مشاهدة النسخة كاملة : رحيل الأديب والكاتب السوري محمد الماغوطعن 72 عاما
سجن مع أدونيس وتجرع "كاسك يا وطن" مع دريد لحام
دبي- حيان نيوف
توفي في دمشق الاثنين 3-4-2006 الكاتب والأديب السوري البارز محمد الماغوط في إحدى مشافي العاصمة عن عمر ناهز 72 عاما بعض صراع طويل مع مرض السرطان.
ويعتبر الماغوط أحد أبرز الأدباء والشعراء الحداثيين في العالم العربي، فضلا عن ريادته في الكتابة والـتأليف المسرحي. وأدى الفنان دريد لحام في الثمانينات عدداً من مسرحياته، منها "غربة"، "كاسك يا وطن" و"شقائق النعمان".
دخل محمد الماغوط المعتقل مرات عديدة أبرزها عام 1955 عندما دخل سجن المزة العسكري والتقى هناك بالشاعر أدونيس، واشتهر يومها بكتابة قصائده على لفائف السجائر قبل أن يخرجها معه من السجن في ألبسته الداخلية.
ومنح الماغوط مؤخرا جائزة العويس للشعر وعندما حضر توزيع الجوائز كان على كرسي متحرك. وقال يومها: "من قبل قلت: آه لو يتم تبادل الأوطان كالراقصات في الملهى، والآن أقول: لو يتم تبادل الأسرى مع أوطانهم في كل حرب، لأنني منذ الطفولة وحتى الآن، كلما تحركت ستارة سترت أوراقي بيدي كبغيّ ساعة المداهمة".
وكانت اللجنة منحت جائزة الشعر للماغوط، لأنه "أسهم في الحداثة الشعرية العربية وفي تطوير قصيدة النثر، وكان من روّادها الكبار".
وكان الماغوط متزوجا من الشاعرة السورية الراحلة سنية صالح وله منها ابنتان سُلافة وشام، وتوفيت سنية عام وتوفيت عام 1985. وقد كتب الماغوط على شاهدة قبر زوجته: "هنا ترقد الشاعرة سنية صالح آخر طفلة في العالم".
ويتحدث الماغوط في كتاب (اغتصاب كان وأخواتها) عن حياته الشخصية. يبدأ من سلمية حيث ولد عام 1934 حين كانت هذه (قرية نائية وباسلة لا مدينة، ورجالها لا يتورعون عن ضرب أشجارهم بالسَّوط، لأنها لم تثمر في الوقت المحدد). وعنها يقول: (أعتقد أن ماركس كان ينبغي أن يولد في السلمية وليس في ألمانيا، ليخترع نظريته في الصراع الطبقي).
ويغادر الماغوط قرتيه نهائياً عام 1955 إلى واحد من أبرز عناوينه في دمشق، سجن المزة، أو (متحف الرعب) كما يسميه الكتاب. وفي السجن سيتعرف إلى أدونيس في زنزانة مجاورة، الذي سيقدمه في ما بعد شاعراً في إحدى جلسات مجلة (شعر) بقصيدة (القتل) التي كتبها في السجن على ورق التبغ على أنها مذكرات شخصية لسجين.
