سلسبيل
03-16-2006, 04:20 PM
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/16-3-2006//48562_100005_small.jpg
د. إبراهيم بهبهاني
بقلم: دِ إبراهيم بهبهاني
الكتابة الصحفية أنواع، منها ما يكون مشاهدات ويكتب عنها تقرير، ومنها ما يكون فكرة طرأت على الذهن فيعبر عنها بمقالة، ومنها ما يندرج تحت الافكار الخيالية او قصة يسمعها فتتحول إلى مقالة قد يتأثر بها وتحرك في عقله مشاهد مشابهة، وهذا بالضبط ما حصل معي عندما شاهدت النائب غانم الميع، جزاه الله خيرا، وسمعته يروي ما حدث معه في التلفزيون اثناء عقد مجلس الامة جلسته الخاصة العلنية صباح يوم الاحد 29 يناير 2006 وتأبين الفقيد المرحوم الشيخ جابر الاحمد الصباح، طيب الله ثراه، ومبايعة صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح أميرا للبلاد، استكمالا لخطوات تفعيل المادة الثالثة من قانون توارث الامارة التي يتم بموجبها اعلان خلومسند الامارةِ
وتقديرا مني لشخص النائب الفاضل غانم الميع وللرواية التي تفضل بها ورواها عن والده أعيد نشرها كي تتسم مع ما أريد إيصاله لأنها ترتبط بمضمون هذه المطالعة التي كتبتها من وحي ما سمعتهِ
قال لي ولديِِِ 'يوبا والله ان الشيخ جابر، الله يرحمه، مافي مثله والوالد يستمع اليه، فالتفت نحوه وقال له'، شوف يا ولدي انا عمري سبعون سنة، عاصرت ثلاثة امراء الشيخ عبدالله السالم، رحمة الله عليه، حين توفي كلنا نحن الكويتيين قعدنا نبكي ونقول ما في مثله، وجاء صباح السالم، رحمة الله عليه، ونفس الكلام كان الشعب الكويتي جميعا يقول الشيخ صباح أيضا مافي مثله، والآن سمو الشيخ جابر، رحمة الله عليه، ونفس العبارة تتكرر مافيه مثله، هذا دليل بركة اسرة الصباح الكريمة'ِِِ
نود أولا ان نصحح للنائب الفاضل ان هناك أربعة امراء منذ المرحوم عبدالله السالم وليس ثلاثة، كما ذكر او نقل عن والده، ويبدو انه اختلط عليه العمر ايضا فإذا كان الآن عمره 70 سنة فمعنى ذلك انه عندما توفي المرحوم عبدالله السالم كان عمره 30 سنة وعندما توفي المرحوم احمد الجابر كان عمره 15 سنة تقريبا، مما يعني أنه قد لا يتذكر الاحداث كاملة وفي ذلك شأن آخر، ما أود ان اعالجه او أتناوله في هذه المطالعة، احداث حصلت معي وتصب في النتيجة نفسها وهي أن الفاضلين من أسرة الصباح الكريمة كلهم، رحمة الله عليهم، من خيرة الحكام، والحقيقة ان عدة أفكار راودتني عند التفكير ماذا أكتب عن سيرة المرحوم الشيخ جابر الاحمد يكون مختلفا عما قرأت وعما قيل في حق الوالد، ولكي أكون منصفا ومخلصا بما أكتب وبما يخطه قلمي فأقول ما رواه الناس عن الفرسان الثلاثة رفاق الدرب، سواء من انتقل الى بارئه (الشيخ جابر) أو من لايزال رمزا وطنيا واسما كبيرا (الشيخ سعد) أو من تبوأ سدة الحكم (سمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح) لقد شجعني النائب غانم الميع كي اكتب تجربتي وأرويها كإبراهيم بهبهاني مع الفرسان الثلاثة ومع من عاصرتهم في حياتي التي وصلت الآن إلى الخامسة والخمسين سنة اخص بها الأكارم الامراء من آل الصباحِِِ وكلهم من بيت خير وعز، وهذا ليس تقليلا من شأن من سبقوهم من الامراء فعندي أنهم من بيت كريم وعزيز علينا وعلى الشعب الكويتيِ
عبدالله السالم
