المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : عمرو خالد: ماركة رائجة في سوق التدين



مجاهدون
03-24-2006, 07:31 AM
في النشأة وروافد التكوين (1)

إعداد: دِهشام العوضي

* استاذ الدراسات الدولية والتاريخ في الجامعة الاميركية في الكويت


شوارع القاهرة مزدحمة بالناس والسيارات، ولو قدر لك ان تزور القاهرة في السبعينات، وحالفك الحظ يوم الجمعة وأنت في احد الاحياء الشعبية فإنك ربما كنت ستشهد موقفا يدعو للدهشة: كنت سترى تجمعا ملحوظا لسيارات التاكسي ينادي سائقوها على المارة: كشكِِ كشكِِ كشك! أي من يريد أن يذهب إلى كشك؟ وبالطبع فإن 'كشك' لم يكن اسما لمنطقة أو شارع وإنما للخطيب المعروف الشيخ عبدالحميد كشك، الذي اكتسب شهرة كبيرة بخطبه الاسبوعية شديدة الجرأة ولهجة دارجة يفهمها العامةِ

لم يكن الشيخ كشك خطيبا مفوها فحسب وإنما كان اضافة الى ذلك معبرا جريئا عن حالة الاحباط التي سادت مصر بعد هزيمة 1967 وعن تبعات التحول العشوائي من عهد الرئيس جمال عبدالناصر إلى الرئيس أنور الساداتِ وفي مطلع السبعينات فإن العرب وليس المصريون وحدهم كانوا يبحثون عن هوية بديلة لم يتعرفوا ملامحها بعد، ولكن يبدو انهم كانوا متأكدين، وان لم يفصحوا او يعترفوا، بأنها لا تستند الى القومية الناصريةِ

تمكن الشيخ كشك من توظيف فترة انفتاح السادات و'أزمة الهوية' هذه كي يتكلم في كل شيء وباسقاطات سياسية لاذعة لم تعهد على رجال الازهر منذ ثورة الضباط الاحرار في الخمسينات: تكلم في التفسير والسيرة، وتكلم أيضا فيما اعتبره تحلل نيللي في فوازير رمضان، وتطاول الرئيس القذافي على الخليفة عمرِ تحول اسم كشك بخطبه التي ربت على 2500 خطبة جمعة ودرس إلى 'اسم ماركة' ذائعة الصيت، روجت لها أشرطة الكاسيت، وسائقو التاكسي بندائهم الاسبوعي: كشكِِ كشكِِ كشكِ

في الثمانينات منع كشك من الخطابة بسبب شعبيته التي بلغت حدا أقلق السلطة الجديدة، وتوفي في 1996 غير ان ظاهرة دعايات سائقي الاجرة لم ترحل معهِ فلو انك زرت القاهرة مرة اخرى سنة 2002، أي بعد مضي اكثرمن 30 سنة على صعود نجم الشيخ كشك، وكنت وسط احياء الطبقة المتوسطة وحالفك الحظ فإنه كان من الممكن ان تشهد في يوم سوى الجمعة وبعد صلاة المغرب مشهدا مثيرا
لسائقي 'الميكروباصات' وهم ينادون: عمرو خالدِِ عمرو خالدِِ عمرو خالد! بالطبع هذه المرة 'عمرو خالد' اسم ماركة معروفة، ولكن ليس من خلال أشرطة الكاسيت فحسب وانما عبر الفضائيات التي لم يحظ بها الكاريزميون في السبعينات مثل الشيخ كشك اوالإمام الخمينيِ من السهل أن نستنتج ان الفروق بين الشخصين، كشك وخالد، كانت شكلية ومختزلة في حسنات التكنولوجيا الجديدة وكون الاول أزهريا ضريرا والثاني 'مودرن' حليقِ لكن الفرق الأهم هو الفترة الزمنية التي لم تفصل بين الرجلين فحسب وإنما فصلت بين المصريين ومصر كذلكِ ومثلما كان خطاب الشيخ كشك يعكس حالة الاحباط و'أزمة الهوية' التي مرت بها مصر في السبعينات، فإن نجومية عمرو خالد، فضلا عن إمكاناته الشخصية، لا يمكن فهمها بمعزل عن مصر الثمانينات والتسعينات التي تكونت خلالها هذه الشخصية، وتكون خلالها جمهورهِ



