المساعد الشخصي الرقمي

مشاهدة النسخة كاملة : الرقص على الملعب العراقي



yasmeen
03-18-2006, 08:51 AM
غسان شربل

الحياة - 18/03/06//

لنفترض اننا استيقظنا ذات صباح على نبأ عاجل مفاده أن مقاتلات أميركية بدأت بشن غارات على المنشآت النووية الإيرانية. سيكون من الصعب جداً على المرشد علي خامنئي الاكتفاء بالاستنكار والتنديد. سيجد أحمدي نجاد نفسه مطالباً برد الصفعة. سيطالب الإيراني العادي قيادته بالثأر من الإهانة خصوصاً بعدما بالغت في السير على حافة الهاوية. في ذلك النهار لا بد من الالتفات الى النفط بأسعاره وأمن آباره وسلامة ناقلاته. يجدر أيضاً الالتفات الى احتمال اشتعال الجزء الذي كان شبه هادئ من الساحة العراقية. من الواجب أيضاً متابعة كيف سيعبر «حزب الله» اللبناني عن وفائه لإيران. وهذا يعني أمن النفط وأمن الأميركيين في العراق وأمن إسرائيل، وهو ما يفوق قدرة المنطقة على الاحتمال.

يمكن القول إن قراراً أميركياً بمهاجمة المنشآت النووية الإيرانية لن يكون سهلاً. ما آلت إليه المغامرة في العراق لا يسهّل مهمة الرئيس جورج بوش. الهبوط الحاد في شعبيته لا يساعده على اقناع الأميركيين بتقبل عودة مزيد من النعوش من الشرق الأوسط. أوروبا ستكون أكثر حذراً حيال مغامرة ستلهب أسعار النفط، وقد تلهب ساحات متعددة. دول الشرق الأوسط لن توفر الغطاء وإن كانت بمعظمها لا تستسيغ الطموحات النووية لورثة الخميني. يمكن الاستنتاج أن الظروف غير ملائمة لاتخاذ قرار من هذا النوع. سيميل كثيرون الى الاعتقاد بأن الملف الإيراني طبخ بالطريقة نفسها التي طبخ فيها الملف العراقي، خصوصاً لجهة أسلحة الدمار الشامل. سيرى آخرون أن الأولوية اعطيت لأمن إسرائيل.

في المقابل، يمكن القول إن الولايات المتحدة لن تتقبل اقتحام إيران النادي النووي. الاقتحام ليس نبأ طيباً للأوروبيين ايضاً. إسرائيل لن تتسامح. الدول العربية نفسها لن تتقبل ذريعة أن من حق إيران امتلاك القنبلة ما دامت إسرائيل تنام على ترسانة. فالخلل في موازين القوى سيستثمر في المنطقة التي سيكون عليها التعامل مع إيران كدولة كبرى في الاقليم. ولهذا الاعتراف أثمان لا بد من دفعها.

واضح ان ايران راكمت الأرباح في عالم ما بعد 11 أيلول (سبتمبر)، ومنذ اللحظة التي بدا فيها انها بريئة تماماً من غزوتي نيويورك وواشنطن. قدمت لها الولايات المتحدة ومن دون أن تقصد خدمات كبرى. شطبت نظام «طالبان» المعادي لنظام طهران وشطبت نظام صدام حسين الذي أدمى الثورة الخمينية ودفعها الى الانكفاء الى داخل حدودها. وببراعة ساهمت ايران في جعل الاقامة الاميركية في العراق باهظة لشعورها بأن النجاح الأميركي هناك يرشحها لتصدر لائحة الدول المطلوب تأديبها لاحقاً.

على دويّ التخبط الاميركي في العراق انفجر الملف النووي الايراني. ساهم احمدي نجاد في جعله مسألة تتعلق بحقوق الأمة وكرامتها. اختار نجاد الهجوم بدلاً من الدفاع والمراوحة. أدت مجمل السياسات الايرانية الى تسهيل دفع الملف الى طاولة مجلس الأمن. روسيا نفسها وجدت صعوبة في حماية ايران من المشهد الجديد.

لنترك جانباً الأوصاف الأميركية لايران الحالية وبينها «الخطر الأكبر» و «التحدي الأبرز» و «بنك الارهاب» و «النزيل الدائم في محور الشر». السؤال هو ماذا تريد ايران؟ هل تريد قنبلة نووية شيعية في موازاة القنبلة السنية (باكستان) والقنبلة الهندوسية والقنابل المسيحية؟ أم تراها تريد طاقة نووية سلمية مع الاعتراف بها دولة كبرى في الاقليم؟ وهل الطريق الى مثل هذا الاعتراف يمر باستجماع الأوراق والتلويح بمواجهة مع الولايات المتحدة ثم الرجوع من حافة الهاوية عن طريق مفاوضات حول مستقبل المنطقة وحدود الدور الايراني فيها؟

في غزو العراق لم تكن أميركا تحتاج الى أكثر من تخويف ايران. كانت القوة العظمى الوحيدة مجروحة وفي عز اندفاعتها. وكان جورج بوش يملك تفويضاً واسعاً للثأر واجراء الجراحات وزرع الديموقراطيات. في الخروج من العراق تحتاج الولايات المتحدة الى تفاهم مع ايران التي صارت اللاعب الخارجي الأبرز على الساحة العراقية.

لا يقلل من أهمية الخطوة الجديدة التذكير بأن اتصالات جرت قبل سنوات في شأن افغانستان. ولا يقلل من أهميتها التأكيد ان الموضوع محصور باستقرار العراق وأن صلاحيات المفاوضين الاميركيين محدودة. فمثل هذه المفاوضات قد تكشف فرص النظام الايراني في تعلم شروط الرقص مع «الشيطان الأكبر» وقدرة هذا النظام على ضبط خطواته على موسيقى المصالح وموازين القوى الفعلية. وتكشف من جهة أخرى قدرة الولايات المتحدة على الرقص مع ورثة الخميني والاعتراف لهم بما رفضته للعراق أي الدور الاقليمي الذي يمتد الى القضية الفلسطينية مع قدر من الأحلام النووية فوق حقول النفط. وفي هذه الحسابات لا يصح تناسي العامل الاسرائيلي اما خسائر العرب فمسألة أخرى.