فاطمي
04-05-2006, 11:17 AM
رشيد الخيون - الشرق الاوسط
هتاف «ماكو ولي إلا علي ونْريد قائد جعفري»، شأنه شأن الهتافات الدينية والمذهبية التحريضية الأخرى، مغر للعامة. يُدس في الأفواه، سماً مدافاً «في عسل الكلام» من دون اكتراث لأذى الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. كان المفروض، حرصاً على وحدة البلاد ودماء العباد، أن يبادر رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري نفسه ويقول، بغض النظر عن إيمانه بحقه بالقيادة، ما قاله الإمام علي بن أبي طالب رداً على هتاف «لا حكم إلا لله»: «كلمة حق يُراد بها باطل». وليس هناك باطل أشد خطورةً من بث الكراهية والتحاسد عبر الشعارات. وكما نرى ونسمع أن الحرب الأهلية تقف قاب قوسين أو أدنى، ويظل الأمل بعقلاء العراق، والجعفري أحدهم.
أقول: هل هناك عراقي؛ عربي وكردي شيعيان، عربي سُنَّي، كردي سُنَّي، مسيحي، صابئي مندائي، أزيدي، كاكائي، يهودي، تستفزه ولاية علي بن أبي طالب، مع اختلاف التفسيرات! أليس الهتاف بحب أبي الحسن، في هذه اللحظات الحرجة، هو الحق المراد به الباطل، وضرباً من فن تحريك العامة خلافاً لمصلحتها؟ وفي مقدمتهم الشيعة. رُدد هذا الشعار من قبل، وأريد به التنبيه ضد الظلم والقسوة، لكن ما المصلحة من طرحه اليوم غير الفتنة!
كان يصاحب هتاف الولاية من قَبل هتاف آخر يكرس العزلة المذهبية أيضاً «سيد محسن قائدنا والنجف عاصمتنا»، الإشارة إلى آية الله السيد محسن الحكيم (ت1970)، فتلقفه العوام دون تفكير ودراية بموقف الحكيم نفسه من تبوأ الولاية السياسية. وكان لا يقرها. وبموقف النجف ككل من تحولها إلى عاصمة سياسية، وبغداد على مرمى عصا منها. وهل ترى المرجع الأعلى، الذي تراجعه الرئاسات ولا يراجعها، سيقبل مثل هذا الترشيح، ويستبدل موقعه برئاسة جمهورية! وإذا قصدوا قيادة شؤون المذهب فمَنْ كان يدافعه عليها آنذاك؟ هتافات ليست من صناعة وفنون العقلاء.
يحمل توظيف المقدسات من أجل غرض عابر، وفي ظرف لا يقل خطورةً من حرب صفين، مقاصد مؤذية، وقد لا يتردد قاطفو ثمارها من مزاحمة مَنْ يُهتف باسمه اليوم إذا ما زاحمهم في الأمر غداً. إن ما يفصل بين ولاية الإمام علي وولاية إبراهيم الجعفري زهد الإمام بالدنيا كلها وليس برئاسة وزارة؟ قال: «دنياكم هذي أزهد عندي من عفطة عنزٍ» (نهج البلاغة). ولكم المقارنة بين تفاهة عفطة العنز، وبين الدنيا! بطبيعة الحال، لا يطلب من أهل هذا الزمان أن يماثلوا علياً في الزهد، فهذه «قسمة ضيزى»، إنما ألا يوظفوا اسمه والدعوة إليه شعاراً لأغراض لا تليق بالمقدسات.
كان النجفيون، في يوم من الأيام، حسب ما ذكره لي أحد أبناء المرجعيات الكبرى، يدعون ربهم أن يكون محافظ نجفهم سُنَّياً لا شيعياً. لأن الأول لا يخشى من معاونتهم واحترام مرجعية المذهب، بينما الثاني يتقرب بظلمهم والتجاوز على المرجعية. سبق الطبيب إبراهيم إلى وزارة العراق جعافرة كبار، البلاد والناس لديهم أولاً: محمد الصدر، صالح جبر، فاضل الجمالي، عبد الوهاب مرجان. وقبلهم بكثير كان الإمام الرضا ولياً للعهد، وآل الفرات وزراء، والبويهيون سلاطين، وألجايتو (خدابنده) سلطاناً، وشاهات صفويون وقاجاريون حكاماً، فهل تحققت ولاية علي، وحصلت التسوية بين الناس، وكُفت المظالم؟ والجواب معروف: لا! الحل يا سادة ليس في القائد الجعفري أو الحنفي أو الشافعي، إنما يكمن في سياسة الدولة، وتقييدها بدستور يحرم التمايز الطائفي، وهذا ما حصلت عليه طوائف العراق ومكوناته حالياً، فعلام الاستفزاز بهتاف «ماكو ولي إلا علي ونْريد قائد جعفري»! التمييز العنصري المقيت بأمريكا منعه قانون، والتمييز بجنوب أفريقيا حرمه قانون، والأمثلة لا تُعد ولا تُحصى.
