سلسبيل
04-03-2006, 01:06 AM
المفاوضات الأميركية الإيرانية حول العراق... لماذا الآن?
إيران أجبرت الولايات المتحدة على التحاور معها كرقم صعب بعد سيطرتها على خيوط اللعبة العراقية
اعداد- خالد السرجاني
فتحت الولايات المتحدة حواراً مع ايران حول الملف العراقي, وهو أمر لم يكن متوقعاً بالنظر الى سياسة الولايات المتحدة الهادفة الى حصار النظام الايراني وعزله. وهي سياسة بدت بصورة جلية في تعاطي الولايات المتحدة مع الملف النووي الايراني الذي تم تحويله الى مجلس الامن بهدف السير في طريق فرض عقوبات اقتصادية على ايران قد تعقبها عملية عسكرية اميركية. فقد أصبح من السائد لدى التحليلات التي تتناول الملف النووي الايراني, خاصة مع تحويله الى مجلس الأمن القول بأن العد التنازلي لضربة عسكرية اميركية لايران قد بدأ بالفعل, وتنطلق هذه التحليلات من ان السيناريو الذي يدور حاليا هو نفس السيناريو الذي طبق مع العراق, خاصة أن بعض وسائل الاعلام الغربية, والاميركية خاصة سربت معلومات حول وجود خطط اميركية جاهزة لضرب ايران وانها تستهدف تغيير النظام. وقد تغير جدول اعمال المراقبين والمحللين وفقا لهذه المعطيات, ولكن هذه التحليلات السائدة يدور معظمها انطلاقاً من معطيات ايرانية او اميركية, وتستبعد أحد أهم المعطيات التي تلعب دورا في السياسة الاميركية الخاصة بإيران وهي العراق.
فالولايات المتحدة تأكدت حالياً من ايران حققت مكاسب من العملية العسكرية الاميركية ضد العراق تفوق بكثير ما حققته الولايات المتحدة ذاتها, وتعمل الاخيرة حاليا على تقليص هذه المكاسب الايرانية, سواء التي تحققت من جراء سقوط نظام سني عروبي معاد لها, أم التي تحققت من جراء سيطرة الشيعة على العملية السياسية في العراق, وهو ما دفع بعض الاميركيين الى القول بان النفوذ السياسي الايراني قد امتد في المنطقة المحيطة بها وفقا لهاتين النتيجتين, وهذا الامر يعني في داخله ان الولايات المتحدة لم تنتصر بصورة كاملة في حرب العراق بما يغريها بشن حرب اخرى جديدة في المنطقة, وان عليها ان تطبق سياسات تنزع عن ايران مكاسبها التي حققتها بعد سقوط نظام صدام حسين.
والحاصل أن هناك معطيات متعددة تشير الى أن إيران كانت هي الطرف الاكثر استفادة من العملية العسكرية الاميركية ضد العراق. وهي تضع في اعتبارها حاليا انها اصبحت تمسك بخيوط متعددة في الساحة العراقية الامر الذي يجعل الولايات المتحدة تفكر اكثر من مرة قبل الاقدام على عمل قد يخلط الاوراق في العراق الامر الذي يربك الادارة الاميركية الحالية ويسحب منها واحدا من الاعمدة التي قامت عليها سياستها الخارجية منذ ان جاءت الى السلطة.
ومعظم المهتمين بالوضع العراقي سواء من العرب أم الغربيين أو الأميركيين يدركون ان إحدى النتائج الاساسية التي تتحقق من جراء عملية عسكرية ضد ايران هو انقلاب شيعة العراق على الولايات المتحدة, خاصة ان القطاع الاكبر من شيعة العراق حتى الان مازالوا غير معادين للولايات المتحدة وبالتالي فان عملية عسكرية اميركية ضد ايران يمكن ان تتطور لتصبح مواجهة بين شيعة الشرق الاوسط والولايات المتحدة وهو الامر الذي قد يشعل منطقة الشرق الاوسط, ويقلل من مكاسب الولايات المتحدة في العراق بما يزيد من مصاعب الادارة في هذا الشأن.
