المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : زواج المسيار جائز بهذه الشروط ....عبدالمحسن العبيكان



زوربا
03-30-2006, 08:20 AM
عبدالمحسن العبيكان


* فقيه سعودي ومستشار قضائي في وزارة العدل السعودية


كنا وعدنا في الاسبوع الماضي بالحديث عن حكم نكاح «المسيار» الذي كثر الحديث عنه منذ سنوات. ولكن آثرنا أن نقدم بين يدي ذلك بمقدمة تبين اركان وشروط النكاح في الاسلام. فنقول وبالله التوفيق:

ان الله عز وجل لما شرع النكاح، جعل له أركانا وشروطا لصحته، فلا يصح النكاح الا اذا كان مشتملا على هذه الاركان، متحققة فيه هذه الشروط.

هذه الاركان هي:

أولا: خلو الزوجين من الموانع ، بمعنى أن لا تكون المرأة محرمة على الخاطب لانها من محارمه، او ذات زوج او معتدة من طلاق زوج آخر، او محرمة عليه بالرضاع، او أن بعصمة الزوج من لا يصح له الجمع بينها وبين مخطوبته، كأن تكون اختها او خالتها او عمتها، لان الرسول صلى الله عليه وسلم نهى عن الجمع بين المرأة وعمتها والمرأة وخالتها، ولأن الله تعالى قال في معرض الحديث عن المحرمات من النساء «وأن تجمعوا بين الاختين إلا ما قد سلف»

ثانيا: ركن الايجاب، وهو من ولي المرأة .

ثالثا: ركن القبول: وهو من الزوج.

ومن عقد على امرأة مع اختلال ركن من هذه الاركان، فنكاحه باطل، ويفرق بينه وبين المرأة في الحال، ويجب استبراء رحم هذه المرأة قبل ان تتزوج غيره، ويكون الاستبراء بحصول حيضة، إن كانت ممن يحضن.

هذا عن أركان النكاح، أما عن شروطه فهي أربعة:

أولها: تعيين الزوجين، بأن تتميز المرأة المخطوبة عن غيرها، وذلك بأن يذكر اسمها او صفتها، او إن لم يكن للاب غيرها من البنات، بأن يقول خطبت ابنتك. وكذلك في حق الرجل، لا بد من تمييزه عن غيره، بحيث تعرف المرأة هذا الخاطب محددا وحقيقة.

وثاني هذه الشروط: رضا الزوجين، فلا يجوز أن تجبر المرأة على الزواج بمن لا تريده، وكذلك الرجل، لا يجبرعلى الزواج ممن لا يريد. وفي حديث ابي هريرة رضي الله عنه عن الرسول صلى الله عليه وسلم أنه قال: «لا تنكح الأيم، اي الثيب، حتى تستأمر، ولا تنكح البكر حتى تستأذن». رواه البخاري ومسلم وغيرهما، وروى ابو داوود في سننه عن ابن عباس رضي الله عنهما أن جارية بكرا اتت النبي صلى الله عليه وسلم فذكرت أن اباها زوجها وهي كارهة، فخيرها النبي صلى الله عليه وسلم، وهذا الحديث صححه ابن القيم في تهذيب السنن.

لكن تستثنى من هذا الشرط الصغيرة التي دون سن التاسعة، فيزوجها ابوها، اي يعقد لها عقد النكاح فقط أو وصيه، عند اقتضاء المصلحة لذلك، لأنها في هذا السن لا تعرف مصلحة نفسها، وربما تكون هناك مصلحة تقتضي عقد نكاحها، ومن عادة الاب أنه لا يقدم على تزويج ابنته في هذا السن، إلا في ظروف معينة ومحددة، والدليل على كلامنا هذا، أن ابا بكر رضي الله عنه زوج ابنته عائشة رضي الله عنها للنبي صلى الله عليه وسلم وهي ابنة سبع، اي انها عقد لها النكاح، لكن دون الدخول بها كما هو معلوم.

ـ الشرط الثالث هو شرط «الولي».. فلا يجوز أن تتزوج المرأة الا بولي يتولى تزويجها، وهذا الشرط هو قول جمهور الفقهاء، باستثناء الامام ابي حنيفة رحمه الله، والدليل قوله تعالى «وأنكحوا الايامى منكم والصالحين من عبادكم»، وقوله جلا وعلا «ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا» وهذا خطاب للاولياء دون النساء، وايضا قوله تعالى «ولا تعضلوهن أن ينكحن ازواجهن» فلو لم يكن الذي يتولى التزويج وعقد النكاح هو الولي لما نهى الله تعالى الولي عن «العضل»، والعضل هو الامتناع عن تزويج المرأة، فلو كانت المرأة تستطيع تزويج نفسها لما استطاع الولي ان يمتنع عن تزويجها.

