موالى
03-19-2006, 12:00 AM
وجبة دسمة حول أعباء الشحوم
عرض أنور الياسين
ذكريات سمين سابق كتاب للزميل تركي الدخيل استعرض خلاله تجربته التي تستحق الألتفات في انقاص الوزن, فقد كان وزنه »175 كيلو غراما« واستطاع بإصرار من خلال برنامج غذائي محدد ان يفقد اكثر من »90 كيلو جراما« خلال عامين ونصف العام.
الكتاب تضمن مواقف فكاهية مضحكة كتبها الدخيل بأسلوب ساخر جسد من خلاله معاناة الرجل البدين في المجتمع ونظرة الناس اليه.
وقيمة هذا الكتاب في الصراحة والشفافية والوضوح والبساطة مكونات اساسية للاعمال الادبية والابداعية التي تنشد التميز وتسعى لاستقطاب القراء والمتابعين, وما يزيد الامر تميزا ان يكون محور تلك الرباعية هو الحديث عن الذات لا في الحكم على الآخرين.
فن السيرة الذاتية كما هو معروف فن قائم بذاته له تاريخه ومدارسه ومناهجه وحقوله العلمية المعنية به, ونحن نجد كذلك في تاريخنا شذرات هنا وهناك لبعض العظماء الذين تحدثوا عن انفسهم وارخوا لذواتهم او على الأقل لجوانب مهمة وخاصة منها.
ونحن ندرك اليوم كم هو جميل ان يعرف الانسان مواطن ضعفه وقوته, فيعالج الاولى ويطور الثانية, فإن الاجمل ان يحول الانسان والمبدع تحديداً ضعفه وأخطاءه الى رصيد مثمر من التجارب يكتبها لنفسه وينقلها بكل حيويتها للآخرين من حوله والقادمين من بعده.
ان الكتابة فن بحد ذاتها وكتابة السيرة الذاتية بالتحديد نوع من اشد انواع الكتابة على نفس الكاتب, ذلك انه بين خيارين احلاهما مر. يكمن الاول في محاولة سرد السيرة الذاتية بكل ابعادها العقلية والروحية والجسدية ومواقفها تجاه ما حولها من معطيات مادية ومعنوية, والثاني هو الانزلاق في فخ الكبرياء الاعمى وجنون العظمة بحيث يصبح الاخرون جميعا حاشية على متن الكاتب وشخصيته, وما يزيد السير الذاتية صعوية ان تتم كتابتها او جزء منها باسلوب الادب الساخر.
وقد اختار الدخيل »ذكريات سمين سابق« ليكون عنوانا لكتابه, يؤرخ فيه لمرحلة حساسة من حياته ويسرد فيه تجربته مع المعاناة الشخصية بأسلوب مرح ورشاقة قلم يحسد عليها.
الجديد في الكتاب ان العالم العربي لم يتعود ان يسمع من المشاهير عن معاناتهم الشخصية مع مشاكل مستعصية عليهم, فكم من سمين قبل تركي ناء بأعباء الشحوم ولم ينبس في التذمر العلني ببنت شفة, وكم من مكتئب اقعدته الكآبة ولم يستطع ان ينقل للناس حرفا واحدا من احاسيسه ومتاعبه, وغير السمنة والاكتئاب ثمة اشكال من المعاناة يمر بها كثير من الكتاب والمشاهير ولكنهم لا يحسنون التعبير عنها, ولا يريدون ذلك, يمنعهم من ذلك هاجس الكمال المستحوذ على ذهنية كثير من مجتمعاتنا وافرادنا, وذلك الهاجس يمنع صاحبه من الحديث عن اي نقص او خطأ او تقصير يتعلق بنفسه, فهو يحاول ايهام الآخرين انه كامل مكمل, ويتجنب بأي حال ان يعترف بمشاكله ونواقصه, كما يمنع البعض من الحديث عن معاناتهم الاجواء الصراعية السائدة في المشهد الثقافي العربي, فالخصوم يقرعون طبول الحرب ويتصيدون الزلات والهفوات ليجعلوا من حبتها قبة, ولا يريد كثيرون ان يمنحوا الكاشحين معاول يهدمون بها انجازاتهم او يلغون بها افكارهم وتوجهاتهم.
تركي الدخيل في »ذكريات سمين سابق« ليس له اية علاقة بتركي الدخيل في »اضاءات« الاخير يعرفه الاكثرون محاوراً شرساً لا يسمح لضيفه بالتقاط انفاسه او اكمال افكاره, يحس مشاهده بانه يلهث خلف كل فكرة وكل سؤال وكل اعتراض, اما الاول اي تركي في ذكريات سمين سابق, فهو سمين »سابق«! خفيف الظل حاضر النكتة سريع البديهة, الاول جاد وجاف, والثاني هازل ولين.
