ابوقاسم
09-13-2003, 12:38 AM
بسم الله الرحمن الرحيم
خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
15 رجب 1424هـ / 12 أيلول-سبتمبر 2003م
الخطبة الثانية
عباد الله.. اتقوا الله، فقد قال الله تعالى: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولي الألباب}، اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم وفي الإنسان كله، اتقوا الله ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار، اتقوا الله وواجهوا الباطل والظلم والاستكبار كله من موقع واحد وصف واحد، والمسلمون في هذه المرحلة يواجهون أكثر القوى المستكبرة شراسةً ووحشيةً، من أجل أن يسقطوا الإسلام والمسلمين، فلننظر ماذا هناك:
أمريكا وعنصرية الدم
هذا عالمٌ لا ضمير له، فالدول الكبرى ـ وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية ـ تطلق يد إسرائيل في اغتيال المجاهدين الفلسطينيين بالطائرات الحربية الأمريكية، في قرار صهيوني يؤكد أن هذه العمليات سوف تستمر حتى لو أدّى ذلك إلى سقوط المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ.. بالإضافة إلى قصف المستشفيات، كما حدث في محاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين وبعض قيادات حركة "حماس"، وكما حدث في محاولة اعتقال فلسطينيين في المخيّمات، لأن الدم الفلسطيني ـ عند الدول الكبرى ـ هو دم "إرهابي"، بينما الدم الإسرائيلي اليهودي هو دم حضاري ينبض في عروق المستكبرين، لأنهم من فصيلة واحدة.
لقد أثار هذا العالم المستكبر الاستنكار والاحتجاج على العمليتين الاستشهاديتين في "تل أبيب" و"القدس"، واعتبرهما عمليتين "إرهابيتين"، ولكنه لم يستنكر ـ من حيث المبدأ، أو بالقوة نفسها ـ عمليات الجيش الصهيوني التي تبيد ـ وبقرار حكومي ـ الشعب الفلسطيني بطريقة تدريجية، وتشرّد العوائل المستضعفة بتدمير بيوتها وجرف مزارعها واعتقال شبابها، من أجل خلق واقع جديد وحالة لجوء جديد إلى هذا الموقع أو ذاك، بعيداً عن أراضيهم وبلدانهم، وربما تصنع بعض الظروف لإبعاد هذه العوائل تحت ضغط القهر والتجويع، في عملية تشريد جديد، إلى خارج فلسطين؟!
خيار المقاومة ضد الاحتلال
إنّ أمريكا تساعد إسرائيل في تنفيذ مخطّطها الاستراتيجي في مصادرة أراضي الفلسطينيين، وفي قتل قياداتهم ومجاهديهم، وبذلك فقد صنعت أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ لأعضاء اللجنة الرباعية الدولية وضعاً جديداً يرفع شعار استسلام الشعب الفلسطيني لليهود، ليفرضوا شروطهم عليه.. وذلك كله باسم خارطة الطريق التي لم تحرّك اللجنة الرباعية بقيادة أمريكا أيّ ضغط على إسرائيل لتنفيذ شروطها، بل كانت تحمّل الفلسطينيين المسؤولية باعتبار شعارها "الحرب ضد الإرهاب"..
إنهم ـ من خلال هذه الوقائع ـ لا يريدون الاعتراف بأن الشعب الفلسطيني كله مع الانتفاضة، وأن المجاهدين لم يعودوا مجرد حركات مفصولة، بل تحوّلوا إلى حالة شعبية شاملة، بما في ذلك قيادة السلطة التي قد تختلف وجهات نظرها في الأساليب، ولكنها تعرف أنها سوف تكون معزولة عن الشعب إذا دخلت في صراع مع الفصائل المجاهدة.. وهذا هو ما جعل الحكومة العبرية تقرر ـ مبدأياً ـ طرد قيادة السلطة، وربما كان هناك ضوء أخضر أمريكي، وربما كان عربياً ودولياً بأساليب مختلفة..