ولادته سنة النكسة
ولد عمرو خالد في 1967 بثلاثة أشهر فقط بعد هزيمة ناصر ونكبة العرب النفسيةِ وشهدت مصر بعد رحيل زعيمها القومي في 1970 مرحلة انفتاح جديدة استفاد منها التيار الإسلامي الذي شكل رافدا من روافد تكوين خالدِ لكن قبل ذلك شكل جده لأمه الرافد الأول في حياته وذلك من خلال القصص الإسلامية التي كان يحكيها له بالتفصيل مما عمق من خيال الطفل وعاطفتهِ واستكمل عملية البناء العاطفي عند خالد شخصية ربما لم تكتسب شهرة واسعة مثل كشك هي الشيخ إبراهيم عزت الذي يقال إنه كان عضوا في حركة الاخوان المسلمين ثم انفصل عنها لأسباب غير معروفة وانضم لجماعة الدعوة والتبليغ مطلع الستيناتِ لم يكن تحول الشيخ عزت من الاخوان إلى التبليغ قرار عبثيا وإنما رغبة في الابتعاد من 'الإسلام السياسي' أو 'الإسلامي التنظيمي' إلى 'الإسلام الوجداني' في سوق تدين تلك الفترة، وهو تحول شاع بصورة متكررة لدى جيل من الدعاة فيما بعدِ واستثمر الشيخ إبراهيم عزت مناخ الانفتاح الذي بدأه السادات وظل يخطب من 1975 إلى أن وافته المنية في 1983ِ كان خالد صغيرا في ذلك الوقت، لكنه تعرف على خطب الشيخ من خلال أشرطة الكاسيت، التي مثلت وقتئذ أحدث تكنولوجيا الاتصال في نقل الوعي الديني للجيل الجديدِ

اتسمت خطب الشيخ عزت بعاطفة شديدة ونأي واضح عن السياسة، أو على الأقل مقارنة بخطب الشيخ كشكِ واتمست شخصيته بمرونة وانفتاح على بقية الإسلاميينِ فعلى الرغم من تركه الإخوان فإن ملامح التأثر بهم ظلت معه، ولم يكن يجد غضاضة في ان يرى دوره التبليغي متوائما مع مساعي الحركة في تجنيد اعضاء جدد لهاِ وشاع عنه انه كان يقول لبعض شباب الاخوان دون مواربة: 'انا انتشل الناس من المقاهي الى المسجد وانتم بعد ذلك يمكن ان تستقطبوهم الى صفوفكمِ' لم يعتبر الشيخ عزت نفسه خصما او منافسا لاحدِ

وتأثر خالد ايضا بشيخ آخر ، هو الشيخ محمد الغزالي، الذي كانت له مسيرة مشابهة الى حد ما بمسيرة الشيخ عزت، مع فروق، فقد انضم الشيخ الغزالي للاخوان منذ فترة مبكرة لكنه انفصل عن الجماعة لاسباب تنظيميةِ لكن علاقته بالاخوان لم تنقطع الى ان وافته المنية في 1996، وظلت كتبه مصدرا اساسيا من مصادر تثقيف وتربية اعضاء الحركةِ لم يتقمص خالد شخصية الشيخ الغزالي صاحب المزاج الحاد في تعاطيه مع خصومه (لاسيما سلفيي الخليج، الذين كان ينعتهم بأنهم اصحاب فقه بدوي) لكنه تأثر بعاطفة الغزالي، التي افرزت كتابيه ' الجانب العاطفي في الاسلام'ِ و'فن الذكر والدعاء'ِ



جيل السبعينات
لقد شكلت أشرطة الشيخ عزت، وكتب شيوخ الاخوان مثل الغزالي والقرضاوي أهم مصادر التثقيف الديني بالنسبة لجيل السبعينات في مصر، وهو الجيل الذي احتك به خالد وشكل الرافد الثالث في تكوين بداية وعيه الدينيِ ولنتصور أهمية هذا الرافد، لا بد ان نتعرف أولا على طبيعة هذا الجيل وأهم شخوصه، ولنبدأ منذ الآن بذكر أهم الشخوص لان اسماءهم ستكون جزءا من فهم ملامح هذا الجيل، وهم عصام العريان (القاهرة)، وعبدالمنعم أبو الفتوح (القاهرة)، وإبراهيم الزعفراني (الاسكندرية) وأبو العلا ماضي (المنيا) وباستثناء أبو العلا الذي خرج من الاخوان المسلمين في أعقاب أزمة حزب 'الوسط' في التسعينات، فإن جميع هؤلاء قيادات حالية معروفة في الجماعةِ

