلافات العقدية والمذهبية"؟!
يبقى تساؤل خاشقجي الاستنكاري قائماً من غير جواب إذا لم نعترف بأصل العطب العميق في مناهج دراسية وأنماط تنشئة أسرية، ترسخ في عقول ونفوس أجيال ممتدة بأن الاحتفال بالمولد الشريف بدعة ضالة، وأن الطواف بالقبور شرك وأن الفرقة الناجية التي تستحق الجنة هي فرقة واحدة هي الفرقة التي تعتنق عقيدة السلفية. هذه العقيدة الإقصائية هي التي تنتج أفراداً يكفِّرون غيرهم ممن لا يرون رأيهم في الموالد النبوية وفي الطواف بالقبور والأضرحة، ومن ثم يستحلون دماءهم. وهذا الفكر التكفيري هو الذي أفرز العنف التفجيري الذي يضرب الساحة الخليجية التي انتشرت فيها الخلايا الإرهابية وعانت من أعمالها الإجرامية كما لم تعانِ أية منطقة أخرى.
وابن لادن وجماعته في تنظيم "القاعدة" ما هم إلا إفراز متطرف لهذا الفكر التكفيري. يذكر د. خالد الدخيل في مقالته: التشدد السلفي تسبب في سقوط الدولة؟ أن هذا التشدد هو السبب في سقوط الدولة السعودية الأولى عام 1818 في حرب الدرعية. لا حلّ أمامنا إلا بإعادة النظر في المناهج الدراسية لتنقيتها من الفكر التكفيري ضد الصوفية والأشعرية والشيعة والمعتزلة وأيضاً -وهو الأهم- منع دعاة التكفير من تلقين أولادنا أفكارهم المتطرفة.
لا حلّ إلا بالقطيعة المعرفية مع الفكر التكفيري والاتفاق على أن مجرد التشكيك في عقيدة الغير من المذاهب والطوائف الإسلامية إنما يعد تطرفاً وعنفاً.
http://www.alwatan.com.kw/Data/site1/News/Issues200605/lc20-052006.pc.jpg
الشيخ حمد السنان يخرج عن صمته ويفتح قلبه لـ «الوطن»: ما عرف قدر الشيخ محمد عبد الغفار من نال منه
لست ممن يمسك العصا من الوسط.. كما أنني لست ممن يؤثر السكوت طلبا للسلامة.. ولكنني ممن يفرح بمن يحمل المسؤولية عن غيره، ويكفيه مؤنة ما يريد قوله. وعندما طلب مني بعض الأفاضل الرد ودخول معترك المقالات قررت بعد تردد طال على استحياء مرة وعلى خيفة من صولة الصائل مرة، قررت دخوله. مستبدا مرة واحدة.. انما العاجز من لا يستبد.
ولما كان دخولي المعترك متأخرا، بعد ان كادت الحرب تضع اوزارها، فلن يكون دخولي دخول المناقش والمزايد.. فما عساي ان اقول او ازيد على مقالة أمثال الشيخ محمد عبد الغفار، او مفتي الجمهورية الدكتور علي جمعة، او الدكتور سعيد رمضان البوطي.. وما تغني مقالتي او تزيد.. فيكفي من العقد ما أحاط بالجيد.. بل دخولي سيكون دخول الناظر الى ساحة المعترك بعد ان كان يخبو اواره، لينظر ما أسفر عنه العراك.. ولذا عنونت مقالي بمحطات على طريق المقالات.. بناء على ما يجدر الوقوف عليه فاسميه محطة.. ولنبدأ بملخص سريع للطريق حتى تستبين محطاته: أفتى الشيخ الدكتور محمد عبد الغفار حفظه الله في حكم الطواف بالقبور بالحرمة، ثم حرفت الفتوى كالعادة من مجهول بالجواز، وارسلت الى الشيخ ابن فوزان الذي رد على الشيخ الدكتور محمد عبد الغفار والذي بين بدوره الحكم الصحيح وهو الحرمة لا الجواز، فجاءت الردود المحمومة باقترافه هذه الكبيرة وهي مخالفته للشيخ ابن فوزان بأنه يدعو الى الشرك والوثنية لأنه قال بالحرمة ولم يقل بالشرك، ورد من رد من العلماء وادلى بدلوه اشباه علماء. ولم ينس الفراريج حظهم من الصياح بصياح الديكة.. والذي قرأ المقالات في الأسابيع الماضية لا يخلو كونه واحدا من اثنين: عالم او عامي، فأما العالم او طالب العلم فان تجرد فسيرى الحق في ركاب من يقول بأن الطواف حول القبور حرام ولا تصل به الحرمة الى الشرك.. وهو قول الجماهير الغفيرة من الأئمة مع ابن تيمية رحمه الله تعالى في أحد قوليه.. وأما العامي فان اعمل عقله فسيرى الجم الغفير من الأئمة السابقين والعلماء المعاصرين يقولون بالحرمة لا الشرك، وان الذي يقول بالشرك اقل من القليل، فتتحصل له القناعة العقلية بأن الطواف حول القبور حرام وليس شركاً.
وبناء على هذين التصورين، ستتحصل لنا القضية التالية:
«ان المسألة احتملت قولا قويا ظاهر الرجحان تقول به الجماهير الغفيرة من الأئمة والعلماء.. وقولا مرجوحا بادي الضعف وهو قول ابن تيمية في احد قوليه بالشرك..» الى هنا ولا غرابة في الأمر، فلا تكاد تخلو مسألة شرعية من الخلاف.. ومن هنا تبدأ:
المحطة الأولى..... إلغاء الرأي الآخر
إصرار البعض على إلغاء الرأي المقابل الراجح ظاهرا وهذا أمر غريب.. ولا تلبث الغرابة ان تزول اذا عرفنا اسبابه.. وأولها: عدم تبني هذا الرأي من اعتادوا ان يأخذوا عليه علمهم او فتاواهم.. وعلى هذا فلابد ان يقول بهذا الرأي فلان والا كان سقطا من القول.. وهذا أمر درج عليه الكثيرون عندنا في الكويت وهو من موروثات وتراكمات الصحوة الاسلامية قبل ثلاثين عاماً تقريبا.. حيث ان كثيرا ممن حمل عبء الدعوة آنذاك لم يكلف نفسه عناء البحث عن القول الآخر فتسربل الفكر بهذا الموروث.. والذي بدأ البعض مؤخراً يفيق منه متأخراً.. فحار بين الجهر بالاعتراف بالغلط سابقا فاللوم والاسرار به فالسلامة.. وغاب عن هؤلاء ان الرجال علامات وامارات على الحق، وليسوا عللا لوجوده.. يلزم من وجودهم وجوده، ومن عدمهم عدمه... بل الرجال بمعية الحق وركابه، وهم حاشية الحق وموكبه.
ثانيها: تقديس الرجال.. وهي طامة الطامات ومعضلة المعضلات، ويرجع تقديس الرجال الى الانبهار بالأشخاص والألقاب وعدم تصور طروء الغلط على غالب أقوال متبعيهم، وان كان هذا التصور لازما في أقوال مخالفيهم.. والغريب ان اشد من ينهي عن تقديس الرجال هم أكثر الناس وقوعا به.. فلو قلت له قال فلان، قال ما دليلك..؟! وان قلت لك ما دليلك..؟؟! قال: قال فلان.
المحطة الثانية.... النيل من المخالف..
فلماذا أنال من المخالف؟؟! ومن هو هذا المخالف حتى أنال منه؟! أليس مريدا للحق كما أنت له مريد..؟! أليس الحق بغيته كما الحق بغيتك؟! ألسنا نريد الوصول الى الموقع؟ فلماذا نبغض من يريد ارشادنا اليه؟! ولماذا تمزيق خريطة الغير ما دامت ترشد الى نفس الموقع..؟!