¹معروف عند الشعب الكويتي بأنه ابو الدستور وابو الديموقراطية وكان الناس يتمنون ان يروه، وهو من أولئك الذين يتمتعون بوجه سمح وطلعة بهية، واذكر انهم كانوا يتوقفون بالطابور لكي يشاهدوه وهو خارج من قصر السيف، وأظن ان بيت الحاكم كان في البداية قصر دسمان، حيث يستخدم للسكن ثم انتقل بعدها الى قصر الشعب وهنا اتذكر والدي، رحمة الله عليه محمد حسين محمد قاسم بهبهاني، بعد ان ترك مهنة الغوص الى ان تقاعد وكانت فترة حكم الشيخ احمد الجابر، وأنا للحقيقة لم اكن اعرف شيئا عن تلك الحقبة باعتبار اني ولدت عام 1951، والوالد عمل مراقبا بالاشغال، ايام لم يكن هناك وزارات في وظيفته مراقبة العمال بقصر الامير، ومن الاشياء التي مازالت راسخة في ذاكرتي انني في العطل الرسمية يومي الخميس والجمعة كان والدي يأخذني معه بعد ان تلبسني الوالدة خديجة الزي النظيف والهندام 'الكشخة' ونصل الى هناك مشيا على الاقدام، ومن بيت جدي المرحوم محمد قاسم بهبهاني حيث كنا نسكن في منطقة المطبة، نذهب الى قصر دسمان وندور بين البيوت ونشاهد الشيخات زوجات سمو الامير او عياله واشعر بأنهم اناس عاديون ومتواضعون ومحترمون، يمازحونك احيانا، وعندما اخرج من القصر لاعود للمسكن يكون جيبي 'مترس' سواء مما حلا اكله او غلا ثمنه، واستمرت القصة في قصر الشعب بعد انتقال المرحوم سمو الأمير الشيخ عبد الله السالم إليه، وفي احد الايام كنت في منطقة الدائري الثالث، اي في منطقة كيفان المكان نفسه، التي رافقت فيها سمو الشيخ سعد العبدالله الى مخيم العبدلي بعد التحرير1991، وفي هذه المنطقة، أي كيفان، كانت تسكن عمتي المرحومة دانة، وهي اصغر أخوات الوالد، وزوجها المرحوم عيسى فرج بهبهاني وابنها الاكبر هو حاليا دِعبدالله بهبهاني نائب مدير الجامعة بالوكالة وعميد كلية الطب
وكنا معا وأتذكر من العوائل التي كنا نلعب مع أولادهم، عائلة الدبوس وغيرهم، حيث كنا نمارس اللعب في الساحة الخارجية المطلة على مدرسة كيفان، وكان الوقت بعد الظهرِِ وفجأة سمعنا صافرات سيارات النجدة وعلمنا أنه المرحوم الشيخ عبدالله السالم، وهو موكب متواضع، حيث كان يركب سيارة الكاديلاك الطويلة وهي السيارة التي أقلت قبل أشهر سمو الامير الشيخ صباح بصحبة الشيخ جابر العبدالله بالذكرى الخمسين لانشاء ثانوية الشويخِِ وهنا استذكر تلك الحركة التي كان يشتهر بها بيديه (وهي حركة أموت فيها) عندما يجلس على يمين السائق بالمقعد الخلفي ويحرك يده اليمنى بشكل ثابت فوق وتحت (أي منتصف الجسم الى الجزء السفلي من الوجه وبطريقة هادئة وثابتة) وهي الحركة نفسها التي يقوم بها نجله صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبد اللهِ
كان موكبه في ذاك الوقت يخرج من قصر السيف الى قصر الشعب مارا بدروازة عبدالرزاق وتوقيت خروجه بين الساعة العاشرة والنصف والحادية عشرة ظهرا والناس تتجمع لكي تلقي نظرة على موكبهِِِ وفي تلك الأيام سمعنا بخبر وفاته بواسطة الراديو بعد أيام قليله عندما أغمي عليه أثناء حضوره جلسة مجلس الأمة المشهورة عام 1965، هنا أتذكر والدي الذي انتقل مع المرحوم الشيخ عبد الله السالم إلى قصر الشعب ثم انتقل مع المرحوم الشيخ صباح السالم الى قصر المسيلة، واصطحبني والدي يوم وفاة الشيخ عبدالله السالم الى قصر الشعب ودخلنا