إنّنا من خلال رصدنا الدقيق لما يجري في الساحة الفلسطينية، نعتقد أن الشعب الفلسطيني قد أخذ قراره بعدم التخلّي عن خيار المقاومة ضد الاحتلال، وأنه لا بديل عن التحرير، ولذلك فإن أيّ فعل عدواني ضد هذا الشعب سوف يقابله رد فعل فلسطيني، ما يُدخل الواقع في الصراع العربي ـ الإسرائيلي في النفق المظلم الذي لا يعرف أحد نتائجه..
أمريكا وإسرائيل: إرهاب الدولة
وإذا كانت أمريكا تستعيد ذكرى أحداث 11 أيلول التي انطلقت منها حركة الحرب ضدّ ما تسميه الإرهاب، فإنها تعمل على تأييد إرهاب الدولة بقدر ما يرتبط بالشعب الفلسطيني، وتمارس الإرهاب وتصنع ظروفه في أكثر من موقع.. ما يعني بأن هذه الحرب سوف تصنع أكثر من إرهاب في العالم، لأن الحرب على الإرهاب لن تقف إلا إذا امتنع المستكبرون من ممارسة إرهابهم السياسي والاقتصادي والأمني ضد الشعوب المستضعفة، ولا سيما شعوب العالم الإسلامي..
وإنّنا نلاحظ أن إسرائيل تمارس مع كلِّ الشعب الفلسطيني المدني، وكل بنيته التحتية، نفس الدور الذي قام به الذين قاموا بأحداث 11 أيلول، وأن الضوء الأخضر الذي تمنحه أمريكا للإرهاب الإسرائيلي سوف يشجّع أكثر من جهة على ممارسة أمثاله معها ومع إسرائيل، لأن الإرهاب نسبيّ، كما إن مسألة الدفاع عن النفس نسبية، حسب اختلاف النظرة إلى الأمور والأوضاع من هذا الجانب أو ذاك.
العلاقات الهندية الإسرائيلية بمباركة أمريكية
وفي جانب آخر، فإن العلاقات الجديدة بين الهند وإسرائيل التي حدثت أخيراً بمباركة أمريكية وحاجة هندية إلى الحصول على الامتيازات في العلاقات مع أمريكا، لأن أمريكا وضعت هذه القاعدة لأية دولة تحاول أن تحصل على البَرَكة الأمريكية.. إن هذه العلاقات الجديدة تجعلنا نخشى أن تكون خطوة متقدمة نحو تطويق العالم الإسلامي، ولا سيما باكستان، التي ينظر إليها الغرب في سلاحها النووي بأنها "القنبلة الإسلامية"، تماماً كما لو كان امتلاك المسلمين هذا السلاح خطراً على العالم، من دون أن يصف القنبلة الهندية بأنها القنبلة الهندوسية..
كما نلاحظ أن أمريكا التي تطالب في شعاراتها بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، أصبحت تحكم على الشعب الكشميري المطالب بحريته في الاستقلال وتقرير المصير بأنه منظمة إرهابية، على الطريقة التي تتعامل فيها مع الشعب الفلسطيني، ولا ندري كيف تقدّم أمريكا ديمقراطيتها للعالم؟؟
العراق: الاحتلال في مأزق
أما الوضع في العراق، فلا يزال في دائرة الاهتزاز على أكثر من صعيد، بالرغم من تأسيس حكومة عراقية حصلت على الاعتراف المؤقّت من الجامعة العربية.. ولا يزال الاحتلال يتخبط في التحديات الأمنية التي تواجه جنوده، ما جعله ينتقل من إرباك أمني إلى إرباك سياسي، وربما لن يستطيع الخروج من هذا المأزق باللجوء إلى الأمم المتحدة التي لا تريد أمريكا منحها القوة الكبيرة التي تقوم فيها بإدارة العراق، لأنها ليست مستعدة لإعطاء الأمم المتحدة أيّ دور يصطدم بموقعها القيادي في السيطرة على العالم..
