yasmeen
03-31-2006, 04:48 PM
حازم صاغيّة الحياة - 26/03/06//
لا يزال البيروتيّون يتذكّرون نافورة الدم في وزارة السياحة في الثمانينات. آنذاك أقام «حزب الله» معرضاً شهيراً يحتفل بالدم وتدفّقه، فيما راجت صور «الشهيد السعيد» وبات سائقو سيّارات الأجرة العموميّة يعلّقون صوراً لأطفال يقولون إنهم أطفالهم الذين يربّونهم كيما «يستشهدوا». فهم، إذاً، شهداء مؤجّلون في مدينة لا تضجر حناجر أبنائها من الهتاف «بالروح، بالدم، نفديك يا...».
كان ذلك بمثابة تدشين لتقديس الموت الذي احتلّ الفضاء العام وانتشر كما تنتشر الديانات الظافرة. وبدا أن القيّمين على السلوك هذا، وإن توسّلوا الدين، يعودون الى ما قبله من عادات وثنيّة فيتّصلون بها ويُحيونها في زيّ حديث. وكان من الصعب، وسط شيوع لطم الوجه وضرب الرأس والصدر والكتفين، واستنطاق الدم غزيراً واستحضاره، أن يقال ما قاله ثيوران، الفرنسي ذو الأصل الروماني: من يقتل نفسه بهذه البساطة، بأيّة بساطة كان ليقتلك لو قُيّض له أن ينتصر؟
ومع 14 آذار تراءى للبعض أن النظام القديم ذاك ربما لاحت بدايات نهاياته. لكنْ لا.
صحيحٌ أن الراحلين الكبار الذين سقطوا، ابتداءً بالرئيس رفيـــق الحريري، مثلهم مثل الذين تعرّضوا لمحاولات قتل غادر، ابتداءً بالوزير مروان حمادة، لم يختاروا أن يقتلوا أنفسهم أو يعرّضوها للامتحان الذي عُرّضت له. لكن الصحيح، أيضاً، أننا لـــــم نجد في تكريمهم غير العدّة الكلاميّة التي أوجدها «حزب الله». هكــذا، وردّاً على بربريّة أعمال القتل، لــم نلق في يدنا إلا منظومة الوعي الشهادي والموتي، فباتت بيروت تمطر «شهداء» و»شهداء أحياء» ينمّون عن انتصار إيديولوجي أحرزه الحزب الخميني.
طبعاً، لم تظهر نافورة دم حتى الآن، وهو ما يشير، أقلّه رمزياً، الى أن قوى 14 آذار لا تزال تحتل موقعاً أشد تقدّماً من أصحاب النوافير الحمراء. لكن سؤالاً مشروعاً بدأ يطلّ برأسه: هل ينحو الخلاف السياسيّ الكبير الى التعايش مع اتفاق متعاظم في نظام القيم؟
لا يزال البيروتيّون يتذكّرون نافورة الدم في وزارة السياحة في الثمانينات. آنذاك أقام «حزب الله» معرضاً شهيراً يحتفل بالدم وتدفّقه، فيما راجت صور «الشهيد السعيد» وبات سائقو سيّارات الأجرة العموميّة يعلّقون صوراً لأطفال يقولون إنهم أطفالهم الذين يربّونهم كيما «يستشهدوا». فهم، إذاً، شهداء مؤجّلون في مدينة لا تضجر حناجر أبنائها من الهتاف «بالروح، بالدم، نفديك يا...».
كان ذلك بمثابة تدشين لتقديس الموت الذي احتلّ الفضاء العام وانتشر كما تنتشر الديانات الظافرة. وبدا أن القيّمين على السلوك هذا، وإن توسّلوا الدين، يعودون الى ما قبله من عادات وثنيّة فيتّصلون بها ويُحيونها في زيّ حديث. وكان من الصعب، وسط شيوع لطم الوجه وضرب الرأس والصدر والكتفين، واستنطاق الدم غزيراً واستحضاره، أن يقال ما قاله ثيوران، الفرنسي ذو الأصل الروماني: من يقتل نفسه بهذه البساطة، بأيّة بساطة كان ليقتلك لو قُيّض له أن ينتصر؟
ومع 14 آذار تراءى للبعض أن النظام القديم ذاك ربما لاحت بدايات نهاياته. لكنْ لا.
صحيحٌ أن الراحلين الكبار الذين سقطوا، ابتداءً بالرئيس رفيـــق الحريري، مثلهم مثل الذين تعرّضوا لمحاولات قتل غادر، ابتداءً بالوزير مروان حمادة، لم يختاروا أن يقتلوا أنفسهم أو يعرّضوها للامتحان الذي عُرّضت له. لكن الصحيح، أيضاً، أننا لـــــم نجد في تكريمهم غير العدّة الكلاميّة التي أوجدها «حزب الله». هكــذا، وردّاً على بربريّة أعمال القتل، لــم نلق في يدنا إلا منظومة الوعي الشهادي والموتي، فباتت بيروت تمطر «شهداء» و»شهداء أحياء» ينمّون عن انتصار إيديولوجي أحرزه الحزب الخميني.
طبعاً، لم تظهر نافورة دم حتى الآن، وهو ما يشير، أقلّه رمزياً، الى أن قوى 14 آذار لا تزال تحتل موقعاً أشد تقدّماً من أصحاب النوافير الحمراء. لكن سؤالاً مشروعاً بدأ يطلّ برأسه: هل ينحو الخلاف السياسيّ الكبير الى التعايش مع اتفاق متعاظم في نظام القيم؟