من البوابة الرئيسية وهي غير المكان الحالي وكنا نمشي بين اشجار السدر على طرفي الشارع حيث اكتظ المكان بالباكين من الرجال والنساءِ الى ان وصلنا الى القصر وبعدها الى المقبرة، ولا أدري كيف وصلنا الى هناك، ومن شدة الزحمة، انفصلت عن والدي وكان عمري آنذاك لا يتجاوز اربع عشرة سنة، ولم يكن يفصلني عن القبر سوى عدة افراد من الحرس الاميري، وكنت شاهدا على كل مراحل عملية الدفن، وقتها حصل تدافع رهيب بين المواطنين ونلت نصيبي بان ضربني احد الحراس بكعب بندقيته مع انني لم اكن المتسبب بذلك، انتهى الدفن وشاهد والدي الطقة التي اكلتها من الحرس، واخذ يروي لي مآثر المرحوم الشيخ عبدالله السالم وأفعاله الخيرة وما قدمه للكويت وقال ماراح يجي مثله وهو احسن الحكامِ
صباح السالم
وفي عام 1965 بويع المرحوم سمو الأمير الشيخ صباح السالم الصباح اميرا على الكويت، وأتذكر الكلمات السامية التي نطق بها في مجلس الامة، التي تعكس العلاقة بين الحاكم وشعبه، ومازلت ارويها واتذكرها لشدة ما أثرت في نفسي حيث قال 'ان ذكراه لن تموت وستظل خالدة في صدورنا جميعا وان الغرس الصالح الذي غرسه عبدالله السالم بيديه، وظل يرعاه بنفسه وقلبه لسنين حتى أينع وأثمر في حياته، لن يذوي او يذبل بعد مماته، إني لأعاهدكم بأني فاعل ذلك وبمؤازرة المجلس وشعب الكويت الوفي الامينِِِ مرت السنوات تلو الاخرى ويأتي يوم ـ على ما اذكر في أوائل السبعينات او عام 1971 ـ وكان يرحمه الله في زيارة لمصر وطلب منا الملحق الثقافي الكويتي بالاسكندرية آنذاك الاستاذ عبدالله حبيب ان نتجمع برابطة الطلبة بمنطقة 'الازاريطة'ِِ المهم تجمعنا هناك وجاء سمو الأمير ومعه المرحوم الشيخ عبدالله الجابر، ابو التعليم والمعارف في الكويت، ووصلا بسيارة عادية اكثر من متواضعة وبدون موكب وعدد قليل من الحراسة، جلسنا في الصالة وصار يسأل عن احتياجاتنا وتعليمنا بكل بساطة الاب والاخ ومن يسمعه 'يدردش' معنا، لا يعرف انه حاكم وامير الكويت وفي تلك الجلسة قام احد الزملاء وردد القصيدة التي قالها في جلسة مجلس الأمة بعد وفاة المرحوم عبد الله السالم ويريد ان يعرف من قائلهاِِ ورد عليه سموه 'اشتريها'ِِ ولم يكن يعرف هذا الزميل معناها وشرحها له المرحوم الشيخ عبدالله الجابر حيث قال: خذها بقصيدة ثانية حتى يعطيك اسم القائلِ
غادر وهو يجاملنا، ليس كحاكم ومحكوم، إلى ان تخرجت عام 1975 وبحكم علاقتي مع الهلال الأحمر ودِ عبدالرحمن العوضي أمين عام الهلال (وزير للصحة لمدة 18 سنة متواصلة) ثم وزير دولةِِ تخرجت وعينت في وزارة الصحة وعن طريق الهلال صارت لي علاقات مع جمعية المعوقين الكائنة في منطقة حوليِ ومرض سمو الأمير وسافر في رحلة للعلاج الى لندن، ولدى عودته بعد مدة استقبل بالمطار استقبالا كبيرا في موكب رسمي اخترق شوارع الكويت حيث خرج اهلها عن بكرة ابيهم لاستقبال اميرهم المحبوب كما حصل هذه الايام عند عودة سمو الامير المرحوم الشيخ جابر الى الكويت من العلاج، وقبلها عند عودة سمو الأمير الوالد الشيخ سعدِ
