سلسبيل
03-14-2006, 06:54 PM
ديفيد جريتن - بي بي سي
لأكثر من ألف عام كان العراق بمثابة ساحة شهدت العديد من الأحداث التي تركت انطباعا عميقا على الانقسام في الإسلام بين سنة وشيعة.
وفي العقود الأخيرة، ساهمت الهيمنة السياسية والاقتصادية للأقلية العربية السنية على شؤون العراق، واضطهاد الأغلبية الشيعية، في إذكاء التوترات الطائفية.
وأخيرا جاء الغزو الذي قادته واشنطن للعراق عام 2003، والذي أطاح بحكومة البعث العلمانية اسميا للرئيس صدام حسين، ليفتح الفرصة أمام الشيعة للسعي لتعويض عدم التوازن السلطوي في البلاد.
ورغم أن التوتر الطائفي كان ولا شك محفزا رئيسيا في العنف الذي دخل العراق في خضمه منذ الغزو، إلا أن الكثيرين يعتقدون أيضا أن تحميل الطائفية وحدها كافة مشاكل العراق الآن لا يعد إنصافا.
الانقسام التاريخي
الحكم السني
قمع صدام
ما بعد صدام
الانقسام التاريخي
ثمة خلافات مذهبية وتشريعية وفقهية وشعائرية، وتنظيمية أيضا بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة، ويعد هذا الانقسام الأقدم والأكبر في تاريخ الإسلام.
وترجع جذور الانشقاق على النزاع حول من يخلف النبي محمد كأمير للمؤمنين بعد وفاة النبي عام 632.
فطائفة من المسلمين بايعت أبا بكر كخليفة للمسلمين، وطائفة أخرى أبدت قناعتها بأن الأحق بالخلافة هو علي ابن أبي طالب، ابن عم النبي وزوج ابنته فاطمة.
ورغم أن علي تولى الخلافة رابعا بعد أبي بكر وعمر وعثمان، إلا أن مشروعية خلافته كانت محل نزاع أيضا، واغتيل عام 661 ميلادية.
وأبى الشيعة القبول بمشروعية غريمه ومن خلفه في الحكم معاوية ابن أبي سفيان.
وواصل نجلا علي، الحسن والحسين معارضة من جاء بعد معاوية، وأدى ذلك إلى اقتتال بين هذا الطرف وذاك، وقد دُس السم للحسن في عام 669 بينما قتل الحسين في معركة قرب كربلاء عام 680.
وأصبح علي والحسن والحسين هم الأُول بين الأئمة الاثني عشر الذين يرى فيهم الشيعة قادة وحكاما معينين إلهيا لخلافة المسلمين.
واستمرت زعامة الأئمة حتى عام 878، حينما شاع أن الإمام الثاني عشر، الإمام المهدي، قد غاب، أي اختفى، من سرداب أسفل مسجد في سامراء، وهو المسجد الذي تعرض للتفجير مؤخرا.
ولا يعتقد الشيعة أن المنية وافته، وينتظرون عودته مجددا بعد مرور ألفية وقرن. ويؤمنون أن عودة الإمام الغائب ستكون تفريجا عنهم وإيذانا بعهد يحل فيه العدل الإلهي.
أما السنة فيرفضون زعامة الأئمة، ويتمسكون بالسنة النبوية، إذ يؤكدون أنهم أهل السنة الحافظون لقول الرسول وعملهم، يأمرون بما أمر به وينهون عما نهاهم عنه.
حكم السنة
غالبية العالم الإسلامي من السنة، غير أن الشيعة هم الغالبية في العراق اليوم، نحو 60%، بينما يشكل السنة نحو 35% من العراقيين، بين عرب وأكراد.
غير أن الغالبية السكانية لم تترجم لهيمنة على الاقتصاد أو السياسة، بل كانت النخبة العراقية تقليديا حكرا على العرب السنة.