لماذا يتحول النقاش في مسألة علمية الى قضية عاطفية..؟! وأظن ان البعض يعتقد ان المخالفة بالاقوال، مساس بالرجال، وذلك غلط فاحش، ويرجع سببه الى الجهر باسباب الاختلاف، وانكار ما تقتضيه العقول، وما يقرره المنقول والمعقول... من ان الخلاف واقع حتمي... وقع امامه صلى الله عليه وسلم وأقره، ولم يزل واقعا منذ خير القرون الى اليوم... وبالجهر بهذه الحقيقة يتحول الانتقاد الى انتقاص، والتماس المعاذير للزلات الى تقصي وتسقط عثرات.
المحطة الثالثة.... اعطاء المسألة اكبر من حجمها
الذي قرأ المقالات في الاسابيع الماضية يرى من البعض ردودا محمومة في مسألة خلافية، لم نر منه معشار هذه الحماسة في الرد على قضايا مصيرية... من نظام ربوي يلعن الامة... وافساد متعمد لشباب الأمة... وتطبيع مرحلي لمسخ اسلام الأمة... فأين هؤلاء من هذه القضايا المصيرية..؟! الى متى يعيش بعض المشايخ والعلامات البعد الآخر من الحدث... ويعزفون النشاز من النغم... الى متى التغريد خارج السرب... الى متى نتبرع للعدو بالانشغال عنه بانفسنا فيخلو الجو فيبيض ويصفر وينقر ما يشاء له ان ينقر...
الى متى نختلف في امور نستطيع الا نختلف عليها... الى متى لا يدرك بعض مشايخنا وعلاماتنا ما يدركه العوام من اولويات مهمات امتنا..؟!! الى متى المغالاة في الرأي والسطو على الفكر... الا تدركون ان تعدد الاقوال يقطع على العدو فرصته باستغلال المغال بالقول فيوحي له بان مخالفه على باطل وانه لا بد من كشف اباطيله وانه لا نهوض للامة بوجود امثال هؤلاء المبتدعة الضلال فننشغل عن العدو ليفعل ما يحلو له ويريد... خلافا لتعدد الاقوال والذي هو من سمات هذه الامة ومن رحمة خالقها بها... فهو يقطع على العدو فرصته... ويسقط منه ورقته... فالحق مظنون والرأي الآخر معتبر والخلاف سائغ بشروطه... فلا فرصة لايغال الصدور بل... رحمة ومنحة وشفاء لما في الصدور... وقد فقه السلف ذلك وفرحوا به وارتضوه... قال الامام الحجة القاسم بن محمد بن ابي بكر الصديق رضي الله عنهم: «لقد نفع الله باختلاف اصحاب النبي صلى الله عليه وسلم في اعمالهم، لا يعمل العامل بعمل رجل منهم الا رأى انه في سعي، ورأى ان خيرا منه قد عمله» ـ جامع بيان العلم وفضله لابن عبد البر.
بل ان عمر بن عبد العزيز يقول: (ما أحب ان اصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يختلفوا، لانه لو كانوا قولا واحدا كان الناس في ضيق، وانهم ائمة يقتدى بهم، فلو أخذ رجل بقول احدهم لكان في سعة). المصدر السابق، وذلك ما دعا الموفق بن قدامة الحنبلي وغيره من الائمة ان يقول عن ائمة الاسلام: (اتفاقهم حجة قاطعة، واختلافهم رحمة واسعة).
المحطة الرابعة... خاص جدا...
هذه الوقفة مع اخي وحبيبي واول من اخذ الى الهدى بناصيتي الشيخ الدكتور جاسم مهلهل الياسين، اعاتبه فيها بالعلن... ولماذا اعاتبه بالعلن وليس سرا كما سيقول بعض الاحبة؟! واقول لانه ما يشاع في العلن يناقش في العلن وما يقال سرا يناقش سرا... وما اظن سعة حلمه على غيري تضيق على نزق طيشي... وهو الذي كابد وثابر وصابر في الدعوة ما صابر... وعزائي ما يعرفه ابو معاذ من حيائي.
اقول: قال الشيخ الدكتور جاسم مهلهل بمنتداه (منتدى الفكر والحضارة)، الذي يفرحنا كثيرا بعناوينه، ويحزننا بعض الشيء بمضامينه... معلقا على مسألة الطواف بالقبور... قال: «وحتى نكون اكثر ما اثير من مواضيع محل استغراب شخصي من طرفي، فأنا ومنذ بدايتي في تلقي العلم الشرعي عندما كنت في منتصف العقد الثاني من عمري، ومنذ ان اخذت انهل من العلم على يد المشايخ الكرام، ومنذ اطلعنا على مقالات شيخ الاسلام ابن تيمية وتلميذه ابن القيم، وحتى اطلاعنا على مؤلفات الامام المجدد محمد بن عبدالوهاب القيمة، ورسائل الامام حسن البنا رحمة الله على الجميع لم نجد هذا الخلاف المطروح اليوم، فالمسألة محسومة عند كل هؤلاء الأئمة ومن سبقهم، واني لاستغرب اساسا ان يفتح النقاش حول تلك المسائل بالذات باعتبار ان الاجماع شبه منعقد على الرأي الراجح فيها بالدليل والحجة والبرهان».. انتهى (الوطن - مايو 2006).
اقول لأخي الحبيب الدكتور جاسم مهلهل الياسين... ولا يقل استغرابي شيئا عن استغرابك ان لم يكن اشد.. فالاجماع الذي ذكرت شبه منعقد بالأدلة والبراهين على القول الراجح بأن الطواف على القبور حرام خلافا لمن قال بأن الطواف حول القبور شرك... وهو قول ابن تيمية، وابن القيم، ومحمد بن عبدالوهاب... وهو ما توهمته خطأ... فالإجماع على قول غيرهم لا على قولهم... ولا تثريب عليك في هذا الخطأ الفادح القادح... فالأفئدة آنذاك يوم كنت في العقد الثاني من عمرك، كانت افرغ من فؤاد أم موسى... فأخذت ما اخذت على انه مسلمات، فأنى لك الاطلاع على القول الآخر وأنت تقرر اطلاعك وأخذك على منهل واحد وعلى مدرسة واحدة بداية من ابن تيمية وانتهاء بمحمد بن عبدالوهاب ومرورا على ابن القيم... فتخرجك على هذه المدرسة ضيع عليك فرصة الاطلاع على القول الآخر بإهمالك الأخذ على المنهل الآخر... فتحصل لك هذه القضية الخاطئة المبنية على ذلك التصور الخاطئ... فرحت تقول في بقية حديثك: (لم يعد الامر المطروح بحاجة الى ايضاح وشرح، ولكني اقرر وأقول ان الاحتفال بالمولد بدعة وأن الطواف بالقبور شرك) انتهى.... وقولك لم يعد الامر المطروح بحاجة الى ايضاح وشرح تقرير منك بأنه امر مسلم عندك... وهذا ظن بين خطؤه... وهو من مسلمات موروثاتك السابقة بأخذك من منهل واحد... بل الامر الواضح والرأي الراجح في ركب الجماهير الغفيرة، بالقول بأن الطواف بالقبور حرام، تحريرا للمسألة وبعيدا عما اسميته بقضية ثقافية، واقرارا منك بأن السلف يتبع الادلة وينقاد لها وهو على الجادة حيث يجد جمهور الأدلة... فهلا تابعت أخي الحبيب جمهور الادلة وقلت بالحرمة كما قالت الجماهير الغفيرة من الأئمة والعلماء.
أخي الحبيب الى قلبي والقريب الى نفسي بمناسبة اطلاعك على مؤلفات الإمام المجدد محمد بن عبدالوهاب... ادعوك للاطلاع على كتاب (داعية وليس نبيا) للاستاذ حسن بن فرحان المالكي - دار الرازي، ففي الكتاب من الجديد ما لم تطلع عليه من التجديد... وهي دعوة عامة مني للجميع.
المحطة الخامسة.. اللحن الخالد...