زوربا
04-04-2006, 03:58 PM
سيرة صاحب «كاسك يا وطن» و«الفرح ليس مهنتي»
يعتبر الماغوط الذي ولد عام 1934 في مدينة سلمية التابعة لمحافظة حماه وسط سورية، أحد أهم رواد قصيدة النثر في الوطن العربي. وقد تلقى تعليمه في «سلمية» و«حماة»، وعمل في الصحافة رئيساً لتحرير مجلة «الشرطة»، ومن مؤلفاته الشهيرة: حزن في ضوء القمر ـ شعر 1959. وغرفة بملايين الجدران ـ شعر 1964، وضيعة تشرين ـ مسرحية 1973، ومسرحية العصفور الأحدب 1976. والفرح ليس مهنتي 1970 التي التصقت به أكثر من أي عمل آخر هي وضيعة تشرين، والأعمال الكاملة 1973، ومسرحية المهرج 1974، ومسرحية شقائق النعمان، ومسرحية المارسيليز العربي 1975، ومسرحية غربة 1976، ومسرحية كاسك يا وطن 1979، رواية الأرجوحة 1992، ومسرحية خارج السرب 1999 ـ حكايا الليل ـ مسلسل تلفزيوني (من إنتاج التلفزيون السوري) وين الغلط ـ مسلسل تلفزيوني (إنتاج التلفزيون السوري)، وادي المسك ـ مسلسل تلفزيوني حكايا الليل مسلسل تلفزيوني، الحدود فيلم سينمائي (إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة دريد لحام)، التقرير ـ فيلم سينمائي (إنتاج المؤسسة العامة للسينما السورية، بطولة الفنان دريد لحام) سأخون وطني ـ مجموعة مقالات (1987 ـ أعادت طباعتها دار المدى بدمشق 2001 )، سياف الزهور ـ نصوص (دار المدى بدمشق 2001). وقد تُرجمت دواوينه ومختارات له، ونُشرت في عواصم عالمية عديدة، إضافة إلى دراسات نقدية وأطروحات جامعية حول شعره ومسرحه. صدرت له في عام 2006 نصوص شعرية «البدوي الأحمر»، عن دار المدى دمشق. والراحل كان متزوجا من الشاعرة الراحلة سنية صالح، ولهما بنتان (شام) وتعمل طبيبة، و(سلافة) متخرجة من كلية الفنون الجميلة بدمشق.
والأديب الكبير الماغوط واحد من الكبار الذين ساهموا في تحديد هوية وطبيعة وتوجه صحيفة «تشرين» السورية في نشأتها وصدورها وتطورها، حين تناوب مع الكاتب القاص زكريا تامر على كتابة زاوية يومية، تعادل في مواقفها صحيفة كاملة في عام 1975 وما بعد، وكذلك الحال حين انتقل ليكتب «أليس في بلاد العجائب» في مجلة «المستقبل» الأسبوعية، وكانت بشهادة المرحوم نبيل خوري (رئيس التحرير) جواز مرور، ممهوراً بكل البيانات الصادقة والأختام الى القارئ العربي، ولاسيما السوري، لما كان لها من دور كبير في انتشار «المستقبل» على نحو بارز وشائع في سورية.
زوربا
04-04-2006, 04:00 PM
http://www.aawsat.com/2006/04/04/images/news.356459.jpg
عاش الماغوط حزيناً.. وعندما زاره الفرح رحل
قالت زوجته إن ذروة المأساة هي في إصراره على تغيير الواقع وحيدا
بيروت: سوسن الأبطح
رحل الشاعر المتمرد محمد الماغوط، يوم أمس، في غفلة من محبيه بجلطة دماغية. فقد كان الكهل الذي شوهد، الشهر الماضي، يتسلم جائزة سلطان العويس في الإمارات، وهو يتحامل على كرسي متحرك، أكثر فرحاً وتفاؤلاً من أي وقت مضى. لقد جعلته هذه الجائزة ينقلب على عنوان ديوانه الشهير «الفرح ليس مهنتي»، ويعلن ولو لمرة واحدة عن رضى لم يكن معتاداً ولا منتظراً منه: «لقد أدخلت الجائزة السعادة في قلبي.. وهي دليل قاطع على أن أناساً ما زالوا يهتمون بالكلمة الحلوة». عن عمر 72 سنة، ودع الماغوط دمشقه، تاركاً خلفه دنيا العرب التي أكلت من أنامله قطعاً، ونالت من جسده وعقله ومشاعره، معتبراً أننا «جميعنا ضحايا الضجر الأميركي»، مؤكداً عكس الشائع عنه أنه جاد وعاقل وحكيم، نافياً أن يكون بوهيمياً عبثياً كما يشاع ويتداول. «الحياة بالنسبة لي ساخرة بقدر ما هي جادة.. وحتى كلمة «صدفة» في فيلم «الحدود» كانت جادة ومدروسة».
صدّق الماغوط أو لا تصدقه، فالرجل الشريد عبث بالكلمات والصور والأحلام كما لم يفعل غيره وركن الأوزان وسرح في قصيدته النثرية، مُدخِلاً عليها الأرصفة والأحذية والكلاب والقطط والحارات، وضخها بآلامه وانكساراته وفقره الذي جعل منه قضية كل الفقراء الذين تبناهم وتحول إلى ناطق شعري باسمهم.