وتعود هيمنة العرب السنة منذ الحكم العثماني السني، إذ حكم العثمانيون إمبراطورية واسعة شملت الشرق الأوسط قرابة أربعة قرون، ولم تنته الهيمنة السنية بهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
وخلال الانتداب البريطاني للعراق عام 1920، عمل البريطانيون على تحجيم قوة الأغلبية الشيعية بإبقاء العرب السنة في مناصب قيادية في الحكومة والجيش.
وسرعان ما انخرط الضباط السنة في الجيش في المعترك السياسي وفي نهاية المطاف أطيح بالملكية المعينة من قبل بريطانيا في عام 1958.
وبعد ذلك بخمس سنوات وقع انقلاب نفذه حزب البعث العربي الاشتراكي العلماني، ولم يؤد إلى تغيير الوضع إذ استمر حكم النخبة العربية السنية للبلاد.
ومع شعور الشيعة بشكل متزايد بالغبن وخشية تصاعد مد الأحزاب العلمانية مدعومة من قبل الحكومة، التفوا حول الشخصيات الدينية البارزة وبدأوا يطالبون بالعودة إلى المبادئ الإسلامية للحكم والعدالة الاجتماعية.
قمع صدام
وأدى قيام الثورة الإسلامية في إيران المجاورة عام 1979 - حيث يشكل الشيعة 89% من سكان إيران - إلى تعبئة المعارضة الشيعية لحزب البعث، مما أثار خوف صدام حسين، الذي تولى الرئاسة عندئذ، من حدوث ثورة مماثلة في العراق.
وحينما حاول نشطاء سياسيون شيعة اغتيال نائب رئيس الوزراء عام 1980، رد صدام بإعدام آية الله محمد باقر الصدر، عم رجل الدين الشيعي الراديكالي مقتدى الصدر، وكانت أول مرة منذ وقت طويل يقتل فيها رجل دين على هذه المنزلة.
وحينما أعلن العراق الحرب على جارته إيران ذات الأغلبية الشيعية، صعدت حكومة صدام من حملة قمع وحشية.
وقد طرد آلاف الشيعة إلى إيران أو سجنوا، وتعرض آخرون للتعذيب والقتل، وتم تقييد الممارسات الدينية الشيعية وزيارات الأضرحة والمراقد.
وفي عام 1991 بعد حرب الخليج شجع الرئيس الأمريكي جورج بوش، والد الرئيس الحالي، العراقيين على الثورة ضد صدام حسين.
غير أن حركة التمرد الضخمة في جنوب البلاد لم تحظ بالدعم الأمريكي، وتم قمعها بسرعة وبشكل وحشي.
ما بعد صدام
وبعد الإطاحة بصدام عام 2003، وجد العرب السنة أنفسهم فجأة دون التفوق الذي طالما حظوا به في حكم البلاد.
فقد انتهجت سلطة التحالف المؤقتة التي تزعمتها واشنطن برنامجا للقضاء على البعث، أدى إلى اختفاء قطاعات واسعة من النخبة السنية ممن كان صدام يعتمد عليهم.
وحل محل هؤلاء زعماء شيعة استندوا إلى ارتكازهم على أغلبية من سكان البلاد وأعزوا إليها مشروعيتهم في تولي السلطة.
وأثار ذلك استياء العرب السنة، الذين أخذوا يشعرون بالتهميش بشكل متزايد، وقاطعوا العملية السياسية وشرعوا في دعم عناصر مسلحة وأخرى متشددة تعارض الاحتلال.
وفي البداية كانت الهجمات القاسية تستهدف القوات الأجنبية، غير أن جماعات سنية متطرفة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، أخذت تستهدف الشيعة بشكل متزايد.
ويرى بعض السنة أن الشيعة فئة خارجة عن الإسلام القويم، مما أذكى عمليات القتل الطائفية، فيما يرى بعض المتطرفين فيما يحدث الآن تبريرا أو حلقة أخرى من حلقات العداوة القديمة.
وقد هاجم المسلحون أبرز مراقد الشيعة في كربلاء والنجف وسامراء وقتلوا الكثير من السياسيين ورجال الدين والجنود وقوات الشرطة والمدنيين من الشيعة.