وتأثر جيل السبعينات بحالة الوعي الديني الذي كرسه نظام السادات لضرب الشيوعيين كعربون لصداقته الجديدة مع الولايات المتحدة، وأفرج عن تراث الاخوان المكتوب بما في ذلك كتاب سيد قطب المثير للجدل 'معالم في الطريق'، وأفرج عن قيادات الاخوان الذين اعتقلهم ناصر منذ 1964، وقتئذ، كان العريان وحلمي الجزار وأبو الفتوح يدرسون الطب في الجامعة، وناشطون في اتحاد الطلبة باسم 'الجماعة الإسلامية'ِ ولم تكن 'الجماعة الإسلامية' سوى نعت لهوية هؤلاء الطلاب ولم يكن للنعت ولا لأصحابه علاقة بأي صيغة تنظيميةِ كانت هوية 'الجماعة الإسلامية' هوية عامة تعبر عن مساعي الجيل الجديد للبحث عن خلاص من هزيمته النفسية بعد 1967، يقول أبو الفتوح عن سمات هوية 'الجماعة' تلك الفترة:

'ثقافتنا نحن جيل السبعينات كانت هي الثقافة الإسلامية السائدة في المجتمع المصري، واحنا دخلنا في 1973 اتحاد الطلبة وما كناش إخوانِِ كان عندنا خلطة فكرية، إخوان على جهاد، على سلفية، الخلطة دي كلها كانت الفكر بتاعنا في هذه الفترة'ِ

لكن يمكن القول انهم كانوا يستبطنون فكر الإخوان من خلال كتب الجماعة وشيوخهم، الذين كانوا يدعون ضيوفا محاضرين في أنشطة اتحاد الجامعة، وبعد خروجه من المعتقل مستهل السبعينات، بدأ مرشد الإخوان المسلمين عمرو التلمساني في اعادة تنظيم جماعته، للساحة بعد غياب، واستقطاب كوادر جدد، مثل شباب جيل الجامعة وطلائعهاِ وفي 1978 التقى مصطفى مشهور (مرشد الجماعة) والشيخ صلاح أبو اسماعيل، ممثلين عن الاخوان، مع قيادات الجماعة الإسلامية الطلابية في جامعات القاهرة والاسكندرية والمنيا (الصعيد) وعرضوا عليهم في لقاء خاص الانضمام للجماعة، ووافقت غالبية القيادات على ذلك، فكما أشار أبو الفتوح لم يكن فكر الاخوان غريبا تماما عن هذا الجيل، وانما تعرفوا عليه، بجانب اتجاهات أخرى، من خلال كتب الجماعة وشيوخهاِ

كانت معظم قيادات هذا الجيل تنتمي للطبقة الدنيا، وان مكنتها فيما بعد مجانية التعليم ودخول كليات القمة (الطب والهندسة) من تحقيق حراك اجتماعي، في ظروف انفتاح اقتصادي وفرص عمل في الخليج والعراقِ كان هذا الجيل يعتبر ان بلورة الوعي الديني تتم من خلال الانتماء الى تنظيم يستوعب هذه الطبقةِ وهذا يفسر استعداد قيادات هذا الجيل، اصحاب 'الخلطة الفكرية'، لقبول دعوة الاخوان بالانضمام اليهمِ وسنرى فيما بعد، ان كلا السمتين، سمة الوضع الاجتماعي وقبول العضوية في 'الاسلام السياسي الحركي'، تغيرت لدى الجيل الجديد الذي يخاطبه عمرو خالدِ

وبحلول عقد الثمانينات، ومجيء الرئيس مبارك للسلطة في 1982، بدأ يكون للاخوان تواجد ملحوظ في جامعات مصر المهمة، القاهرة والاسكندرية واسيوط، وهو تواجد جاء بعد فترة كمون من سنة 1981 - 1983 نتيجة الظروف الامنية التي ترتبت على اغتيال السادات في 1981، والتضييق على الحركة الطلابية عموماِ بعدها، وفي 1984 تحديدا، استعاد العمل الطلابي في الجامعات حيويته، اثر الانفراج الذي سمح به النظام لتكريس شرعيته الديموقراطيةِ وبالطبع استفاد الاخوان من هذه الفرصة، وتمكنوا من السيطرة على اتحادات الطلبة تحت مسمى جديد هو 'التيار الاسلامي' (وذلك بعد ان ارتبطت تسمية الجماعة الاسلامية' بتيارات العنف)ِ كان معروفا لدى بقية الاتجاهات الطلابية، مستقلين ويسارا، ان 'التيار الاسلامي' هو الواجهة الطلابية للاخوان المسلمين، ولم يعد مجرد مجموعة من الطلبة ذات اتجاه ديني عام، كما كانت الحال في السبعيناتِ