المهم وحسب البرنامج كان يحب ان تستغرق المسافة من المطار الى القصر ساعة واحدة لكن من كثرة الناس المصطفة بالشوارع وعدم قبول الشيخ صباح السالم ترك من خرج لاستقباله مصرا على رد التحية للناس بالشوارعِ وقد أخرج الجزء العلوي من جسمه من سيارة المرسيدس المفتوحة مطلا برأسه الى الناس وكان يستدير بكل الاتجاهات فعرفنا في لحظتها ان جزءا من طريق العبور سيكون عن طريق شارع القاهرة وصولا الى دوار الشعب ومنه الى قصر المسيلة، فطلب مني بعض نزلاء جمعية المعوقين في منطقة حولي ان يذهبوا لمشاهدة الموكب، فاستاذنت من منيرة القطامي امين عام الجمعية فوافقت على أن أخذهم مع ممرضات للعناية بهم، واخذناهم على العربات لنصل الى شارع القاهرة وقد جمع الاطفال باقات من الورود ليقدموها للامير، قبل سيارة سمو الأمير كانت سيارة الاذاعة وكان المذيع احمد عبدالعالِِ حتى لما شاهد المعوقين التفت الي، وقلت له: هؤلاء من جمعية رعاية المعوقين، في هذه اللحظة وصلت سيارة سمو الأمير ووجهه في اتجاه الأطفال المعاقين ويوميء بكلتا يديه وكنت مترددا ان ارمي باقات الورد أو أن اتركها بيدي وانا أقوم بالحركة التفت سموه وأومأ بكلتا يديه - ارمي الورد - ورميت الورد بدفعة قوية ولا أعلم كيف وصلت هذه الورود لتنثر على سطح السيارة، بما في ذلك رأس سموه وجسمه فأخذ مجموعة من الورود وظل يلوح بها للاطفال المعاقين في منظر لا يمكن ان ينسى أو يمحى من ذاكرتي، وابلغوني من الاذاعة بعدها ان الموكب استغرق اربع ساعات ثم ذهبت بعدها الى لندن للدراسة ليأتي الخبر المفجع يوم 31/12/1977 بوفاة الوالد المحب الشيخ صباح السالم طيب الله ثراه، وهذا أيضا من الأسرة كريمة أسرة آل الصباح وكان من أحسن الحكام والفرسان الذين تبوأوا منصب الامارةِ وقال الكويتيون 'الله يرحمه ما في مثله'ِ
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/16-3-2006//48562_100010_small.jpg
د. إبراهيم بهبهاني
بقلم: دِ إبراهيم بهبهاني
الكتابة الصحفية أنواع، منها ما يكون مشاهدات ويكتب عنها تقرير، ومنها ما يكون فكرة طرأت على الذهن فيعبر عنها بمقالة، ومنها ما يندرج تحت الافكار الخيالية او قصة يسمعها فتتحول إلى مقالة قد يتأثر بها وتحرك في عقله مشاهد مشابهة، وهذا بالضبط ما حصل معي عندما شاهدت النائب غانم الميع، جزاه الله خيرا، وسمعته يروي ما حدث معه في التلفزيون اثناء عقد مجلس الامة جلسته الخاصة العلنية صباح يوم الاحد 29 يناير 2006 وتأبين الفقيد المرحوم الشيخ جابر الاحمد الصباح، طيب الله ثراه، ومبايعة صاحب السمو الامير الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح أميرا للبلاد، استكمالا لخطوات تفعيل المادة الثالثة من قانون توارث الامارة التي يتم بموجبها اعلان خلومسند الامارةِ
وتقديرا مني لشخص النائب الفاضل غانم الميع وللرواية التي تفضل بها ورواها عن والده أعيد نشرها كي تتسم مع ما أريد إيصاله لأنها ترتبط بمضمون هذه المطالعة التي كتبتها من وحي ما سمعتهِ
قال لي ولديِِِ 'يوبا والله ان الشيخ جابر، الله يرحمه، مافي مثله والوالد يستمع اليه، فالتفت نحوه وقال له'، شوف يا ولدي انا عمري سبعون سنة، عاصرت ثلاثة امراء الشيخ عبدالله السالم، رحمة الله عليه، حين توفي كلنا نحن الكويتيين قعدنا نبكي ونقول ما في مثله، وجاء صباح السالم، رحمة الله عليه، ونفس الكلام كان الشعب الكويتي جميعا يقول الشيخ صباح أيضا مافي مثله، والآن سمو الشيخ جابر، رحمة الله عليه، ونفس العبارة تتكرر مافيه مثله، هذا دليل بركة اسرة الصباح الكريمة'ِِِ