وحتى لا نبتعد عن الحق، ليس كل مَنْ انتقد، وربما جرح، إبراهيم الجعفري كان محقاً، وليس كل مَنْ امتدحه، ويراه حلاً للمعضلات كان محقاً أيضاً. حاول الرجل أن يفعل شيئاً، لكن تركة «جمهورية الخوف»، وما تأسس بعدها، أثقل من حلوله، وأمانيه ومن فنونه في سياسة وتدبير الحكم. لأن السلطة بعراق اليوم تحتاج إلى دراية فوق العادة، عجز عن إظهارها الجعفري. وربما شعر هو بمحنة السلطة العاجزة، وحرجها أمام كوارث القتلى بلا رؤوس، إلا أن تشبثه برئاسة الوزارة من صنيع الحاشية التي ربطت وجودها بوجوده.
تغلب الحاشية، التي يسميها ابن خلدون بمنتزعة الثمرات، على رئيس السلطة إذا كان مستجيباً للحزبية الضيقة، توجهه بما يتوافق مع إدامة نعمتها، وهو لا يسمع لمشورة غيرها، وخصوصاً وهو مجاورها ليل نهار في الخضراء. والطامة الكبرى، أن بين الحاشية مَنْ ليس من أهل الاختصاص ولا المعرفة. قال أحد الحريصين: هل عُدمت شيعة العراق من أهل الخبرة والتجربة، إذا افترضنا أن الطائفية هي سيدة الموقف، حتى يُكلف من ليس لديه التأهيل ولا تاريخ له بالوظائف الكبرى. ومعلوم أن مثل تلك التعيينات، التي تشترط بها الحزبية والمحاباة الشخصية لا الكفاءة، أعجب عجائب تدبير السلطة.
ولولا ما يسكبه منتزعو الثمرات هؤلاء من خبائث في الطاحونة الطائفية، وما يغذيها من هتاف وسفك دماء، لكان الخلاف على رئاسة الوزارة من مواسم الربيع، فبعد حل عُقدة اللسان، أخذ العراقيون يقترحون حكومات على مقاسات خيالاتهم: مواطنة تريد رئيس وزراء يجمع بين الجعفرية وبين الكردية، وليس لهذا غير الكردي الفيلي، وهو من أمة مطاردة على الدوام. ويرى مواطن مسلم تسليم رئاسة الوزراء لمسيحي عراقي، لأنه سهل الخلع، لا يدعمه ائتلاف ولا جيش المهدي ولا تحالف وتوافق. والرأي كما يبدو جاء مقتبساً من نظريات المعتزلة والخوارج في الإمامة! أن يؤم الناس مَنْ لا عشيرة له. وآخر يرى تسليمها لبرهم صالح كردي لا دولة معه، «ولاؤه لرب العالمين فقط». ويختم الحوار، الذي نقله موقع «العربية نت» عراقي بسأم وملل: «والله دخنا»!
لقد تأخر الجعفري، ولم يقلها لرافضيه «دنياكم هذي..». فإن تنحى الآن يحسب مرفوضاً، وإن تمسك بها فألسن العراقيين ستطوله: «أعمى ولزق بشباك الكاظم» (يُقال للذي يلح بطلب المراد من مرقد موسى الكاظم). أرجو ألا تغر الطبيب الجعفري المسيرات والاستعراضات، وقول بعضهم «القوي الأمين»، فقد هُتف بها لغيره من قبل، والمسيرات يراها تحمل صور عراة من الكياسة! وهو يعلم: ما العراق «في العجائب مستزيد».
