سمير
04-12-2006, 04:48 PM
أنجح مستثمر حقق 20 ألف دولار العام الماضي وأقلهم 7 آلاف دولار
بغداد: ادوارد وونغ *
كان فلاح العقيدي يحدق عبر نظارته في الأرقام المكتوبة بخط اليد فوق لوحات بيضاء داخل البورصة العراقية. بلغت قيمة سهم «شركة مرطبات بغداد» دينارين، وهو الرقم الذي ظل ثابتاً طيلة ثلاث جلسات تداول، الأمر الذي جعل العقيدي يتنفس الصعداء، فهو يملك أربعة ملايين سهم في الشركة بلغت قيمتها 5400 دولار صباح ذلك اليوم الاخير. وقال العقيدي «الأسعار بعد الحرب أصبحت عالية جدا، والناس مسرورون لأنهم يعتقدون ان الاقتصاد والاستقرار سيكونان جيدين، لكن كل شيء أخذ اتجاها معاكسا».
وإذا كانت سوق الأسهم مقياس مدى الثقة على مستوى الوطن فإن أرقام البورصة العراقية تظهر أن ثقة الناس في الأوضاع السائدة في البلد في مستوى متدن. فقد فَقًدً مؤشر الأسهم ثلثي قيمته تقريبا خلال السنة الماضية، وأغلق هذه الأيام عند مستوى 30 نقطة مقارنة بـ 74 نقطة مستوى إغلاقه في مارس (آذار) 2005.
وعند افتتاحها في يونيو (حزيران) 2004، كانت البورصة العراقية تضم 94 شركة، تتوزع بين فنادق وتجار تمور وصانعي عقاقير للحيوانات. وتفتتح البورصة فقط يومي الاثنين والأربعاء. ويقف عدد من الحراس برشاشات كلاشينكوف خارج المبنى المحاط بأسلاك شائكة وجدران كونكريتية مضادة للتفجيرات. يدق الجرس عند الساعة العاشرة صباحا ايذانا ببدء الجلسات، ثم يبدأ الصراخ وتحريك الأيدي داخل الغرفة ثم تدور أكواب مملوءة بالقهوة حول الحاضرين. ويدق الجرس ثانية عند الظهر ايذانا بإغلاق البورصة.
ويعزو محللون ومستثمرون انكماش سوق الأسهم إلى جملة أسباب بينها مخاطر وقوع حرب أهلية والوضع الأمني وصعوبة تشكيل حكومة وضعف الاقتصاد وندرة الأموال الأجنبية. وقال طه أحمد عبد السلام المدير التنفيذي للبورصة «ان سبب الهبوط هو أننا لا نملك حكومة حتى الآن. نحن بلا مستقبل». كذلك يمكن اعتبار هبوط سوق الاسهم الى حالة الاقتصاد المتدهور في البلاد. ورغم ارتفاع الدخل الشخصي، فان البعض يرى نسبة البطالة قد قاربت 60 %. وبلغ معدل النمو الاقتصادي 2.6% في السنة الماضية، وتقدير الإدارة الاميركية بوصول معدل النمو الى 10% لعام 2006، قد يكون متفائلاً اذا اخذ في الاعتبار التخريب المتواصل لأنابيب النفط الذي أدى وقف الامدادات إلى تركيا.
ولعل فكرة البورصة العراقية سابقة لأوانها لأن القوانين المالية الحالية تقدم حماية ضئيلة للمستثمرين. فبدون مراجعة شاملة للسياسة المالية فإن المستثمرين سيتبخرون مع توقف النمو حسبما قال دانييل سبيكهارت مدير مكتب إدارة إعادة إعمار العراق في السفارة الأميركية. كذلك دفعت حالة عدم الاستقرار الأثرياء العراقيين لإرسال اموالهم إلى الخارج.
غير أن شعاعا من الأمل لا يزال باقياً، ذلك ان أكثر من 100 مستثمر يظهرون في كل دورة. وقال روني بينهام، 45 عاما، وهو يحمل منظارا لرؤية الأرقام الموجودة على اللوحات: «نعتقد انه في يوم ما سيظهر بعض الضوء في عتمة السوق. الأسعار منخفضة جدا الآن. بقطعة حلوى يمكنك ان تشتري 500 سهم».
