المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : علاقة طردية بين استخدام المرآة وعلاج الأمراض العصبية



سلسبيل
04-02-2006, 09:38 AM
http://www.asharqalawsat.com/2006/03/30/images/health.355568.jpg


دراسات تؤكد على إيجابية وقوف المرأة أمام المرآة

الرياض: د. حسن محمد صندقجي

يطرح الباحثون اليوم المرآة التي نستخدمها عشرات المرات يومياً دون إدراك عميق منا بما نفعل، كإحدى وسائل العلاج، حيث صدرت هذا الشهر دراسة لباحثين من بوسطن حول دور العلاج بالمرآة في التعامل مع حالات اضطرابات الأكل لدى النساء الشابات. وقبله في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، تمكن الباحثون في بريطانيا من شفاء الذين يعانون من آلام مزمنة في اليد بعد زوال الكسر فيها، ودراساتهم أيضاً أوائل العام الماضي حول علاقة حركة الأطراف بالشعور بالألم حال النظر إلى المرآة. كما تُستخدم المرآة أثناء علاج عيوب النطق لدى الأطفال. والملاحظ أن الباحثين في علم الطب يشقون طريقاً وعراً وصعباً في سبيل بلوغ تقديم خدمة أفضل للإنسانية. والسمة الغالبة على جهودهم هي البحث دونما كلل أو ملل عما يُسهم في تخفيف آلام البشر.

ومن آن لآخر نسمع عن أبحاث حول جوانب لا تخطر على بال أي إنسان، يتفنن الباحثون بها في السعي لتسخيرها وتطويعها في خدمة الطب العلاجي أو التشخيصي، ولسان حال من يراقبهم هو أن جديد الطب ضرب من الفنون، ولا بأس أن بعضاً من فنونه جنون. المرأة وإن كانت أكثر من الرجل تنظر إلى نفسها في المرآة، إلا أنه يبدو كما يشير بعض الباحثين أن تكرار نظر المرأة إلى نفسها في المرآة يعيد تكرار تأكيد تصوراتها سواء ايجابية أو سلبية. لكن كثيرا من الباحثين يرون أمراً أعم، وهو أن الإنسان لم يستفد حتى الآن من المرآة في جوانب عدة من حياته، ولم يمعن النظر من خلالها إلى هيئته وذاته بالطريقة المفيدة لروحه ونفسه وجسده. ومن الدراسات الطبية الجديدة التي تناولت تأثير العلاج بالمرآة على اضطرابات الأكل، والألم، وشلل الأطراف، هي:

* المرآة واضطرابات الأكل

* في شهر مارس (آذار) الحالي أضاف الباحثون من بوسطن في ولاية ماساتشوسس الأميركية دراسة جديدة إلى سلسلة من الدراسات الطبية حول استخدامات المرآة العلاجية، تم نشرها في المجلة الدولية لاضطرابات الأكل الصادرة من الولايات المتحدة. وقالوا ضمن نتائج دراستهم ان نظرة صحيحة إلى المرآة ربما تساعد النساء في تعديل تصوراتهن لأشكالهن، وتسهم في التحلي بثقة في النفس أكبر. ووجد الباحثون أن العلاج بالتعرض للمرآة يخفف من الظنون والتصرفات السلبية من قبل النساء اللائي يعاني من مشاكل تترك أثراً في تصوراتهن حول أجسادهن لدرجة أنهن قد يُصبن بأحد اضطرابات الأكل المرضية، وهي ما تكثر آثارها وتداعياتها لدى بنات حواء. والفكرة الأساسية هي أن المرأة حينما تنظر إلى نفسها في المرآة وتصف ما تشاهد من جسمها بواقعية الوصف المجرد والأمانة في ذلك، دون الحكم على مناسبة وجمال وتناسق ما تراه، هو أمر بناء يُكسب المرأة واقعية الرؤية لجسدها، الأمر الذي يُزيل تلقائياً التصورات السلبية لديها.