ولم يكن اسم 'التيار الاسلامي' هو الذي تغير فقط في جيل اسلاميي الثمانينات، وانما تغيرت اشكالهم وخطابهم عن جيل السبعيناتِ فطبقا لحلمي الجزار، احد القيادات المهمة في العمل الطلابي تلك الفترة:
'كنا في السبعينات لنا لحية، ونلبس الجلاليب، وخطابنا يغلب عليه الخطاب الاسلامي المباشر، فكنا مهتمين بالزي الاسلامي، وبيع الكتب الاسلامية واقامة المعارض الاسلاميةِ ومن بداية 1984، عندما نزل الاخوان بقوة في انتخابات اتحادات الطلبة، لم يكن يوجد احد تقريبا من الاخوان له لحية، وكان الجميع يلبس بدلة او بنطلونا وقميصا والخطاب في تلك الفترة لم يكن اسلاميا مباشرا، وكان فيه كلام عن اهمية الحرية والديموقراطيةِ

ويوعز الجزار التحول في ملامح الاخوان الشكلية من حلق للحية وارتداء للملابس العصرية الى الترصد الامني، الذي كان يستهدف اصحاب المظهر الاسلامي، ويتيح حرية اكبر لطلبة الجماعة من اقامة انشطتهم وترتيب معسكرات خارج الجامعة دون عراقيل امنيةِ لكن فعلا كان للتغيير الذي حصل مزايا اهم من مجرد التورية الامنيةِ فبالنسبة للطلبة المستجدين، الذين لم تكن لهم اي انتماءات بعد، كان الوجه العصري للاسلاميين اكثر مقبولية من مظاهر التدين التقليدية لجيل السبعينات، وبالتالي كانت فرص التجنيد اوسع، ومن هؤلاء الطلبة المستجدين كان عمرو خالد، الذي بدأ دراسته بجامعة القاهرة، قسم تجارة، وتحدر من طبقة عليا متوسطة، تختلف عن جيل الطبقات الدنيا التي أتى منها العريان وماضي، وفي الوقت الذي كان فيه العريان يلبس الجلباب ويطلق لحيته لما كان اميرا للجماعة الاسلامية في 1978، فإن عمرو خالد كان حليقا ويلبس البنطلون والقميصِ

مجاهدون
03-24-2006, 07:31 AM
'الاخوان' والعمل العام في الجامعة

لا احد يعرف بالضبط متى انضم عمرو خالد للاخوان المسلمين، فإن معلومات كهذه تتسم بالسرية، لا سيما لما يتعلق الامر بالانضمام الى جماعة محجوبة عن الشرعية في مصر منذ 1954 وحتى الآن، لكن المؤكد ان عضوية خالد في الحركة شكلت رافدا مهما في تكوين شخصيته الاسلامية وبايقاع اكثر انتظاما من رافد قصص جده وخطب الشيخ ابراهيم عزت وكتب الغزالي، كان منتصف الثمانينات فترة صعود سياسي للاخوانِ وذلك بفوزهم بثمانية مقاعد في مجلس الشعب (البرلمان) بالتحالف مع الوفد في انتخابات 1984، ثم ب36 مقعدا في انتخابات 1987 بالتحالف مع حزبي 'العمل' و'الاحرار' ولم يكن قرار الجماعة بالمشاركة في مجلس الشعب فضلا عن التحالف مع خصم سياسي علماني قديم هو حزب 'الوفد' قرارا تلقائىا، لا سيما بالنسبة للحرس القديمِ وطبقا لبدر محمد بدر، احد الاخوان الذين عملوا بالقرب من المرشد التلمساني وعاصر هذا التحول:

'ان الاخوان ، عموم الاخوان، كانوا لا يريدون دخول الانتخابات في 1984، والسبب الرئيسي كان مخاوف البعض من ان تكشف السلطة بعض الاخوان الذين لم يستطع الامن رصدهم، يعني ان فلانا الذي لم يكن معروفا أنه من الاخوان انكشفت عضويته لما دخل الانتخابات باسم الحركةِ واعتبر ان هذا قد يضر بالتنظيم الذي كان لا يزال ضعيفا بعد خروج كوادر الجماعة من السجون'ِ

ويوعز بدر التحول من سرية التنظيم الى علنية المشاركة في الانتخابات الى رغبة التلمساني في الانفتاح على شرائح المجتمع المصري، ولم يكن من شك في ان التلمساني وجد سنده للانفتاح في طبيعة العهد السياسي الجديد، عهد مبارك، وفي طبيعة الكوادر الشبابية التي انضمت لتوها في التنظيم من امثال ابو الفتوح والعريان والجزارِ كانت المرحلة العامة اذا في مصر، وفي داخل تنظيم الاخوان، مرحلة انفتاح على المجتمع والتحرر من كتابات سيد قطب الانكفائية، ونبذ العنف، وبداية صفحة جديدة مع السلطة وجميعها سياقات مهمة لها علاقة بفهم دور الاخوان في تكوين الوعي الديني لدى خالد وزملائهِ
ولا يعرف احد ايضا كيف انضم عمرو خالد الى جماعة الاخوان المسلمين لكن بحلول 1984 اتسعت امتدادات الجماعة في مساجد الاحياء الشعبية ومناطق الطبقة المتوسطة او عبر اتحاد الطلبة الذي بدأ يسيطر عليه الاخوانِ

