زهير
04-13-2006, 08:10 AM
د. وائل الحساوي
wael_al_hasawi@hotmail.com
تبين الاحصائيات بأن ثاني أعلى نسبة للانتحار في الولايات المتحدة الأميركية بعد الشباب هي بين الذين تتجاوز اعمارهم الأربعة والستين عاماً، وقد بينت الدراسة بأن السبب يعود الى ان اغلب هؤلاء هم ممن يتقاعدون عن العمل بعد خدمة طويلة، ثم يجدون أنفسهم فجأة وحيدين، فلا عمل حقيقيا يؤدونه ولا اصدقاء عمل يزورونهم، وفراغ قاتل يفتح عليهم أبواب القلق والهموم التي لا تطاق.
التقيت بامرأة عجوز أميركية جاوز عمرها السبعين عاماً وهي تعمل نادلة في مطعم مع أنها ليست بحاجة الى تلك الوظيفة فسألتها عن سبب صبرها على تلك الوظيفة الصعبة، فقالت لي بأنها قد جربت التقاعد وقد كبر أبناؤها وبناتها ومات عنها زوجها فكادت تفقد صوابها من كثرة الهموم والوساوس، فقررت الرجوع الى ذلك العمل.
في الكويت لدينا آلاف الحالات ممن يعانون الفراغ القاتل الذي يصيبهم بأمراض خطيرة ـ وإن كان الناس عندنا لا ينتحرون ولله الحمد ـ لاسيما وان سن التقاعد في الكويت صغير جداً مقارنة بالدول الغربية، فتجد البعض فرحاً بتقاعده في الأربعينات أو بداية الخمسينات من عمره ويعتقد بأنه سيرتاح ويتفرغ لنفسه، ثم ما تلبث الأعمال الروتينية اليومية ان تتوالى عليه من توصيل مدارس وشراء اغراض المنزل وغيره، وما يلبث ان ينعزل عن الناس ويتقوقع في محيط ضيق، كذلك فإن كثيراً من الأمهات يضحين في بداية حياتهن بالتقاعد للتفرغ لأبنائهن وبعد ان يكبر الأبناء يحيط بهن اخطبوط الوحدة والوحشة وتصبح حياتهن روتينا قاتلا لا تغيير فيها، وحتى لو اردن الرجوع الى العمل فإن القوانين الصارمة تطردهن طرداً من أجل افساح المجال للجيل الجديد.
مثال ثالث للقيادات في الحكومة او القطاع الخاص الذين يتم التخلي عنهم فيجدون انفسهم فجأة وقد سقطوا من سلم طويل الى القاع فقد ذهب المنصب والهيلمان والأمر والنهي والسيارة والصور في الجرائد واصبحوا نسياً منسياً، فتجد كثيراً منهم تصيبه أزمات نفسية لا يشعر بها الا القريبون منه.
إذاً ما الحل لتلك المشكلة؟!
الحل هو في تأسيس لجنة او جمعية لتوجيه الناس لطريقة التعامل مع تلك المرحلة الحياتية التي قد تكون صعبة لدى الكثيرين، وتأهيلهم للتدرج نحو التقاعد وترك العمل ولطرق استغلال الوقت وإعادة النشاط في مجالات اخرى وكذلك لا بد ان تشجع الدولة اعادة تأهيل من ترك العمل وتفتح له مجالات لاستغلال اوقات الفراغ بما يفيده وأسرته، والتوقف عن السياسات التي تدفع الناس دفعاً الى التقاعد المبكر وتطرد من تجاوز سناً محددة، وكما ان الدولة قد أنشأت المقاهي الشعبية لكبار السن فإن المطلوب تأسيس نواد لكبار السن رجالاً ونساء يلتقون فيما بينهم للحوار ولشغل اوقات الفراغ بالمفيد ولأداء أعمال تنفعهم وتفيد مجتمعهم، فقد يكون لهؤلاء قدرات وعطاء ومواهب كثيرة تفيد دولتهم اكثر بكثير من الشباب، ولنتوقف عن وصف احدهم بـ «ميت قاعد» والقول بأن حياته قد انتهت ولا فائدة منه، فالحياة في كثير من الأحيان تبدأ بعد الستين.