وهناك خمسون متعاملا يتحركون على الأرضية، حاملين شارات بلاستيكية على معاطفهم وقصاصات ورقية في اياديهم. يتحركون سريعا بين المستثمرين خلف حواجز خشبية والألواح البيضاء تصطف على شكل جدار في الخلف. ويحمل المتعاملون أيضاً هواتفهم الجوالة التي لا تنقطع عن الرنين، لكنهم يقولون ان عدد التعاملات الكبيرة يتقلص كثيراً. وقال المتعامل مؤيد فؤاد، 68 عاما، ان «الأمر كله يعود الى الوضع الأمني. فالمستثمرون الكبار لا يأتون الى هذا المكان. أصحاب الملايين كلهم خائفون، ومكاتبهم مغلقة. لا يمكنهم الذهاب الى أي مكان دون مرافقة ثلاثة أو أربعة حراس».
وكل المتعاملين الحاليين كانوا يتداولون في البورصة القديمة. فقد بدأ فؤاد عام 1994. وحصل اعلى ثلاثة متعاملين العام الماضي على اكثر من 20 ألف دولار، للواحد، حسبما قال عبد الله سالم، الرئيس التنفيذي للبورصة. أما اقلهم فقد حصل على اقل من 7 آلاف دولار.
وهناك علامات على النمو تظهر من خلال البورصة العراقية، حسبما يقول سالم. وتبلغ قيمة البورصة الآن 2.17 مليار دولار، وهي صغيرة مقارنة ببورصة الاخرى في منطقة الشرق الوسط، لكنها ارتفعت من 1.15 مليار دولار في نهاية عام 2004. ويتراوح حجم التداول اليومي في البورصة العراقية بين مليونين و3 ملايين دولار. وبالحاح من مديري الشركات في العراق، وقع الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق، بول بريمر، على امر تشكيل البورصة. والبورصة يملكها الآن اصحاب البنوك الكبرى في البلاد ولديها مجلس ادارة يضم ثلاثة اعضاء. وقد تأسست أخيرا لجنة مراقبة عمليات التبادل وإعادة صياغة القوانين المالية بهدف السماح للاجانب بالاستثمار.
وتعمل البورصة أيضا على ربط نفسها إلكترونيا بالأسواق الأخرى في مختلف أنحاء العالم. وقال عبد الله سالم: «أمامنا الان تحديان هما اقامة نظام إلكتروني ووضع ضوابط للمستثمرين الأجانب. اذا حققنا هاتين المهمتين وأقمنا حكومة جديدة فان أسعار الاسهم سترتفع بين 10 الى 20 ضعفا بحلول نهاية العام الحالي».
ويجري التعامل بنشاط مع نحو نصف الشركات المسجلة، و«تعتبر شركة مرطبات بغداد» الأكثر نشاطا، اذ بلغ عدد التعاملات الخاصة بها 112 في جلسة اخيرة. وتعد البنوك، هي الأخرى، من المؤسسات ذات التعاملات النشطة.
وقد عود المستثمرون انفسهم على الحرب، غير أن الهجمات يمكن أن تسبب تذبذبا في الاسعار. وهبطت اسعار الأسهم في «بنك البصرة الدولي» بنسبة 30 في المائة مباشرة بعد خطف رئيس البنك وابنه من بيتهما في بغداد يوم 16 فبراير (شباط) الماضي.
وقال المستثمر بينهام ان شركته المفضلة هي شركة لصناعة التمور، مضيفاً انها ستصدر، في يوم ما، انتاجها الى مختلف أنحاء العالم. واضاف: «لقد وضعت نصف أموالي في هذه الشركة». وكان بينهام يعمل في السابق موظفا في متجر للفيديو في ديترويت وخسر الكثير من ماله على الإنترنت. لكنه لا يستطيع أن يسحب نفسه من السوق، وقال: «أنا مدمن على السوق، أشعر انني ثري عندما تكون لدي أسهم».
وكان العقيدي، مستورد مكائن الخياطة، يمشي، وقدم كوب قهوة الى أحد المستثمرين الأجانب. وكان قد حصل للتو على 1700 دولار عبر بيع أسهم «بنك بغداد». وقال: «أنا الآن اشتري» وأشارك في المنافسة. وبعد دقائق قرع الجرس.