وفي سبيل التحقق من تأثير النظر الصحيح إلى المرآة، قامت الدكتورة شيري ديلنسكي وزملاؤها من مستشفى ماساتشوسس العام في بوسطن بمتابعة 45 امرأة تتراوح أعمارهن ما بين 17 و31 سنة، ممن لديهن اضطرابات في صورة أجسادهن خاصة في ما يتعلق بالحجم والشكل، والذي يؤثر عليهن بشكل عميق في جانب شعورهن بقيمة الذات. وقد تم تقسيمهن إلى مجموعتين، تلقت كلتاهما ثلاث جلسات من أحد نوعي العلاج، الأولى تلقت علاجا بالمرآة تضمن الوقوف أمام وحدة مكونة من ثلاث مرايا، وطلبت منهن المُعالجة وصف أجسادهن بواقعية دون انتقاد، والتركيز في ذلك على كامل الجسم، ووصف ما يحببن أو يكرهن منه. وكواجب منزلي، طُلب منهن تدوين ملاحظات حول عدد مرات قياسهن لوزن الجسم ونظرهن إلى المرآة. وتلقت النساء في المجموعة الأخرى جلسات تم فيها فقط مناقشة تصوراتهن لشكل الجسم.

النتيجة التي وجدتها الباحثة، أن النساء من المجموعة الأولى أظهرن تحسناً عاماً في تصورهن العام لأجسادهن، وفي ثقتهن بالنفس، وفي الرغبة باتباع الحمية الغذائية، وفي تخفيف درجة الشعور بالاكتئاب، مقارنة بالمجموعة الأخرى. وتنوي الباحثة إكمال الدراسة لتشمل الحالات المرضية في اضطرابات الأكل كأنوركسيانيرفوزا وبيوليما.

* المرآة والألم

* وجد الباحثون من جامعة باث في بريطانيا في نوفمبر الماضي أن بعضاً ممن يعانون من آلام مزمنة في الأطراف يستفيدون باستخدام المرآة في تخفيف ألمهم عبر تعدل تصورات الدماغ حول الجسم.

وتعتبر حالات متلازمة الألم المزمن الموضعي المعقد وحالات تكرار الإصابة من الحالات الشائعة نسبياً، فثلث المصابين بكسور في معصم اليد يعانون من آلام مبهمة السبب لا يمكن تعليلها وتستمر في اليد أو العضد أو الكتف بعد خلع جبيرة الكسر. ويكون الألم أحياناً من السوء لدرجة أن بعض المرضى يتمنون لو تبتر يدهم على حد وصف الدكتورة كاندي ماك كاب الباحثة الرئيسة في الدراسة التي نشرتها في حينه مجلة الطب الإكلينيكي البريطانية. الباحثون من جامعة باث والمستشفى القومي الملكي للأمراض الروماتيزمية استخدموا وسيلة خداع بصري للدماغ، عبر تكوين صورة يراها المرء من نفسه مركبة من تكرار أحد نصفي جسمه السليم. فإذا ما كان النصف السليم هو الشق الأيمن الجسم، فإن المرء يرى صورة نفسه كاملة، أي وجه كامل من شقين ويد يمنى ويد يسرى، لكن الصورة في الحقيقة هي لنصف جسمه الأيمن، أما ما يظهر كأنه النصف الأيسر من الجسم هو في الحقيقة نسخة كربونية معكوسة للجزء الأيمن أيضاً، بمعنى آخر فإن المريض لن يرى نصف الجسم المصاب عند الجلوس أمام المرآة.

وتمت التجربة العلاجية لتأثر النظر إلى المرآة بالطلب من كل مريض الجلوس أمامها بحيث أن محصلة ما يراه المريض من نفسه على سطح المرآة هو جسم مكون من أجزاء سليمة لا إصابة فيها. وطلب حينها الباحثون من المرضى أن ينظروا بتركيز شديد إلى صورتهم السليمة والكاملة، ويحاولوا بعمق أن يقنعوا أنفسهم بأن ما يرونه من جسم سليم هو حقيقة حالهم، أي أن يؤمنوا أنهم غير مصابين بأي شيء بدليل أنهم يرون أنفسهم سليمين. ويحتاج الأمر منا أن نتخيله حقيقة، إنسان يرى على المرآة نصفين سليمين لجسمه السليم في جهة والمصاب في أخرى. ويقول الباحثون أن من بين ثمانية مرضى شملتهم التجربة فإن ثلاثة زالت أعراض الألم في الحال لديهم، والباقون تطلب الأمر مزيداً من الوقت للشعور بذلك وتحقيقه. وكما تقول الدكتورة ماك كاب فإنه ما ان تم إبعاد المرآة حتى عاد الشعور بالألم. لكن بتكرار جلسات علاج المرآة تم شفاء ستة من ثمانية، وكان الاثنان اللذان لم يُشفيا يعانيان من تقرحات وجروح، أي ثمة لديهم أسباب حقيقية للشعور بالألم. وتمكنت بعد هذه التجربة من علاج الكثير من حالات النوعين المتقدمين.

