المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : أبعد من الجعفري.. ورئاسة الوزراء ......عدنان حسين



فاتن
04-08-2006, 10:57 AM
عدنان حسين - الشرق الاوسط


كان وجه ابراهيم الجعفري ضاجّا بعلامات الشعور بالهزيمة، اكثر من وجه عادل عبد المهدي، مع ان الاول هو الذي «فاز» على الثاني في المنافسة الشرسة داخل «الائتلاف العراقي الموحد»، للترشح الى منصب رئيس الوزراء في الحكومة العراقية الجديدة.

وعندما تقدم عبد المهدي الى الجعفري لتهنئته بـ«الفوز» ـ وهذا كان يُنقل الينا على الهواء مباشرة من بغداد ـ قال له الجعفري «يجدر بك ان تعزيني في هذا الموقف وهذا الامتحان». ولما سأله احد الصحافيين عن سبب علامات الحزن البادية على وجهه بدلا من علامات الفرح والسرور، ردّ الجعفري قائلا «ابتسامتي ستكون اعرض لو كنت اعفيت من عظم المسؤولية التي اختارني الشعب ان اتولاها امام الله».

لا اظن ان ذلك كان صحيحا، فالجعفري كان يدرك انه في ذلك اليوم، الثاني عشر من شباط (فبراير) الماضي، بدأت معركته الحقيقية من اجل الاحتفاظ بمنصبه ولم تنته، حيث فاز الجعفري بتأييد 64 عضوا من نواب «الائتلاف» الشيعي، مقابل 63 لعبد المهدي. والجعفري كان يدرك اكثر من غيره ان معارضيه داخل «الائتلاف» ليسوا فقط قوة تصويتية معتبرة (50% تقريبا) ـ ستضاف اليها قوة معارضة الكتل الاخرى ـ وانما هم ايضا قوة نوعية، تضم «المجلس الاعلى للثورة الاسلامية»، الاكثر نفوذا بين الاحزاب الشيعية التي عارضت نظام صدام حسين، وحزب الفضيلة الصاعد والقسم الاكبر من كتلة المستقلين، فيما اعتمد فوزه على القوة التصويتية لاتباع مقتدى الصدر، وهي قوة غير مضمونة على الدوام، بل هي رجحته لغاية اخرى.اكثر من هذا ان الجعفري كان يعلم علم اليقين ان الانشقاق الكبير داخل «البيت الشيعي»، الذي احدثه اصراره على ترشيح نفسه سيسعّر الصراع الناشب بين آل الحكيم وآل الصدر على السلطة والنفوذ داخل الطائفة الشيعية في العراق.

على مرّ القرون كان الصراع على زعامة الشيعة في العراق قائما وله امتدادات الى ايران والخليج وجنوب لبنان. وفي القرن الماضي بعدما تمتع الشيعة والمؤسسات الدينية بقدر كبير من الحرية، اثر قيام الدولة العراقية الحديثة (المملكة الهاشمية) ـ بالمقارنة بالقمع والعسف الذي عانوا منه منذ عهد الامويين حتى انهيار الدولة العثمانية ـ انفتحت آفاق ارحب امام هذا الصراع في ظل اتساع حجم الموارد المالية للعتبات الشيعية المقدسة وللعائلات التي تديرها وللحوزات الدينية في النجف وكربلاء والكاظمية. وفي كثير من الاحيان انطوى هذا الصراع على إراقة الدماء والغدر والتآمر والخيانة.

ظلت الاحزاب والمؤسسات والهيئات الشيعية تنتظر انهيار نظام صدام لتنطلق في سباق محموم نحو تكريس ما كان كل منها يحلم به، وهو زعامة الطائفة بكل ما تعنيه من فرض السلطة السياسية والنفوذ المالي والاجتماعي. وعشية الانهيار، كانت ساحة هذه الزعامة في النجف خالية.. آل الحكيم وآل الخوئي في الخارج، وآل الصدر من دون شخصية كارزمية. وفي لحظة سقوط الصنم في ساحة الفردوس ببغداد اندفع آل الصدر الى شوارع النجف ليمسكوا بصولجان الزعامة قبل عودة آل الحكيم من ايران، وفي طريق اندفاعهم اكتشفوا ان عبد المجيد الخوئي قد عاد منذ ايام الى المدينة من لندن، فنُحر بالقامات وسُحل في الحال داخل الحضرة الحيدرية وفي شوارع مدينته الاثيرة، مع ان عبد المجيد ـ وهذا ما كنت شخصيا أعرفه عنه ويعرفه كل معارفه ـ لم يكن يرغب في أي دور سياسي او حتى ديني، وقد اعرض عن كثير من العروض «المغرية» وكان اكثر ما يحلم به ـ قبل ان يجد نفسه مضطرا لخلافة شقيقه المغدور في عهد صدام، محمد تقي، في ادارة مؤسسة الخوئي، ان يصبح رجل اعمال.

لم يزل الجعفري يبدو حزين الوجه، مثلما كان يوم فوزه في الترشيح، لانه يدرك اكثر من غيره انه صار قطعة صغيرة في لعبة كبيرة تتجاوزه وتتجاوز المنصب الطامع فيه.. انها لعبة الصراع على الزعامة الشيعية، التي لن ينعقد لواؤها عليه، وانما إما على آل الحكيم أو على آل الصدر. وهذا سرّ الحكاية.. حكاية الازمة السياسية الراهنة في العراق.