(بدعة المولد، الاسراء والمعراج، التوسل، الطواف بالقبور)... هذه معزوفة واحدة مذهبها واحد.. وغصونها متعددة تعزف حين مناسباتها إلا انها اليوم اصبحت معزوفة تعزف لجميع المناسبات بمناسبة وبغير مناسبة، وجد السامع ام لم يوجد... الفتيا فيها واحدة... والقول فيها واحد باصرار وسبق تعمد على الغاء القول الآخر الظاهر القوة والرجحان وهو قول الجماهير الغفيرة من الأئمة والعلماء.. وإليك أنموذجا على إلغاء القول الآخر الظاهر الرجحان.
سئل احد كبار العلماء عن حكم الاحتفال بالمولد (فأجاب بأن الاحتفال فيه بدعة... وأنه ليس من الاسلام في شيء)... هكذا وبكل اصرار... ليس من الاسلام في شيء؟؟!!
لو سألنا فضيلة الشيخ وأتباعه ماذا تقولون بإمامة ابن حجر والنووي والسيوطي والسخاوي وابن كثير، وغيرهم ممن يقولون بجواز المولد..؟!
فإن اقررتم... فسنقول وكيف يقر من اقررتم بإمامتهم ما ليس من الاسلام في شيء..؟! وإليك طائفة من اقوالهم.
قال الحافظ بن حجر العسقلاني: (وأما ما يعمل فيه - أي المولد - فينبغي ان يقتصر فيه على ما يفهم منه الشكر لله تعالى من نحو ما تقدم ذكره من التلاوة والاطعام والصدقة وإنشاد شيء من المدائح النبوية والزهدية المحركة للقلوب، الى فعل الخير والعمل للآخرة، وأما ما يتبع ذلك من السماع واللهو وغير ذلك فينبغي ان يقال: ما كان من ذلك مباح بحيث يقتضي السرور بذلك اليوم، لا بأس بإلحاقة به، وما كان حراما او مكروها فيمنع، وكذا ما كان خلاف الاولى) - الحاوي للفتاوي للسيوطي، ج1، ص.196
وقال الحافظ السخاوي: (ولازال أهل الاسلام في سائر الاقطار والمدن الكبار يحتفلون في شهر مولده صلى الله عليه وسلم بعمل الولائم البديعة المشتملة على الامور البهيجة الرفيعة ويتصدقون في لياليه بأنواع الصدقات، ويظهرون السرور، ويعتنون بقراءة مولده الكريم، ويظهر عليهم من بركاته كل فضل عميم ) ـ السيرة الشامية، ج1، ص.439
وقال الحافظ السيوطي في رسالة سماها «حسن المقصد في عمل المولد» وفيها يقول: (لذلك يستجب لنا ايضا اظهار الشكر بمولده صلى الله عليه وسلم بالاجتماع واطعام الطعام ونحو ذلك من وجوه القربات واظهار المسرات) ـ المصدر السابق، ص.196
وقال الحافظ بن كثير: (كان الملك المظفر ابوسعيد يعمل المولد الشريف في ربيع الاول ويحتفل به احتفالا هائلا، وكان شهما شجاعا، بطلا عاقلا عادلا رحمه الله تعالى واكرم مثواه) ـ البداية والنهاية لابن كثير، ج13، ص.137
وانني لاتساءل بعد كل ما ذكرت من اقوال للائمة بجواز الاحتفال بالمولد كيف يجيز هؤلاء لانفسهم ان يقولوا ان الاحتفال بالمولد ليس من الاسلام في شيء، لماذا الاصرار على إلغاء الرأي الاخر.. لماذا لا ا قول انني لا اقول له وانني ارى حرمته من غير ان أبدع أو اضلل او ان اتهم بفعل ما ليس من الاسلام في شيء.. لماذا السطو على القول الاخر واستباحته وتمزيقه؟! ألا يكفيك ان تأخذ بقولك وتترك القول الاخر للآخرين؟!.. ولو حدث واخذ الاخرون بقولك.. فما النتيجة الباهرة المرجوة لهذا الاخذ؟! هل قطع دابر الخلاف في المسائل الاخرى ام ينتقل العراك الى معترك اخر...؟!
المحطة السادسة.. الخطر المزعوم..
يروج البعض هذه الايام لقضية جديدة يشغل بها الامة ويصورونها تهمة بما يشيعونه من خطر للصوفية على الامة.. وانها الخطر الداهم على شباب الامة، والهادم لثوابت الامة.. وكل عاقل متجرد يعرف للصوفية فضلها، يقول كما قالت العرب: «وهذه شنشنة اعرفها من اخزم».. ونقولها بالعامية: «هذا كلام مأخوذ خيره»..
لست صوفيا وان شرفني ان انسب اليها او ان أصنف من متبعيها او موافقيها، كيف لا ولهم من المناقب والمحامد ما ينحدر عنه السيل، ولا يرتقي اليه الطير؟!
اريد ان اخاطب من كان له من العقل بقية، ومن التجرد ما يرده عن غية.. اتعلمون ما لوازم الحكم على الصوفية بالضلال كما يحلو لهؤلاء ان يحكموا عليهم؟! لو قلنا بما يقول هؤلاء للزمنا ان نحكم على أكابر الأمة من العلماء والأئمة من المتقدمين والمتأخرين والمعاصرين بالزيغ والضلال.. فمن المتقدمين: الحسن البصري، والحارث المحاسبي، وابراهيم بن ادهم، والفضيل بن عياض ومن المتأخرين: حجة الاسلام الغزالي والفخر الرازي والنووي والسخاوي والسيوطي وابن حجر الهيتمي ومن المعاصرين: فالشيخ متولي الشعراوي وابو الحسن الندوي وشيخ الازهر السابق عبدالحليم محمود ومفتي الجمهورية الاسبق والمفسر الجهبذ حسنين محمد مخلوف وكثير غيرهم مما لا يقع تحت الحصر والعد على كر الدهور والعصور.
ومن مشاهير الفاتحين بل ممن تم على يديهم اعظم الفتوح بعد فتوح الصدر الاول: عماد الدين زنكي، مسترد امارة الرها من الصليبيين، وابنه الشهيد نور الدين محمود بقية المجاهدين، وصلاح الدين الايوبي صاحب حطين، وسيف الدين قطز صاحب عين جالوت وداحر التتار وخاتمة الفاتحين محمد الفاتح فاتح القسطنطينية وصاحب جيش من استفغر لهم سيد الأولين والآخرين.
وانظر ما يقوله الامام الاصولي الشاطبي في كتابه العظيم «الاعتصام» دفاعا عن الصوفية وتبرئة لهم من تطاول الجهال، قال: (ثم ظهرت البدع وادعى كل فريق منهم زهادا وعبادا، فانفرد خواص اهل السنة المراعون انفسهم مع الله، الحافظون قلوبهم عن الغفلة باسم: التصوف).. انتهى.. فانظر كيف جعل الامام الشاطبي الصوفية هم خواص اهل السنة..
لاشك ان الصوفية قد دخل فيها من ليس من اهلها، وادخل فيها ما ليس منها، ولكن ان نجعل من الصوفية مرادفا للشرك والضلال او التطبيل والتزمير، فذلك ضرب من الجور وايغال في الجهل.. اريد ان احاكم هؤلاء الإخوة، المهتمين جدا بشؤون الأمة والخائفين من الصوفية على شباب الامة، واحتكم معهم الى العقل، فأقول.. لو أراد أحدكم التعريف بالاسلام، فبماذا سيبدأ؟!
لاشك انه سيبدأ تعريفه ببيان صلاحية الاسلام لجميع العصور، وشمولية منهجه لاصلاح جميع مناحي الحياة.. ولاشك انه سيذكر رجالاته العظام بدأ بالنبي صلى الله عليه وسلم والآل والاصحاب رضي الله عنهم وارضاهم مرورا بأبي حنيفة ومالك والشافعي واحمد وغيرهم ممن تتزين بذكرهم المناهج والمجالس..