وترى الدكتورة ماك كاب أن الألم لدى هؤلاء المرضى ناجم عن خلل في تصور الدماغ لحقيقة حالة الجسم من ناحيتي الحركة والإحساس، أي أن الرسائل العصبية إلى الدماغ تحتوي معلومات مغلوطة عن حالة الإحساس الحقيقي لأطراف الجسم. إذْ عادة ما يُرسل الدماغ إشارات يستفسر بها عن حالة أجزاء الجسم كالحجم والوزن والوضعية، ويُجيب عليها جهاز الإحساس العصبي بإرسال معلومات حول الأمور المطلوب الإجابة عنها إلى الدماغ، الذي يقوم بتحليلها وبالتالي وضع تصورات عن الجسم. وأضافت أن عدم تحريك اليد عند وضع الجبيرة بعد الكسر هو حالة يحصل خلالها خلل في تصور الدماغ، فحينما يرسل استفساراته لا يلقى أجوبة، فيثير الشعور بالألم الذي حصل عند الكسر. وعند إزالة الجبيرة فإن كثيرا من الناس يُفيقون من الاختلال الذهني هذا، بينما يستمر حوالي الثلث منهم في الشعور بالألم بدرجات متفاوتة ولمدد مختلفة، والمرآة على حد قولها حينما تعيد ترتيب صورة الجسم في الدماغ، فإن الإحساس بالألم في الدماغ يزول.

وكان فريق البحث من جامعة باث بالتعاون مع باحثين من جامعة كاردف وإكستر قد نشروا في مجلة الروماتيزم أوائل العام الماضي نتائج تجارب تقول إنه من الممكن تكوين الشعور بإحساس أحد الأطراف عبر النظر إلى الطرف المقابل من الجسم في المرآة.

التجربة تمت بأن طلبوا من 41 شخصا من الأصحاء أن يجلسوا بجوار المرآة بحيث أنهم يتمكنون من رؤية واحد من جانبي الجسم فقط، إما الأيمن أو الأيسر. ثم تحريك كلا اليدين في نفس الاتجاه، ثم في الاتجاه المضاد، مع المحافظة على إبقاء رؤية جانب واحد فقط من الجسم. أي ببساطة عدم رؤية الطرف الآخر من الجسم أثناء تحريك اليدين.

الذي لاحظه الباحثون بعد 20 ثانية من البدء، أن أكثر من ثلثي المشاركين تولد لديهم شعور بنوع من الإحساس في اليد غير المرئية مختلف عن الشعور في اليد التي يرونها، وتراوحت أنواع ما أحسوا به بين التنميل والتخدير والحرارة والألم، بالرغم من عدم وجود أي مرض عصبي فيها.

* المرآة والشلل

* في يونيو من عام 1999 عرض الباحثون من جامعة كاليفورنيا في سان ديغو في مجلة لانست العلمية نتائج دراسة تقول إن العلاج بالمرآة يمكنه أن يساعد على تحسن تحريك من أصيبوا بشلل في أحد الأطراف بعد جلطة الدماغ. وتمت مقارنة تأثير المرآة بقطعة من البلاستيك حينما يحاول المصاب تحريك كلتا يديه، المشلولة والطبيعية مع تركيز النظر إلى حركة اليد الطبيعية، وذلك في جلسة لمدة 15 دقيقة مرتين يومياً، خلال ستة أيام في الأسبوع لمدة أربعة أسابيع. ومن بين 18 شخصا شاركوا في التجربة فإن ستة ممن استخدموا المرآة أبدوا تحسناً في حركة اليد المشلولة مقارنة بواحد فقط من المجموعة التي لم تستخدم المرآة.

وعلق آنذاك الدكتور إريك ألشلير قائلا: «إن الناس يحبون استخدام المرآة، وأحد المرضى ذكر لي: ان كل طرق العلاج الطبيعي تمرن عضلاتي، لكن المرآة كانت هي الوحيدة التي تمرن دماغي وأعصابي».

