المهدى
03-27-2006, 03:54 PM
ترجمة مرتضى صلاح
في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الأميركية تجوب أجواء بغداد بعد أسبوعين من اندلاع الحرب لإسقاط نظام صدام توجه الفريق رعد الحمداني الى بغداد للإجتماع بالقيادة العسكرية لغرض طلب تعزيزات لحماية بغداد،
وطلب السماح له بنسف جسر المسيب الكبير الذي يقع جنوب بغداد لقطع الطريق على القوات الأميركية المتقدمة الى بغداد .
ولكن صدام ، الذي كان محاطا بمجموعته الصغيرة ، قال له: ان لديه طريقته في القتال ومواجهة الموقف، لأنه كان مقتنعا ان الخطر على حكومته لن يأتي من الخارج بل من الداخل، ولذلك فإنه سيحتفظ بالجسور لكي يستخدمها في سحق أي تمرد شيعي ينطلق من الجنوب .
ولم يحصل الفريق الحمداني على دعم عسكري، كما جاءت الموافقة على خطة نسف الجسر متاخرة كثيرا فلم يتسن لقوات صدام ان تنسف أكثر من فضاء واحد منه. بعد ذلك ردمت القوات الأميركية الفجوة لتعبر عليها مركباتها المتجهة الى بغداد .
هذه الحادثة لم تكن سوى واحدة من عدة حوادث عابرة تضمنها تقرير عسكري أميركي، بالإضافة الى وثائق ومقابلات تشير الى ان صدام كان منشغل البال بالتهديد القادم اليه من داخل البلاد في حين كان ينهك قواته في القتال مع القوات الأميركية. لقد كانت مغامرة أخيرة لمواجهة انتحار جماعي للجنود العراقيين، ولكن قوات (فدائيي صدام) كانت من اكثر القوات ضمانا لثقة صدام بها، حيث أوكل لها مهمات عرقلة القوات الاميركية المتقدمة، وما زالت بقاياهم تقوم بنفس الدور، لا على سبيل التخطيط المسبق بل بسبب ظروف ارتباطاتهـم السابقة .
وتظهر وثائق التقرير ان صدام لم يكن يثق بأقرب مساعديه أو جنوده وكان دائم الخوف من الثورة عليه أو مواجهة الإنقلابات ضده. كان يتخذ قراراته بمفرده وكان يشاورعدي و قصي ويفرض الإجراءات المعوقة لقوات الأمن من أجل حماية نفسه وكان يقوم بذلك عبر عدة طرق :
لم يكن الدكتاتور يطلع أركان حكمه على المعلومات الخاصة بأسلحة الدمار لدرجة انهم أصيبوا بالذهول عندما اخبرهم بعدم وجود اسلحة دمار شامل قبل ثلاثة شهور لاغير من بدء الحرب الأمر الذي أوقعهم في حالة انهيار معنوي بسبب إعتمادهم على معلومات الأسلحة الكيماوية والغاز السام والأسلحة الجرثومية الخفية المخصصة للدفاع عن البلد في حال وقوع هجوم عليه .
وضع الدكتاتور شخصا غير كفوء وكثير السكر لقيادة الحرس الجمهوري الخاص المكلف بحماية العاصمة ربما لمجرد ولائه لصدام .
لم يكن صدام يؤمن بجماعية القيادة في الحرب ولم يكن يسمح للقادة بتحريك الجنود بدون حصولهم على الإذن منه في بغداد وكان يمنع إجراء الإتصالات بين القادة العسكريين خوفا من اتفاقهم ضده .
ولم تكن قيادة (فدائيي صدام) مرتبطة بقيادة جماعية . كما لم يكن يسمح لقيادات فرق الحرس الجمهوري بالإتصال مع بعضها البعض ولم يسمح لقادة الفرق الحصول على خرائط دقيقة عن مناطق محيطة ببغداد وخصوصا منطقة مطار بغداد لأن من شأن ذلك كشف قصور ومقرات الدكتاتور التي يتردد عليها في الأزمات .
ولم تكن القوات الأميركية مطلعة على تلك التفاصيل قبل الحرب ، وقد جمع مؤرخو الحرب الأميركيون 110 مصادر من المعلومات الي تضمنت اشخاصا ومسؤولين في النظام السابق، في السجن وخارج السجن، بالإضافة الى أكثر من 600 وثيقة في يد القوات الأميركية تؤكد المعلومات المستقاة .
وهناك دراسة صدرت في نيسان 2005 بعنوان " توقعات العراقيين (النظام السابق) عن عملية حرية العراق ، والمعارك الكبرى فيها " تشير الى أن صدام لم يكن يتوقع هجوما اميركيا بالحجم الحقيقي الذي وقع .