واذا كانت هناك قيود تحد من قرار الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران, فان هناك محددات اخرى داخلية اميركية في مقدمتها ان الخريف المقبل سوف يشهد انتخابات التجديد للكونغرس الاميركي, وفى ظل تراجع التاييد الشعبى لما حدث في العراق فلا يمكن الاعتقاد بان اعضاء الكونغرس الحاليين يمكن ان يعطوا الادارة تفويضا جديدا بتوجيه ضربة عسكرية جديدة وليس من السهل على نفس الادارة تأمين تحالف دولي لتوجيه ضربة جديدة ضد ايران. وفي نفس الوقت فان المجتمع الاميركي لايتحمل ارتفاعا جديدا في اسعار النفط وهو الامر المتوقع حدوثه في حال نشوب حرب جديدة في منطقة الشرق الاوسط فما بالك لو كانت ضد ايران وهي واحدة من المنتجين الرئيسيين له في المنطقة والعالم?
واذا كانت المسألة كذلك فما هي اسباب التصعيد الاميركي ضد ايران?
الاجابة تكمن ايضا في تطورات المسألة العراقية, فحتى الآن وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوت على العملية العسكرية الاميركية هناك, واننا اصبحنا على بعد اسابيع من الذكرى الثالثة لاعلان الرئيس الاميركي عن انتهاء العمليات هناك, مازالت الولايات المتحدة غير قادرة على احكام سيطرتها الامنية هناك وغير قادرة على تحقيق استقرار حقيقي في نفس الوقت, وغير قادرة على ضبط الحدود التي اصبحت موضعا لتسلل اعضاء في تنظيم ابي مصعب الزرقاوي, وهناك قراءات اميركية تعتقد ان هذه الاهداف غير ممكنة بدون الدعم الايراني, ولايمكن للادارة الحالية لاسباب متعددة ان تطلب هذا الدعم, وهي تعرف ان طلب هذا الدعم يعني الاعتراف بان ايران اصبحت هي الرقم الصعب في جميع معادلات الشرق الاوسط, وهي رمزيا لاتستطيع الاعتراف بذلك, ومن هذا المنطلق فقط يمكن القول انها استدعت الملف النووي الايراني من على الارفف من اجل اجبارها على التهدئة والوصول معها الى مساومات عبر وسطاء كلها تدور حول الملف العراقي, وهي تعتقد انها بذلك سوف تجبرها على التهدئة بما يقلل الى حد كبير من مكاسبها التي حققتها بالفعل في العراق.
ولكن هذا السلاح ذو حدين لانه قد يدفع ايران بالفعل الى المزيد من الانخراط في الشأن العراقي كوسيلة لتحجيم الاندفاع الاميركي وكنوع من أنواع الدفاع في مواجهة الهجوم الاميركي, ومن يراقب الاداء الايراني في الاشهر الماضية سيكتشف انها اعادت مراجعة سياستها في العراق واستعادت مواقع لم يكن احد يتوقع لها ان تستعيدها, فهي من جهة وثقت علاقاتها بأطراف سنية واخرى شيعية لكنها مدت علاقات قوية مع تيار مقتدى الصدر الذي يعد الاكثر وجودا وتمردا في الشارع الشيعي, وهذا الامر قد يكون محاولة من ايران لان تستعد لهجوم اميركي قد تلجأ فيه الى اشعال العراق في مواجهة القوات الاميركية المتواجدة هناك, وهذا الخيار الايراني يعني ان السحر العراقي قد ينقلب على الساحر الاميركي, وتدخل المنطقة في دوامة جديدة من عدم الاستقرار والعنف بسبب سوء التقديرات الاميركية وعدم استعداداها لرد الفعل المتوقع.