فما قولكم ايها السادة لو اراد اخر التعريف بالاسلام فبدأ كلامه عن التدافع عند الجمرات، وسقوط الوفيات، او ما نراه على الفضائيات من تشويه متعمد للاسلام عن طريق من ينتسبون جورا للاسلام.. ثم راح بعد ذلك يتكلم عن رجالاته العظام، فبدأ بالحجاج بدل عمر بن عبدالعزيز او تيمور لنك بدل ابن تيميه؟!
لاشك ان من يرفض تعريف الاسلام بتيمور والحجاج، يلزمه قطعا ان يرفض تعريف الصوفية بالحلاج.. بهذه المقدمات الواضحة تظهر لنا نتيجة واضحة وهي ان قياس الكل المبدع على الجزء المبتدع قياس ظالم جائر يرفضه كل محتكم الى عقله ومتجرد الى دينه.. فيا ايها الإخوة الاحبة، المهتمون بشؤون الامة.. أليس هناك خطر اعظم من خطر الصوفية المزعوم؟!.. هل ندلكم على خطر التطبيع القادم على امتنا، ام على فتك المخدرات بأبنائنا، أم على ضياع الشباب والفتيات باسواقنا..؟! لماذا لا نحس منكم من احد او نسمع لكم ركزا؟!.. (ولا.. ابوي ما يقدر الا على أمي؟!..)
المحطة السابعة.. أولويات مبعثرة..
نقاش البعض المحموم في هذه المسألة الخلافية يعكس لنا مدى بعثرة الاولويات عند كثير من المشايخ والدعاة، وما اكثر من يبعثر! واليك هذه الحادثة.
سألني أحد المصلين: «ما حكم لوحات الله ـ محمد، في المساجد؟؟» فأجبت بالجواز ان لم يؤد كبرها او زخرفتها، الى شغل المصلين ولن يجاوز ذلك حكم كراهة تعليقها، فاجاب سائلا.. «ألا يؤدي ذلك الى الشرك؟» فقلت: «لم افهم المراد ولا العلاقة!!»، فقال: «ألا يؤدي تكرار النظر بالتوالي للوحتين الى المساواة بين الذاتين، ذات الله وذات النبي؟ وبالتالي الشرك؟»، فقلت: «ومن يقول بهذا؟؟»، قال: «الشيخ فلان».. فقلت: «استحلفك بالله، هل خطر على بالك مثل هذا الخاطر قبل ان تسمع هذه الفتوى؟»، فقال: «لا».
«معاشر السادة النبلاء..» كما يردد دائما الكاتب محمد المليفي.. الى متى نعيش اوهام الشرك والوثنية، ولماذا الاصرار على ادخالها العقول؟!.. نحن مسلمون ولله الحمد، نعيش في بلاد الاسلام، وبين علماء الاسلام، فلسنا في شاهق جبل ولا مجاهل غابة، ولسنا حديثي عهد باسلام... اذن فالأصل صحة الاعتقاد وسلامة الدين وخلافة عارض، فإلى متى لا ندرك ان اولوياتنا مبعثرة؟!َ.. الى متى لا ندرك ان الاهم اولى من المهم، والمهم العاجل اولى من المهم الاجل، وما تراه انت ضروريا مهما ليس بالضرورة ان اراه بنفس الاهمية، فيا ايها الاحبة، لابد من توحيد الاولويات والاتفاق على ترتيبها، وإلا فلن نخرج ابدا من دوامة هذه الخلافيات.
محطة الوصول صالون حلاقة
عندما كنت املي على ابنتي المقال لطباعته سألتني تقول: «ما معنى قولك في مقدمة المقال (على خيفة من صولة الصائل؟)، فقلت: اعني من يترصد عثراتي ويتبع زلاتي، فالمترصدون كثر، ومن يخفي الحسنة ويظهر السيئة اكثر.. والذي يغلب على ظني انني سأسمع ما يسوؤني بعد هذا المقال، ولكني اتعزى واتصبر بقول القائل...
عداتي لهم فضل علي ومنة
فلا اذهب الرحمن مني الاعاديا
همو بحثوا عن زلتي فاجتنبتها
وهم نافسوني فاكتسبت المعاليا
وحسبي من الاجر خالص نيتي فيما كتبت، وإني امرؤ كثير الذنوب، افرح بمن يخفف عني من ذنوبي، فما اكثر ما اسمع بمن يفتي بضلالي، وعدم جواز الصلاة خلفي، وعدم رد السلام علي، بل ووصل الامر بأحدهم ان يقول: «لو قاعد على شغله أول، أحسن له من ألحين»، يعني حياة الفن السابقة عنده لي افضل مما انا عليه الآن من الدين.. لاشك ان من يصدر منه مثل هذا الكلام فاقد للدين والحياء، وهذا من نتاج فسد ذات البين بيننا، والتي يسميها النبي صلى الله عليه وسلم «الحالقة للدين»، كما في الحديث الذي رواه الترمذي عن ابي الدرداء رضي الله عنه قال: «قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة؟ قالوا: بلى، قال: اصلاح ذات البين فان فساد ذات البين هي الحالقة.. وفي رواية اخرى انه صلى الله عليه وسلم قال: هي الحالقة، لا أقول تحلق الشعر، ولكن تحلق الدين» انتهى.
وفساد ذات البين بين المسلمين هو الظاهرة الظاهرة من خلال مقالات الاسابيع الماضية.. فما ان يتكلم احد في مسألة حتى ينبري له المخالف تبديعا وتضليلا لمعتقده، وتحريفا لمقالته، بل وطعنا في ذاته.
نحن لا نرفض النقاش، ولكننا نرفض ان يتحول النقاش الى صالون لحلاقة الدين، تحلق فيه المودة، وتصفف فيه البغضاء وتنتف فيه اواصر الأخوة.
نحن ندعو الى النقاش العلمي الذي يقوم على تحرير المسألة لا على تحريفها، والوصول الى الحق بما اريد، لا الى الوصول على الحق لما اريد.. اي أنني أناقش لاحقاق ذات الحق، لا أن أناقش لأرى رأيي، وأخالف بقولي.. فهدا هو الخلاف المصنوع المذموم، وهذا هو الخلاف الذي يراد به الظهور على الخلق، لا الرغبة في اظهار الحق... لماذا؟؟! لأن من كان طلبته لا يهمه ان يظهر الحق على لسانه او لسان غيره، كما يقول الإمام الشافعي المطلبي رحمه الله تعالى: (وددت لو أن هذا العلم انتشر، ولم يعرف صاحبه).. وأما راكب الحق للوصول فيكفيه باطلا ان يصل الى باطله بامتطائه الحق، وهو عين ما قاله سيدنا علي بن ابي طالب رضي الله عنه للخوارج:
(هذا حق اريد به باطلا).. نحن جميعا نطلب الحق، ولو كان الحق مقطوعا به لما اختلفنا، فاختلافنا راجع الى مظنونية الحق، وهو امر طبيعي حتمي يقرره العقل والنقل كما ذكرت سابقا، وبناء عليه فعلى المسلم ان يخرج من قوقعة الاعتداد بالرأي، والازراء بالرأي الآخر، الى رحبة تعددية الأقوال والآراء... كلنا يقر ويعتقد بأن كلنا يؤخذ من رأيه ويرد الى المعصوم صلى الله عليه وسلم.. وعلى هذا فلا يمكن ادعاء الصواب المحض ما دام الغلط محتملا، فقولي خطأ يحتمل الصواب، وقولك صواب يحتمل الخطأ... لماذا لا نعيش هذه المقولة المريحة الرافعة للضيق بالقول المخالف، مما يستغله المتربصون والفرحون بكل شقاق يوهن الأمة، وفي مقدورنا ان نفسد عليهم فرحهم بتوسيع ساحة الرأي والتسليم بحتمية الخلاف، ولا سبيل لذلك وحاجتها الماسة الى هذه الجهود الضائعة، فتأليف القلوب مطلوب لذاته مقدم في كثير من الأحيان على غيره.. ومما يقرب من ذلك ما يقوله الإمام ابن تيميه رحمه الله تعالى: «يستحب للرجل ان يقصد الى تأليف القلوب بترك هذه المستحبات، لأن مصلحة التأليف في الدين اعظم من مصلحة فعل هذا» - مجموع الفتاوى.. هذا ما اردت بيانه من خلال المقال فان احسنت فمن الله وتوفيقه، وان أسأت فبذنبي وصلى الله على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم.