هتاف «ماكو ولي إلا علي ونْريد قائد جعفري»، شأنه شأن الهتافات الدينية والمذهبية التحريضية الأخرى، مغر للعامة. يُدس في الأفواه، سماً مدافاً «في عسل الكلام» من دون اكتراث لأذى الفرقة بين أبناء الوطن الواحد. كان المفروض، حرصاً على وحدة البلاد ودماء العباد، أن يبادر رئيس الوزراء إبراهيم الجعفري نفسه ويقول، بغض النظر عن إيمانه بحقه بالقيادة، ما قاله الإمام علي بن أبي طالب رداً على هتاف «لا حكم إلا لله»: «كلمة حق يُراد بها باطل». وليس هناك باطل أشد خطورةً من بث الكراهية والتحاسد عبر الشعارات. وكما نرى ونسمع أن الحرب الأهلية تقف قاب قوسين أو أدنى، ويظل الأمل بعقلاء العراق، والجعفري أحدهم.
أقول: هل هناك عراقي؛ عربي وكردي شيعيان، عربي سُنَّي، كردي سُنَّي، مسيحي، صابئي مندائي، أزيدي، كاكائي، يهودي، تستفزه ولاية علي بن أبي طالب، مع اختلاف التفسيرات! أليس الهتاف بحب أبي الحسن، في هذه اللحظات الحرجة، هو الحق المراد به الباطل، وضرباً من فن تحريك العامة خلافاً لمصلحتها؟ وفي مقدمتهم الشيعة. رُدد هذا الشعار من قبل، وأريد به التنبيه ضد الظلم والقسوة، لكن ما المصلحة من طرحه اليوم غير الفتنة!
كان يصاحب هتاف الولاية من قَبل هتاف آخر يكرس العزلة المذهبية أيضاً «سيد محسن قائدنا والنجف عاصمتنا»، الإشارة إلى آية الله السيد محسن الحكيم (ت1970)، فتلقفه العوام دون تفكير ودراية بموقف الحكيم نفسه من تبوأ الولاية السياسية. وكان لا يقرها. وبموقف النجف ككل من تحولها إلى عاصمة سياسية، وبغداد على مرمى عصا منها. وهل ترى المرجع الأعلى، الذي تراجعه الرئاسات ولا يراجعها، سيقبل مثل هذا الترشيح، ويستبدل موقعه برئاسة جمهورية! وإذا قصدوا قيادة شؤون المذهب فمَنْ كان يدافعه عليها آنذاك؟ هتافات ليست من صناعة وفنون العقلاء.
يحمل توظيف المقدسات من أجل غرض عابر، وفي ظرف لا يقل خطورةً من حرب صفين، مقاصد مؤذية، وقد لا يتردد قاطفو ثمارها من مزاحمة مَنْ يُهتف باسمه اليوم إذا ما زاحمهم في الأمر غداً. إن ما يفصل بين ولاية الإمام علي وولاية إبراهيم الجعفري زهد الإمام بالدنيا كلها وليس برئاسة وزارة؟ قال: «دنياكم هذي أزهد عندي من عفطة عنزٍ» (نهج البلاغة). ولكم المقارنة بين تفاهة عفطة العنز، وبين الدنيا! بطبيعة الحال، لا يطلب من أهل هذا الزمان أن يماثلوا علياً في الزهد، فهذه «قسمة ضيزى»، إنما ألا يوظفوا اسمه والدعوة إليه شعاراً لأغراض لا تليق بالمقدسات.
كان النجفيون، في يوم من الأيام، حسب ما ذكره لي أحد أبناء المرجعيات الكبرى، يدعون ربهم أن يكون محافظ نجفهم سُنَّياً لا شيعياً. لأن الأول لا يخشى من معاونتهم واحترام مرجعية المذهب، بينما الثاني يتقرب بظلمهم والتجاوز على المرجعية. سبق الطبيب إبراهيم إلى وزارة العراق جعافرة كبار، البلاد والناس لديهم أولاً: محمد الصدر، صالح جبر، فاضل الجمالي، عبد الوهاب مرجان. وقبلهم بكثير كان الإمام الرضا ولياً للعهد، وآل الفرات وزراء، والبويهيون سلاطين، وألجايتو (خدابنده) سلطاناً، وشاهات صفويون وقاجاريون حكاماً، فهل تحققت ولاية علي، وحصلت التسوية بين الناس، وكُفت المظالم؟ والجواب معروف: لا! الحل يا سادة ليس في القائد الجعفري أو الحنفي أو الشافعي، إنما يكمن في سياسة الدولة، وتقييدها بدستور يحرم التمايز الطائفي، وهذا ما حصلت عليه طوائف العراق ومكوناته حالياً، فعلام الاستفزاز بهتاف «ماكو ولي إلا علي ونْريد قائد جعفري»! التمييز العنصري المقيت بأمريكا منعه قانون، والتمييز بجنوب أفريقيا حرمه قانون، والأمثلة لا تُعد ولا تُحصى.