ويمكن القول انطلاقا من هذه المعطيات أن ايران وهي تصعد بشأن ملفها النووي كانت تدرك أمرين, الاول ان الولايات المتحدة وعلى الرغم من حدة خطابها بشأن هذا الملف, فهي لن تقدم على عملية عسكرية ضدها. والثاني انها تدرك انها في الموقف الاقوى حاليا وهي تستطيع ان تجبر الولايات المتحدة على فتح حوار معها يتناول كافة الملفات وفي ومقدمتها الملف العراقي وملفها النووي. وهي نجحت بالفعل في هذا الامر حيث اجبرت الولايات المتحدة على فتح الحوار بشأن العراق وبالطبع فإن الملف النووي سيكون حاضرا في هذا الحوار. والسؤال الذي يجب ان يكون حاضرا الآن هو كيف تستطيع ايران ان تساعد الولايات المتحدة بشأن الملف العراقي. والاجابة تتطلب الاشارة الى الاوراق التي اصبحت ايران تملكها داخل المعادلة العراقية.
فبالإضافة الى علاقاتها التقليدية مع شيعة العراق جاءت تطورات ما بعد سقوط نظام حزب البعث الذي كان يسيطر عليه السنة, لتشكل فرصة تاريخية أمام إيران لكي تعيد الثقة الى علاقاتها بسنة العراق, وبالتالي بالسنة في الدول الأخرى في المنطقة المحيطة بها خاصة دول الخليج العربي, وكأنها, أو على الأقل بعض الأجنحة المتنفذة بها, لم تختر خيار التقريب بين السنة والشيعة في العراق, وإنما تركت الأمور تسير حسبما تجرها الأحداث الأمر الذي أوصل العلاقة بين الطرفين إلى ما وصلت إليه الآن وبما ينبىء بأنه ليست هناك إمكانية للوصول إلى علاقة نموذجية بين الجانبين. وقد لعبت إيران دورا في هذا, ليس بتحريض طرف ضد آخر وإنما بالسكوت واتخاذ موقف المتفرج, وهذا الوضع يؤثر بالسلب على المصالح الحيوية لإيران في العراق ويفتح الباب أمام تدخل قوى أخرى في الشان العراقي تحت ذريعة حماية السنة في العراق أو الحفاظ على مصالحهم.
والملاحظ ان إيران بتعاملها الحالى مع الشأن العراقي, لا تسهم في إعادة الاستقرار للعراق, وهذا بالطبع يحقق المصالح الستراتيجية الإيرانية, وإنما تساهم في تهدئة الأجواء لصالح المشروع الاميركي في العراق, وهذا المشروع يتطلب بديهيا أن تظل العلاقات متوترة بين سنة العراق وشيعتها, وتستطيع إيران أن تصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية في العراق, إذا ما تركت وراءها الخلافات المذهبية وسعت إلى تقريب الفجوة بين الشيعة والسنة في العراق. وهذا الأمر لا يحقق لها فقط أن تكون طرفا في المعادلة العراقية وإنما أن تجهض المشروع الاميركي الذي يستهدفها. وهناك نقطة ثالثة أخرى وهي أن هناك آراء تعتقد أن إيران بخطوتها هذه يمكن أن تحجم من غلاء شيعة العراق الذين قد يستقوون على إيران في المستقبل إذا ما دانت لهم السلطة المطلقة في بلدهم ن وهذا الأمر يمكن أيضا أن يساهم في تحجيم مطالب أكراد العراق المتشددة, خاصة بعدما أصبحت لعبة السياسة العراقية تدور بين طرفين فقط هم الشيعة والأكراد.
وتعتقد ايران التي تجمعها علاقة طيبة مع أكراد العراق, وعلاقة روحية لايمكن انكارها مع الشيعة ان سيطرة هذا الثنائي العرقي الطائفي على مقدرات الدولة في العراق هو امر يحقق مصالحها, ولكن هذه نظرة ضيقة, تتميز بقصر النظر, ان تحقيق الاستقرار العراقي الذي يحقق المصلحة الايرانية, ولا ينقل المحافظين الجدد الى المرحلة الثانية من برنامجهم, يتطلب درجة ما من التواؤم بين العراقيين انفسهم, شيعة وسنة واكرادا, وهو ما يؤدي الى التهميش السياسي للتنظيمات المتطرفة, مثل تنظيم الزرقاوي. وعلى ايران ان تبحث بنفسها عن هذا التواؤم بين الاطراف العراقية بدلاً من أن تحققه الولايات على حساب المصالح الايرانية في مجالها الحيوى المحيط بها.