تاريخ النشر: السبت 20/5/2006
yasmeen
05-22-2006, 06:34 AM
ابن تيمية مرة واحدة!
أحمد البغدادي - كاتب كويتي
ومهما تكن عند امرئ من خليقة
وإن خالها تخفى على الناس تعلم
زهير بن أبي سلمى
يقول اهل الكويت »يزول جبل ولا يزول طبع«, كما يقول الشاعر العربي »لكل امرئ من دهره ما تعودا« وبكل صفاقة يبرزون رؤوسهم صائحين بنص الاية الكريمة »وجادلهم بالتي هي احسن« وهم بعيدون عنها بعد الشمس عن الارض, وطبعا الحديث الذي لا ينقطع عن التسامح الاسلامي, وما ان نطق واحد من تيارهم, يعني, اسلامي, برأيه حول المتصوف الشهير, ابن عربي, حتى قامت الدنيا و ونسوا شيئا اسمه التسامح الاسلامي, وحرية التعبير, وهات يا تكفير لعبد الغفار, والتهمة تتحذف عليه من كل حدب وصوب والمقالات تدبج في استعراض جهله »بالمناسبة كان عميد كلية الشريعة ام المناهج الخاوية علميا« وعدم فهمه للدين ...والمسكين (ما باقي الا هدومه). في حين لم يتعرض له اي ليبرالي بسوء من كلام فاحش او تكفير, بل لم يهتموا بالموضوع كله لانه في مفاهيمهم مجرد راي من حق كل انسان ان يمارسه . والميزة الوحيدة للموضوع اني عرفت ان ابن عربي لا يدخل ضمن ممنوعات قانون المطبوعات والنشر الذي وافقت عليه القوى الوطنية من كثر احترامها لحرية الرأي والحريات الفكرية عموما.
من يقرأ ردود السلف على د. عبد الغفار يقول القيامة قامت, وتسعة وتسعين فاصلة تسعة وتسعين من اهل الكويت لا يعرفون من هو ابن عربي الميت من الف سنة وعظامه تيبست ولم يقدم اي فائدة لخلق الله, مثل بيل غيتس ( بو الانترنت) ..... لكن تقارنه بابن تيمية? يا ويلاه ..وامصيباتاه! اين تذهب من غضب العباد المتعبدين بابن تيمية? يا ويلك يا سواد ليلك ....ابن تيمية مرة واحده! تدري لو انك شبهته بالدالاي لاما, لما تعرضت لكل هذه السخافات ....الله يستر لا يكون قانون المطبوعات يعتبر ابن تيمية من المقدسات الدينية وانا ما ادري? وبعدين الذي تقرأه في الصحف الكويتية لا يعد شيئا مع ما سيأتيك من " علماء" السعودية حيث مجرد المساس بابن تيمية يعد كفرا, واكيد راح تطلع فيك فتوى محترمة ربما, اقول ربما تحل دمك, لان التكفير صدر وانتهى الامر..باقي البلاوي الزرقا, يا رجل اترك عنك, وخلك من اهل السنة, ودع عنك ( الوشاة وما قالوا وما فعلوا..) ....لا ...لا...كله الا ابن تيمية ! كيف تقارنه مع المتصوف العاقل الذي لم يكفر احدا ولم يؤذ احدا, بابن تيمية الذي تهز فتاويه عالم الاميركان اليوم بالذبح والارهاب في كل بلدان العالم الاسلامي....بما فيها السعودية نفسها?
نترك »الغشمرة جانبا«, وكتابات التكفير والنكير والاتهام بالزندقة للاستاذ عبد الغفار الشريف جانبا, ونطلع على الحقيقة التي ينكرها من يسمون انفسهم بالاسلاميين دائما, وهي انهم ضد حرية الفكر وحرية الراي, وضد حقوق الانسان . والا ما ضرهم راي د. عبد الغفار في شيء? الرجل ابدى رأيا يؤمن به في فكر متصوف, هل هذه جريمة يستحق معها كل هذا الارهاب الفكري? وعجبا للاستاذ عبد الرحمن عبد الخالق الأب الروحي للجماعة السلفية في الكويت, يسكت عن منكر حفل جريدة الوطن لنانسي عجرم, وعن سرقة مال المسلمين في قضية الناقلات, ثم يشيط غضبا لراي شخصي! بالمناسبة, نريد ان نقرا له رأي الدين وحكم الشرع في حفل بنت عجرم ومن شهده ? وطبعا هذا يسري على حاكم المطيري وكل من كتب ضد راي د.عبد الغفار,والا بس فالحين تغضبون على الضعفاء من المسلمين الذين لا يستطيعون مواجهة ارهابكم الفكري ?
على فكرة اتحدى حاكم المطيري ان ينشر البحث الساذج الذي كتبه في ندوة جمعية الخريجين المغلقة والتي يدعو فيها الى الثورة على الانظمة التوارثية في الدول الخليجية, ونسخة البحث عندي لمن يريد القراءة, لكن في الكويت يستطيع »الاسلامي« تكفير من يريد, وان يهدد كما يريد, وان يدعو الى هدم النظام الدستوري, وان يتهم من لا يلبس بناته الحجاب انه ديوث, كما ورد في برنامج ديني في تلفزيون الكويت ولم يحرك الدكتور انس الرشيد ساكنا, كما يريد, وكله حلو عند حكومتنا الخاضعة دوما للاسلاميين بمسايرتهم, وسكتت حتى عن الدعوة العلنية للثورة ضد النظام الدستوري للدولة! واقرأوا ان شئتم كتاب حاكم المطيري »الحرية او الطوفان« الذي لا علاقة له بالحرية, بل له كل العلاقة بالثورة على الانظمة التوارثية ....لكن لا نقول سوى ما قاله الشاعر:
خلا لك الجو فبيضي واصفري
ونقري ما شئت ان تنقري
وهذا زمنهم, وآية هذا الزمان ليس الكتب, كما يقول الشاعر, بل ..التيار الديني بغثه وغثيثه .
من الكتب القيمة علميا حول الحركة الوهابية كتاب »الفكر السياسي الوهابي« ل¯: أحمد الكاتب. وهو كتاب ممنوع في الكويت ام الديمقراطية, كالعادة!
awtaad@yahoo.com
في رده على ردود حول الطواف بالقبور.. تساءل كيف له أن يجهل المعلوم بالدين
عبدالرحمن عبدالخالق لمفتي مصر: هل يحل لمثلك أن يكتب في الإسلام؟
http://www.alwatan.com.kw/Data/site1/News/Issues200605/lc22-052506.pc.jpg
لا تزال القضايا الاسلامية التي فتحت لها «الوطن» صفحاتها، ايمانا بدور الصحافة في استجلاء الحقيقة، والوصول الى رأي علماء الاسلام، تلقى استجابات متعددة، وتشهد مداخلات وردودا، وتعقيبات حرص اصحابها على بيان اسانيدهم وعقيدتهم ورؤيتهم كعلماء دين لقضية من القضايا التي شغلت المسلمين ولا تزال تشغلهم، فليس أهم لدى المسلم من سلامة العقيدة، وتنقيتها مما يشوب.
و«الوطن» اذ تواصل اليوم فتح صفحاتها لتفاعلات هذه المناقشات والمساجلات بين علماء المسلمين، انما تؤكد ان ادب الاختلاف من اجل الآداب التي حرص الاسلام على تأكيد حضورها، وافساح المجال واسعا للحوار دون ان يفسد الاختلاف في الرأي للود قضية.