وحتى لا نبتعد عن الحق، ليس كل مَنْ انتقد، وربما جرح، إبراهيم الجعفري كان محقاً، وليس كل مَنْ امتدحه، ويراه حلاً للمعضلات كان محقاً أيضاً. حاول الرجل أن يفعل شيئاً، لكن تركة «جمهورية الخوف»، وما تأسس بعدها، أثقل من حلوله، وأمانيه ومن فنونه في سياسة وتدبير الحكم. لأن السلطة بعراق اليوم تحتاج إلى دراية فوق العادة، عجز عن إظهارها الجعفري. وربما شعر هو بمحنة السلطة العاجزة، وحرجها أمام كوارث القتلى بلا رؤوس، إلا أن تشبثه برئاسة الوزارة من صنيع الحاشية التي ربطت وجودها بوجوده.
تغلب الحاشية، التي يسميها ابن خلدون بمنتزعة الثمرات، على رئيس السلطة إذا كان مستجيباً للحزبية الضيقة، توجهه بما يتوافق مع إدامة نعمتها، وهو لا يسمع لمشورة غيرها، وخصوصاً وهو مجاورها ليل نهار في الخضراء. والطامة الكبرى، أن بين الحاشية مَنْ ليس من أهل الاختصاص ولا المعرفة. قال أحد الحريصين: هل عُدمت شيعة العراق من أهل الخبرة والتجربة، إذا افترضنا أن الطائفية هي سيدة الموقف، حتى يُكلف من ليس لديه التأهيل ولا تاريخ له بالوظائف الكبرى. ومعلوم أن مثل تلك التعيينات، التي تشترط بها الحزبية والمحاباة الشخصية لا الكفاءة، أعجب عجائب تدبير السلطة.
ولولا ما يسكبه منتزعو الثمرات هؤلاء من خبائث في الطاحونة الطائفية، وما يغذيها من هتاف وسفك دماء، لكان الخلاف على رئاسة الوزارة من مواسم الربيع، فبعد حل عُقدة اللسان، أخذ العراقيون يقترحون حكومات على مقاسات خيالاتهم: مواطنة تريد رئيس وزراء يجمع بين الجعفرية وبين الكردية، وليس لهذا غير الكردي الفيلي، وهو من أمة مطاردة على الدوام. ويرى مواطن مسلم تسليم رئاسة الوزراء لمسيحي عراقي، لأنه سهل الخلع، لا يدعمه ائتلاف ولا جيش المهدي ولا تحالف وتوافق. والرأي كما يبدو جاء مقتبساً من نظريات المعتزلة والخوارج في الإمامة! أن يؤم الناس مَنْ لا عشيرة له. وآخر يرى تسليمها لبرهم صالح كردي لا دولة معه، «ولاؤه لرب العالمين فقط». ويختم الحوار، الذي نقله موقع «العربية نت» عراقي بسأم وملل: «والله دخنا»!
لقد تأخر الجعفري، ولم يقلها لرافضيه «دنياكم هذي..». فإن تنحى الآن يحسب مرفوضاً، وإن تمسك بها فألسن العراقيين ستطوله: «أعمى ولزق بشباك الكاظم» (يُقال للذي يلح بطلب المراد من مرقد موسى الكاظم). أرجو ألا تغر الطبيب الجعفري المسيرات والاستعراضات، وقول بعضهم «القوي الأمين»، فقد هُتف بها لغيره من قبل، والمسيرات يراها تحمل صور عراة من الكياسة! وهو يعلم: ما العراق «في العجائب مستزيد».