قال ذات يوم «لكي تكون شاعراً عظيماً في أي بلد عربي يجب أن تكون صادقاً. ولكي تكون صادقاً يجب ان تكون حراً. ولكي تكون حراً يجب ان تعيش. ولكي تعيش يجب أن تخرس». لكنه بقي يتكلم ويكتب ويناور. لم يكتف بدواوينه التي ابتدأها بـ«حزن في ضوء القمر» عام 1959 ثم «غرفة بملايين الجدران» عام 1964 و«الفرح ليس مهنتي» الذي صدر عام 1970 لكنه انتهج كل طريقة توصله الى الناس. كان حريصاً على ان يقرأ ويشاهد ويسمع. كان يعنيه أن يقول ما يريد وان يرى الصدى قوياً، هكذا يعترف هو نفسه. لذلك حين توقف عن كتابة الشعر في سبعينات القرن الماضي كتب مسرحياته الشهيرة التي اشترك في كتابة بعضها مع دريد لحام. ومن منا لم يشاهد تلك المسرحيات والمسلسلات والأفلام؟ ومن منا لم يشاهد «التقرير» و«الحدود» و«وادي المسك» و«وين الغلط». كان يريد الماغوط أن يصبح جماهيرياً وألا يبقى مثقفاً منعزلاً رغم أن العزلة صارت قدره، وعاشها بمرارة لم تكن سهلة ولا لينة المذاق. مع وحدته وسيجارته والكأس التي لا تنزل من يده، قضى الماغوط، وهو مُتيقن هذه المرة، انه لم يمر في عالمنا سراباً باهتاً بل خلف وراءه دواوينه وكتبه وثورته وأحلامه وغضبه وكتابه الأخير الذي كان مغتبطاً به ومحتفياً بمقالاته التي جمعها بين دفتيه تحت عنوان: «البدوي الأحمر».
تعلم هذا السوري الريفي العِصامي في قريته السلمية، ودخل المدرسة الزراعية ولم يكمل تعليمه وانضم الى «الحزب السوري القومي الاجتماعي». سجن تكراراً في سورية كما في بيروت وعمل صحافياً ومحرراً في عدد من الصحف السورية والعربية. كان له نشاط إذاعي وتلفزيوني. وكان الشاعر أدونيس قد أطلقه في بيروت يوم عرّفهُ على جماعة مجلة «شعر». وعن طريقهم أصدر ديوانه الأول. كان يعرف منذ البدء أنَّ قلقه كبير ورغباته جامحة وقدراته محدودة، «ليس عندي سوى هذا الحزن المنتشر فوق رأسي كمخالب النسر.
أنا مجرد إنسان فقير ومحطم». ولذلك تشرح زوجته سنية صالح التي رحلت عنه عام 1985 «ذروة المأساة هي في إصراره على تغيير هذا الواقع وحيداً لا يملك من أسلحة التغيير إلا الشعر. فبقدر ما تكون الكلمة في الحلم طريقاً إلى الحرية نجدها في الواقع طريقاً الى السجن». وكانت تعرف سنية الشيء الكثير عن زوجها الخائف دائماً المرتعِد ابداً المُصِرّ باستمرار على ان يقف هلعاً في وجه العاصفة لذا ربما كتبت ذات يوم: «محمد الماغوط في وجه من الوجوه جزء من المستقبل، لذا كان لا بد من حمايته من غباء الحاضر». لم يمر الماغوط مرور الكرام ولم يذهب نحته في صخر الكلمات سدى، فقد حاول ان يبني لعالمنا الذي نعيش فيه عالماً بديلاً، وهو يشرح ما يضطرم في داخله من اضطرابات وعواصف، قائلاً في قصيدته «الغجري المعلب»: «بدون النظر إلى ساعة الحائط أو مفكرة الجيب، أعرف مواعيد صراخي. وأنا هائم في الطرقات أصافح هذا، وأودع ذاك.
أنظر خلسة الى الشرفات العالية، الى الأماكن التي ستبلغها أظافري وأسناني في الثورات المقبلة. فأنا لم أجع صدفة، ولم أتشرد ترفاً أو اعتباطاً. ما من سنبلة في التاريخ إلا وعليها قطرة من لعابي».