وإننا نخشى بفعل هذا المناخ العاصف سياسياً وأمنياً واقتصادياً، أن يطول أمد بقاء هذا الشعب تحت الاحتلال، لأنه قد تعذّب طويلاً من خلال دكتاتورية الطغيان الوحشي في النظام البائد الذي أعطته أمريكا كل وسائل القوة، وقد آن له أن يرتاح لينطلق صوته القوي: إرفعوا أيديكم أيها الطامعون المحتلون عن العراق، لأنه يرفض الاحتلال كله.
مَن هم قادة الفساد وحماته
أما في لبنان، فإننا لا نزال نسمع الحديث عن الإصلاح حتى من الذين كانوا قادة الفساد، وعن العدالة حتى من الذين لا يزالون يظلمون الناس بما يملكون من عناصر القوة المالية والسياسية والعسكرية.. وبدأ الشعب يتساءل: إذا كان كل هؤلاء من دعاة الإصلاح، فمن هم قادة الفساد وحماته؟
إن المشكلة أننا لا نسمع من يتحدث عن الآلية وعن الأسماء بصراحة، لتبقى المسألة في دائرة المطلق وفي آفاق الضباب.. لقد تحوّل الواقع السياسي في لبنان إلى مرض خبيث من الفساد الإداري والسياسي إلى آخر القائمة، ونحن نخشى أن تنتقل هذه العدوى إلى الجيل الطالع من الشباب الطامح إلى الدخول في تجربة الإصلاح، لأن الذين يحرسون الفساد هم الذين يقودون حركته إلى الانحراف عن الخط المستقيم، ويفتحون له أبواب الدخول إلى الهيكل بفعل ما يملكونه من سلطات مطلقة..
والسؤال: أين هي المؤسسات التي تملك الخطة الشجاعة في إبعاد البلاد عن الهدر والخيانة والفساد؟ هل نعيد استهلاك الكلمة المأثورة بأن الشعب يبحث عن الدولة الغائبة في أكثر من مغارة وأكثر من مزرعة؟
خطبة الجمعة لسماحة آية الله العظمى السيد محمد حسين فضل الله
15 رجب 1424هـ / 12 أيلول-سبتمبر 2003م
الخطبة الثانية
عباد الله.. اتقوا الله، فقد قال الله تعالى: {وتزوّدوا فإن خير الزاد التقوى واتقوني يا أولي الألباب}، اتقوا الله في أنفسكم وأهليكم وفي الإنسان كله، اتقوا الله ولا تركنوا إلى الذين ظلموا فتمسّكم النار، اتقوا الله وواجهوا الباطل والظلم والاستكبار كله من موقع واحد وصف واحد، والمسلمون في هذه المرحلة يواجهون أكثر القوى المستكبرة شراسةً ووحشيةً، من أجل أن يسقطوا الإسلام والمسلمين، فلننظر ماذا هناك:
أمريكا وعنصرية الدم
هذا عالمٌ لا ضمير له، فالدول الكبرى ـ وفي مقدّمتها الولايات المتحدة الأمريكية ـ تطلق يد إسرائيل في اغتيال المجاهدين الفلسطينيين بالطائرات الحربية الأمريكية، في قرار صهيوني يؤكد أن هذه العمليات سوف تستمر حتى لو أدّى ذلك إلى سقوط المدنيين من أطفال ونساء وشيوخ.. بالإضافة إلى قصف المستشفيات، كما حدث في محاولة اغتيال الشيخ أحمد ياسين وبعض قيادات حركة "حماس"، وكما حدث في محاولة اعتقال فلسطينيين في المخيّمات، لأن الدم الفلسطيني ـ عند الدول الكبرى ـ هو دم "إرهابي"، بينما الدم الإسرائيلي اليهودي هو دم حضاري ينبض في عروق المستكبرين، لأنهم من فصيلة واحدة.
