سمير
03-26-2006, 10:33 PM
د شاكر النابلسي
-1-
قبل أيام حلّت الذكرى الثالثة للحملة العسكرية الغربية على العراق، التي أدت إلى سقوط معابد الاستبداد في العراق التي أقيمت ليس منذ أكثر من ثلاثين سنة وهي حكم حزب البعث للعراق، ولكن منذ ما بعد حمورابي إلى الآن. فالعراق لم تحكمه معابد الاستبداد البعثية والصدّامية فقط ولكن حكمته أيضاً معابد الاستبداد العربية منذ حكم الأمويين، ثم حكم العباسيين ، ثم حكم العثمانيين، وإلى الآن.
إذن، فالعراق كان واقعاً تحت الاستبداد منذ حوالي أكثر من 1500 سنة، وليس منذ أكثر من ثلاثين سنة، كما يكتب الكُتّاب، ويُعلّق المعلقون.
-2-
الحملة العسكرية الغربية على العراق، هي وحدها التي حررت العراق من استعباد الحكم الخليفي العربي له، ومن استعباد الحكم السلطاني العثماني له. ولولا هذه الحملة العسكرية المدهشة التي ساقتها عوامل سياسية وتاريخية فريدة ونادرة، لظل العراق إلى الآن يرزح تحت هذا الاستبداد الممتد منذ خمسة عشر قرناً، ويزيد.
إذن، تركة العراق وميراث العراق الأسود من الظلم والاستبداد والقهر ليس من نتاج النصف الثاني من القرن العشرين حين سرق وسطا حزب البعث على السلطة في العراق، ولكن هذه التركة وهذا الميراث هي تركة وميراث قرون طويلة ممتدة.
وحين جاءت الحملة العسكرية الغربية قبل ثلاث سنوات لم تأتِ لاسقاط حكم حزب البعث وهدم معابد استبداد صدام حسين فقط، ولكنها جاءت لكي تهدم معابد أكبر خطورة من معابد صدام حسين، وهي معابد القبيلة الرجعية التي انكشف عنها الغطاء بعد أن سقطت معابد صدام الاستبدادية. وهي معابد الطائفية الدينية التي انكشف عنها الغطاء، وظهرت على الملأ بعد أن كان حكم صدام حسين قد سحقها ومحقها، ليس بالتعايش السلمي، وليس بالديمقراطية، وليس بالمجتمع المدني، وليس بتطبيق شرائع حقوق الانسان، ولكن بالبطش والقهر، وقوة الاستبداد. ورغم هذا فما فعله صدام بالعراق من ظلم وقهر واستبداد لا يوازي مثلاً وزن ريشة طائر النعّام مقارنةً بما فعله ولاة العصر الأموي، وما فعله من بعدهم خلفاء الدولة العباسية وعلى رأسهم أبو جعفر المنصور.
-3-
اليوم فقط، وبعد ثلاث سنوات من قيام الحملة العسكرية الغربية على العراق، لتحريره من حقبة 1500 سنة من الظلم والاستبداد والقهر والامتهان، يبدأ العراق في تحرره من كل هذه الأصفاد. وثلاث سنوات سابقة غير كافية لتحريره من كل هذا الإرث الاستبدادي، في بلد كالعراق تتنازعه القبلية والطائفية والنوازع العرقية. فالعراق بحاجة إلى سنوات طويلة وطويلة لكي يبرأ من هذه الأمراض المستعصية في جسمه منذ مئات السنين، خاصة وأن المقاومة والمناعة العربية لأدوية مثل هذه الأمراض شديدة. فالجسم العربي لديه مناعة لا توصف ضد أدوية البراء والشفاء من أمراض القبلية والطائفية والعصبية العرقية.
إن كان يظن أن الحملة العسكرية الغربية على العراق – والتي كانت كيّاً على طريقة الطب الشعبي - سوف تكون الوصفة السحرية والدواء الشافي للعراق، بحيث تنقله من استعباد 1500 سنة إلى حداثة وديمقراطية العصر الحديث، فقد كان واهماً، ومغفلاً ، وجاهلاً ، ومستلباً.