واليوم تنشر «الوطن» ما جاء من الامام والخطيب بوزارة الاوقاف والشؤون الاسلامية الداعية عبدالرحمن عبدالخالق المعنون بـ «رد على ردود» السجود لغير الله شرك، وفيما يلي نص الرد:
كتب أكثر من أخ وشيخ ردودا على مقالنا «الطواف بالقبور جريمة مركبة» وهذا رد على ما جاء في هذه المقالات من الشبهات والاعتراضات.
أولا: السجود أشرف انواع العبادات
السجود اشرف انواع العبادات وأعلاها درجة، وهي عبادة الملائكة والسموات والأرض وجميع المخلوقات، قال تعالى عن الملائكة: (ان الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون) وقال تعالى: (او لم يروا الى ما خلق الله من شيء يتفيؤا ظلاله عن اليمين والشمائل سجدا لله وهم داخرون ہ ولله يسجد ما في السموات وما في الارض من دابة والملائكة وهم لا يستكبرون ہ يخافون ربهم من فوقهم ويفعلون ما يؤمون) وقال تعالى: (ألم تر ان الله يسجد له من في السموات ومن في الارض والشمس والقمر والنجوم والجبال والشجر والدواب وكثير من الناس وكثير حق عليه العذاب ومن يهن الله فما له من مكرم ان الله يفعل ما يشاء) وقال تعالى : (يا أيها الذين آمنوا اركعوا واسجدوا واعبدوا ربكم وافعلوا الخير لعلكم تفلحون) وقوله تعالى: (واعبدوا ربكم) بعد الامور بالسجود والركوع هو من باب ذكر العام بعد الخاص.
وقد سميت الصلاة كلها سجودا وركوعا، فتقول سجدت سجدتين وركعت ركعتين، كما قال صلى الله عليه وسلم: (ركعتا الفجر خير من الدنيا وما فيها).
والسجود عبادة اختص الله بها نفسه في شريعة الاسلام المنزلة على عبده ورسوله محمد صلى الله عليه وسلم، ولم تحل تعظيما وتكريما لاحد لا لرسوله ولا لغيره كما قال صلى الله عليه وسلم: «لو كنت آمرا آحدا ان يسجد لاحد، لأمرت المرأة ان تسجد لزوجها».
ثانيا: السجود لغير الله شرك:
ومن اجل هذا اجمعت الامة على انه لا نسجد الا لله، وان من سجد لغيره فقد اشرك بالله لان حقيقة الشرك هي صرف شيء مما لا يجوز الا لله لغيره، فمن صرف شيئا من العبادة صلاة او صياما او نذرا او طوافا او غير ذلك من شؤون العبادات والقربات لغير الله فقد كفر وأشرك شركا اكبر ينقله عن ملة الاسلام.
بل ذهبت طائفة من اهل العلم الى ان السجود لغير الله من الكفر الذي لا يعذر فاعله بالاضطرار كما جاء في تفسير القرطبي عن محمد بن الحسن الشيباني: «ذهبت طائفة من العلماء الى ان الرخصة انما جاءت في القول، وأما في الفعل فلا رخصة فيه مثل ان يكرهوا على السجود لغير الله، او الصلاة لغير القبلة، او قتل مسلم او ضربه او اكل ماله او الزنى وشرب الخمر وأكل الربا يروى هذا عن الحسن البصري رضي الله عنه وهو قول الاوزاعي وسحنون من علمائنا وقال محمد بن الحسن اذا قيل للاسير اسجد لهذا الصنم والا قتلتك فقال ان كان الصنم مقابل القبلة فليسجد وتكون نيته لله تعالى وان كان لغير القبلة فلا يسجد وان قتلوه والصحيح انه يسجد وان كان لغير القبلة وما احراه بالسجود حينئذ في الصحيح «عن ابن عمر قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصلي وهو مقبل من مكة الى المدينة على راحلته حيث كان وجهه قال وفيه نزلت «فاينما تولوا فثم وجه الله».
وقال ابو عمر ابن عبد البر في التمهيد: «الوثن: الصنم وهو الصورة من ذهب كان او من فضة، او غير ذلك من التمثال، وكل ما يعبد من دون الله فهو وثن، صنما كان او غير صنم، وكانت العرب تصلي الى الاصنام وتعبدها، فخشي رسول الله- صلى الله عليه وسلم- على امته ان تصنع كما صنع بعض من مضى من الامم: كانوا اذا مات لهم نبي، عكفوا حول قبره كما يصنع بالصنم، فقال- صلى الله عليه وسلم-: اللهم لا تجعل قبري وثنا يصلى اليه، ويسجد نحوه ويعبد، فقد اشتد غضب الله على من فعل ذلك، وكان رسول الله- صلى الله عليه و سلم- يحذر اصحابه وسائر امته من سوء صنيع الامم قبله، الذين صلوا الى قبور انبيائهم واتخذوها قبلة ومسجدا، كما صنعت الوثنية بالاوثان التي كانوا يسجدون اليها ويعظمونها، وذلك الشرك الاكبر، فكان الني- صلى الله عليه وسلم- يخبرهم بما في ذلك من سخط الله وغضبه، وانه مما لا يرضاه خشية عليهم امتثال طرقهم».
«التمهيد45/5».
وقال عبدالرشيد الحنفي في الفاظ الكفر: «اذا قال اهل الحرب لمسلم: اسجد للملك والا قتلناك فالافضل ألا يسجد لان هذا كفر صورة، والافضل ألا يأتي بما هو كفر صورة وان كان في حالة الاكراه، من سجد للسلطان بنية العبادة او لم تحضره فقد كفر، ومن سجد لهم ان اراد به التعظيم كفر، وان اراد التحية اختار بعض العلماء: ألا يكفر وقال بعضهم يكفر مطلقا» (ص113/).
ثالثا: معنى سجود الملائكة لادم وسجود اخوة يوسف له:
ولا يقدح في هذا الامر، امر الله سبحانه وتعالى الملائكة بالسجود لادم، ولا سجود إخوة يوسف وابويه له، ولا سجود معاذ للنبي- صلى الله عليه وسلم- فاما سجود الملائكة لآدم فقد كان بامر الله لهم قال تعالى: «واذ قلنا للملائكة اسجدوا لادم فسجدوا الا ابليس..» الاية، والله يامر عباده بما شاء سبحانه وتعالى، وقد كان ذلك تشريفا وتكريما لهذا المخلوق الذي خلقه سبحانه بيديه، قال تعالى لابليس: «ما منعك ان تسجد لما خلقت بيدي».
وقد قالت الملائكة قبل خلق ادم لما قال لهم الله تعالى: «اني جاعل في الارض خليفة» «اتجعل فيها من يفسد فيها ويسفك الدماء» فاراهم الله سبحانه وتعالى من هذا المخلوق علما لا يعلمونه، وعلى كل حال لقد كان تكريم ادم بسجود الملائكة له تكريما بامر الله- سبحانه وتعالى- ولا يمنع ان يامر الله- سبحانه وتعالى- ملائكته بالسجود لآدم تكريما له مع انهم يعبدون الله بالسجود له- سبحانه وتعالى- كما قال عنهم: «إن الذين عند ربك لا يستكبرون عن عبادته ويسبحونه وله يسجدون» وتقديم المعمول على العامل هنا يفيد الحصر، اي انهم لا يسجدون الا له سبحانه، فإن سجود الملائكة لادم فرد مخصوص وهو عبادة لله كذلك بامتثالهم امر ربهم سبحانه وتعالى.
ومن هذا سجود اخوة يوسف وابويه له، فان هذا بامر من الله سبحانه وتعالى فان الرؤيا التي رآها يوسف وقصها على ابيه رؤيا حق، وقد علم يعقوب تأويلها يوم قصها يوسف عليه، وقال لابنه: «كذلك يجتبيك ربك ويعلمك من تأويل الاحاديث ويتم نعمته عليك وعلى ال يعقوب كما اتمها على ابويك من قبل ابراهيم واسحاق ان ربك حكيم عليم».
وقد كان يعقوب نبيا، واسحاق نبيا، وابراهيم نبيا، وعلم يعقوب ان ابنه يوسف سيكون نبيا بعد ان رأى هذه الرؤيا.