والحوار الاميركي الايراني الخاص بالعراق قد يدفع الولايات المتحدة الى محاولة الاستفادة من كافة نقاط قوة ايران في الداخل العراقي وايضا من المميزات اللوجستية التي تتمتع بها ايران وهي ذات علاقة بالعراق حيث لديها حدود مشتركة معها, وهذا الامر يجعل من المساعدة الايرانية مطلوبة من اجل ضبط الحدود بما يحول دون تهريب الاسلحة اليها او تسلل كوادر تابعة للمقاومة العراقية اليها او هروبهم منها بعد تنفيذ عمليات داخل العراق. والولايات المتحدة في جميع تحليلاتها واتهاماتها لايران تقول انها هي المصدر الاساسي لتهريب الاسلحة وتسلل المتمردين الى العراق وهذا الخطاب الاميركي يعني ضمنا ان التعاون الايراني مطلوب من اجل ضبط الوضع في العراق, وبالتالي فان الولايات المتحدة اكثر احتياجا لايران في هذا الملف وهو ما يمكن ان يجعلها تتنازل في الملف الاخر من اجل ضمان استقرار الوضع العراقي وهذا الامر لابد وان يكون احد اسباب تسخين الولايات المتحدة للملف النووي وذلك من أجل إجبار ايران على التفاوض معها بشأن العراق من أجل التوصل الى حلول وسط في كلا الملفين.
والمتابع للسياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط يستطيع أن يجد ان العراق وما يجري فيه من تطورات اصبحت هي التي تحدد موقف الولايات المتحدة من كافة القضايا, حتى وإن حاولت الادارة وأركانها إخفاء ذلك وهذا الأمر راجع الى ان الرئيس الاميركي والمقربين منه من الساسة يواجهون مشكلات قوية بسبب زيادة اعداد القتلى الاميركيين وبسبب عدم الاستقرار الحاصل في العراق, وهذا الامر سوف يؤثر على الجمهوريين في اي استحقاقات انتخابية مقبلة, وبالتالي فهم سوف يسعون الى التهدئة مع ايران من اجل استقرار الوضع في العراق حتى ولو كانت هذه التهدئة موقتة اي حتى تمر انتخابات التجديد في الكونغرس الخريف المقبل ويمكن أن تستمر الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة اي في عام .2008 والتسخين الجاري حاليا بشأن الملف النووي الايراني ووالحوار الجاري حول العراق لهدف آخر غير معلن وهو ان يخرج منه الجمهوريون مستفيدين بما لايجعل الديمقراطيين هم الذين حققوا المكاسب السياسية مما يحدث في العراق.
وللولايات المتحدة أو على الاصح للجمهوريين تجربة سابقة في التعاطي مع ايران وهي الخاصة بعملية احتجاز رهائن في السفارة الاميركية في ايران حيث تأكد فيما بعد انه تم حوار بين الجمهوريين وايران وتنسيق فيما بينهما ادى الى تحقيق الجمهوري ريغان فوزه في الانتخابات الرئاسية الاميركية التي جرت عام 1980 وهو ما عرف فيما بعد بفضيحة ايران غيت التي كان احد ابعادها تهريب اسلحة الى قوات غير حكومية متمردة في اميركا الوسطى.
وبالتالي فان تبعات السياسة وتضاعيفها يمكن ان تجبر الولايات المتحدة على إبداء المزيد من المرونة ازاء الملف النووي من أجل تخفيف الضغوط الداخلية الناتجة عما يحدث للولايات المتحدة في العراق. وهذا الامر قد يعني ان التسخين الاميركى الاخير بشأن ايران قد يكون بهدف اجبارها على ابداء المزيد من المرونة في العراق لانها الطرف الاقوى في هذا الصراع. والرقم الصعب في المعادلة العراقية حاليا.