ونقلت الدراسة عن طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء في حكومة صدام قوله ان صدام وقبل اسابيع من الهجوم لم يكن يتوقع هجوما بريا أميركيا وكان يعتقد بأنهم لن يتقدموا في الحرب البرية لأن تكاليفها سترهقهم، وكان خوف صدام الرئيسي منصباً على الداخل الذي قد يثور ضده في حالة وقوع الهجوم الأميركي .
ورغم الهزيمة الساحقة التي مني بها جيشه في حرب الكويت عام 1991، فإن صدام لم يكن يعتبر أميركا عدوا له لأن خوفه الحقيقي كان من حدوث انتفاضة شيعية ضده مشابهة لتلك التي وقعت بعد تلك الحرب في نفس العام .
ذات مرة في أحد لقاءات صدام مع القيادات العسكرية عام 1995 عرض عليه الضباط خطة لحماية الأراضي العراقية شبيهة بتلك التي قام بها الروس لمواجهة غزو جيش نابليون والجيش الألماني أيام هتلر وذلك بتسليح القبائل لمواجهة الجيش المتقدم فيما تتولى الدروع الهجوم على القوات الغازية، ولكنه رفض تسليح القبائل وهو رفض طبيعي لقيادة تتحسب من ثورة يعلنها شعبها عليها. هذا الخوف نفسه هو الذي دعا صدام لتأسيس قوة (فدائيي صدام) بتسليح يناسب حرب العصابات والمعارك المتوسطة التي تحتاج الى قاذفات آر بي جي سفن والأسلحة الرشاشة ومدافع الهاون وغيرها من المعدات. وكانت واجبات هذه القوة تتمثل في حماية مقرات الحزب المنحل وتطويق المناطق الشيعية لحين وصول التعزيزات المدرعة اليها . قوة ( فدائيي صدام ) هذه، التي أوكلت مهمة الإشراف عليها الى إبنه عدي ، كانت على درجة من الأهمية الحيوية لبقاء الحكومة وديمومتها جعلت النظام يستنزف قوة بشرية كثيفة العدد في إعدادها كان من الممكن للجيش أن ينتفع بها .. من ناحية ثانية كان صدام يخشى إيران، وكان جيشه ينفذ مناورات سنوية تسمى النسر الذهبي على الحدود مع الدولة الجارة. وكان يسعى الى تجنب الحرب بالسبل الدبلوماسية التي كانت روسيا وفرنسا والمانيا ترعاها بلا طائل .
كذلك سعى صدام للتعاون مع مفتشي الأمم المتحدة بتدمير الصواريخ متوسطة المدى، التي عرفت باسم صواريخ سكود. وفي النهاية قسم صدام العراق الى قطاعات عسكرية وربطها ببعض المقربين اليه كقادة اقليميين لهم صلاحيات واسعة في مواجهة أية انتفاضة شعبية ضد حكمه. وإنتشرت قوات الحرس الجمهوري قرب اقليم كردستان والحدود الإيرانية فيما ترك بغداد بيد قوات الحرس الجمهوري الخاص الذي يعتبره أكثر ولاء له ومنع دخول أية قوة غيرها الى المدينة. وقام بعدة إجراءات في المدينة لتقليل وتعويق الحركة فيها مثل قطع الطرق والإتصالات.
ويصف سلطان هاشم أحمد وزير دفاع صدام دوره في تلك الحرب بانه تحول من قائد عسكري الى ضابط صغير يعمل تحت إمرة قصي في جمع المعلومات ونقل التبليغات .
وإختار صدام ابن عمه اللواء برزان عبد الغفور المجيد لحماية بغداد رغم عدم تمتعه بالمعلومات والخبرة العسكرية الضرورية لمثل هذا الواجب .
وفي يوم 6 نيسان، وبعد الهجوم الأميركي الأول على بغداد، بدأ المأزق يتجلى على حقيقته لعين صدام. يومها التقى بثلة من أعضاء حلقته الداخلية الصغيرة في منزل آمن في حي المنصور ببغداد وطلب من نائبه طارق عزيز أن يقرأ رسالة من ثماني صفحات.ولم يظهر على وجه صدام أي تعبير خلال قراءة الرسالة، ولكن عزيز أبلغ المحققين بأن الرئيس السابق بدا مستسلماً للهزيمة، وبدت تلك الرسالة أشبه ما تكون برسالة وداع، فقد أيقن أن حكمه ماضٍ الى زوال.