wael_al_hasawi@hotmail.com
تبين الاحصائيات بأن ثاني أعلى نسبة للانتحار في الولايات المتحدة الأميركية بعد الشباب هي بين الذين تتجاوز اعمارهم الأربعة والستين عاماً، وقد بينت الدراسة بأن السبب يعود الى ان اغلب هؤلاء هم ممن يتقاعدون عن العمل بعد خدمة طويلة، ثم يجدون أنفسهم فجأة وحيدين، فلا عمل حقيقيا يؤدونه ولا اصدقاء عمل يزورونهم، وفراغ قاتل يفتح عليهم أبواب القلق والهموم التي لا تطاق.
التقيت بامرأة عجوز أميركية جاوز عمرها السبعين عاماً وهي تعمل نادلة في مطعم مع أنها ليست بحاجة الى تلك الوظيفة فسألتها عن سبب صبرها على تلك الوظيفة الصعبة، فقالت لي بأنها قد جربت التقاعد وقد كبر أبناؤها وبناتها ومات عنها زوجها فكادت تفقد صوابها من كثرة الهموم والوساوس، فقررت الرجوع الى ذلك العمل.
في الكويت لدينا آلاف الحالات ممن يعانون الفراغ القاتل الذي يصيبهم بأمراض خطيرة ـ وإن كان الناس عندنا لا ينتحرون ولله الحمد ـ لاسيما وان سن التقاعد في الكويت صغير جداً مقارنة بالدول الغربية، فتجد البعض فرحاً بتقاعده في الأربعينات أو بداية الخمسينات من عمره ويعتقد بأنه سيرتاح ويتفرغ لنفسه، ثم ما تلبث الأعمال الروتينية اليومية ان تتوالى عليه من توصيل مدارس وشراء اغراض المنزل وغيره، وما يلبث ان ينعزل عن الناس ويتقوقع في محيط ضيق، كذلك فإن كثيراً من الأمهات يضحين في بداية حياتهن بالتقاعد للتفرغ لأبنائهن وبعد ان يكبر الأبناء يحيط بهن اخطبوط الوحدة والوحشة وتصبح حياتهن روتينا قاتلا لا تغيير فيها، وحتى لو اردن الرجوع الى العمل فإن القوانين الصارمة تطردهن طرداً من أجل افساح المجال للجيل الجديد.
مثال ثالث للقيادات في الحكومة او القطاع الخاص الذين يتم التخلي عنهم فيجدون انفسهم فجأة وقد سقطوا من سلم طويل الى القاع فقد ذهب المنصب والهيلمان والأمر والنهي والسيارة والصور في الجرائد واصبحوا نسياً منسياً، فتجد كثيراً منهم تصيبه أزمات نفسية لا يشعر بها الا القريبون منه.
إذاً ما الحل لتلك المشكلة؟!
الحل هو في تأسيس لجنة او جمعية لتوجيه الناس لطريقة التعامل مع تلك المرحلة الحياتية التي قد تكون صعبة لدى الكثيرين، وتأهيلهم للتدرج نحو التقاعد وترك العمل ولطرق استغلال الوقت وإعادة النشاط في مجالات اخرى وكذلك لا بد ان تشجع الدولة اعادة تأهيل من ترك العمل وتفتح له مجالات لاستغلال اوقات الفراغ بما يفيده وأسرته، والتوقف عن السياسات التي تدفع الناس دفعاً الى التقاعد المبكر وتطرد من تجاوز سناً محددة، وكما ان الدولة قد أنشأت المقاهي الشعبية لكبار السن فإن المطلوب تأسيس نواد لكبار السن رجالاً ونساء يلتقون فيما بينهم للحوار ولشغل اوقات الفراغ بالمفيد ولأداء أعمال تنفعهم وتفيد مجتمعهم، فقد يكون لهؤلاء قدرات وعطاء ومواهب كثيرة تفيد دولتهم اكثر بكثير من الشباب، ولنتوقف عن وصف احدهم بـ «ميت قاعد» والقول بأن حياته قد انتهت ولا فائدة منه، فالحياة في كثير من الأحيان تبدأ بعد الستين.