إيران أجبرت الولايات المتحدة على التحاور معها كرقم صعب بعد سيطرتها على خيوط اللعبة العراقية
اعداد- خالد السرجاني
فتحت الولايات المتحدة حواراً مع ايران حول الملف العراقي, وهو أمر لم يكن متوقعاً بالنظر الى سياسة الولايات المتحدة الهادفة الى حصار النظام الايراني وعزله. وهي سياسة بدت بصورة جلية في تعاطي الولايات المتحدة مع الملف النووي الايراني الذي تم تحويله الى مجلس الامن بهدف السير في طريق فرض عقوبات اقتصادية على ايران قد تعقبها عملية عسكرية اميركية. فقد أصبح من السائد لدى التحليلات التي تتناول الملف النووي الايراني, خاصة مع تحويله الى مجلس الأمن القول بأن العد التنازلي لضربة عسكرية اميركية لايران قد بدأ بالفعل, وتنطلق هذه التحليلات من ان السيناريو الذي يدور حاليا هو نفس السيناريو الذي طبق مع العراق, خاصة أن بعض وسائل الاعلام الغربية, والاميركية خاصة سربت معلومات حول وجود خطط اميركية جاهزة لضرب ايران وانها تستهدف تغيير النظام. وقد تغير جدول اعمال المراقبين والمحللين وفقا لهذه المعطيات, ولكن هذه التحليلات السائدة يدور معظمها انطلاقاً من معطيات ايرانية او اميركية, وتستبعد أحد أهم المعطيات التي تلعب دورا في السياسة الاميركية الخاصة بإيران وهي العراق.
فالولايات المتحدة تأكدت حالياً من ايران حققت مكاسب من العملية العسكرية الاميركية ضد العراق تفوق بكثير ما حققته الولايات المتحدة ذاتها, وتعمل الاخيرة حاليا على تقليص هذه المكاسب الايرانية, سواء التي تحققت من جراء سقوط نظام سني عروبي معاد لها, أم التي تحققت من جراء سيطرة الشيعة على العملية السياسية في العراق, وهو ما دفع بعض الاميركيين الى القول بان النفوذ السياسي الايراني قد امتد في المنطقة المحيطة بها وفقا لهاتين النتيجتين, وهذا الامر يعني في داخله ان الولايات المتحدة لم تنتصر بصورة كاملة في حرب العراق بما يغريها بشن حرب اخرى جديدة في المنطقة, وان عليها ان تطبق سياسات تنزع عن ايران مكاسبها التي حققتها بعد سقوط نظام صدام حسين.
والحاصل أن هناك معطيات متعددة تشير الى أن إيران كانت هي الطرف الاكثر استفادة من العملية العسكرية الاميركية ضد العراق. وهي تضع في اعتبارها حاليا انها اصبحت تمسك بخيوط متعددة في الساحة العراقية الامر الذي يجعل الولايات المتحدة تفكر اكثر من مرة قبل الاقدام على عمل قد يخلط الاوراق في العراق الامر الذي يربك الادارة الاميركية الحالية ويسحب منها واحدا من الاعمدة التي قامت عليها سياستها الخارجية منذ ان جاءت الى السلطة.
ومعظم المهتمين بالوضع العراقي سواء من العرب أم الغربيين أو الأميركيين يدركون ان إحدى النتائج الاساسية التي تتحقق من جراء عملية عسكرية ضد ايران هو انقلاب شيعة العراق على الولايات المتحدة, خاصة ان القطاع الاكبر من شيعة العراق حتى الان مازالوا غير معادين للولايات المتحدة وبالتالي فان عملية عسكرية اميركية ضد ايران يمكن ان تتطور لتصبح مواجهة بين شيعة الشرق الاوسط والولايات المتحدة وهو الامر الذي قد يشعل منطقة الشرق الاوسط, ويقلل من مكاسب الولايات المتحدة في العراق بما يزيد من مصاعب الادارة في هذا الشأن.