باطراد دوري منذ تلك السنة، ويمكن استنتاج ان التجنيد تم من خلال المسجد الذي كان يرتاده خالد في الدقي، محافظة الجيزة في القاهرة، منطقة سكنه، او عبر زميل له في الجامعة، الاهم ان خالد دخل منتصف الثمانينات مرحلة مهمة في حياته، وهي مرحلة التحرك بين صفوف الطلبة لنشر الوعي الديني بينهم، ولدعوتهم للانضمام الى صفوف الجماعة وبهذ الخطوة، فإن وعي خالد الديني لم يعد مجرد وجدان شخصي، وانما تمثل في حركة طورت في فيه شخصية الداعية التي تنميها الجماعة في اعضائهاِ
ونمت شخصية عمرو خالد 'الحركية' من خلال ما يعرف بنظام الاسرة التربوي داخل الجماعة، وهواجتماع دوري ينعقد بين اعضاء الحركة لتلاوة القرآن والذكر، وتدارس السيرة، والفقه والسياسة ويتوقع من كل عضو في 'الاسرة' ان تكون له مساهمة بالقاء درس او خاطرة لتدريبه على فن الدعوة وعلى نطاق اوسع فيما بعد، ويشرف على 'الاسرة' مسؤول او 'نقيب' يتمتع بمزايا تؤهله لان يكون قدوة لبقية اعضاء الاسرة ويمكن تخيل عمرو وهو يلقي درسا في السيرة النبوية او يتأثر بتفسير يلفته اليه نقيبه، ويمكن تخيله وهو ينقل شحنته الايمانية من الاسرة الى احد الطلاب او الطالبات في اليوم التالي في الجامعةِ

وتعرف خالد خلال وجوده بجامعة القاهرة بجيل السبيعنات مثل عصام العريان وابو العلا ماضي، اللذين تخرجا من الجامعة لكن ظلا على علاقة بالعمل الطلابي عبر مسؤوليتهما عن 'قسم الطلبة' في الاخوان وهو القسم الذي كان ينسق سياسة العمل بين الجماعة وبين طلبة الاخوان داخل الحرم الجامعي، وعن هذا القسم واحتكاكه بالطلبة من امثال عمرو يقول ابو العلا ماضي:

'كان قسم الطلبة مكونا من ستة اشخاص هم حلمي الجزار وعبدالمنعم ابو الفتوح وانور شحاتة، وابراهيم الزعفراني، والسيد عبدالستار المليجي، وانا، وكنا نلف على اتحادات الطلبة في مختلف انحاء الجمهورية، ونلتقي بقيادات العمل الطلابي في اتحادات الجامعة، وبالطبع كنت اعرف عمرو خالد منذ الثمانينات وكنت التقيه في الدقي'ِ

وانخرط عمرو خالد في العمل السياسي بين الطلبة باسم الاخوان، لا سيما فترة مواسم انتخابات مجلس الشعب في 1987 واتحادات الطلاب والنقابات التي تخوضها الجماعة، واستتبع ذلك مزيدا من الاحتكاك بالطلبة واقناع من يحمل بطاقات انتخابية منهم للتصويت لاصحاب شعار 'الاسلام هو الحل' ويبدو ان العمل السياسي لم يكن الخيار المفضل بالنسبة لخالد، فقد اكد ابو العلا ماضي بأن الجانب العاطفي في خالد ظل هو الابرز في شخصيته، مما اهله لان ينجح اكثر في 'الدعوة الفردية'ِ

ان شخصية عمرو خالد الراهنة، كما قلت، لا يمكن فهمها من خلال تأثير قصص جده واشرطة الشيخ عزت عليه، فحسب، وإنما لا بد ان يضاف الى ذلك تجربته الثرية في تنظيم الاخوان التي عززت من توسيع مداركه، وصقلت موهبته سواء في القراءة في منهج معين، او في توصيل ما قرأه للآخرين بالقاء جذاب نماه بالممارسة الاسبوعية في نظام 'الاسرة' والممارسة اليومية في الجامعة، وتأكد لي ذلك لما سألت عمرو خالد عما اذا كان يشعر برهبة عندما يلتقي جمهوره عبر كاميرات التلفزيون قال: 'ابداِِ لا تنسى انني كنت امارس العمل العام في الجامعة، وكنت اتحدث الى الطلبة عن الاخوان، وهي قضية كانت صعبة وشائكة فالحديث اليوم لجمهور اوسع عن الاسلام، وليس جماعة محظورة طبعا اسهل'ِ