بيت الماغوط يستقبل معزيه.. وجيرانه يجهلون أنه مات
في وداعه للصوت الذي أحبه كثيرا.. عبد الباسط عبد الصمد
دمشق: ناظم مهنا وسعاد جروس
كان كل شيء يبدو هادئاً واعتيادياً في البناية، التي عاش فيها محمد الماغوط سنوات طويلة، بعد ظهر أمس، فبعضهم لم يسمع بموته أو حتى تجاهلوا معرفة أنه يسكن في نفس البناية (الطابق الثالث بحي المزرعة). إذ لا يوجد نعي، ولا شيء يدل على رحيل هذا الشاعر الكبير في اليوم التالي لرحيله، رغم أن خبر موته تصدر الصحف والأخبار الفضائية والصفحات الثقافية. في بيت الماغوط أيضاً، كان كل شيء هادئا، بعد ظهر أمس. ثمة في غرفة الاستقبال الصغيرة لوحات رسمها فنانون للشاعر الراحل ولزوجته الشاعرة سنية صالح، وصورة لجمال عبد الناصر، وبعض اللوحات التشكيلية، كان بعض أقرباء الشاعر وقلة من أصدقائه، بينهم شابة وصلت للتو من مدينة اللاذقية، يتحدثون عن الماغوط وعن شعره وعن آخر لقاءاتهم به. السيدة فاطمة نظامي، بدت حزينة، وهي تتحدث عن آخر حوارات دارت بينها وبينه، قالت إن الماغوط سَّر لها مرة:
عندما أقرأ شعري أستغرب كيف كتبته وأتعجب، ولكن لم يكن هذا طموحي فقط، كنت أرغب أن يكون لي جماعة شعرية.. وإنها قالت له: إنك أثرت بالكثيرين، وإن لك حضوراً في كل الأجيال. حين دخلوا عليه ظهر يوم الاثنين الماضي، كان ممدداً على الكنبة يمسك سماعة الهاتف بيد، وفي اليد الأخرى ترمدت السيجارة بين أصابعه، فيما شريط القرآن يدور في المسجلة.
الكاتبة كوليت بهنا، كاتبة سيناريو مسلسل «حكايا الليل والنهار»، قالت إنها في الفترة الأخيرة جلبت للماغوط، أربعة أشرطة كاسيت للقرآن، كان قد طلبها، لكنه كان دائماً يفضل صوت عبد الباسط عبد الصمد. في الليلة الأخيرة قبيل وفاته، زارته فاطمة وأكدت أن وضعه الصحي لا يشي بأنه سيغادر عاجلاً، فالمرة الماضية التي ذهب فيها الى المشفى، كان وضعه سيئا جداًَ، لكن هذه المرة كان أفضل بكثير، ومزاجه كان مرتاحاً، وقالت: «سألني عن سلمية (قريته)، وإذا ما كانت تمطر هناك، وسألني عن عمي شحود نظامي، وطلب مني إعادة نكتة رويتها له، وعنه. وفي الأيام الأخيرة كان يسأل عن رفاق الطفولة، الذين كتب عنهم في «البدوي الأحمر» كتابه الأخير، ضمن نص بعنوان «دفتر تفقد».
الأحاديث التي كان يتجاذبها أبو شام، كما تحب أن تناديه فاطمة، كانت عن الشعر والثقافة، وفي الأيام الأخيرة كان يكثر الحديث عن نوادر جماعة مجلة شعر، وعن آراء يوسف الخال وسعيد عقل وغيرهم كثر.. صباح اليوم تودع دمشق شاعراً أحبها ومن شدة حبه لها هجاها وشتمها كعاشق غاضب.