واذا كانت هناك قيود تحد من قرار الولايات المتحدة لتوجيه ضربة عسكرية ضد ايران, فان هناك محددات اخرى داخلية اميركية في مقدمتها ان الخريف المقبل سوف يشهد انتخابات التجديد للكونغرس الاميركي, وفى ظل تراجع التاييد الشعبى لما حدث في العراق فلا يمكن الاعتقاد بان اعضاء الكونغرس الحاليين يمكن ان يعطوا الادارة تفويضا جديدا بتوجيه ضربة عسكرية جديدة وليس من السهل على نفس الادارة تأمين تحالف دولي لتوجيه ضربة جديدة ضد ايران. وفي نفس الوقت فان المجتمع الاميركي لايتحمل ارتفاعا جديدا في اسعار النفط وهو الامر المتوقع حدوثه في حال نشوب حرب جديدة في منطقة الشرق الاوسط فما بالك لو كانت ضد ايران وهي واحدة من المنتجين الرئيسيين له في المنطقة والعالم?
واذا كانت المسألة كذلك فما هي اسباب التصعيد الاميركي ضد ايران?
الاجابة تكمن ايضا في تطورات المسألة العراقية, فحتى الآن وعلى الرغم من مرور ثلاث سنوت على العملية العسكرية الاميركية هناك, واننا اصبحنا على بعد اسابيع من الذكرى الثالثة لاعلان الرئيس الاميركي عن انتهاء العمليات هناك, مازالت الولايات المتحدة غير قادرة على احكام سيطرتها الامنية هناك وغير قادرة على تحقيق استقرار حقيقي في نفس الوقت, وغير قادرة على ضبط الحدود التي اصبحت موضعا لتسلل اعضاء في تنظيم ابي مصعب الزرقاوي, وهناك قراءات اميركية تعتقد ان هذه الاهداف غير ممكنة بدون الدعم الايراني, ولايمكن للادارة الحالية لاسباب متعددة ان تطلب هذا الدعم, وهي تعرف ان طلب هذا الدعم يعني الاعتراف بان ايران اصبحت هي الرقم الصعب في جميع معادلات الشرق الاوسط, وهي رمزيا لاتستطيع الاعتراف بذلك, ومن هذا المنطلق فقط يمكن القول انها استدعت الملف النووي الايراني من على الارفف من اجل اجبارها على التهدئة والوصول معها الى مساومات عبر وسطاء كلها تدور حول الملف العراقي, وهي تعتقد انها بذلك سوف تجبرها على التهدئة بما يقلل الى حد كبير من مكاسبها التي حققتها بالفعل في العراق.
ولكن هذا السلاح ذو حدين لانه قد يدفع ايران بالفعل الى المزيد من الانخراط في الشأن العراقي كوسيلة لتحجيم الاندفاع الاميركي وكنوع من أنواع الدفاع في مواجهة الهجوم الاميركي, ومن يراقب الاداء الايراني في الاشهر الماضية سيكتشف انها اعادت مراجعة سياستها في العراق واستعادت مواقع لم يكن احد يتوقع لها ان تستعيدها, فهي من جهة وثقت علاقاتها بأطراف سنية واخرى شيعية لكنها مدت علاقات قوية مع تيار مقتدى الصدر الذي يعد الاكثر وجودا وتمردا في الشارع الشيعي, وهذا الامر قد يكون محاولة من ايران لان تستعد لهجوم اميركي قد تلجأ فيه الى اشعال العراق في مواجهة القوات الاميركية المتواجدة هناك, وهذا الخيار الايراني يعني ان السحر العراقي قد ينقلب على الساحر الاميركي, وتدخل المنطقة في دوامة جديدة من عدم الاستقرار والعنف بسبب سوء التقديرات الاميركية وعدم استعداداها لرد الفعل المتوقع.