في الوقت الذي كانت فيه الطائرات الأميركية تجوب أجواء بغداد بعد أسبوعين من اندلاع الحرب لإسقاط نظام صدام توجه الفريق رعد الحمداني الى بغداد للإجتماع بالقيادة العسكرية لغرض طلب تعزيزات لحماية بغداد،
وطلب السماح له بنسف جسر المسيب الكبير الذي يقع جنوب بغداد لقطع الطريق على القوات الأميركية المتقدمة الى بغداد .
ولكن صدام ، الذي كان محاطا بمجموعته الصغيرة ، قال له: ان لديه طريقته في القتال ومواجهة الموقف، لأنه كان مقتنعا ان الخطر على حكومته لن يأتي من الخارج بل من الداخل، ولذلك فإنه سيحتفظ بالجسور لكي يستخدمها في سحق أي تمرد شيعي ينطلق من الجنوب .
ولم يحصل الفريق الحمداني على دعم عسكري، كما جاءت الموافقة على خطة نسف الجسر متاخرة كثيرا فلم يتسن لقوات صدام ان تنسف أكثر من فضاء واحد منه. بعد ذلك ردمت القوات الأميركية الفجوة لتعبر عليها مركباتها المتجهة الى بغداد .
هذه الحادثة لم تكن سوى واحدة من عدة حوادث عابرة تضمنها تقرير عسكري أميركي، بالإضافة الى وثائق ومقابلات تشير الى ان صدام كان منشغل البال بالتهديد القادم اليه من داخل البلاد في حين كان ينهك قواته في القتال مع القوات الأميركية. لقد كانت مغامرة أخيرة لمواجهة انتحار جماعي للجنود العراقيين، ولكن قوات (فدائيي صدام) كانت من اكثر القوات ضمانا لثقة صدام بها، حيث أوكل لها مهمات عرقلة القوات الاميركية المتقدمة، وما زالت بقاياهم تقوم بنفس الدور، لا على سبيل التخطيط المسبق بل بسبب ظروف ارتباطاتهـم السابقة .
وتظهر وثائق التقرير ان صدام لم يكن يثق بأقرب مساعديه أو جنوده وكان دائم الخوف من الثورة عليه أو مواجهة الإنقلابات ضده. كان يتخذ قراراته بمفرده وكان يشاورعدي و قصي ويفرض الإجراءات المعوقة لقوات الأمن من أجل حماية نفسه وكان يقوم بذلك عبر عدة طرق :
لم يكن الدكتاتور يطلع أركان حكمه على المعلومات الخاصة بأسلحة الدمار لدرجة انهم أصيبوا بالذهول عندما اخبرهم بعدم وجود اسلحة دمار شامل قبل ثلاثة شهور لاغير من بدء الحرب الأمر الذي أوقعهم في حالة انهيار معنوي بسبب إعتمادهم على معلومات الأسلحة الكيماوية والغاز السام والأسلحة الجرثومية الخفية المخصصة للدفاع عن البلد في حال وقوع هجوم عليه .
وضع الدكتاتور شخصا غير كفوء وكثير السكر لقيادة الحرس الجمهوري الخاص المكلف بحماية العاصمة ربما لمجرد ولائه لصدام .
لم يكن صدام يؤمن بجماعية القيادة في الحرب ولم يكن يسمح للقادة بتحريك الجنود بدون حصولهم على الإذن منه في بغداد وكان يمنع إجراء الإتصالات بين القادة العسكريين خوفا من اتفاقهم ضده .
ولم تكن قيادة (فدائيي صدام) مرتبطة بقيادة جماعية . كما لم يكن يسمح لقيادات فرق الحرس الجمهوري بالإتصال مع بعضها البعض ولم يسمح لقادة الفرق الحصول على خرائط دقيقة عن مناطق محيطة ببغداد وخصوصا منطقة مطار بغداد لأن من شأن ذلك كشف قصور ومقرات الدكتاتور التي يتردد عليها في الأزمات .
ولم تكن القوات الأميركية مطلعة على تلك التفاصيل قبل الحرب ، وقد جمع مؤرخو الحرب الأميركيون 110 مصادر من المعلومات الي تضمنت اشخاصا ومسؤولين في النظام السابق، في السجن وخارج السجن، بالإضافة الى أكثر من 600 وثيقة في يد القوات الأميركية تؤكد المعلومات المستقاة .
وهناك دراسة صدرت في نيسان 2005 بعنوان " توقعات العراقيين (النظام السابق) عن عملية حرية العراق ، والمعارك الكبرى فيها " تشير الى أن صدام لم يكن يتوقع هجوما اميركيا بالحجم الحقيقي الذي وقع .