المهدى
04-12-2006, 11:28 PM
حنا مينه: البرد القارس أجبرنا على دخول الحزب القومي بدلا من البعث
آخر أيام الماغوط.. "علماني" يستمع للقرآن وعاشق لصوت فيروز
دبي- حيان نيوف
رغم "علمانيته" ورفضه الدائم الخوض في مواضيع دينية رحل الأديب السوري محمد الماغوط، وتلاوة القرآن كانت المفضلة لديه لأنها كانت تريحه نفسيا وتدخله أجواء تعينه على كتابة الشعر. كان يكتب الشعر ويتحدث إلى أصدقائه بحيوية لا توحي بقرب رحيله بهذه السرعة. يدخن سيجارته قبل وبعد كل قصيدة، رافضا نصائح الأطباء، معتقدا أن هذه السيجارة هي بمثابة الدواء القادر على علاج همومه الكبيرة بحجم بلاده و"انكساراته" الكثيرة على عدد المرات التي دخل فيها السجون وتشرد أو نام في الحدائق.
لم يكن يعرف محمد الماغوط، المتشرد في حدائق لبنان في الستينات، والمعتقل في سجون سوريا في الخمسينات، أن كتبه ستتحول إلى مخيم لاجئين أو مأوى للعجزة والباحثين عن الحرية أو حانوت متنقّل يعالج هموم السوريين بالكلمات الطبيعية، قبل أن يتوه مع صديقه حنا مينه وتجبرهما الأحوال الجوية على دخول الحزب القومي السوري بدلا من حزب البعث.
كانت تلك الساعات الأخيرة التي عاشها محمد الماغوط قبل أن يقطع تذكرة إلى عربة الموت التي نقلته من دمشق إلى مسقط رأسه السلمية شمال غرب سوريا، ربما للبحث عن مجد جديد في وطنه، كما يورد في آخر قصائده المنشورة: "كل يوم اكتشف في وطني مجداً جديداً، وعاراً جديداً، أخباراً ترفع الرأس وأخرى ترفع الضغط.. حلمي القديم وطن محتل أحرره أو ضائع أعثر عليه".
علماني يستمع للقرآن
"منذ سنوات وهو يمارس رياضة المشي ويذهب للمقهى، ولكن أخيرا كان يقضي معظم وقته جالسا على أريكته المفضلة، يكتب ويسمع الموسيقى أو يخرج للشرفة ويسمع موسيقى عربية مثل أغاني فيروز"، كما تحكي ابنته شام لـ"العربية.نت".
وتتابع "أغنية موسيقار الأجيال محمد عبد الوهاب ( من غير ليه) كانت من أحب الأغاني إلى قلبه وأنا عندما كنت أسمعها كنت أتذكره فورا، إلا أنه اعتاد في الآونة الأخيرة قبل رحيله على سماع تلاوة القرآن الكريم رغم أنه كان علمانيا ولا يتحدث في الدين أبدا".
وابنته شام، القادمة من غربتها لتودع والدها في غربته، تذكر أن والدها "لم يفضّل في حياته الحديث في قضايا دينية علما أنه تربّى في طفولته على القرآن الكريم لذلك كانت لغته قوية وكان يرى كلمات وتعابير القرآن جميلة جدا ولكن دون تغيير في تفكيره العلماني".
وأما طبيبه وابن اخته محمد بدّور، الذي لازمه خلال فترات مرضه، فيقول عن الماغوط: "كان لوحده في المنزل لحظة موته. كانت لديه مجموعة موسيقية كبيرة، ولكن في الفترة الأخيرة كان يسمع القرآن الكريم وتلاوة محمود خليل الحصري لأن تلاوة القرآن كانت تريحه وهذا الجو كان يوحي له بالشعر، والقرآن كان أهم مرجع لغوي له".
حنا مينه وذكرياته مع الماغوط
في تلك الفترة، كان الماغوط يهاتف صديق عمره الروائي حنا مينة بشكل دائم. ويتحدث حنا مينة عن صديقه الراحل لـ"العربية.نت": "كان صديقا عزيزا و بكيت عليه كثيرا.. أذكر أني عندما أردت ترشيحه لجائزة العويس رفض وقال أنا موجود إذا تذكروني أهلا وسهلا وإذا لم يتذكروني أيضا أهلا وسهلا، فتذكروه ونال الجائزة وعندما عاد اتصل وطلب مني أن أزوره وكان يقول لي اسمع آخر نكتة.. ولكن هذه المرة لم أذهب إليه حيا ولم أسمع آخر نكتة منه".