ويمكن القول انطلاقا من هذه المعطيات أن ايران وهي تصعد بشأن ملفها النووي كانت تدرك أمرين, الاول ان الولايات المتحدة وعلى الرغم من حدة خطابها بشأن هذا الملف, فهي لن تقدم على عملية عسكرية ضدها. والثاني انها تدرك انها في الموقف الاقوى حاليا وهي تستطيع ان تجبر الولايات المتحدة على فتح حوار معها يتناول كافة الملفات وفي ومقدمتها الملف العراقي وملفها النووي. وهي نجحت بالفعل في هذا الامر حيث اجبرت الولايات المتحدة على فتح الحوار بشأن العراق وبالطبع فإن الملف النووي سيكون حاضرا في هذا الحوار. والسؤال الذي يجب ان يكون حاضرا الآن هو كيف تستطيع ايران ان تساعد الولايات المتحدة بشأن الملف العراقي. والاجابة تتطلب الاشارة الى الاوراق التي اصبحت ايران تملكها داخل المعادلة العراقية.
فبالإضافة الى علاقاتها التقليدية مع شيعة العراق جاءت تطورات ما بعد سقوط نظام حزب البعث الذي كان يسيطر عليه السنة, لتشكل فرصة تاريخية أمام إيران لكي تعيد الثقة الى علاقاتها بسنة العراق, وبالتالي بالسنة في الدول الأخرى في المنطقة المحيطة بها خاصة دول الخليج العربي, وكأنها, أو على الأقل بعض الأجنحة المتنفذة بها, لم تختر خيار التقريب بين السنة والشيعة في العراق, وإنما تركت الأمور تسير حسبما تجرها الأحداث الأمر الذي أوصل العلاقة بين الطرفين إلى ما وصلت إليه الآن وبما ينبىء بأنه ليست هناك إمكانية للوصول إلى علاقة نموذجية بين الجانبين. وقد لعبت إيران دورا في هذا, ليس بتحريض طرف ضد آخر وإنما بالسكوت واتخاذ موقف المتفرج, وهذا الوضع يؤثر بالسلب على المصالح الحيوية لإيران في العراق ويفتح الباب أمام تدخل قوى أخرى في الشان العراقي تحت ذريعة حماية السنة في العراق أو الحفاظ على مصالحهم.
والملاحظ ان إيران بتعاملها الحالى مع الشأن العراقي, لا تسهم في إعادة الاستقرار للعراق, وهذا بالطبع يحقق المصالح الستراتيجية الإيرانية, وإنما تساهم في تهدئة الأجواء لصالح المشروع الاميركي في العراق, وهذا المشروع يتطلب بديهيا أن تظل العلاقات متوترة بين سنة العراق وشيعتها, وتستطيع إيران أن تصبح رقما صعبا في المعادلة السياسية في العراق, إذا ما تركت وراءها الخلافات المذهبية وسعت إلى تقريب الفجوة بين الشيعة والسنة في العراق. وهذا الأمر لا يحقق لها فقط أن تكون طرفا في المعادلة العراقية وإنما أن تجهض المشروع الاميركي الذي يستهدفها. وهناك نقطة ثالثة أخرى وهي أن هناك آراء تعتقد أن إيران بخطوتها هذه يمكن أن تحجم من غلاء شيعة العراق الذين قد يستقوون على إيران في المستقبل إذا ما دانت لهم السلطة المطلقة في بلدهم ن وهذا الأمر يمكن أيضا أن يساهم في تحجيم مطالب أكراد العراق المتشددة, خاصة بعدما أصبحت لعبة السياسة العراقية تدور بين طرفين فقط هم الشيعة والأكراد.
وتعتقد ايران التي تجمعها علاقة طيبة مع أكراد العراق, وعلاقة روحية لايمكن انكارها مع الشيعة ان سيطرة هذا الثنائي العرقي الطائفي على مقدرات الدولة في العراق هو امر يحقق مصالحها, ولكن هذه نظرة ضيقة, تتميز بقصر النظر, ان تحقيق الاستقرار العراقي الذي يحقق المصلحة الايرانية, ولا ينقل المحافظين الجدد الى المرحلة الثانية من برنامجهم, يتطلب درجة ما من التواؤم بين العراقيين انفسهم, شيعة وسنة واكرادا, وهو ما يؤدي الى التهميش السياسي للتنظيمات المتطرفة, مثل تنظيم الزرقاوي. وعلى ايران ان تبحث بنفسها عن هذا التواؤم بين الاطراف العراقية بدلاً من أن تحققه الولايات على حساب المصالح الايرانية في مجالها الحيوى المحيط بها.