* عجز الدماغ عن تصور حالة الجسم بدون مرآة > اهتمام الباحثين بالمرآة كوسيلة علاجية أمر منطقي، ولعل العبارة الشعبية عند الغضب من إنسان ما أو محاولة إعادة الرشد إلى تصرفاته وسلوكياته هو القول له: اذهب وانظر إلى نفسك في المرآة. ونستخدمها أيضاً عند محاولتنا رفع معنويات بعضنا كأن يقال للزوجة: ألم تري نفسك أخيرا في المرآة لتدركي قيمة ذاتك ومقدار جمالك. وحتى الأطفال الصغار نستخدم المرآة معهم.

إن دماغنا لا يستطيع أن يتصور الكثير عن جسمنا بدون المرآة أو أي سطح يعكس صورتنا، مهما حاول الجهاز العصبي في الأطراف وبقية الجسم أن يزوده بالمعلومات. فمن ذا الذي سيخبر الدماغ عن شكل الوجه وتفاصيل ما فيه، وعن تغيرات الحال التي تعتريه من شحوب أو إرهاق أو نضارة أو جمال أو تقدم في السن؟!. ولذا فإن اعتمادنا على تصورات الجهاز العصبي وحده لا يكفي، ناهيك عن اعتمادنا على وصف الناس من حولنا لنا، ولك أن تتخيل كم مرة حصل مع أحدنا أن قابله شخص يقول له لقد نقص وزنك أخيرا، ثم بعدها بدقائق يقابله شخص يبدي التعجب من زيادة وزننا الواضحة.

هذا كله في الظاهر، أما ما يتعلق بعمل الدماغ في الجوانب التي يبني فيها الدماغ تصوراته عن الجسم، والتي يتصرف نفسياً وعضوياً بناء عليها الإنسان، فإن الأمر أشد تعقيداً. والتصورات المقصودة هي ما تتعلق بإحساس الدماغ عن شكل وحجم ووضعية أعضاء الجسم في الهواء أثناء السكون والحركة. وكذلك ما يتعلق بتفاعل الدماغ مع ما يشعر به بما هو حوله، بأي نوع من الحواس نما إلى الدماغ ذلك التصور، وأوضحها ربما التطورات المتقدمة في البحث الطبي حول ما يسمى بخلايا المرآة العصبية في الدماغ، وهي مما لا مجال لعرضه فيما يجرى الحديث عنه وإن كانت وثيقة الصلة بالأمر.

محاولة الاستفادة من المرآة في الحياة الصحية عموماً أو في الجوانب العلاجية، هو في حقيقة الأمر محاولة لإعادة التوازن إلى تصورات الدماغ عن الجسم. والأمر أبعد من الاستفادة منها في صالات الألعاب أثناء ممارسة التمارين الرياضية، أو في تطوير تجاوب الطفل أثناء جلسات علاج النطق. فالمرآة ما هي إلا وسيلة بسيطة وخفيفة ومتوفرة وواقعية للحصول على تصور أفضل عن أجزاء من جسمنا، مثلها مثل وسائل أخرى كالأفلام السينمائية. وكلما كانت التصورات الدماغية أوضح تحسن الأداء إذا عرف المرء كيف يستثمرها. وكلما تعلمنا كيف نخفف أو نعدل من تصورات الدماغ كلما استفدنا إما زيادة في أدائه أو تخفيف فرط نشاط مزعج لنا منه، والإنسان يستطيع التحكم والسيطرة والتوجيه حتى على دماغه لو شاء. فأحدنا يعلم عن نفسه في مقاطع من الصور المتحركة أموراً يجهلها عن نفسه، أبسطها كيف يمشي وكيف يتلفت وما هي تعبيرات وجهه. ولو تمعن الإنسان فيها واستفاد دماغه منها لأدرك الكثير مما يمكن أن يُضيفه أو يحسنه من أداء حركات جسمه وغيرها من الجوانب في معرفة الذات.

ولعل من أطرف ما يحتاج إلى بحث هو تأثير رؤية الإنسان لأعضائه الداخلية كما في فحوصات الأشعة كالأشعة الصوتية للقلب مثلاً التي تعطي المرء صورة تلفزيونية كأن قلبه في يديه يقلبه ليراه من كل الزوايا.

لكن مهلاً لم نذهب بعيداً، إن ما يحتاج إلى تأمل بحثي هو رؤية الأم الحامل لجنينيها في فترات متعاقبة أثناء الحمل بالأشعة فوق الصوتية التلفزيونية، وأثر ذلك من ناحية شعورها بثقل الحمل أو تعلقها بالجنين وغير ذلك مما له علاقة بتصورات الحامل الدماغية.