نود أولا ان نصحح للنائب الفاضل ان هناك أربعة امراء منذ المرحوم عبدالله السالم وليس ثلاثة، كما ذكر او نقل عن والده، ويبدو انه اختلط عليه العمر ايضا فإذا كان الآن عمره 70 سنة فمعنى ذلك انه عندما توفي المرحوم عبدالله السالم كان عمره 30 سنة وعندما توفي المرحوم احمد الجابر كان عمره 15 سنة تقريبا، مما يعني أنه قد لا يتذكر الاحداث كاملة وفي ذلك شأن آخر، ما أود ان اعالجه او أتناوله في هذه المطالعة، احداث حصلت معي وتصب في النتيجة نفسها وهي أن الفاضلين من أسرة الصباح الكريمة كلهم، رحمة الله عليهم، من خيرة الحكام، والحقيقة ان عدة أفكار راودتني عند التفكير ماذا أكتب عن سيرة المرحوم الشيخ جابر الاحمد يكون مختلفا عما قرأت وعما قيل في حق الوالد، ولكي أكون منصفا ومخلصا بما أكتب وبما يخطه قلمي فأقول ما رواه الناس عن الفرسان الثلاثة رفاق الدرب، سواء من انتقل الى بارئه (الشيخ جابر) أو من لايزال رمزا وطنيا واسما كبيرا (الشيخ سعد) أو من تبوأ سدة الحكم (سمو الشيخ صباح الاحمد الجابر الصباح) لقد شجعني النائب غانم الميع كي اكتب تجربتي وأرويها كإبراهيم بهبهاني مع الفرسان الثلاثة ومع من عاصرتهم في حياتي التي وصلت الآن إلى الخامسة والخمسين سنة اخص بها الأكارم الامراء من آل الصباحِِِ وكلهم من بيت خير وعز، وهذا ليس تقليلا من شأن من سبقوهم من الامراء فعندي أنهم من بيت كريم وعزيز علينا وعلى الشعب الكويتيِ
عبدالله السالم
¹معروف عند الشعب الكويتي بأنه ابو الدستور وابو الديموقراطية وكان الناس يتمنون ان يروه، وهو من أولئك الذين يتمتعون بوجه سمح وطلعة بهية، واذكر انهم كانوا يتوقفون بالطابور لكي يشاهدوه وهو خارج من قصر السيف، وأظن ان بيت الحاكم كان في البداية قصر دسمان، حيث يستخدم للسكن ثم انتقل بعدها الى قصر الشعب وهنا اتذكر والدي، رحمة الله عليه محمد حسين محمد قاسم بهبهاني، بعد ان ترك مهنة الغوص الى ان تقاعد وكانت فترة حكم الشيخ احمد الجابر، وأنا للحقيقة لم اكن اعرف شيئا عن تلك الحقبة باعتبار اني ولدت عام 1951، والوالد عمل مراقبا بالاشغال، ايام لم يكن هناك وزارات في وظيفته مراقبة العمال بقصر الامير، ومن الاشياء التي مازالت راسخة في ذاكرتي انني في العطل الرسمية يومي الخميس والجمعة كان والدي يأخذني معه بعد ان تلبسني الوالدة خديجة الزي النظيف والهندام 'الكشخة' ونصل الى هناك مشيا على الاقدام، ومن بيت جدي المرحوم محمد قاسم بهبهاني حيث كنا نسكن في منطقة المطبة، نذهب الى قصر دسمان وندور بين البيوت ونشاهد الشيخات زوجات سمو الامير او عياله واشعر بأنهم اناس عاديون ومتواضعون ومحترمون، يمازحونك احيانا، وعندما اخرج من القصر لاعود للمسكن يكون جيبي 'مترس' سواء مما حلا اكله او غلا ثمنه، واستمرت القصة في قصر الشعب بعد انتقال المرحوم سمو الأمير الشيخ عبد الله السالم إليه، وفي احد الايام كنت في منطقة الدائري الثالث، اي في منطقة كيفان المكان نفسه، التي رافقت فيها سمو الشيخ سعد العبدالله الى مخيم العبدلي بعد التحرير1991، وفي هذه المنطقة، أي كيفان، كانت تسكن عمتي المرحومة دانة، وهي اصغر أخوات الوالد، وزوجها المرحوم عيسى فرج بهبهاني وابنها الاكبر هو حاليا دِعبدالله بهبهاني نائب مدير الجامعة بالوكالة وعميد كلية الطب