والحوار الاميركي الايراني الخاص بالعراق قد يدفع الولايات المتحدة الى محاولة الاستفادة من كافة نقاط قوة ايران في الداخل العراقي وايضا من المميزات اللوجستية التي تتمتع بها ايران وهي ذات علاقة بالعراق حيث لديها حدود مشتركة معها, وهذا الامر يجعل من المساعدة الايرانية مطلوبة من اجل ضبط الحدود بما يحول دون تهريب الاسلحة اليها او تسلل كوادر تابعة للمقاومة العراقية اليها او هروبهم منها بعد تنفيذ عمليات داخل العراق. والولايات المتحدة في جميع تحليلاتها واتهاماتها لايران تقول انها هي المصدر الاساسي لتهريب الاسلحة وتسلل المتمردين الى العراق وهذا الخطاب الاميركي يعني ضمنا ان التعاون الايراني مطلوب من اجل ضبط الوضع في العراق, وبالتالي فان الولايات المتحدة اكثر احتياجا لايران في هذا الملف وهو ما يمكن ان يجعلها تتنازل في الملف الاخر من اجل ضمان استقرار الوضع العراقي وهذا الامر لابد وان يكون احد اسباب تسخين الولايات المتحدة للملف النووي وذلك من أجل إجبار ايران على التفاوض معها بشأن العراق من أجل التوصل الى حلول وسط في كلا الملفين.
والمتابع للسياسة الاميركية في منطقة الشرق الاوسط يستطيع أن يجد ان العراق وما يجري فيه من تطورات اصبحت هي التي تحدد موقف الولايات المتحدة من كافة القضايا, حتى وإن حاولت الادارة وأركانها إخفاء ذلك وهذا الأمر راجع الى ان الرئيس الاميركي والمقربين منه من الساسة يواجهون مشكلات قوية بسبب زيادة اعداد القتلى الاميركيين وبسبب عدم الاستقرار الحاصل في العراق, وهذا الامر سوف يؤثر على الجمهوريين في اي استحقاقات انتخابية مقبلة, وبالتالي فهم سوف يسعون الى التهدئة مع ايران من اجل استقرار الوضع في العراق حتى ولو كانت هذه التهدئة موقتة اي حتى تمر انتخابات التجديد في الكونغرس الخريف المقبل ويمكن أن تستمر الى ما بعد الانتخابات الرئاسية الاميركية المقبلة اي في عام .2008 والتسخين الجاري حاليا بشأن الملف النووي الايراني ووالحوار الجاري حول العراق لهدف آخر غير معلن وهو ان يخرج منه الجمهوريون مستفيدين بما لايجعل الديمقراطيين هم الذين حققوا المكاسب السياسية مما يحدث في العراق.
وللولايات المتحدة أو على الاصح للجمهوريين تجربة سابقة في التعاطي مع ايران وهي الخاصة بعملية احتجاز رهائن في السفارة الاميركية في ايران حيث تأكد فيما بعد انه تم حوار بين الجمهوريين وايران وتنسيق فيما بينهما ادى الى تحقيق الجمهوري ريغان فوزه في الانتخابات الرئاسية الاميركية التي جرت عام 1980 وهو ما عرف فيما بعد بفضيحة ايران غيت التي كان احد ابعادها تهريب اسلحة الى قوات غير حكومية متمردة في اميركا الوسطى.
وبالتالي فان تبعات السياسة وتضاعيفها يمكن ان تجبر الولايات المتحدة على إبداء المزيد من المرونة ازاء الملف النووي من أجل تخفيف الضغوط الداخلية الناتجة عما يحدث للولايات المتحدة في العراق. وهذا الامر قد يعني ان التسخين الاميركى الاخير بشأن ايران قد يكون بهدف اجبارها على ابداء المزيد من المرونة في العراق لانها الطرف الاقوى في هذا الصراع. والرقم الصعب في المعادلة العراقية حاليا.