لقد أثار هذا العالم المستكبر الاستنكار والاحتجاج على العمليتين الاستشهاديتين في "تل أبيب" و"القدس"، واعتبرهما عمليتين "إرهابيتين"، ولكنه لم يستنكر ـ من حيث المبدأ، أو بالقوة نفسها ـ عمليات الجيش الصهيوني التي تبيد ـ وبقرار حكومي ـ الشعب الفلسطيني بطريقة تدريجية، وتشرّد العوائل المستضعفة بتدمير بيوتها وجرف مزارعها واعتقال شبابها، من أجل خلق واقع جديد وحالة لجوء جديد إلى هذا الموقع أو ذاك، بعيداً عن أراضيهم وبلدانهم، وربما تصنع بعض الظروف لإبعاد هذه العوائل تحت ضغط القهر والتجويع، في عملية تشريد جديد، إلى خارج فلسطين؟!
خيار المقاومة ضد الاحتلال
إنّ أمريكا تساعد إسرائيل في تنفيذ مخطّطها الاستراتيجي في مصادرة أراضي الفلسطينيين، وفي قتل قياداتهم ومجاهديهم، وبذلك فقد صنعت أمريكا ـ ومعها إسرائيل ـ لأعضاء اللجنة الرباعية الدولية وضعاً جديداً يرفع شعار استسلام الشعب الفلسطيني لليهود، ليفرضوا شروطهم عليه.. وذلك كله باسم خارطة الطريق التي لم تحرّك اللجنة الرباعية بقيادة أمريكا أيّ ضغط على إسرائيل لتنفيذ شروطها، بل كانت تحمّل الفلسطينيين المسؤولية باعتبار شعارها "الحرب ضد الإرهاب"..
إنهم ـ من خلال هذه الوقائع ـ لا يريدون الاعتراف بأن الشعب الفلسطيني كله مع الانتفاضة، وأن المجاهدين لم يعودوا مجرد حركات مفصولة، بل تحوّلوا إلى حالة شعبية شاملة، بما في ذلك قيادة السلطة التي قد تختلف وجهات نظرها في الأساليب، ولكنها تعرف أنها سوف تكون معزولة عن الشعب إذا دخلت في صراع مع الفصائل المجاهدة.. وهذا هو ما جعل الحكومة العبرية تقرر ـ مبدأياً ـ طرد قيادة السلطة، وربما كان هناك ضوء أخضر أمريكي، وربما كان عربياً ودولياً بأساليب مختلفة..
إنّنا من خلال رصدنا الدقيق لما يجري في الساحة الفلسطينية، نعتقد أن الشعب الفلسطيني قد أخذ قراره بعدم التخلّي عن خيار المقاومة ضد الاحتلال، وأنه لا بديل عن التحرير، ولذلك فإن أيّ فعل عدواني ضد هذا الشعب سوف يقابله رد فعل فلسطيني، ما يُدخل الواقع في الصراع العربي ـ الإسرائيلي في النفق المظلم الذي لا يعرف أحد نتائجه..
أمريكا وإسرائيل: إرهاب الدولة
وإذا كانت أمريكا تستعيد ذكرى أحداث 11 أيلول التي انطلقت منها حركة الحرب ضدّ ما تسميه الإرهاب، فإنها تعمل على تأييد إرهاب الدولة بقدر ما يرتبط بالشعب الفلسطيني، وتمارس الإرهاب وتصنع ظروفه في أكثر من موقع.. ما يعني بأن هذه الحرب سوف تصنع أكثر من إرهاب في العالم، لأن الحرب على الإرهاب لن تقف إلا إذا امتنع المستكبرون من ممارسة إرهابهم السياسي والاقتصادي والأمني ضد الشعوب المستضعفة، ولا سيما شعوب العالم الإسلامي..
وإنّنا نلاحظ أن إسرائيل تمارس مع كلِّ الشعب الفلسطيني المدني، وكل بنيته التحتية، نفس الدور الذي قام به الذين قاموا بأحداث 11 أيلول، وأن الضوء الأخضر الذي تمنحه أمريكا للإرهاب الإسرائيلي سوف يشجّع أكثر من جهة على ممارسة أمثاله معها ومع إسرائيل، لأن الإرهاب نسبيّ، كما إن مسألة الدفاع عن النفس نسبية، حسب اختلاف النظرة إلى الأمور والأوضاع من هذا الجانب أو ذاك.