وقد نبأه الله وحيا كذلك وهو في الجب «واوحينا اليه لتنبئنهم بامرهم هذا وهم لا يشعرون» وسواء كانت رؤيا يوسف جزءا من النبوة والوحي اليه قبل البلوغ وكذلك وهو في الجب وحي نبوة او كانت من ارهاصات النبوة كما كان بشأن نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، ففي الصحيحين اول ما بدأ به رسول الله صلى الله عليه وسلم من الوحي الرؤيا الصادقة فكان لا يرى رؤيا الا جاءت مثل فلق الصبح.
والشاهد ان سجود يعقوب عليه السلام واخوته له انما كان بامر الهي تكريما من الله لهذا الابن البار بوالديه، الكريم مع اخوته الذين اساؤوا اليه فصفح عنهم ولم يثرب عليهم، قال تعالى عن يوسف «ورفع ابويه على العرش وخروا له سجدا وقال يا أبت هذا تأويل رؤياي من قبل قد جعلها ربي حقا» الاية.
ولا ينقض هذا ألا يكون السجود في شريعتنا الا الله، فان الله الذي امر اخوة يوسف بالسجود له، لم يأمر الصحابة بالسجود للنبي علما بأن فضل النبي على اصحابه وامته اكبر من فضل يوسف على أبويه واخوته. قال تعالى: «النبي اولى بالمؤمنين من انفسهم» وقال تعالى: «لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم».
وقد امرنا الله بتعظيمه وتوقيره وتعزيره، وحبه فوق كل مخلوق، فقال سبحانه وتعالى: «انا ارسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا لتؤمنوا بالله ورسوله وتعزروه وتوقروه وتسبحوه بكرة واصيلا».
ومع ذلك لم يشرع لنا الله سبحانه وتعالى توقيرا للنبي وتعظيما له ان نسجد له بل جعل السجود عبادة خاصة به سبحانه وتعالى، ولذلك اتفقت الامة على ان السجود لغير الله في شريعتنا كفر وشرك، وانه لا يسجد لغير الله على وجه من الوجوه عبادة او تكريما وتعظيما فاننا نهينا عن كذلك، وجعل السجود خاصا بالله جل وعلا.
ولا يقدح كذلك في ان السجود لغير الله كفر وشرك، ان معاذا لما سجد للرسول لم يكفره رسول الله، وذلك لانه سجد مجتهدا متأولا ظانا ان رسول الله احق بالتعظيم سجودا من البطارقة الذين تسجد لهم النصارى فبين له الرسول الحق وانه لا يسجد الا لله.
والمخطئ لا يكفر كما قال تعالى: «وجاوزنا ببني اسرائيل البحر فأتوا على قوم بعكفون على اصنام لهم قالوا يا موسى لنا الها كما لهم الهة، قال انكم قوم تجهلون» الاية، ولم يقل لهم قد كفرتم فجددوا ايمانكم، علما انه لا كفر اكبر من عبادة الاوثان.
وكذلك قال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم- عندما قال له مسلمة الفتح: «اجعل لنا ذات انواط كما لهم ذات انواط» فقال رسول الله: «الله اكبر، انها السنن قلتم والذي نفس محمد بيده كما قال بنو اسرائيل لموسى «اجعل لنا الها كما لهم الهة» والذي نفسي بيده لتركبن سنن من كان قبلكم» ولم يقل قد كفرتم.
والشاهد ان الجاهل والمخطئ اذا قال الكفر او عمل به يعلم ويبين له، ولا يكفر من فعل كفرا الا بعد اقامة الحجة والبيان.
واما نفي ان يكون طلب عبادة الاوثان كفرا لان موسى لم يقل لقومه «كفرتم » وان السجود لغير الله كفر لان رسولنا- صلى الله عليه وسلم- لم يقل لما سجد له «كفرت» وان النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ لم يقل لمن قال: «اجعل لنا ذات انواط» كفرتم.
اقول نفي ان تكون عبادة الاوثان والسجود لغير الله والتبرك بشجرة تشبها بالكفار كفرا وحماقة وجهل من قائله..
رابعا: السجود لغير الله شرك ويستلزم شركا اخر:
وما نحن بصدده في المقال الفائت «الطواف بالقبور جريمة مركبة من الشرك والكفر والمحادة لامر الله ورسوله» في السجود للقبور ونحوها، فهذا مما لا يخالف فيه ذو بصيرة انه من الكفر البواح والشرك الجلي، ومن عبادة غير الله سبحانه وتعالى فان من يسجد للقبر يرتكب مجموعة من الجرائم: الاولى: انه سجد لغير الله سبحانه و تعالى والسجود لغير الله في شريعتنا شرك لانها صرف عبادة لغير الله، وثانيا: لانه تعظيم منا لما امر رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ بازالته وزواله وهو البناء على القبور، وثالثا: ان يجمع مع السجود بالضرورة انواعا اخرى من الشرك كدعاء غير الله فان من يسجد يدعو من سجد له، وقد قال الله تعالى: (ومن اضل ممن يدعو من دون الله من لا يستجيب له الى يوم القيامة وهم عن دعائهم غافلون، واذا حشر الناس كانوا لهم اعداء وكانوا بعبادتهم كافرين).
خامسا: الداعون الى الشرك:
والعجب ممن يقف على هذا الشرك الصراح والكفر الجلي، ان يقوم بالقاء الشبهات على الناس فيجعلون الطواف والسجود لهذه القبور ليس شركا وانه من باب سجود الملائكة لآدم وسجود اخوة يوسف له، وهم يعلمون ان كثيرا من المسلمين اليوم يعطون من العبادات لهذه القبور مثل ما يقترب به الى الله من الدعاء والذبح والنذر والطواف، والسجود والركوع وطلب الحاجات وتفريج الكربات.
سادسا: وصف الشرك بالحرام فقط تدليس وتلبيس
ولاشك ان القول بان هذا حرام دون بيان انه شرك وكفر فيه تدليس وتلبيس على عموم الناس، فان الحرام قد يكون صغيرة، وقد يكون كبيرة، وقد يكون شركا وكفرا، فترك الصلاة مثلا غير الزنا، وغير شرب الخمر، وغير من يكذب ليضحك الناس ويغتابهم، وينقل حديث الناس دون تثبت، وهذا غير سب الله وسب رسوله وسب دين الاسلام والسجود لغيره، ودعاء غيره والذبح لغيره.. والاسلام فرق بين المعاصي كبارا وصغارا، وبين الكفر والشرك، فلا يجوز لعالم ان يقول في قول او عمل من اعمال الكفر والشرك انه حرام دون بيان حكمه، فان الشرك لا يغفره الله لمن مات عليه، واما ما دون الشرك فيغفره الله لمن شاء وان مات غير تائب منه.
وعبارتنا التي اعترض عليها بعض الاخوة وكتب ردا على مقالنا السابق: «اما ما حكم الله بانه شرك وكفر فليس وسيلة للتقرب اليه، بل سبب لسخطه وغضبه وعقابه، فمن جعل دعاء غيره دعاء عبادة او سجد لغيره او ذبح لغيره او صرف شيئا من العبادة التي اختص الله بها نفسه فهو مشرك».
والله سبحانه وتعالى لم يجعل الشرك وسيلة للتقرب اليه كما قال تعالى: (ولا يأمركم أن تتخذوا الملائكة والنبيين اربابا أيأمركم بالكفر بعد اذ أنتم مسلمون) وقال: (ما كان لبشر أن يؤتيه الله الكتاب والحكم والنبوة ثم يقول للناس كونوا عبادا لي من دون الله..)، فالله سبحانه وتعالى لا يُتوسل اليه الا بما يرضيه وارتضاه لعباده من الاقوال والاعمال والاعتقاد، والشرك به ليس وسيلة اليه، فمن عبد غير الله من الملائكة، او الرسل، او الاولياء فقد اشرك وتعرض لسخط الله وعقابه، وان كان من كان كما قال تعالى: (ولقد اوحي اليك والى الذين من قبلك لئن اشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين)، وقال تعالى: (لا تجعل مع الله إلها اخر فتقعد مذموما مخذولا)، وقال: (ولا تجعل مع الله إلها اخر فتلقى في جنهم ملوما مدحورا) وقال عن انبيائه ورسله المكرمين الذين عددهم في سورة الانعام: (ولو أشركوا لحبط عنهم ما كانوا يعملون) فالشرك موجب لسخط الله وان وقع ممن وقع منه، فان كان مسلما كفر، ولا يقال ان المسلم اذا فعل الشرك والكفر لا يحكم عليه بكفر ولا بشرك.