وليس هذا النوع من الادب حكرا على العرب وحدهم بل ان الآداب العالمية اشتهر كثير منها بهذا النوع من الكتابة وفي الغرب اشتهر بهذا الفن كتاب كبار من امثال برنادرشو وموليير وآخرون.
يعد الادب الساخر منطقة خطرة مليئة بالالغام, فهو نوع من الادب لا يمكن التجريب فيه بالنسبة للكاتب المحترف, ذلك انه سلاح ذو حدين فهو اما يمنحك مساحة عريضة من التلقي والمتابعة والاستلطاف, واما ان يخسف بك في دركات البرودة والسماجة وثقل الدم.
وحين اختار تركي الدخيل هذا المركب الخطر فانه دخل فيما يشبه عش الدبابير, وحين قرأت الكتاب علمت انني امام وجبة دسمة من المعلومة والفكرة والتجربة تعرض كلها في قالب من الادب الساخر الجميل, ولم استغرب حين قال لي الاستاذ محمد العبيكان ان تركي الدخيل وقع في معرض الكتاب على الفي نسخة من كتابه في يوم واحد.
من المواقف التي تضمنها كتاب تركي الدخيل ذلك الموقف الذي يقول فيه في مطار واشنطن العاصمة, وجدت تذكرة الصعود للطائرة مزدوجة باسمي, واستمتعت بمقدعين سياحيين مع عدم الاخذ بما سببه الفاصل بين المقعدين من آلام, لابد ان تنساها وانت تستمتع بزيارة اولى بعد الادراك لدولة كالولايات المتحدة بكل تنوعها وثرائها المعرفي والثقافي والاجتماعي.
وبعد فان حكاية هذا الاعلامي السعودي ليست عادية ابدا, فهو الذي يقدم الوجه الجدي والواقعي ويطرح الاسئلة في برنامجه محرجاً هذا الضيف او ذاك باسئلته المثيرة, وهو كذلك الاعلامي الجريء الذي يكتب بسخرية لاذعة وبطريقة فكاهية ساخرة عن تجربة شخصية خرج فيها من مملكة »السمنة« بعد حرب ضروس.
-اسم الكتاب: ذكريات سمين سابق
- تأليف: تركي الدخيل
- الناشر: العبيكان ¯ الرياض 2006
عرض أنور الياسين
ذكريات سمين سابق كتاب للزميل تركي الدخيل استعرض خلاله تجربته التي تستحق الألتفات في انقاص الوزن, فقد كان وزنه »175 كيلو غراما« واستطاع بإصرار من خلال برنامج غذائي محدد ان يفقد اكثر من »90 كيلو جراما« خلال عامين ونصف العام.
الكتاب تضمن مواقف فكاهية مضحكة كتبها الدخيل بأسلوب ساخر جسد من خلاله معاناة الرجل البدين في المجتمع ونظرة الناس اليه.
وقيمة هذا الكتاب في الصراحة والشفافية والوضوح والبساطة مكونات اساسية للاعمال الادبية والابداعية التي تنشد التميز وتسعى لاستقطاب القراء والمتابعين, وما يزيد الامر تميزا ان يكون محور تلك الرباعية هو الحديث عن الذات لا في الحكم على الآخرين.
فن السيرة الذاتية كما هو معروف فن قائم بذاته له تاريخه ومدارسه ومناهجه وحقوله العلمية المعنية به, ونحن نجد كذلك في تاريخنا شذرات هنا وهناك لبعض العظماء الذين تحدثوا عن انفسهم وارخوا لذواتهم او على الأقل لجوانب مهمة وخاصة منها.
ونحن ندرك اليوم كم هو جميل ان يعرف الانسان مواطن ضعفه وقوته, فيعالج الاولى ويطور الثانية, فإن الاجمل ان يحول الانسان والمبدع تحديداً ضعفه وأخطاءه الى رصيد مثمر من التجارب يكتبها لنفسه وينقلها بكل حيويتها للآخرين من حوله والقادمين من بعده.
ان الكتابة فن بحد ذاتها وكتابة السيرة الذاتية بالتحديد نوع من اشد انواع الكتابة على نفس الكاتب, ذلك انه بين خيارين احلاهما مر. يكمن الاول في محاولة سرد السيرة الذاتية بكل ابعادها العقلية والروحية والجسدية ومواقفها تجاه ما حولها من معطيات مادية ومعنوية, والثاني هو الانزلاق في فخ الكبرياء الاعمى وجنون العظمة بحيث يصبح الاخرون جميعا حاشية على متن الكاتب وشخصيته, وما يزيد السير الذاتية صعوية ان تتم كتابتها او جزء منها باسلوب الادب الساخر.
وقد اختار الدخيل »ذكريات سمين سابق« ليكون عنوانا لكتابه, يؤرخ فيه لمرحلة حساسة من حياته ويسرد فيه تجربته مع المعاناة الشخصية بأسلوب مرح ورشاقة قلم يحسد عليها.
الجديد في الكتاب ان العالم العربي لم يتعود ان يسمع من المشاهير عن معاناتهم الشخصية مع مشاكل مستعصية عليهم, فكم من سمين قبل تركي ناء بأعباء الشحوم ولم ينبس في التذمر العلني ببنت شفة, وكم من مكتئب اقعدته الكآبة ولم يستطع ان ينقل للناس حرفا واحدا من احاسيسه ومتاعبه, وغير السمنة والاكتئاب ثمة اشكال من المعاناة يمر بها كثير من الكتاب والمشاهير ولكنهم لا يحسنون التعبير عنها, ولا يريدون ذلك, يمنعهم من ذلك هاجس الكمال المستحوذ على ذهنية كثير من مجتمعاتنا وافرادنا, وذلك الهاجس يمنع صاحبه من الحديث عن اي نقص او خطأ او تقصير يتعلق بنفسه, فهو يحاول ايهام الآخرين انه كامل مكمل, ويتجنب بأي حال ان يعترف بمشاكله ونواقصه, كما يمنع البعض من الحديث عن معاناتهم الاجواء الصراعية السائدة في المشهد الثقافي العربي, فالخصوم يقرعون طبول الحرب ويتصيدون الزلات والهفوات ليجعلوا من حبتها قبة, ولا يريد كثيرون ان يمنحوا الكاشحين معاول يهدمون بها انجازاتهم او يلغون بها افكارهم وتوجهاتهم.
تركي الدخيل في »ذكريات سمين سابق« ليس له اية علاقة بتركي الدخيل في »اضاءات« الاخير يعرفه الاكثرون محاوراً شرساً لا يسمح لضيفه بالتقاط انفاسه او اكمال افكاره, يحس مشاهده بانه يلهث خلف كل فكرة وكل سؤال وكل اعتراض, اما الاول اي تركي في ذكريات سمين سابق, فهو سمين »سابق«! خفيف الظل حاضر النكتة سريع البديهة, الاول جاد وجاف, والثاني هازل ولين.
وليس هذا النوع من الادب حكرا على العرب وحدهم بل ان الآداب العالمية اشتهر كثير منها بهذا النوع من الكتابة وفي الغرب اشتهر بهذا الفن كتاب كبار من امثال برنادرشو وموليير وآخرون.
يعد الادب الساخر منطقة خطرة مليئة بالالغام, فهو نوع من الادب لا يمكن التجريب فيه بالنسبة للكاتب المحترف, ذلك انه سلاح ذو حدين فهو اما يمنحك مساحة عريضة من التلقي والمتابعة والاستلطاف, واما ان يخسف بك في دركات البرودة والسماجة وثقل الدم.
وحين اختار تركي الدخيل هذا المركب الخطر فانه دخل فيما يشبه عش الدبابير, وحين قرأت الكتاب علمت انني امام وجبة دسمة من المعلومة والفكرة والتجربة تعرض كلها في قالب من الادب الساخر الجميل, ولم استغرب حين قال لي الاستاذ محمد العبيكان ان تركي الدخيل وقع في معرض الكتاب على الفي نسخة من كتابه في يوم واحد.
من المواقف التي تضمنها كتاب تركي الدخيل ذلك الموقف الذي يقول فيه في مطار واشنطن العاصمة, وجدت تذكرة الصعود للطائرة مزدوجة باسمي, واستمتعت بمقدعين سياحيين مع عدم الاخذ بما سببه الفاصل بين المقعدين من آلام, لابد ان تنساها وانت تستمتع بزيارة اولى بعد الادراك لدولة كالولايات المتحدة بكل تنوعها وثرائها المعرفي والثقافي والاجتماعي.
وبعد فان حكاية هذا الاعلامي السعودي ليست عادية ابدا, فهو الذي يقدم الوجه الجدي والواقعي ويطرح الاسئلة في برنامجه محرجاً هذا الضيف او ذاك باسئلته المثيرة, وهو كذلك الاعلامي الجريء الذي يكتب بسخرية لاذعة وبطريقة فكاهية ساخرة عن تجربة شخصية خرج فيها من مملكة »السمنة« بعد حرب ضروس.
-اسم الكتاب: ذكريات سمين سابق
- تأليف: تركي الدخيل
- الناشر: العبيكان ¯ الرياض 2006