من الدعوةِِ إلى 'ديموقراطية' الخدمات
لم يقتصر نجاح التيار الاسلامي داخل الجامعة على جاذبية شعار 'الاسلام هو الحل' وانما ايضا للخدمات التي كان يسديها التيار للطلبة، ولا ينبغي ان نقلل من نفوذ هذه الخدمات بالنسبة الى الطلبة الذين سمحت لهم مجانية التعليم حراكا اجتماعيا مع الاقاليم الفقيرة الى المدن، لكن ظلوا لا يقوون على تحمل كلفة لوازم الدراسة، والسكن والمواصلاتِ وكانت قوى اليسار، التي هيمنت على اتحادات الطلبة مطلع السبعينات، تراهن على طروحاتها السياسية الجريئة ضد الامبريالية واسرائىل من دون تقديم خدمات عملية للطلبة، ومع تدني الوضع الاقتصادي وغلاء المعيشة واتساع الفجوة الطبقية بسبب سياسة الانفتاح فإن الطلبة رويدا اصبحوا اكثر اعتناء بهمومهم الشخصية وبالمقارنة تمكن جيل السبعينات من الاسلاميين الذين تحدروا من الطبقات الدنيا نفسها من ان يكونوا اكثر احساسا بكيفية تلبية احتياجات جمهوره، وبالتالي اقوى نفوذا، فحسب احمد النحاس، (قيادي اسلامي بجامعة الاسكندرية في 1978):

'كنا مدركين لاحتياجات الطلبة لانها كانت احتياجاتنا نفسها احنا ايضا: ان الكتاب غالي، وانه ما فيش وسائل مساعدة للطلبة للاستذكار واستيعاب الدروس، وكثير من الطلبة كان بييجي مشي من بيتهم لانه بيتبهدل في المواصلات، وكثير من الطلبة مش عارف ياكل، يعني ما عندوش الفلوس اللي يركب بيها فجينا نقول له انه احنا مش بتوع كلام فقط، وانما بتوع تقديم خدمات محسوسة للطلبة'ِ

وتمكن الاسلاميون من بسط نفوذهم تدريجيا عبر انشطة خدمية تتضمن دروس تقوية وتوفير اجوبة امتحانات نموذجية وبيع كتب دراسية ومذكرات مراجعة باسعار رمزية وهذا حدا بشريحة من الطلبة لان تصوت لصالحهم في الانتخابات حفاظا على استمرارية هذه الانشطة، وليس بالضرورة تعبيرا عن ولائهم للشعارات التي كانوا يطرحونهاِ النحاس مرة اخرى:

'الناس اللي كانت بتصوت لنا في الانتخابات كانت بتصوت للاستفادة من خدماتنا وليس لأن توجههم اسلاميِ فالاصل الاستفادة والتوجه الاسلامي يأتي في المرتبة الثانيةِ يعني كان فيه طلبة مسيحيين وكانوا بيصوتوا لنا'ِ

وفي منتصف الثمانينات، الفترة التي دخل فيها عمرو خالد الجامعة، فإن الخدمات الطلابية لم تتغير كثيرا عن تلك التي قدمتها 'الجماعة الإسلامية' في السبعينات، لكن مستواها تحسن تلقائيا باطرادِ ففي جامعة الاسكندرية مثلا ابتكر الاسلاميون نشاطا جديدا اطلقوا عليه اسم 'مشروع العائلة الطبية'، يخول لطلبة الطب تلقي علاج (تدفع كلفته من ميزانية الاتحاد) باحد عيادات اساتذة كلية الطبِ وتحول المشروع بسبب شعبيته الى 'نادي العائلة الطبية' وبكيان مستقل عن الاتحادِ

وفي جامعة أسيوط، كان الاتحاد يوزع على طلبته المعوزين كوبونا يؤهلهم لكشف طبي مجاني في احد العيادات الخاصة، ويعينهم في البحث عن سكن بقيمة ايجار مدعومةِ