وكنا معا وأتذكر من العوائل التي كنا نلعب مع أولادهم، عائلة الدبوس وغيرهم، حيث كنا نمارس اللعب في الساحة الخارجية المطلة على مدرسة كيفان، وكان الوقت بعد الظهرِِ وفجأة سمعنا صافرات سيارات النجدة وعلمنا أنه المرحوم الشيخ عبدالله السالم، وهو موكب متواضع، حيث كان يركب سيارة الكاديلاك الطويلة وهي السيارة التي أقلت قبل أشهر سمو الامير الشيخ صباح بصحبة الشيخ جابر العبدالله بالذكرى الخمسين لانشاء ثانوية الشويخِِ وهنا استذكر تلك الحركة التي كان يشتهر بها بيديه (وهي حركة أموت فيها) عندما يجلس على يمين السائق بالمقعد الخلفي ويحرك يده اليمنى بشكل ثابت فوق وتحت (أي منتصف الجسم الى الجزء السفلي من الوجه وبطريقة هادئة وثابتة) وهي الحركة نفسها التي يقوم بها نجله صاحب السمو الأمير الوالد الشيخ سعد العبد اللهِ
كان موكبه في ذاك الوقت يخرج من قصر السيف الى قصر الشعب مارا بدروازة عبدالرزاق وتوقيت خروجه بين الساعة العاشرة والنصف والحادية عشرة ظهرا والناس تتجمع لكي تلقي نظرة على موكبهِِِ وفي تلك الأيام سمعنا بخبر وفاته بواسطة الراديو بعد أيام قليله عندما أغمي عليه أثناء حضوره جلسة مجلس الأمة المشهورة عام 1965، هنا أتذكر والدي الذي انتقل مع المرحوم الشيخ عبد الله السالم إلى قصر الشعب ثم انتقل مع المرحوم الشيخ صباح السالم الى قصر المسيلة، واصطحبني والدي يوم وفاة الشيخ عبدالله السالم الى قصر الشعب ودخلنا من البوابة الرئيسية وهي غير المكان الحالي وكنا نمشي بين اشجار السدر على طرفي الشارع حيث اكتظ المكان بالباكين من الرجال والنساءِ الى ان وصلنا الى القصر وبعدها الى المقبرة، ولا أدري كيف وصلنا الى هناك، ومن شدة الزحمة، انفصلت عن والدي وكان عمري آنذاك لا يتجاوز اربع عشرة سنة، ولم يكن يفصلني عن القبر سوى عدة افراد من الحرس الاميري، وكنت شاهدا على كل مراحل عملية الدفن، وقتها حصل تدافع رهيب بين المواطنين ونلت نصيبي بان ضربني احد الحراس بكعب بندقيته مع انني لم اكن المتسبب بذلك، انتهى الدفن وشاهد والدي الطقة التي اكلتها من الحرس، واخذ يروي لي مآثر المرحوم الشيخ عبدالله السالم وأفعاله الخيرة وما قدمه للكويت وقال ماراح يجي مثله وهو احسن الحكامِ
صباح السالم
وفي عام 1965 بويع المرحوم سمو الأمير الشيخ صباح السالم الصباح اميرا على الكويت، وأتذكر الكلمات السامية التي نطق بها في مجلس الامة، التي تعكس العلاقة بين الحاكم وشعبه، ومازلت ارويها واتذكرها لشدة ما أثرت في نفسي حيث قال 'ان ذكراه لن تموت وستظل خالدة في صدورنا جميعا وان الغرس الصالح الذي غرسه عبدالله السالم بيديه، وظل يرعاه بنفسه وقلبه لسنين حتى أينع وأثمر في حياته، لن يذوي او يذبل بعد مماته، إني لأعاهدكم بأني فاعل ذلك وبمؤازرة المجلس وشعب الكويت الوفي الامينِِِ مرت السنوات تلو الاخرى ويأتي يوم ـ على ما اذكر في أوائل السبعينات او عام 1971 ـ وكان يرحمه الله في زيارة لمصر وطلب منا الملحق الثقافي الكويتي بالاسكندرية آنذاك الاستاذ عبدالله حبيب ان نتجمع برابطة الطلبة بمنطقة 'الازاريطة'ِِ المهم تجمعنا هناك وجاء سمو الأمير ومعه المرحوم الشيخ عبدالله الجابر، ابو التعليم