وقد روى أهل السنن من حديث عائشة رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :«أيما امرأة نكحت بغير إذن وليها، فنكاحها باطل باطل باطل.. قالها ثلاثا، فإن لم يكن لها ولي، فالسلطان ولي من لا ولي له». وفي حديث ابي داوود عن النبي صلى الله عليه وسلم: «لا نكاح إلا بولي»، وقد صحح هذا الحديث بعض الحفاظ.

ـ الشرط الرابع من شروط النكاح هو شرط «الشهادة»، فلا يصح النكاح الا بشاهدين عدلين ذكرين مكلفين سميعين ناطقين، لحديث ابن عباس رضي الله عنهما مرفوعا: «البغايا اللاتي ينكحن انفسهن بغير بينة» رواه الترمذي، وعن جابر رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:«لا نكاح الا بولي وشاهدي عدل»، وهو حديث روي من عدة طرق يشد بعضها بعضا، فيصلح للاستدلال.

وقد اختار شيخ الاسلام ابن تيمية أن النكاح يصح مع الاعلان فقط، وان لم يشهد شاهدان، وهو قول الامام مالك، واختيار ابن حزم، ولكن العمل بالحديث أولى.

وبعد ذلك، وإذا عرفنا أركان وشروط النكاح الشرعي، فإننا نعلم أن اي نكاح لا يصح إلا بتوفر هذه الاركان والشروط فيه.

وعليه فإن نكاح «المسيار» الذي يسأل عنه كثيرون، وهذا اللقب اطلق في بعض البلاد على نوع من النكاح تسقط فيه المرأة حقها في النفقة والكسوة والسكنى، وتريد فقط الاستمتاع المباح بالنكاح.

هذا النكاح، اذا توفر فيه ما ذكرناه من اركان وشروط، هو نكاح جائز وصحيح، خصوصا ان إسقاط الحقوق مشروع وجائز، لأن سودة بنت زمعة زوج النبي صلى الله عليه وسلم، لما شعرت بعدم رغبة النبي بها تنازلت عن ليلتها لعائشة رضي الله عنه وعن سودة...

هذا ما يظهر لنا، والله اعلم.

زوربا
03-30-2006, 08:22 AM
احذروا من الزواج بنية الطلاق!

عبدالمحسن العبيكان


إن الله عز وجل إنما شرع النكاح لمقاصد سامية، وأغراض نبيلة، تحقيقا لتكوين أسرة يسودها الوئام وتتحقق فيها الألفة والمحبة، يتعاون الزوجان في كنفها على إعداد بيت الزوجية على أسس من التفاهم والتعاطف والمودة. كما أن من مقاصد الزواج الاساسية ايجاد الذرية الصالحة، وتنشئتهم على الأخلاق الكريمة، والسلوك المستقيم، والشمائل الاسلامية الطيبة.
هذه المقاصد جميعها لا تحصل إلا بأن يكون عقد الزواج مبنيا على «الاستمرارية»، وإنما شرع الطلاق كحل لرباط هذه الزوجية عند حصول عدم الوفاق بين الزوجين، وعند تعذر الحلول الاخرى، فهو كما قيل «آخر العلاج الكي». وجاء في الحديث النبوي: «أبغض الحلال الى الله الطلاق».

هذا هو العقد الشرعي الصحيح، وهو المبني على هذه المقاصد، لا الزواج المبني على مجرد قضاء الشهوة الحيوانية فقط. وإذا نظرنا الى ما يعرف بعقد «الزواج بنية الطلاق» فإننا نصبح أمام عقد تنتفي عنه تلك المقاصد، ويبيت فيه الطلاق، ويؤقت فيه الزواج، وكأن المرأة مطية مستأجرة أو سلعة مبتذلة.

نعم كان في أول الاسلام عقد «نكاح المتعة»، لفترة معينة، ثم حرمه رسول الله صلى الله عليه وسلم عام خيبر، وأجمع أهل السنة والجماعة على تحريم هذا النوع من الزواج، لأنه يتنافى مع حقوق المرأة في الاسلام.