لم تكن الأيام الأخيرة من حياة الماغوط مختلفة عما قبلها، كان مقبلا على الحياة، ولم تبد عليه مظاهر تشير إلى أنه يحس أن موته قريب رغم معاناته الطويلة مع ارتفاع ضغط الدم و تصلب شرايين القلب، وكان يفرط في الكتابة ونادرا ما كان يقبل على القراءة – كما يروي لـ"العربية.نت" طبيبه محمد بدور.
في الأسبوع الأخير حاول محمد الماغوط أن يخرج إلى شرفة منزله ليتنشق الهواء القادم من شوارع دمشق، ربما المختلط بدخان السيارات، ولكنه أيضا يحمل أصوات وهموم الناس البسطاء التي لم تجد مكانا تأوي إليه ليلا سوى قصائد الماغوط، وكأن بهذه القصائد "الماغوطية" تحولت إلى مأوى للعجزة أو مخيم لاجئين. يجلس على الشرفة ويأخذه الشرود بعيدا عن عالمه. "كنت أحسبه شاردا ولكن في النهاية أكتشف أنه يفكر بفكرة جديدة لقصيدة جديدة"، تقول ابنته شام.
وآخر كتاب كان بين يدي الماغوط أعماله الأخيرة "البدوي الأحمر"، وقبل وفاته كان يكتب مجموعة من القصائد التي سترى النور قريبا في إحدى دور النشر السورية.
ورغم سخريته الدائمة من الواقع، كان الماغوط محبا مفرطا لدمشق وأطلق على ابنته الأولى "شام"، وكان يعتقد أن عكازه أكثر صلابة وقوة من الصواريخ الأمريكية، رافضا الكثير من العروض للكتابة من خارج البلاد.
تحدث الروائي السوري حنا مينه لـ"العربية.نت" عن صداقة العمر مع الراحل الماغوط وبدا الحزن واضحا في كلماته ممزوجا بسخرية من الحياة، قبل أن يصف الماغوط أنه "كان عبقريا من نوع غريب".
قال: "بكيت كثيرا.. صداقتنا بعيدة جدا، كنت في السلمية (مسقط رأس الماغوط شمال غرب سوريا) وكان الجو ماطرا وباردا وأردنا الدخول إلى مقر حزب البعث فكان مغلقا وعندما اتجهنا إلى مكان آخر كان بابه مفتوحا نتفاجأ أننا دخلنا إلى مقر الحزب القومي السوري فقال لي يا حنا أنت عشت السجن والغربة وأنا عرفت السجن والغربة وضحكنا".
ويرفض مينه بشدة ما يقال عن أبناء جيله مثل سعد الله ونوس والماغوط وأدونيس وغيرهم أنهم كانوا صامتين ولم يكن لهم موقفا واضحا من مسألة حرية الكتابة والإبداع في بلدهم، ويشير إلى أنه وقف ضد رئيس اتحاد الكتاب في سوريا على عقلة عرسان عندما اقدم على فصل أدونيس من الاتحاد وهذا ما فعله أيضا ونوس، مشيرا إلى أنه كان أحد مؤسسي هذا الاتحاد مع القاص والكاتب زكريا تامر.
وقال: "أذكر يومها أن استقالتي من اتحاد الكتاب نشرت في لبنان وللأسف لم تنشر في سوريا، وهذا الموقف كان دعما لحرية الفكر".
وتوفي الماغوط في دمشق الاثنين 3-4-2006 عن عمر ناهز 72 عاما بعد صراع طويل مع مرض السرطان. ويعتبر الماغوط أحد أبرز الأدباء والشعراء الحداثيين في العالم العربي، فضلا عن ريادته في الكتابة والـتأليف المسرحي.
وأدى الفنان دريد لحام في الثمانينات عدداً من مسرحياته، منها "غربة"، "كاسك يا وطن" و"شقائق النعمان". وكان الماغوط متزوجا من الشاعرة السورية الراحلة سنية صالح وله منها ابنتان سُلافة وشام، وتوفيت سنية عام 1985. وقد كتب الماغوط على شاهدة قبر زوجته: "هنا ترقد الشاعرة سنية صالح آخر طفلة في العالم".
Powered by vBulletin® Version 4.2.5 Copyright © 2024 vBulletin Solutions, Inc. All rights reserved, TranZ by Almuhajir