والمعارف في الكويت، ووصلا بسيارة عادية اكثر من متواضعة وبدون موكب وعدد قليل من الحراسة، جلسنا في الصالة وصار يسأل عن احتياجاتنا وتعليمنا بكل بساطة الاب والاخ ومن يسمعه 'يدردش' معنا، لا يعرف انه حاكم وامير الكويت وفي تلك الجلسة قام احد الزملاء وردد القصيدة التي قالها في جلسة مجلس الأمة بعد وفاة المرحوم عبد الله السالم ويريد ان يعرف من قائلهاِِ ورد عليه سموه 'اشتريها'ِِ ولم يكن يعرف هذا الزميل معناها وشرحها له المرحوم الشيخ عبدالله الجابر حيث قال: خذها بقصيدة ثانية حتى يعطيك اسم القائلِ
غادر وهو يجاملنا، ليس كحاكم ومحكوم، إلى ان تخرجت عام 1975 وبحكم علاقتي مع الهلال الأحمر ودِ عبدالرحمن العوضي أمين عام الهلال (وزير للصحة لمدة 18 سنة متواصلة) ثم وزير دولةِِ تخرجت وعينت في وزارة الصحة وعن طريق الهلال صارت لي علاقات مع جمعية المعوقين الكائنة في منطقة حوليِ ومرض سمو الأمير وسافر في رحلة للعلاج الى لندن، ولدى عودته بعد مدة استقبل بالمطار استقبالا كبيرا في موكب رسمي اخترق شوارع الكويت حيث خرج اهلها عن بكرة ابيهم لاستقبال اميرهم المحبوب كما حصل هذه الايام عند عودة سمو الامير المرحوم الشيخ جابر الى الكويت من العلاج، وقبلها عند عودة سمو الأمير الوالد الشيخ سعدِ
المهم وحسب البرنامج كان يحب ان تستغرق المسافة من المطار الى القصر ساعة واحدة لكن من كثرة الناس المصطفة بالشوارع وعدم قبول الشيخ صباح السالم ترك من خرج لاستقباله مصرا على رد التحية للناس بالشوارعِ وقد أخرج الجزء العلوي من جسمه من سيارة المرسيدس المفتوحة مطلا برأسه الى الناس وكان يستدير بكل الاتجاهات فعرفنا في لحظتها ان جزءا من طريق العبور سيكون عن طريق شارع القاهرة وصولا الى دوار الشعب ومنه الى قصر المسيلة، فطلب مني بعض نزلاء جمعية المعوقين في منطقة حولي ان يذهبوا لمشاهدة الموكب، فاستاذنت من منيرة القطامي امين عام الجمعية فوافقت على أن أخذهم مع ممرضات للعناية بهم، واخذناهم على العربات لنصل الى شارع القاهرة وقد جمع الاطفال باقات من الورود ليقدموها للامير، قبل سيارة سمو الأمير كانت سيارة الاذاعة وكان المذيع احمد عبدالعالِِ حتى لما شاهد المعوقين التفت الي، وقلت له: هؤلاء من جمعية رعاية المعوقين، في هذه اللحظة وصلت سيارة سمو الأمير ووجهه في اتجاه الأطفال المعاقين ويوميء بكلتا يديه وكنت مترددا ان ارمي باقات الورد أو أن اتركها بيدي وانا أقوم بالحركة التفت سموه وأومأ بكلتا يديه - ارمي الورد - ورميت الورد بدفعة قوية ولا أعلم كيف وصلت هذه الورود لتنثر على سطح السيارة، بما في ذلك رأس سموه وجسمه فأخذ مجموعة من الورود وظل يلوح بها للاطفال المعاقين في منظر لا يمكن ان ينسى أو يمحى من ذاكرتي، وابلغوني من الاذاعة بعدها ان الموكب استغرق اربع ساعات ثم ذهبت بعدها الى لندن للدراسة ليأتي الخبر المفجع يوم 31/12/1977 بوفاة الوالد المحب الشيخ صباح السالم طيب الله ثراه، وهذا أيضا من الأسرة كريمة أسرة آل الصباح وكان من أحسن الحكام والفرسان الذين تبوأوا منصب الامارةِ وقال الكويتيون 'الله يرحمه ما في مثله'ِ
http://www.alqabas.com.kw/Final/NewspaperWebsite/NewspaperBackOffice/ArticlesPictures/16-3-2006//48562_100010_small.jpg