المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : المصريون لم يعودوا أبناء نكتة بعدما غاب الضحك عن حياتهم



yasmeen
04-03-2006, 02:15 PM
«المصريون أهل نكتة»، هكذا اشتهر أبناء مصر وعرفوا بخفة دمهم بين شعوب العالم، كما اشتهروا بقدرتهم على إطلاق النكات السياسية والاجتماعية حتى في أحلك المواقف صعوبة. وقديما شاع اعتقاد يؤكد احتفاء المصريين القدماء بالموت وإعراضهم عن الحياة استنادا إلى ما شيدوه من أهرامات ومقابر لتخليد ذكراهم من دون اهتمام بمفاتيح الفرح في حياتهم، وهي الفكرة التي نفاها كتاب «روح مصر القديمة» الذي كتبته المؤلفة «آنا رويز»، عضو جمعية دراسة الآثار المصرية في كندا، التي أكدت أن المصريين أحبوا الحياة والدليل على ذلك أثار الحضارة التي تركوها لنا في كافة المجالات، بدءا من الفلك والطب والهندسة مرورا بالزراعة وعلم الأديان، انتهاء بالتحنيط الذي ما زال يمثل حتى الآن لغزا من ألغاز العلم.

وعلى الرغم من كل هذا، إلا أن حال المصريين الآن تغير كثيرا، ولم تعد النكتة والضحكات قريبة منهم كما كانت في السابق، ليس هذا فقط، ولكنهم تحولوا إلى شعب يخاف الضحك ويتشاءم منه حتى أنه إذا ضحك أحدهم اختتم ضحكته بقوله «اللهم اجعله خير»، وكأن ختام الضحك أو نتيجته الطبيعية هي الحزن والألم أو توقع الشر والمصائب.

الدكتور خليل فاضل، استشاري الطب النفسي، يؤكد أن حالة المصريين المزاجية تأثرت في السنوات الأخيرة بالأوضاع الاقتصادية والسياسية التي تسود مصر، ارتفاع الأسعار وغلاء المعيشة وتراجع وعود الحكومة في الاقتصاد والسياسة، كلها عوامل جعلت المصريين يميلون إلى مشاعر الاكتئاب والحزن، أما عبارة «اللهم اجعله خير» التي اصطلح المصريون على قولها في ختام كل ضحكاتهم فهي سلوك قديم وليس بجديد، فطوال عمرنا كنا نشاهد ونسمع جداتنا في جلسات سمرهم يقولونها، وهي عبارة توارثها المصريون منذ سنوات تؤكد على خوفهم من الغد الذي يعملون له ألف حساب، لا خوفهم من الضحك والابتسام، والدليل أن المصري القديم كان يعمل باجتهاد وجد وإخلاص في حياته، ولكنه عندما يموت يأخذ معه كل ما يملك، وكل ما يؤهله لمواجهة الحياة الأخرى حتى الطعام والشراب على الرغم من عدم معرفته بشكل هذه الحياة.

يذكر أنه ومنذ عدة سنوات، أصدر أستاذ الطب النفسي، الدكتور أحمد عكاشة، بحثا أكد فيه أن 30% من المصريين يعانون الاكتئاب الذي يؤثر على حياتهم بفعل الضغوط اليومية التي يتعرضون لها، والزحام الذي يواجهونه في رواحهم ومجيئهم.

هذه الدراسة كانت مثار سخرية العديد من الكتاب ورسامي الكاريكاتير الذين استعملوها وركزوا عليها لإبراز أسباب اكتئاب المصريين.

الكاتب والروائي الدكتور علاء الأسواني يعلق على هذه الحالة بقوله: «المصريون شعب صبور، وشديد التحمل، وواجه العديد من الأزمات على مدار تاريخه بالضحك والسخرية، وعلى الرغم من أنه ما زال يحتفظ بضحكته إلا أنها تغيب وراء هموم الحياة التي باتت تثقل كاهله ولا تستطيع الوفاء بها، وعندما تنظر إلى القاهرة من أعلى تجدها كمسارات مكدسة بالبشر والمباني الخرسانية، فالبشر يتخبطون في سيرهم وينظر كل منهم للآخر نظرة تعبر عن اشمئزازه، وعدم تحمله حتى لاصطدام البشر، كل هذا يعبر عن حجم الضغط الذي يحياه المصريون وهو ما تجسده ثقافة الزحام التي يختفي فيها الضحك والابتسام وتحل محلها الكآبة والعصبية ورفض الأخر أيا كان».

ويؤكد على هذه النظرية الدكتور احمد المجدوب، أستاذ علم الاجتماع بالمركز القومي للبحوث، فيقول: لا أحد يستطيع أن يجزم أن ضحكة المصريين غابت عنهم، ولكنها ثقافة الزحام التي تفرض سلوكياتها علينا.

يذكر أن المصريين من أكثر الشعوب التي سخرت من نفسها من خلال النكات، سواء على الصعايدة أو أهالي بعض المحافظات مثل دمياط والمنوفية والبحيرة والإسكندرية، ولكن الآن نادرا ما نسمع نكتة جديدة لأن المصريين باتوا مشغولين بالبحث عن لقمة العيش وفرصة التعليم، وتدبير تكاليف زواج الأبناء، والبحث عن شقة جديدة وغيرها من الهموم.