وإضافة الى تحسن مستوى الخدمات، فإن تطورا أهم طرأ في طبيعة الأنشطة الخدمية في الثمانيناتِ لم تعد الانشطة بوادر تطرح 'من فوق إلى تحت' أي من الاتحاد الى الطلبة، وانما تطورت آليات جديدة أفسحت للطلبة فرصة المشاركة في صياغة انشطة اخرىِ وانتشرت ظاهرة توزيع الاستبيانات على الطلبة لتقييم خدمات الاتحاد، واقتراح خدمات جديدةِ وشاعت أسئلة مثل: 'ما رأيك بأداء الاتحاد؟' بأجوبة اختيارية: جيد جدا، وجيد، ومقبول، وسيء، و'ما الانشطة التي تقترحها على الاتحاد في العام الدراسي الجديد؟'ِ لم يكن اسلاميو السبعينات يأبهون لهذه الأسئلة، لانها كانت مرحلة بحث عن هوية، ثم تعزيز اتجاه ما، تطلب ذهنية التلقين والوعظ من القمةِ اما اسلاميو الثمانينات، فكانوا يعبرون عن مرحلة جديدة، عناوينها الرئيسية: حرية التعبير، وتقبل الرأي الآخر، وأهمية 'الرأي العام'ِ لم يعد الخطاب الاسلامي، كما أفاد حلمي الجزار، 'اسلاميا مباشرا'، أي يرتكز على الوعظ الديني التقليدي، وانما 'كان فيه كلام عن أهمية الحرية والديموقراطية'، وهو خطاب إنساني عام، يدركه أصحاب جميع التوجهاتِ
'خطابنا في الثمانينات كان خطيب عجيب جدا لأنه يتفاعل مع الطلبة العاديين، ويتكلم معاهم بلغتهم، وبشكل مختلف وبلغة مختلفة عن خطاب السبعينات، لأنه عايز يتفاعل مع الطلبة، والتفاعل ده كان بالنسبة لنا شيء مهم، واصبح موضوع الاستبيان احد اهم وسائل استكشاف رأي الناس'ِ

شهدت مرحلة الثمانينات، التي شكلت رافدا في تكوين شخصية عمرو خالد، صعود التيار الإسلامي في الجامعات والنقابات ومجلس الشعب، وانتشرت في مصر تجربة البنوك الإسلامية، وشركات توظيف الاموال، وانتشر الحجاب، وزاد الاقبال على المطبوعات الاسلامية، وحقق الاخوان فوزا كاسحا في انتخابات 87 في مجلس الشعب ب 36 مقعداِ لم يعد التحدي هو حسم خيارات هوية بديلة عن قومية الستينات، لان الصعود حسم الخيار في الهوية الاسلامية، وانما التحدي اقناع السلطة التي تحجب المشروعية عن 'الاخوان' بفسح المجال للحركة لمزيد من التمدد، ولن يكون ذلك سوى بمزيد من الكلام 'عن اهمية الحرية والديموقراطية'ِ

وشهدت مرحلة الثمانينات وجود جيل جديد، عاصر موجة الديموقراطية التي اجتاحت اوروبا الشرقية، واستفاد من تراكم انفتاح السادات الاقتصادي والسياسي، والذي لم يكن بمقدور النظام الجديد ان يتراجع عن او يقوض هذه المكتسبات، اذا ما اراد ان يؤسس له شرعية سياسية وقانونيةِ لم يخلق الاخوان ولم يخلق النظام المصري في الثمانينات اجواء الحرية والديموقراطية، وانما كانت طبيعة مرحلة الثمانينات لاحقة لمرحلة السبعينات التي شهدت انفراجا نسبيا في الحريات، ومرحلة معاصرة لتحولات اقليمية ودولية، لم يستطع النظام المصري، ولا الاسلاميون، ولا الطلبة الدين كانوا يدرسون في جامعات القاهرة، والاسكندرية واسيوط النأي عنها او تجاهلها، بل لم يستطع الجيل الجديد والشريحة الطلابية التي كان خالد جزءا منها، توقع سواهاِ

التطور الذي شهدته انشطة الاتحاد الخدمية كان تطورا مهما وعاكسا لذهنية جديدة، لم تنشغل بتلبية احتياجات تقليدية للطلبة فقط، وانما اشركتهم في صناعة الخدمات، لان 'رأي الجمهور' اصبح عنصرا اساسيا في ذهنية مرحلة الثمانينات، وانخرط عمرو خالد، وزملاؤه الناشطون في الاتحاد في تفعيل وتعبئة الطلبة لملء الاستبيانات، وتقييم الخدمات واقتراح خدمات جديدةِ ولا نبغي ان نقلل من مغزى ابتكار ادوات قياس الرأي العام داخل الحرم الجامعيِ فقد ظل الحرم الجامعي منذ نهاية السبعينات وحتى الان عرضة للتدخل الامني وتزوير انتخابات الاتحاد، وظلت الدولة تنظر الى الشريحة الطلابية في المجتمع على انها مصدر شغب، وهمشتها باعتبار ان اغلبية اعضائها لا يحملون بطاقات انتخابية تؤهلهم لتكوين قوة مساندة للحكومة في انتخابات البرلمانِ وبالتالي عندما يلتفت الاسلاميون إلى الطلبة، ويقدمون لهم خدمات لا توفرها الدولة، بل يشعرونهم عبر استطلاعات رأي لم يعتادوا عليها في تنشئتهم السياسية والاجتماعية بان رأيهم مهم في تطوير هذه الخدمات، فانه يمكن عندئذ ان نقدر نفوذ عمرو خالد لدى الطلبة، و'الاخوان' عموما في اتحادات الجامعة ومجلس النقابات ومؤسسات المجتمع المدنيِ
ولاشك في ان تكنولوجيا التواصل - الفضائيات، والانترنت - عززت ثقافة المشاركة الجماهيرية، وجعلت من الصعب على احد، بما في ذلك الدولة، تجاهل اي شريحة، وان رواج ماركة 'عمرو خالد' في سوق التدين الجديد يرجع الى ان عمرو خالد نفسه وظف تكنولوجيا التواصل لتسويق انتاجه توظيفا ذكياِ لكن الفضائيات والانترنت عززت من ثقافة المشاركة الجماهيرية لكنها لم تخلقها.

