المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : ما هكذا تورد الإبل يا سمو رئيس الحكومة!



فاطمي
04-01-2006, 12:21 AM
احمد الجار الله - جريدة السياسة


ما هكذا تورد الإبل يا سمو رئيس الحكومة الشيخ ناصر محمد الأحمد الصباح.
فالقول اننا امام كارثة اقتصادية قول فارغ, فاقتصاد الكويت كبير وضخم, واحتياطات الدولة بالبلايين نقدا وموجودات متوزعة في اكثر اصقاع الدنيا, العالم سيظل بحاجة الى احتياطات النفط الكويتي من الآن حتى اربعمئة سنة قادمة. هذا الاحتياطي يبلغ مئة بليون برميل ان لم يكن اكثر في الحقول التي يجري اكتشافها.

اضافة لذلك فإن اسعار النفط لن تتراجع وستظل ماضية في الارتفاع. ولو حسبنا الاحتياطي الموجود بالسعر السائد الآن لوجدنا انه يساوي تريليونات من الدولارات وليس بلايين.
وطالما ان الامر والوضع على هذا الحال يا سمو الرئيس لماذا يتصور البعض ويتوهم اننا امام كارثة اقتصادية, علما ان بورصة الكويت هي جزء من اقتصاد البلد ولا تختصره كله?

الكارثة الوحيدة التي تواجهنا هي كارثة عودة »الرويبضة« اي توسيد الأمر لغير اهله, ووضع الرجل المناسب في المكان غير المناسب, او الرجل غير المناسب في المكان المناسب. ولا تقل لنا, يا سمو الرئيس, ان سوق الكويت للاوراق المالية, وسعره الآن 41 بليون دينار, اي ما يقارب 130 بليون دولار اميركي, والذي قفز من سنوات قريبة الى هذه المعدلات العالية, ليس فيه منغصات في ادارته, او ليس فيه اخطاء ادارية.

في المملكة العربية السعودية اكتشفوا, من ضمن ما اكتشفوه في اسباب التراجع ان على مدير سوق الاوراق المالية ان يرحل, فرحلوه, وفي جانب آخر استفادوا مما حدث في تصحيح مسارات السوق وفق المتطلبات التي ارادها الناس, وكان مدير السوق يرفض الاصغاء لها. وكذلك كان الحال في قطر فقد رحلوا مدير السوق لانه لم يعرف كيف يتعامل مع سوق بدأ يكبر بسرعة فبدأ بإعاقة ما يفترض ان يكون سهلا وطبيعيا.

مديرو الاسواق هؤلاء كان ترحيلهم في السعودية وقطر قد تم بناء على منطق السوق وليس منطق مراعاة الخواطر القبلية والطائفية والعائلية والعاطفية.
الامر عندنا يتطلب حسما حكوميا لان مؤشرات الاخطاء واضحة, ولا تقل لنا, يا سمو الرئيس, ان هذه الاخطاء غير موجودة في ادارة السوق, بينما الصراعات بداخلها يتردد ضجيجها في ساحة الصفاة... صراعات تنعكس على مسار الثقة في التداول وليس على الثقة في قوة الاقتصاد.

لقد فرحنا يا سمو الرئيس حين صرحت وقلت إنك ستقضي على الفساد, وستفك التشابك بين الوزارات, وستخفض الروتين من ستين توقيعا واكثر الى 14 توقيعا, وانك ستشدد على مسيرة الاصلاح الاقتصادي.. كل هذا جيد ومفرح, وكلام يبعث على البسط والانشراح, لكن لنذكر سموكم بعجز الحكومات السابقة ايام ازمة سوق المناخ والذي كان يتغطى بالكلام الجميل. في هذا الاطار تبرز ازمة سوق المناخ الشهيرة في اوائل الثمانينات كنموذج, اذ ما كان لها ان تتحول الى ازمة لو كان القرار الحكومي فيها حاسما في تلك الايام كانت الحكومة تسمع للناصحين من الصبح الى العصر وتأخذ بنصيحة آخر شخص وتنسى نصائح الباقين.

ومؤسف القول ان الذين كانوا يريدون تخريب السوق هم آخر مقدمي النصيحة.ومع ان الوضع الاقتصادي يومها كان جيدا, والقضية هنا نسبة وتناسب,الا ان اختلاط الآراء وتداخلها, وغياب القرار الحكومي, ادى الى ما ادى اليه في قضية امضينا عشرين سنة ونحن نعاني من آثارها, علما بأن الحل كان بسيطا, وبسيطا جدا ولكن لم يأخذ به احد. لقد كان البيع يتم بالشيكات الآجلة, وكان يمكن في هذا الامر ان نلجأ الى الحلول التي لجأت اليها رئيسة الحكومة البريطانية السابقة مارغريت تاتشر, التي واجهت قضية مماثلة, فأمرت بإعادة الشيكات, والغت بيوعات الاجل, فانتهت الازمة عندها بيوم او يومين, ظلت فيهما البورصة مقفلة, والتداول موقوفا.