(* خدمة «نيويورك تايمز»)
بغداد: ادوارد وونغ *
كان فلاح العقيدي يحدق عبر نظارته في الأرقام المكتوبة بخط اليد فوق لوحات بيضاء داخل البورصة العراقية. بلغت قيمة سهم «شركة مرطبات بغداد» دينارين، وهو الرقم الذي ظل ثابتاً طيلة ثلاث جلسات تداول، الأمر الذي جعل العقيدي يتنفس الصعداء، فهو يملك أربعة ملايين سهم في الشركة بلغت قيمتها 5400 دولار صباح ذلك اليوم الاخير. وقال العقيدي «الأسعار بعد الحرب أصبحت عالية جدا، والناس مسرورون لأنهم يعتقدون ان الاقتصاد والاستقرار سيكونان جيدين، لكن كل شيء أخذ اتجاها معاكسا».
وإذا كانت سوق الأسهم مقياس مدى الثقة على مستوى الوطن فإن أرقام البورصة العراقية تظهر أن ثقة الناس في الأوضاع السائدة في البلد في مستوى متدن. فقد فَقًدً مؤشر الأسهم ثلثي قيمته تقريبا خلال السنة الماضية، وأغلق هذه الأيام عند مستوى 30 نقطة مقارنة بـ 74 نقطة مستوى إغلاقه في مارس (آذار) 2005.
وعند افتتاحها في يونيو (حزيران) 2004، كانت البورصة العراقية تضم 94 شركة، تتوزع بين فنادق وتجار تمور وصانعي عقاقير للحيوانات. وتفتتح البورصة فقط يومي الاثنين والأربعاء. ويقف عدد من الحراس برشاشات كلاشينكوف خارج المبنى المحاط بأسلاك شائكة وجدران كونكريتية مضادة للتفجيرات. يدق الجرس عند الساعة العاشرة صباحا ايذانا ببدء الجلسات، ثم يبدأ الصراخ وتحريك الأيدي داخل الغرفة ثم تدور أكواب مملوءة بالقهوة حول الحاضرين. ويدق الجرس ثانية عند الظهر ايذانا بإغلاق البورصة.
ويعزو محللون ومستثمرون انكماش سوق الأسهم إلى جملة أسباب بينها مخاطر وقوع حرب أهلية والوضع الأمني وصعوبة تشكيل حكومة وضعف الاقتصاد وندرة الأموال الأجنبية. وقال طه أحمد عبد السلام المدير التنفيذي للبورصة «ان سبب الهبوط هو أننا لا نملك حكومة حتى الآن. نحن بلا مستقبل». كذلك يمكن اعتبار هبوط سوق الاسهم الى حالة الاقتصاد المتدهور في البلاد. ورغم ارتفاع الدخل الشخصي، فان البعض يرى نسبة البطالة قد قاربت 60 %. وبلغ معدل النمو الاقتصادي 2.6% في السنة الماضية، وتقدير الإدارة الاميركية بوصول معدل النمو الى 10% لعام 2006، قد يكون متفائلاً اذا اخذ في الاعتبار التخريب المتواصل لأنابيب النفط الذي أدى وقف الامدادات إلى تركيا.
ولعل فكرة البورصة العراقية سابقة لأوانها لأن القوانين المالية الحالية تقدم حماية ضئيلة للمستثمرين. فبدون مراجعة شاملة للسياسة المالية فإن المستثمرين سيتبخرون مع توقف النمو حسبما قال دانييل سبيكهارت مدير مكتب إدارة إعادة إعمار العراق في السفارة الأميركية. كذلك دفعت حالة عدم الاستقرار الأثرياء العراقيين لإرسال اموالهم إلى الخارج.
غير أن شعاعا من الأمل لا يزال باقياً، ذلك ان أكثر من 100 مستثمر يظهرون في كل دورة. وقال روني بينهام، 45 عاما، وهو يحمل منظارا لرؤية الأرقام الموجودة على اللوحات: «نعتقد انه في يوم ما سيظهر بعض الضوء في عتمة السوق. الأسعار منخفضة جدا الآن. بقطعة حلوى يمكنك ان تشتري 500 سهم».