وحدث في عصر ما أن احتاج بعض الناس الى الزواج بنية الطلاق لمن اقتضت حاله أن يكون بعيدا عن أهله في سفر طويل، قبل وجود وسائط النقل الحديثة، فيكون الرجل بعيدا عن أهله في سفر ومديد الوقت، فيحتاج الرجل الى امرأة تؤنسه في غربته، وتعفه عن ارتكاب الحرام، من أجل ذلك ذهب جماعة من أهل العلم، مثل الموفق بن قدامة صاحب «المغني»، وشيخ الاسلام ابن تيمية، في قول عنه، الى إباحة هذا العقد، مع أن ابن تيمية في قول آخر عنه لا يجيزه.

لكننا اذا ما نظرنا في هذا الوقت الى الظروف التي جعلت بعض أهل العلم في ذلك الزمن يبيح النكاح بنية الطلاق، نجد ان هذه الظروف قد انتفت، وأن الحاجة التي دعت هؤلاء العلماء الى اباحته، قد تلاشت في هذا الزمن بشكل كبير، ذلك ان الانسان مهما سافر بعيدا عن اهله، فإنه يستطيع وخلال ساعات، ان يعود الى اهله ليقضي معهم شيئا من الوقت، ثم يعود لاستكمال غرضه من السفر، مع وجود الوسائل التي توفر له الاقامة الملائمة والخدمة الجيدة في مكان سفره، مثل الفنادق المريحة.

ويجب أن يعلم أن من شروط إباحة الزواج بنية الطلاق، لدى من قال بجوازه، أن لا تكون المرأة او أهلها على علم بنية الطلاق، لأنهم لو علموا بذلك، فهو شبه الاتفاق على «توقيته» وهذا هو نكاح المتعة المحرم إجماعا.

إننا نرى كثيرا من البلدان التي يقصدها السعوديون، مثلا، لأجل الزواج بنية الطلاق، نجد ان من يسهل هذا الزواج من اهل تلك البلدان، يستقبل الشخص المسافر في المطار، أعني «السماسرة» ويعرضون على الراغب صورا لنساء، لأنهم يعلمون أنه يتزوج بنية الطلاق، وفي القاعدة الاصولية الفقهية ان «المشروط عرفا كالمشروط لفظا». فما دام أنهم يعرفون ذلك القصد منه، إذن فهو نكاح متعة محرم.

الأمر الاخر انه قد حصلت من المفاسد العظيمة بسبب هذا العمل أن اصبح بعض الرجال يسافرون خصيصا لهذا الغرض وحده! وربما زوجت المرأة وهي في عدة زوج آخر قبله، بل ربما زوجت وهي في عصمت زوج آخر طمعا في المال، بل قيل ان البغايا اصبحن يعرضن في تلك البلاد للراغبين في هذا النوع من هذا الزواج!

إذن فقد ترتبت مفاسد كبرى على اباحة هذا النوع من الزواج، وأظن ان من أباحه من أهل العلم سابقا لو رأى ما يفعله أهل هذا الزمن لما أباح هذا الزواج ابدا. فقديما ليس هناك نظام يحدد إمكانية الزواج من غير اهل البلد، بل كانت الامور مفتوحة للزواج من اي بلد ، لكن الآن وفي هذا العصر الحديث، فإنه، وفي السعودية على سبيل المثال، لا يسمح النظام بالزواج من غير السعودية إلا بإذن من الحكومة، وإذا ذهب السعودي الى الخارج بدون إذن زواج وأراد الزواج حسب الصورة التي نتكلم عنها، فإن من يزوجه يعلم يقينا أنه زواج بنية الطلاق، فيعود الامر مرة أخرى الى نكاح المتعة المحرم.

وقد كان الشيخ محمد بن عثيمين رحمه الله يبيح الزواج بنية الطلاق، ثم عدل عن ذلك، وقال لما رأيت ما فيه من التدليس على المرأة، يقصد أنها لا تعلم بنية الطلاق، حرمته. لأن النساء في الغالب لا يرغبن الرجل الذي يكثر من الطلاق، فكيف بمن هو بمن هو عازم على الطلاق اصلا؟! وقد بيت النية قبل ابرام عقد الزواج ؟!

خلاصة القول الذي أقوله لإخواني أن هذا النوع من الزواج ، وهو النكاح بنية الطلاق، هو نكاح محرم ، لما ذكرنا من المفاسد، ولغيرها، والله الموفق للصواب. وان شاء الله في المقال المقبل نتحدث عن نوع آخر من عقود الزواج التي يكثر الحديث عنها، وهو ما يعرف بزواج «المسيار».

* فقيه سعودي ومستشار قضائي في وزارة العدل السعودي