في ازمة المناخ مرت شهور وشهور والازمة قائمة, وخلال هذه الشهور تدخل خبراء, وكان وزير التجارة يدلي بكلام مفرح, ووزير المالية يعاكسه ويدلي بكلام محزن يغم القلب, وغرفة التجارة تمسك العصا من الوسط وتقول كلاما معتدلا, والحكومة, وسط هذه المعمعة, لاتعرف ماذا تعمل, غائبة القرار ومترنحة تكاد تسقط على الارض.

فلنترك هذا الماضي لان الحديث فيه قد ينسينا المستقبل, ولنؤكد اليوم على ان اقتصاد الكويت جيد, واحتياطاتها كبيرة, وان ما نشكو منه محصور بمنغصات ادارية, فعندما يسمع المتداول تصريحات وزير التجارة القادم الى منصبه حديثا, وتصريحات وزير المالية, واقوال عموم المتداولين, ويسمع الى ما يأتيه من خلف الحيطان التي لها آذان, ويسمع معه كل الناس, ويعرف ويعرفون معه ماذا يدور... عندما يصبح السمع على هذه الدرجة من الاستراق فمن الطبيعي ان يدخل المتداولون في مرحلة التأمل, فيوقفون مجاذيفهم وينتظرون توجهات الريح, ومن اين ستهب. ان توقف المجاذيف هنا لايعني ان السفن غير قوية وغير صالحة للابحار, بل يعني ان الجماعة يريدون معرفة جريان الريح وهل هو كما تشتهي سفنهم ام لا.

ماهكذا تورد الإبل ياسمو الرئيس.
فقد قالوا ان مدير بورصة الكويت سيرحل, وان هناك اخطاء في ادارة البورصة يتحدث عنها الجميع في الحل والترحال, وقيل عنها الكثير في الجلسات المعقودة خلف جدران لها آذان, ولذلك توقع الناس الاسراع في تغيير ادارة البورصة التي بدأ صراخ خلافاتها وصراعاتها مسموعا من قبل الجميع, ولم يعد مريحا لسوق مالية قيمتها 41 بليون دينار.

نحن لسنا مع ترحيل او ابقاء مدير البورصة, بل نحن مع ما يتطلبه المنطق, وما يفضي الى ازالة المنغصات من اجل ان يعود الناس الى التجذيف بقوة وحماس, والابحار بسفنهم بكل ثقة وطمأنينة ومعرفة باتجاهات الريح. لكن الناس في اليوم التالي لاحظوا, يا سمو الرئيس, انكم تزورون المدير وهو راقد في المستشفى بعد اجراء عملية قسطرة لشرايين القلب, وشاهدوا صور زيارتكم, ذات الابعاد السياسية المفهومة, وبالالوان منشورة على صفحات الجرائد الاولى وكأن ما همسوا به وارتاحوا له عن عدل او غير عدل, قد احبط آمالهم بزوال المنغصات في ادارة البورصة.

ان هذه الادارة ليست فقط هي المعنية, فلو ارادت الحكومة ان تقايس قدرتها من ضعفها لاستطاعت ذلك من خلال تحليل ادائها في الشهور الاخيرة, هناك ايضا اجراءات ليس المطلوب لها الدعم بل الاستثمار. اموال النفط قيمة دولارية راقدة في بنوك اجنبية, والودائع كثيرة, وهي كناية عن اموال المؤسسات المالية الحكومية والاهلية, فلماذا التجاذب وتضارب الآراء حول جدوى الاستثمار في السوق الكويتي, خصوصا ونحن بدأنا الآن نتحدث عن مشاريع استثمارية عملاقة كمدينة الحرير, وحقول الشمال, ومشاريع وزارة الاشغال,وعن توافق اقتصادي بين دول مجلس التعاون الخليجي وبين الشركات العاملة في هذه الدول ولديها استثمارات في الإعمار على غرار ما نرى في دولة الامارات...هذه المشاريع العملاقة هل ستنفذها الحكومة ام الشركات المدرجة في البورصة? اذا كانت الشركات هي التي ستنفذ, وهذا هو الصواب الذي نعرفه, فلتشرح الحكومة كل ذلك, ولتكن اموالها المستثمرة بالدولار مستثمرة مع الناس في الداخل الكويتي.

ما هكذا تورد الإبل يا سمو رئيس الحكومة.
فالحكماء يقولون ان من يكسب الحرب هو الذي يطلق نيران بنادقه قبل دقيقتين من اطلاق عدوه, او حتى دقيقة واحدة, والامر لا يحتاج الا القضاء على المنغصات التي تعرفها يا سمو الرئيس وتحدثت عنها خلف الجدران التي لها آذان وعلم بها كل الناس, فلماذا لا تفعل وتطلق على هذه المنغصات رصاصك قبلها, فتربح نفسك وتربح الحرب ضدها?

اذا كانت حجة جهازك ياسمو الرئيس هي الالتزام بتطبيق القانون, بقصد اظهار البراءة والنظافة والشفافية, فان ما يجب ان يكون معروفا هو ان هذا القانون يصدر لاسعاد الناس, وان فلاسفة القانون يقولون دائما في هذا الصدد اعطونا قانونا قاسيا ورجلا رحيما ليطبقه, وستكون في مأمن من الظلم... حجة جهازك هذه مردود عليها, ولماذا لانقول ان من هم في الجهاز لا يعرفون تطبيق القانون, او انهم يطبقونه وفق ما تشتهيه نفوسهم وتقتضيه مصالحهم?