العلاقات الهندية الإسرائيلية بمباركة أمريكية
وفي جانب آخر، فإن العلاقات الجديدة بين الهند وإسرائيل التي حدثت أخيراً بمباركة أمريكية وحاجة هندية إلى الحصول على الامتيازات في العلاقات مع أمريكا، لأن أمريكا وضعت هذه القاعدة لأية دولة تحاول أن تحصل على البَرَكة الأمريكية.. إن هذه العلاقات الجديدة تجعلنا نخشى أن تكون خطوة متقدمة نحو تطويق العالم الإسلامي، ولا سيما باكستان، التي ينظر إليها الغرب في سلاحها النووي بأنها "القنبلة الإسلامية"، تماماً كما لو كان امتلاك المسلمين هذا السلاح خطراً على العالم، من دون أن يصف القنبلة الهندية بأنها القنبلة الهندوسية..
كما نلاحظ أن أمريكا التي تطالب في شعاراتها بحقوق الشعوب في تقرير مصيرها، أصبحت تحكم على الشعب الكشميري المطالب بحريته في الاستقلال وتقرير المصير بأنه منظمة إرهابية، على الطريقة التي تتعامل فيها مع الشعب الفلسطيني، ولا ندري كيف تقدّم أمريكا ديمقراطيتها للعالم؟؟
العراق: الاحتلال في مأزق
أما الوضع في العراق، فلا يزال في دائرة الاهتزاز على أكثر من صعيد، بالرغم من تأسيس حكومة عراقية حصلت على الاعتراف المؤقّت من الجامعة العربية.. ولا يزال الاحتلال يتخبط في التحديات الأمنية التي تواجه جنوده، ما جعله ينتقل من إرباك أمني إلى إرباك سياسي، وربما لن يستطيع الخروج من هذا المأزق باللجوء إلى الأمم المتحدة التي لا تريد أمريكا منحها القوة الكبيرة التي تقوم فيها بإدارة العراق، لأنها ليست مستعدة لإعطاء الأمم المتحدة أيّ دور يصطدم بموقعها القيادي في السيطرة على العالم..
وإننا نخشى بفعل هذا المناخ العاصف سياسياً وأمنياً واقتصادياً، أن يطول أمد بقاء هذا الشعب تحت الاحتلال، لأنه قد تعذّب طويلاً من خلال دكتاتورية الطغيان الوحشي في النظام البائد الذي أعطته أمريكا كل وسائل القوة، وقد آن له أن يرتاح لينطلق صوته القوي: إرفعوا أيديكم أيها الطامعون المحتلون عن العراق، لأنه يرفض الاحتلال كله.
مَن هم قادة الفساد وحماته
أما في لبنان، فإننا لا نزال نسمع الحديث عن الإصلاح حتى من الذين كانوا قادة الفساد، وعن العدالة حتى من الذين لا يزالون يظلمون الناس بما يملكون من عناصر القوة المالية والسياسية والعسكرية.. وبدأ الشعب يتساءل: إذا كان كل هؤلاء من دعاة الإصلاح، فمن هم قادة الفساد وحماته؟
إن المشكلة أننا لا نسمع من يتحدث عن الآلية وعن الأسماء بصراحة، لتبقى المسألة في دائرة المطلق وفي آفاق الضباب.. لقد تحوّل الواقع السياسي في لبنان إلى مرض خبيث من الفساد الإداري والسياسي إلى آخر القائمة، ونحن نخشى أن تنتقل هذه العدوى إلى الجيل الطالع من الشباب الطامح إلى الدخول في تجربة الإصلاح، لأن الذين يحرسون الفساد هم الذين يقودون حركته إلى الانحراف عن الخط المستقيم، ويفتحون له أبواب الدخول إلى الهيكل بفعل ما يملكونه من سلطات مطلقة..
والسؤال: أين هي المؤسسات التي تملك الخطة الشجاعة في إبعاد البلاد عن الهدر والخيانة والفساد؟ هل نعيد استهلاك الكلمة المأثورة بأن الشعب يبحث عن الدولة الغائبة في أكثر من مغارة وأكثر من مزرعة؟