فمنذ بداية الحملة العسكرية الغربية على العراق، قبل ثلاث سنوات، قلنا بأن العراق كان مريضاً بداء السرطان الاستعبادي، وأن هذه الحملة العسكرية الغربية، كانت هي المشفى التي سوف يدخل العراق بالقوة وبالكي إلى هذا المشفى، لكي يبرأ من أمراضه القبلية والطائفية والعرقية التي أورثته داء العنف، وأورثته داء التعصب، وأورثته عدم حب الوطن، ولكن حب الطائفة، وحب القبيلة، وحب العرق المتعصب. وبدون أن يبرأ العراق من هذه الأمراض، فلا ديمقراطية تقوم، ولا حرية تسود، ولا عدالة تُنصب.
-4-
سقوط حكم صدام حسين في التاسع من نيسان/ابريل 2003 لم يكن سقوطاً لنظام حكم، ولكنه كان بداية سقوط حكم القبيلة الواحدة، والطائفة الواحدة، والعرق الواحد. سقوط عقيدة التوحيد السياسي الذي كان سائداً قبل مئات السنين في العراق،كما هو سائد الآن في كل أنحاء العالم العربي بالقوة، وبالبلطجة، وبدعم المؤسسات الدينية، وبتزوير التاريخ، وبحكم الأجهزة البوليسية. والقوة العسكرية الغربية الموجود الآن في العراق ليست من أجل الاطمئنان إلى أن حكم صدام قد ولّى غير رجعة، ولكن هذا الوجود العسكري من أجل تحويل العراق من مجتمع قبلي إلى مجتمع مدني، ومن مجتمع طائفي إلى مجتمع تعددي، ومن مجتمع عرقي إلى مجتمع وطني. وبدون ذلك لن يصبح العراق ديمقراطياً، ولا منارة للحرية العربية. والدليل على ذلك، أنه بعد ثلاث سنوات من تحرير العراق، ما زال العراق يرسخ تحت سيطرة سدنة معابد الاستبداد. ولكنهم هذه المرة ليسوا سدنة معابد استبداد حكم صدام، ولكنهم سدنة معابد الطائفية والقبلية والعرقية المتعصبة. وما زالت الحكومة العراقية الدائمة، مستعصية من جراء القابضين عليها من السدنة الجُدد.
فهل أصبح العراق الآن تحت مزراب هؤلاء السدنة الجُدد، بعد أن كان تحت دلف سدنة معابد صدام الاستبدادية؟
-5-
ومن قال أن بغداد سقطت بعد هذه الحملة العسكرية الغربية فقد كذب، وتاه، وخاب. فبغداد لم تسقط من قبلُ ، ولا من بعدُ. ما سقط هو مرحلة مظلمة وقاسية من مراحل الاستبداد العراقي بالعراق وبشعب العراق، متمثلاً بحكم حزب البعث، وعهد صدام حسين. ولكن تبقى هناك مراحل استبداد أكثر أهمية لكي يتم اسقاطها في العراق، وهي القبلية، والطائفية، والعصبية العرقية. وسقوطها وحده هو الذي يضمن عدم قيام حرب أهلية الآن، وفي المستقبل. كما يضمن أن ينتقل العراق من القدامة إلى الحداثة، ومن المجتمع القبلي إلى المجمع المدني، ومن الحكم الطائفي إلى الحكم الديمقراطى. ولهذا سوف تبقى القوات العسكرية الغربية في العراق زمناً طويلاً. وهذا من حظ العراق السعيد، الذي سخّر الله به للعراق هذه القوى، لكي تنقل العراق من الظلام إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الاستعباد إلى الحرية، وإلا كان العراق سيبقى راسخاً تحت كل هذه الأغلال قروناً وقرون قادمة، كما هو حال بقية العالم العربي في الماضي والحاضر.
ولا غالب غير الحق.
Shakerfa@Comcast.net
-1-
قبل أيام حلّت الذكرى الثالثة للحملة العسكرية الغربية على العراق، التي أدت إلى سقوط معابد الاستبداد في العراق التي أقيمت ليس منذ أكثر من ثلاثين سنة وهي حكم حزب البعث للعراق، ولكن منذ ما بعد حمورابي إلى الآن. فالعراق لم تحكمه معابد الاستبداد البعثية والصدّامية فقط ولكن حكمته أيضاً معابد الاستبداد العربية منذ حكم الأمويين، ثم حكم العباسيين ، ثم حكم العثمانيين، وإلى الآن.
إذن، فالعراق كان واقعاً تحت الاستبداد منذ حوالي أكثر من 1500 سنة، وليس منذ أكثر من ثلاثين سنة، كما يكتب الكُتّاب، ويُعلّق المعلقون.
-2-
الحملة العسكرية الغربية على العراق، هي وحدها التي حررت العراق من استعباد الحكم الخليفي العربي له، ومن استعباد الحكم السلطاني العثماني له. ولولا هذه الحملة العسكرية المدهشة التي ساقتها عوامل سياسية وتاريخية فريدة ونادرة، لظل العراق إلى الآن يرزح تحت هذا الاستبداد الممتد منذ خمسة عشر قرناً، ويزيد.
إذن، تركة العراق وميراث العراق الأسود من الظلم والاستبداد والقهر ليس من نتاج النصف الثاني من القرن العشرين حين سرق وسطا حزب البعث على السلطة في العراق، ولكن هذه التركة وهذا الميراث هي تركة وميراث قرون طويلة ممتدة.
وحين جاءت الحملة العسكرية الغربية قبل ثلاث سنوات لم تأتِ لاسقاط حكم حزب البعث وهدم معابد استبداد صدام حسين فقط، ولكنها جاءت لكي تهدم معابد أكبر خطورة من معابد صدام حسين، وهي معابد القبيلة الرجعية التي انكشف عنها الغطاء بعد أن سقطت معابد صدام الاستبدادية. وهي معابد الطائفية الدينية التي انكشف عنها الغطاء، وظهرت على الملأ بعد أن كان حكم صدام حسين قد سحقها ومحقها، ليس بالتعايش السلمي، وليس بالديمقراطية، وليس بالمجتمع المدني، وليس بتطبيق شرائع حقوق الانسان، ولكن بالبطش والقهر، وقوة الاستبداد. ورغم هذا فما فعله صدام بالعراق من ظلم وقهر واستبداد لا يوازي مثلاً وزن ريشة طائر النعّام مقارنةً بما فعله ولاة العصر الأموي، وما فعله من بعدهم خلفاء الدولة العباسية وعلى رأسهم أبو جعفر المنصور.
-3-
اليوم فقط، وبعد ثلاث سنوات من قيام الحملة العسكرية الغربية على العراق، لتحريره من حقبة 1500 سنة من الظلم والاستبداد والقهر والامتهان، يبدأ العراق في تحرره من كل هذه الأصفاد. وثلاث سنوات سابقة غير كافية لتحريره من كل هذا الإرث الاستبدادي، في بلد كالعراق تتنازعه القبلية والطائفية والنوازع العرقية. فالعراق بحاجة إلى سنوات طويلة وطويلة لكي يبرأ من هذه الأمراض المستعصية في جسمه منذ مئات السنين، خاصة وأن المقاومة والمناعة العربية لأدوية مثل هذه الأمراض شديدة. فالجسم العربي لديه مناعة لا توصف ضد أدوية البراء والشفاء من أمراض القبلية والطائفية والعصبية العرقية.
إن كان يظن أن الحملة العسكرية الغربية على العراق – والتي كانت كيّاً على طريقة الطب الشعبي - سوف تكون الوصفة السحرية والدواء الشافي للعراق، بحيث تنقله من استعباد 1500 سنة إلى حداثة وديمقراطية العصر الحديث، فقد كان واهماً، ومغفلاً ، وجاهلاً ، ومستلباً.
فمنذ بداية الحملة العسكرية الغربية على العراق، قبل ثلاث سنوات، قلنا بأن العراق كان مريضاً بداء السرطان الاستعبادي، وأن هذه الحملة العسكرية الغربية، كانت هي المشفى التي سوف يدخل العراق بالقوة وبالكي إلى هذا المشفى، لكي يبرأ من أمراضه القبلية والطائفية والعرقية التي أورثته داء العنف، وأورثته داء التعصب، وأورثته عدم حب الوطن، ولكن حب الطائفة، وحب القبيلة، وحب العرق المتعصب. وبدون أن يبرأ العراق من هذه الأمراض، فلا ديمقراطية تقوم، ولا حرية تسود، ولا عدالة تُنصب.
-4-
سقوط حكم صدام حسين في التاسع من نيسان/ابريل 2003 لم يكن سقوطاً لنظام حكم، ولكنه كان بداية سقوط حكم القبيلة الواحدة، والطائفة الواحدة، والعرق الواحد. سقوط عقيدة التوحيد السياسي الذي كان سائداً قبل مئات السنين في العراق،كما هو سائد الآن في كل أنحاء العالم العربي بالقوة، وبالبلطجة، وبدعم المؤسسات الدينية، وبتزوير التاريخ، وبحكم الأجهزة البوليسية. والقوة العسكرية الغربية الموجود الآن في العراق ليست من أجل الاطمئنان إلى أن حكم صدام قد ولّى غير رجعة، ولكن هذا الوجود العسكري من أجل تحويل العراق من مجتمع قبلي إلى مجتمع مدني، ومن مجتمع طائفي إلى مجتمع تعددي، ومن مجتمع عرقي إلى مجتمع وطني. وبدون ذلك لن يصبح العراق ديمقراطياً، ولا منارة للحرية العربية. والدليل على ذلك، أنه بعد ثلاث سنوات من تحرير العراق، ما زال العراق يرسخ تحت سيطرة سدنة معابد الاستبداد. ولكنهم هذه المرة ليسوا سدنة معابد استبداد حكم صدام، ولكنهم سدنة معابد الطائفية والقبلية والعرقية المتعصبة. وما زالت الحكومة العراقية الدائمة، مستعصية من جراء القابضين عليها من السدنة الجُدد.
فهل أصبح العراق الآن تحت مزراب هؤلاء السدنة الجُدد، بعد أن كان تحت دلف سدنة معابد صدام الاستبدادية؟
-5-
ومن قال أن بغداد سقطت بعد هذه الحملة العسكرية الغربية فقد كذب، وتاه، وخاب. فبغداد لم تسقط من قبلُ ، ولا من بعدُ. ما سقط هو مرحلة مظلمة وقاسية من مراحل الاستبداد العراقي بالعراق وبشعب العراق، متمثلاً بحكم حزب البعث، وعهد صدام حسين. ولكن تبقى هناك مراحل استبداد أكثر أهمية لكي يتم اسقاطها في العراق، وهي القبلية، والطائفية، والعصبية العرقية. وسقوطها وحده هو الذي يضمن عدم قيام حرب أهلية الآن، وفي المستقبل. كما يضمن أن ينتقل العراق من القدامة إلى الحداثة، ومن المجتمع القبلي إلى المجمع المدني، ومن الحكم الطائفي إلى الحكم الديمقراطى. ولهذا سوف تبقى القوات العسكرية الغربية في العراق زمناً طويلاً. وهذا من حظ العراق السعيد، الذي سخّر الله به للعراق هذه القوى، لكي تنقل العراق من الظلام إلى النور، ومن الظلم إلى العدل، ومن الاستعباد إلى الحرية، وإلا كان العراق سيبقى راسخاً تحت كل هذه الأغلال قروناً وقرون قادمة، كما هو حال بقية العالم العربي في الماضي والحاضر.
ولا غالب غير الحق.
Shakerfa@Comcast.net