وهناك خمسون متعاملا يتحركون على الأرضية، حاملين شارات بلاستيكية على معاطفهم وقصاصات ورقية في اياديهم. يتحركون سريعا بين المستثمرين خلف حواجز خشبية والألواح البيضاء تصطف على شكل جدار في الخلف. ويحمل المتعاملون أيضاً هواتفهم الجوالة التي لا تنقطع عن الرنين، لكنهم يقولون ان عدد التعاملات الكبيرة يتقلص كثيراً. وقال المتعامل مؤيد فؤاد، 68 عاما، ان «الأمر كله يعود الى الوضع الأمني. فالمستثمرون الكبار لا يأتون الى هذا المكان. أصحاب الملايين كلهم خائفون، ومكاتبهم مغلقة. لا يمكنهم الذهاب الى أي مكان دون مرافقة ثلاثة أو أربعة حراس».
وكل المتعاملين الحاليين كانوا يتداولون في البورصة القديمة. فقد بدأ فؤاد عام 1994. وحصل اعلى ثلاثة متعاملين العام الماضي على اكثر من 20 ألف دولار، للواحد، حسبما قال عبد الله سالم، الرئيس التنفيذي للبورصة. أما اقلهم فقد حصل على اقل من 7 آلاف دولار.
وهناك علامات على النمو تظهر من خلال البورصة العراقية، حسبما يقول سالم. وتبلغ قيمة البورصة الآن 2.17 مليار دولار، وهي صغيرة مقارنة ببورصة الاخرى في منطقة الشرق الوسط، لكنها ارتفعت من 1.15 مليار دولار في نهاية عام 2004. ويتراوح حجم التداول اليومي في البورصة العراقية بين مليونين و3 ملايين دولار. وبالحاح من مديري الشركات في العراق، وقع الحاكم المدني الاميركي السابق للعراق، بول بريمر، على امر تشكيل البورصة. والبورصة يملكها الآن اصحاب البنوك الكبرى في البلاد ولديها مجلس ادارة يضم ثلاثة اعضاء. وقد تأسست أخيرا لجنة مراقبة عمليات التبادل وإعادة صياغة القوانين المالية بهدف السماح للاجانب بالاستثمار.
وتعمل البورصة أيضا على ربط نفسها إلكترونيا بالأسواق الأخرى في مختلف أنحاء العالم. وقال عبد الله سالم: «أمامنا الان تحديان هما اقامة نظام إلكتروني ووضع ضوابط للمستثمرين الأجانب. اذا حققنا هاتين المهمتين وأقمنا حكومة جديدة فان أسعار الاسهم سترتفع بين 10 الى 20 ضعفا بحلول نهاية العام الحالي».
ويجري التعامل بنشاط مع نحو نصف الشركات المسجلة، و«تعتبر شركة مرطبات بغداد» الأكثر نشاطا، اذ بلغ عدد التعاملات الخاصة بها 112 في جلسة اخيرة. وتعد البنوك، هي الأخرى، من المؤسسات ذات التعاملات النشطة.
وقد عود المستثمرون انفسهم على الحرب، غير أن الهجمات يمكن أن تسبب تذبذبا في الاسعار. وهبطت اسعار الأسهم في «بنك البصرة الدولي» بنسبة 30 في المائة مباشرة بعد خطف رئيس البنك وابنه من بيتهما في بغداد يوم 16 فبراير (شباط) الماضي.
وقال المستثمر بينهام ان شركته المفضلة هي شركة لصناعة التمور، مضيفاً انها ستصدر، في يوم ما، انتاجها الى مختلف أنحاء العالم. واضاف: «لقد وضعت نصف أموالي في هذه الشركة». وكان بينهام يعمل في السابق موظفا في متجر للفيديو في ديترويت وخسر الكثير من ماله على الإنترنت. لكنه لا يستطيع أن يسحب نفسه من السوق، وقال: «أنا مدمن على السوق، أشعر انني ثري عندما تكون لدي أسهم».
وكان العقيدي، مستورد مكائن الخياطة، يمشي، وقدم كوب قهوة الى أحد المستثمرين الأجانب. وكان قد حصل للتو على 1700 دولار عبر بيع أسهم «بنك بغداد». وقال: «أنا الآن اشتري» وأشارك في المنافسة. وبعد دقائق قرع الجرس.
(* خدمة «نيويورك تايمز»)