هو ما جاء به القرآن والسنة واجمع عليه سلف الامة، فان السجود فرد من افراد العبادة لله كالركوع والذبح والنذر والطواف والسعي ولا يمتنع ان يجعل الله بعض هذه الافراد مخصوصا به في شريعتنا ومباحا لغيره في شريعة اخرى.
واما الذي لا يتبدل ولا يتغير في كل شريعة فهي امور الاعتقاد كاعتقاد ان الله هو الاله الواحد الذي لا اله غيره ولا رب سواه الحي القيوم المتصف بصفات الكمال والجلال، فهذا من المسائل الخبرية العلمية التي لا يدخلها النسخ.
اما الامور العملية فيدخلها النسخ، فالسجود من الامور العملية، فيجوز ان يكون مقصورا في شريعتنا على الله وحده، وان يسمح به الله سبحانه في شريعة اخرى تكريما لعبد من عباده كسجود الملائكة لادم وسجود اخوة يوسف له.
والله يشرع ما يشاء لعباه.
ومعلوم في الكتاب والسنة واجماع الامة ان الله لم يشرع السجود في شريعتنا لغيره، وبما ان السجود عبادة وقد جعلها الله في شريعتنا له وحده، فيكون من سجد لغير الله قد اتخذ الها غير الله.
ولذلك ذكر المفسرون للقرآن السجود لغير الله في باب الاضطرار الى قول كلمة الكفر عند قوله تعالى: (من كفر بالله من بعد ايمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان..) الآية، وفيها من التفصيل ما نقلناه انفا عن الامام القرطبي.
والخلاصة ان السجود لغير الله في شريعتنا كفر وشرك، كفر لانه رد للآيات والاحاديث التي تأمر بالسجود لله وحده، وشرك لانه صرف عبادة لغير الله، والسجود للقبور بالخصوص شرك جلي لا يماري فيه الا من طمس على بصيرته فنعوذ بالله من الخذلان.
سابعا: الخوارج يكفرون بالكبيرة وليس بالكفر:
قال بعضهم في الرد: «انما المسارعة الى تكفير المسلمين فهذا من دأب الخوارج المارقين»
ولست ادري ما دخل الخوارج في هذا الامر، فان الخوارج منذ ظهروا في خلافة علي بن ابي طالب ـ رضي الله عنه ـ والى يومنا هذا، لم يكن من شأنهم قتال من يقع في الكفر والشرك من المسلمين، وانما كانوا يكفرون اهل الاسلام بالكبائر التي هي دون الشرك فقد كفروا عليا ـ في زعمهم» لانه حكّم الرجال ولم يحكم القرآن، ولانه لم يبح لهم فيمن قاتلهم من المسلمين في موقعة الجمل سبي نسائهم ولا اخذ اموالهم.. الى امور عظيمة من الجهل.
واما قتال من كفر من المسلمين فقد فعله اصحاب النبي، فهذا ابو بكر قاتل مانعي الزكاة وسبى نساءهم، واخذ اموالهم، وقد جرى علماء الاسلام على تحديد انواع الكفر والشرك، ومتى يصبح المسلم مرتدا، ومتى يستتاب من كفره، وذكر العلماء احكام الزنديق.
فالحكم بكفر الكافر حق، فيجب ان نشهد بما شهد به الله ورسوله، وكما لا يجوز اخراج مسلم من الاسلام، فإنه لا يحل كذلك الحكم بإسلام الكافر والزنديق، وليس هذا كله من فعل الخوارج، بل من عمل علماء الاسلام، وخلفاء الرسول - صلى الله عليه وسلم - وائمة الهدى - وما نحن بصدده هنا من السجود لغير الله، والطواف بغير بيت الله فهو من الكفر الذي اجمعت عليه الامة ولا دخل للخوارج في هذا الامر قط.
ثامنا: السجود لغير الله كفر بمجرده
السجود لغير الله كفر بمجرده، ولا يشترط ان يضاف له عمل القلب حتى يكون كفرا، وهذا هو الصحيح من اقوال اهل العلم والكفر كما يكون بالاعتقاد يكون بالعمل والقول والشك والترك، فمن الكفر بالعمل السجود لغير الله، والطواف بغير بيت الله، ومن الكفر بالقول سب الله أو رسوله أو دين الاسلام، ومن الكفر بالترك ترك اعمال الدين جميعها، وترك الصلاة على الخصوص.
وقد جاء في رد اللجنة الدائمة للبحوث العلمية والافتاء على الفتوى رقم (4400) ما نصه: (كل من آمن برسالة نبينا محمد صلى الله عليه وسلم وسائر ما جاء به في الشريعة اذا سجد بعد ذلك لغير الله من ولي وصاحب قبر أو شيخ طريق يعتبر كافرا مرتدا عن الاسلام مشركا مع الله غيره في العبادة، ولو نطق بالشهادتين وقت سجوده، لاتيانه بما ينقض قوله من سجوده لغير الله..).
وجاء في ردهم على الفتوى رقم (189): (السجود على المقابر والذبح عليها وثنية جاهلية، وشرك اكبر، فإن كلا منهما عبادة، والعبادة لا تكون الا لله وحده فمن صرفها لغير الله فهو مشرك..).
تاسعا: ماذا نصنع فيمن ينكرون المعلوم من الدين بالضرورة ومع ذلك يدعون العلم؟
اعجب ممن يقول ردا على مقالي (الطواف بالقبور جريمة مركبة) ما نصه: (استغرب في هذه الايام من اقوال ليست في كتاب الله ولا في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ولم يقل بها عالم من المذاهب الاربعة ولا غيرهم من المذاهب المعتبرة فيما اطلعت عليها).
والقضية التي نحن بصددها في مقال الرد على سماحة مفتي مصر والتي نقررها الآن من ان الطواف بغير بيت الله جريمة مركبة من الكفر والشرك والمحادة لأمر الله وامر رسوله، وكذلك السجود لغير الله كفر وشرك، وهذا امر معلوم من الدين بالضرورة، وقد دل عليه القرآن والسنة واجماع سلف الامة، ولم يخل كتاب تفسير ولا فقه الا وقرره، فيأتي من يقول لقد قرأت هذا كله ولم اجده.. فإذا كنت تجهل المعلوم من الدين بالضرورة، وتجهل ان القرآن قد امر المؤمنين بالسجود لله وحده، وتجهل ان الرسول امر المسلمين ألا يسجدوا الا لله، وتجهل ان جميع علماء المسلمين قد قرروا ان السجود لغير الله شرك، وتقول انك لم تطلع على شيء من ذلك. فهل يحل لمثلك ان يمسك قلما ويكتب به في الاسلام؟
عاشرا: ماذا يقصد هؤلاء؟
اعجب من هؤلاء الذين يروجون لهذا الشرك اليوم (الطواف بالقبور والسجود لها) فمن سلفهم في هذا الامر؟ وما مقاصدهم من الدعوة الى هذا الشرك والكفر؟! وهم يعلمون ان القرآن والسنة وكل سلف الامة لم يأت بالدعوة الى هذا الشرك وترويجه في الامة، بل مما نهى الله ورسوله عنه، وحذر منه وزجر عنه كل من يؤخذ عنهم العلم من علماء الاسلام فلماذا اذن هذه الدعوة المحمومة الى الشرك والكفر؟!
تاريخ النشر: الخميس 25/5/2006
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir