المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : التعامل مع المستجدات يتطلب معرفة لا نملكها



yasmeen
03-18-2006, 08:57 AM
رضوان السيد

الحياة - 18/03/06//

أثارت لدي مسالة الرسوم الدنماركية التي صارت شهيرة في الأسابيع الاخيرة خواطر تتعلق بأوضاع الفكر الاسلامي والمؤسسات الاسلامية، والتي يراد توظيفها الآن ومن قبل في عمليات الحوار والانفتاح كما في محاولات الاحتجاج والردّ. والمعروف ان من بين آخر التطورات إقبال الداعية التلفزيوني ذي السمعة الشعبية عمرو خالد على تشكيل وفد وأخذه الى كوبنهاغن، من أجل ان يعرض على الدنماركيين الصورة الصحيحة للإسلام، بقصد التحاور والمصالحة والانفتاح.

وما أعجبت الفكرة العلاّمة الشيخ يوسف القرضاوي، فأعلن عن عقد مؤتمر في البحرين، من أجل ادانة الصور المسيئة، والايضاح للغرب في الوقت نفسه، كيف يحسُن التعامل مع الاسلام. ولا أعرف ماذا قال عمرو خالد ومرافقوه في مؤتمرهم الانفتاحي غير ما ذكرته جريدة الشرق الاوسط، وكذلك الامر مع العلامة القرضاوي، وكيف سيعرض وجهة نظره في ما كان في مؤتمر البحرين إن انعقد. بيد ان الذي أعرفه ان مؤسساتنا وافراد الدعاة والمفكرين الاسلاميين على حد سواء، يواجهون في العقدين الأخيرين تحديات لا قِبَل لهم بالتلاؤم معها والاستجابة لمشكلاتها – سواء لجهة التعامل مع وسائل الاعلام العالمية أم لجهة خوض «الصراع الحضاري» الذي يتحدثون عنه تحت عنوان «الغزو الثقافي»، وأخيراً لجهة أو جهات الاكاديميات والمعاهد الاستراتيجية التي أقبلت ايضاً على استطلاع الظاهرة الاسلامية الجديدة ومسائل الاسلام السياسي.

فمنذ مطلع الخمسينات من القرن الماضي، تقدمت جهات عدة بروتستانتية وكاثوليكية غربية للتحاور مع العرب والمسلمين. وقد افترقت تلك الجهات عن الاستشراق التقليدي، واتخذت مناهج وأساليب جديدة في التعامل مع المسلمين المعاصرين، وصارت لديها منذ عقود سلسلة من المعاهد والمجلات المتخصصة التي تتابع الاحداث والظواهر والاتجاهات بالعرض والدراسة والمناقشة. وقد تجاهلتها المؤسسات الدينية الرسمية في البداية، وسارع لمواجهتها او التحاور معها افراد من العلماء التقليديين او الاسلاميين الحزبيين. وما تطورت الاساليب والطرائق، كما لم تظهر في ديارنا او لدى الجاليات الاسلامية في المغتربات مراكز أو مجلات متخصصة للدراسة والمتابعة وتأمل المتغيرات الدينية في المسيحيات الغربية. كلية اللغات والترجمة في الأزهر تدرّب الائمة الذين يراد ايفادهم لخدمة المسلمين في أوروبا والولايات المتحدة وكندا وأستراليا. ومعهد الدراسات الدينية في عمان يقيم بعض المؤتمرات، ويصدر بعض المنشورات، لكنه لا يهتم برصد المسيحيات المعاصرة. بينما نجد ان المسيحيين اللبنانيين وحدهم أنشأوا ثلاثة مراكز للدراسات والعلاقات الاسلامية / المسيحية.

وما زاد عدد المتخصصين بالمسيحية القديمة او المعاصرة بين المسلمين. ولذلك ما يزال المسيحيون البروتستانت والكاثوليك هم الذين يدعوننا ونحن – أفراداً في الغالب – نلبي دعواتهم، ثم نصدر بيانات معهم، ما خرجت في الأعم الاغلب عن العموميات وإظهار النيات الحسنة. ولست أعرف دراسة عربية عارفة عن الكاثوليكية او البروتستانتية المعاصرة، باستثناء النشرات الإدانية للمسيحية الصهيونية. وهكذا ففي مجال الحوار الاسلامي – المسيحي ما حدث تقدم كبير، ليس بسبب القصور المعرفي للمسلين وحسب، بل ولأننا لا نملك رؤية لما نريده او لما نريد الوصول اليه. ولا إمكان لظهور رؤية او استراتيجية من دون معرفة، ومن دون متخصصين يستطيعون البلورة والتطوير. على ان الذي نواجهه منذ سنوات، امر مختلف تماماً، ليس عن الاستشراق فقط، بل وعن الحوار الاسلامي - المسيحي. فبعد 11 أيلول (سبتمبر) تحوّل الاسلام الى مشكلة عالمية.

ولذلك فقد أقبلت على التعاطي معه جهات من غير المستشرقين التقليديين، وغير رجالات الكنائس. يتعاطى معه اليوم الاستراتيجيون والمفكرون والانثروبولوجيون والإعلاميون. وقد جرى إحياء بعض النظريات القديمة حول طبيعة الاسلام، وأخرى حول العلاقة معه. وفي الوقت نفسه ظهرت رؤى ونظريات اخرى خاصة بالظاهرة الاصولية، وخاصة بالمواقع الجديدة للاسلام في حياة المسلمين، وخاصة بالاسلام السياسي الذي يخوض الانتخابات، ويشارك في الحياة العامة. وظهرت قبل 11 أيلول وبعده آراء ورؤى في أوروبا والولايات المتحدة حول كيفيات التعامل مع المسلمين الاوروبيين والاميركيين الذين صاروا بالملايين هناك وهنالك: الأوروبيون يتوجسون من استعصاء المسلمين على الاندماج في المجتمعات الجديدة، والاميركيون يخشون من تأثير الراديكاليات في العالم الاسلامي في أولئك المسلمين. فالاوروبيون تغيروا تجاهنا ثقافياً أيضاً، وكذلك الاميركيون وإن بدرجة أقل. ونحن تغيرنا ايضاً، وتغيرنا كثيراً ونرفض الاعتراف بذلك مثلهم تماماً.

وكما لم يكن علماؤنا من التقليديين والاسلاميين مهيئين للمشاركة في الحوار الاسلامي المسيحي، فإنهم ليسوا مؤهلين للتعامل مع الظواهر الجديدة، وربما لم تكن هذه المتغيرات وطرائق التعامل معها من اختصاصهم. فالتقليديون استتبعتهم السلطات السياسية، وهم لا يتحركون، الا بموافقتها، والاحيائيون الجدد هؤلاء مختلفون مع الانظمة، ويدركون الغرب باعتباره واقفاً من وراء تلك الانظمة التي لا يحبونها. وفي الحالين يجرى اختزال المشكلات بحيث لا يبقى غير التصدي بالعنف الانتحاري او الجماهيري او الخطابي لما يعتبرونه معاداة للاسلام والمسلمين.

قبل شهور قال لي صديقي ان ابنه الذي درس العلوم السياسية في احدى الجامعات الاميركية، يريد قضاء سنة في الازهر او ستة اشهر للتعرف على الاسلام في جانبه الاكاديمي، وقراءة العلماء المسلمين للظواهر العالمية، والظواهر الاسلامية الحديثة والمعاصرة. وذهبتُ معه الى رئيس جامعة الازهر وهو زميل لي ايام الدراسة في كلية أصول الدين في الازهر، فقال لنا ان الازهر لا يملك معهداً دولياً لمثل هذا الذي نريده، على رغم ان كثيرين من الشبان المسلمين والاجانب، يسألون عن امكان ذلك منذ عشر سنين. وبعد استفهامات كثيرة وجدنا ان أقرب الجهات لما نريده برنامج «الحضارة» في مركز الدراسات السياسية في كلية الاقتصاد والعلوم السياسية في جامعة القاهرة.

ولأن الشاب أراد الازهر ولا شيء غيره، فإن مساعينا لم تكلل بالنجاح. اما عكس ذلك، أي في اوروبا وأميركا، فموجود بكثرة. فقد أرسلت بعض طلابي المهتمين بالعلاقات الاسلامية المسيحية الى معهدين لذلك احدهما في الفاتيكان. في حين يجد المهتمون بالدراسات الاستراتيجية اربعة «برامج» تعرض كورسات في سوسيولوجيات الاسلام وتاريخه والظواهر المعاصرة فيه لستة اشهر او سنة، في ثلاث جامعات أميركية، وواحدة أوروبية في هولندا. وقد زادت الحكومة الاميركية إعاناتها لاقسام ومعاهد دراسات الشرق الاوسط بنسبة 25 في المئة في السنوات الثلاث الاخيرة. كما تبرعت شركات، وعرب وايرانيون اثرياء لإنشاء كراس ومراكز لدراسات الاسلام المعاصر، في جامعات أوروبية وأميركية عدة. وتتنافس علينا نحن القلة بين المتخصصين في الدراسات الاسلامية ممن يعرفون احدى اللغات الاجنبية، عشرات الجامعات الغربية، من أجل التدريس فيها فصلاً أو فصلين، حسبما يسمح وقتنا.

وقبل هذا وبعده، ما يزال الفضول يتملكني (وفي الحقيقة الهمّ)، في شأن ما قاله السيد عمرو خالد وما سيقوله غيره، في كوبنهاغن وغيرها عن المصالحة مع الغرب وشروطها. فلا حول ولا قوة الا بالله.