المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : خاتمي بين غربة الانتماء وغربة الجغرافيا



فاطمة
03-31-2006, 07:55 AM
ضياء الموسوي


ما طرحه الرئيس السابق لإيران السيد محمد خاتمي هو عين ما يدعو إليه الكثير من المفكرين العرب الاسلاميين. الدعوة إلى تصحيح الفكر الديني لأن الدين شيء والفكر الديني شيء آخر، فالأول إلهي والثاني بشري. المشكلة ليست في الإسلام وإنما في التفسير الإسلامي، أي فيمن يفسرون الإسلام. الإنسان عبارة عن تراكم معرفي وتاريخي وحصيلة تراكمات من الحزن والمعرفة والقهر.

كثير من العالم يتساءلون: لماذا تميز محمد إقبال ومحمد عبده والأفغاني وكل رواد الحب والجمال والانسانية والمعرفة في العالم العربي والاسلامي، وأصبحت لهم مكانة عالمية، ذلك لشيء بسيط: انهم كانوا نتاج الوسطية الاسلامية ومنهج الاعتدال، كانوا يبحثون عن الابستمولوجيا (نظرية المعرفة) بلا تأدلج، بلا تعصب تجاه الآخر أو تورم، وكذلك كان خاتمي.

عندما تقلد السيد خاتمي رئاسة إيران كنت أدرس هناك في الحوزة العلمية في قم. بمجيئه حرك البحيرات الساكنة والأحواض الثقافية... هذا الفارس المعرفي جاء على حين غرة إلى المدينة (إيران)، أربك وجودا واهتزت مدارس وشعر الكثيرون ان الرجل
مثقف قبل أن يكون رئيسا، قبل أن يستلهم كارزميته من أية شرعية تاريخية أو أبوية بطركية، يتلقفها من قداس الحوزة أو جمالية المنصب.

كنت أحضر السجالات المحتدمة حتى ساعات متأخرة من الليل، وشعرت حجم الفوبيا الثقافية (الرهاب والخوف الثقافي) التى تحولت إلى هاجس وقلق في الساحة الدينية والعلمية، لم يستطع أن يحركها حتى المثقف مهاجراني أو سروش وكلاهما من الشخصيات التى تحمل كارزمية علي شريعتي وان اختلفنا معهما في بعض التفاصيل ولكنها بأثواب جديدة تحمل معظم الأدوات الانثربولوجية (العلوم الانسانية) التي كان يفكك بها شريعتي عقد الخطاب الديني ويدخل دهاليزه ابتداء من كتاب «العودة إلى الذات» مرورا بكتاب «التشيع العلوي» ونقد تسييس الدين لصالح برغماتية وميكافيلية الدول، وليس أخيرا كتاب «الاسلام والانسان».

إذا كان الامام الخميني امتلك كارزمية الثورة ورفسنجاني كارزمية الاقتصاد، فخاتمي امتلك كارزمية الثقافة والبناء.لست في مقام مدح الرجل بقدر ما أنا في موقع توصيف مرحلة عشت جزءا كبيرا من منعطفاتها. هنا في سويسرا مع خليط من المثقفين والمفكرين من أميركا وكندا وبريطانيا والشرق أيضاً جاء اسم خاتمي وإذا بمفكر مسيحي كبير هكذا بكل عفوية راح يقول العالم العربي والعالم الاسلامي بحاجة إلى متنورين كهذا الرجل.

من إضاءات خطاب خاتمي انه استطاع أن يوصل أفضل رسالة اطمئنان للعالم الاسلامي والعالمي. كان يمتلك خطابا علميا موضوعيا مدركا لتوازنات العالم. ومن الامور التي شدنتي للرجل وأنا أدرس في إيران، دعوته الصريحة إلى احترام دول الجوار
والتعاون معها، وكذلك خطابه الذي ألقاه مخاطبا الشعب الاميركي. كانت خطوة جريئة، وكذلك انفتاحه على الشباب الإيراني واحتضانه وتلمس آلامه وجروحه وإيصال رسالة له مفادها: ان الانسان بإمكانه أن يعيش وأن ينعم بثقافة الحب والسلام والحياة، وان يستفيد من المنتوج الانساني البشري من دون أن يلغي ثوابت إسلامه.

هذا السيد الانيق المبتسم كان يمثل نقطة ارتكاز محورية تعتمد عليها جدلية علاقة عالم الدين بالشباب الإيراني الجديد، في ظل عالم تقوده الحداثة والانفتاح المعرفي وحوار الحضارات وعالم العولمة وما بعد العولمة.

المفارقة بين خاتمي كرئيس والسيد نجاد أن الأول ثقله الثقافي ومتانته المعرفية استطاعت أن تكسب إيران والعالم العربي صورة أكثر تقدمية. خطاب خاتمي أزال الكثير من التوجسات في العالم الإسلامي والعربي لما يمتلكه من توازن في الرؤية والطرح، بخلاف خطاب نجاد وهنا نقد الخطاب وليس الشخص فالبنى الفكرية والمعرفية والأسس التي يقوم عليها تفتقد أحيانا الدقة في انتقاء مفردات الخطاب وتوصيل الرسائل السياسية للمنطقة.

في الأوساط الثقافية مازال هناك تساؤل: هل سينبض الرحم الايراني بقامات علمية معرفية على شاكلة المفكر الكبير علي شريعتي أو الفقيه المتنور النائيني أو الشهيد الشيخ مطهري، يستطيعون تصحيح الفكر الاسلامي مما علق به من رؤى غير علمية خصوصا الصورة القلقة والمتوجسة من تمكين المرأة أو الخروج من النرجسية الذاتية، إلى حيث العالم والانفتاح الحضاري والتواصل الإنساني بعقل تواصلي نقدي تفكيكي في المجتمع الإسلامي؟ نعم، مادام في لبنان أمثال هاني فحص وفي إيران أمثال خاتمي، والسعودية أمثال إبراهيم البليهي وخالص جلبي، فعصر التنوير الديني قادم لا محالة. عندما أذكر هؤلاء الافراد لا يعني عدم وجود غيرهم وما أكثرهم.

قمنا هنا في سويسرا وأوروبا بتشكيل هيئة مقرها سويسرا حاليا لدراسة التنوير الديني وفي بيروت مجلس لمفكرين للوسطية الإسلامية. تلك مقولة صحيحة أن الفيلسوف في العالم العربي يعاني من جهل الواقع له وغربة في الجغرافيا أيضا.