ومن التضليل ان نختزل نجاح خالد في امكانات التكنولوجيا الحديثةِ فكما رأينا ان ثقافة المشاركة تبلورت في منتصف الثمانينات، وداخل الجامعة تحديدا، بأدوات تبدو لنا اليوم بدائية او تقليدية، لكنها كانت عصرية في زمنها، وتحولت الى عقلية سائدة بين الاسلاميين والطلبة - جمهور تلك المرحلةِ فلما جاءت الفضائيات والانترنت، كانت ثقافة الإشراك موجودة سلفا، فما كان سوى ان استفادت من فضاءات الفرص التي اتاحتها التكنولوجيا الجديدةِ

ولندرك كيف تفاعلت عقلية عمرو خالد التي تكونت في الثمانينات وبين فرص التكنولوجيا الحديثة في الألفية الثانية، دعنا نتكلم عن ذهنية تقديم الخدمات ثم ثقافة اشراك المستفيدين من تلك الخدمات واعتقد ان برنامج 'صناع الحياة' يمثل نموذجا مثاليا، ان مغزى 'صناع الحياة' يكمن في قيمته 'الخدمية' لشريحة الخريجين المهمشة التي لم تعد تستطيع الدولة ان تستوعبها في القطاع العام، ولا في اجهزتها البيروقراطية المتضخمة، فتحولوا الى 'بطالة' او انهم يعملون في غير تخصصهم وبامكان 'صناع الحياة' توفير فرص توظيف ولو لعدد محدود فإننا امام جمهور لم يعد مجرد 'معجب' بالبرنامج ومقدمه، وانما 'مستفيد' من خدماته ايضا، لكن خدمة التوظيف لا تقدم من 'اعلى الى اسفل' وبالطريقة التقليدية التي تتطلب ارسال السيرة الذاتية، ثم تربص خطاب التعيين من القوى العاملة، وانما من 'اسفل الى اعلى' باشراك الباحث عن الوظيفة في صياغته وظيفتهِ ومن هنا فإن قيمة البرنامج التعبوية لجمهور مشاهديه تكمن في هذه الخلطة الخدمية - الديموقراطية او الخدمة عبر اشراك المستفيد في صياغتها، وهي خلطة نجدها حاضرة بوضوح في خطاب خالد على موقعه الشخصي في الانترنتِ

'اخوتنا الاحباء: ايمانا منا بأهمية الايجابية والتفاعل بين الشباب بعضها البعض، فلقد تم فتح هذه النافذة لاستقبال مشروعاتكم، وافكاركم حتى يظهر دور الشباب بشكل مؤثر وفعال ومفيد في خدمة بلادهمِ ومن خلال عرض المشروعات تتاح للشباب فرصة اللقاء لتنفيذ الافكار، او توفير فرصة للعمل للآخرين'ِ
فمن خلال صياغة فكرة المشروع، يستطيع عمرو خالد فيما بعد، مستفيدا من تكنولوجيا التواصل ان يجسر العلاقة بين الباحثين عن وظيفة، وبين رجال الاعمال، وفي كلتا الحالين، فإن نفوذ 'صناع الحياة' وشعبية خالد يكمنان في ما يقدمه ولو بصورة رمزية، بديلا عن الدولة، انه يقدم خدمة توظيف الشباب في وقت تقف فيه الدولة عاجزة امام تفاقم البطالة، والاهم انه يفعل ذلك بطريقة ديموقراطية، فهو يشركهم في صياغة مستقبلهم وبجدول زمني يحددونه هم، بدلا عن حالة الاحباط التي تتزايد في نفوسهم بداية بسنة التخرج، ومرورا بسنوات انتظار قرار تعيين القوى العاملةِ