ونقلت الدراسة عن طارق عزيز، نائب رئيس الوزراء في حكومة صدام قوله ان صدام وقبل اسابيع من الهجوم لم يكن يتوقع هجوما بريا أميركيا وكان يعتقد بأنهم لن يتقدموا في الحرب البرية لأن تكاليفها سترهقهم، وكان خوف صدام الرئيسي منصباً على الداخل الذي قد يثور ضده في حالة وقوع الهجوم الأميركي .
ورغم الهزيمة الساحقة التي مني بها جيشه في حرب الكويت عام 1991، فإن صدام لم يكن يعتبر أميركا عدوا له لأن خوفه الحقيقي كان من حدوث انتفاضة شيعية ضده مشابهة لتلك التي وقعت بعد تلك الحرب في نفس العام .
ذات مرة في أحد لقاءات صدام مع القيادات العسكرية عام 1995 عرض عليه الضباط خطة لحماية الأراضي العراقية شبيهة بتلك التي قام بها الروس لمواجهة غزو جيش نابليون والجيش الألماني أيام هتلر وذلك بتسليح القبائل لمواجهة الجيش المتقدم فيما تتولى الدروع الهجوم على القوات الغازية، ولكنه رفض تسليح القبائل وهو رفض طبيعي لقيادة تتحسب من ثورة يعلنها شعبها عليها. هذا الخوف نفسه هو الذي دعا صدام لتأسيس قوة (فدائيي صدام) بتسليح يناسب حرب العصابات والمعارك المتوسطة التي تحتاج الى قاذفات آر بي جي سفن والأسلحة الرشاشة ومدافع الهاون وغيرها من المعدات. وكانت واجبات هذه القوة تتمثل في حماية مقرات الحزب المنحل وتطويق المناطق الشيعية لحين وصول التعزيزات المدرعة اليها . قوة ( فدائيي صدام ) هذه، التي أوكلت مهمة الإشراف عليها الى إبنه عدي ، كانت على درجة من الأهمية الحيوية لبقاء الحكومة وديمومتها جعلت النظام يستنزف قوة بشرية كثيفة العدد في إعدادها كان من الممكن للجيش أن ينتفع بها .. من ناحية ثانية كان صدام يخشى إيران، وكان جيشه ينفذ مناورات سنوية تسمى النسر الذهبي على الحدود مع الدولة الجارة. وكان يسعى الى تجنب الحرب بالسبل الدبلوماسية التي كانت روسيا وفرنسا والمانيا ترعاها بلا طائل .
كذلك سعى صدام للتعاون مع مفتشي الأمم المتحدة بتدمير الصواريخ متوسطة المدى، التي عرفت باسم صواريخ سكود. وفي النهاية قسم صدام العراق الى قطاعات عسكرية وربطها ببعض المقربين اليه كقادة اقليميين لهم صلاحيات واسعة في مواجهة أية انتفاضة شعبية ضد حكمه. وإنتشرت قوات الحرس الجمهوري قرب اقليم كردستان والحدود الإيرانية فيما ترك بغداد بيد قوات الحرس الجمهوري الخاص الذي يعتبره أكثر ولاء له ومنع دخول أية قوة غيرها الى المدينة. وقام بعدة إجراءات في المدينة لتقليل وتعويق الحركة فيها مثل قطع الطرق والإتصالات.
ويصف سلطان هاشم أحمد وزير دفاع صدام دوره في تلك الحرب بانه تحول من قائد عسكري الى ضابط صغير يعمل تحت إمرة قصي في جمع المعلومات ونقل التبليغات .
وإختار صدام ابن عمه اللواء برزان عبد الغفور المجيد لحماية بغداد رغم عدم تمتعه بالمعلومات والخبرة العسكرية الضرورية لمثل هذا الواجب .
وفي يوم 6 نيسان، وبعد الهجوم الأميركي الأول على بغداد، بدأ المأزق يتجلى على حقيقته لعين صدام. يومها التقى بثلة من أعضاء حلقته الداخلية الصغيرة في منزل آمن في حي المنصور ببغداد وطلب من نائبه طارق عزيز أن يقرأ رسالة من ثماني صفحات.ولم يظهر على وجه صدام أي تعبير خلال قراءة الرسالة، ولكن عزيز أبلغ المحققين بأن الرئيس السابق بدا مستسلماً للهزيمة، وبدت تلك الرسالة أشبه ما تكون برسالة وداع، فقد أيقن أن حكمه ماضٍ الى زوال.