كما اشتكى بعض السنة من اختراق ميليشيات شيعية لقوات الشرطة الجديدة والقيام بعمليات قتل وتعذيب تستهدف أفرادا من السنة.
وبالطبع رفعت تلك الهجمات حدة التوتر الطائفي في العراق إلى مستوى جديد، غير أنها ليست السبب الأوحد للعنف الذي أحل بالعراق.
فقد أسهمت صراعات عرقية أيضا وانتماءات عشائرية في حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة.
كما لعبت مجموعات سياسية دورا هاما، مع توزع انتماءات العراقيين بين أفق واسع من الأيديولوجيات، والتي لا يمت بعضها للدين.
ويقول الكثير من العراقيين إن مجتمعهم، خاصة في العاصمة بغداد، هو مجتمع متعدد، للطبقة والمكانة الاجتماعية فيه أهمية أكثر من الانتماء الديني.
لأكثر من ألف عام كان العراق بمثابة ساحة شهدت العديد من الأحداث التي تركت انطباعا عميقا على الانقسام في الإسلام بين سنة وشيعة.
وفي العقود الأخيرة، ساهمت الهيمنة السياسية والاقتصادية للأقلية العربية السنية على شؤون العراق، واضطهاد الأغلبية الشيعية، في إذكاء التوترات الطائفية.
وأخيرا جاء الغزو الذي قادته واشنطن للعراق عام 2003، والذي أطاح بحكومة البعث العلمانية اسميا للرئيس صدام حسين، ليفتح الفرصة أمام الشيعة للسعي لتعويض عدم التوازن السلطوي في البلاد.
ورغم أن التوتر الطائفي كان ولا شك محفزا رئيسيا في العنف الذي دخل العراق في خضمه منذ الغزو، إلا أن الكثيرين يعتقدون أيضا أن تحميل الطائفية وحدها كافة مشاكل العراق الآن لا يعد إنصافا.
الانقسام التاريخي
الحكم السني
قمع صدام
ما بعد صدام
الانقسام التاريخي
ثمة خلافات مذهبية وتشريعية وفقهية وشعائرية، وتنظيمية أيضا بين المسلمين السنة والمسلمين الشيعة، ويعد هذا الانقسام الأقدم والأكبر في تاريخ الإسلام.
وترجع جذور الانشقاق على النزاع حول من يخلف النبي محمد كأمير للمؤمنين بعد وفاة النبي عام 632.
فطائفة من المسلمين بايعت أبا بكر كخليفة للمسلمين، وطائفة أخرى أبدت قناعتها بأن الأحق بالخلافة هو علي ابن أبي طالب، ابن عم النبي وزوج ابنته فاطمة.
ورغم أن علي تولى الخلافة رابعا بعد أبي بكر وعمر وعثمان، إلا أن مشروعية خلافته كانت محل نزاع أيضا، واغتيل عام 661 ميلادية.
وأبى الشيعة القبول بمشروعية غريمه ومن خلفه في الحكم معاوية ابن أبي سفيان.
وواصل نجلا علي، الحسن والحسين معارضة من جاء بعد معاوية، وأدى ذلك إلى اقتتال بين هذا الطرف وذاك، وقد دُس السم للحسن في عام 669 بينما قتل الحسين في معركة قرب كربلاء عام 680.
وأصبح علي والحسن والحسين هم الأُول بين الأئمة الاثني عشر الذين يرى فيهم الشيعة قادة وحكاما معينين إلهيا لخلافة المسلمين.
واستمرت زعامة الأئمة حتى عام 878، حينما شاع أن الإمام الثاني عشر، الإمام المهدي، قد غاب، أي اختفى، من سرداب أسفل مسجد في سامراء، وهو المسجد الذي تعرض للتفجير مؤخرا.
ولا يعتقد الشيعة أن المنية وافته، وينتظرون عودته مجددا بعد مرور ألفية وقرن. ويؤمنون أن عودة الإمام الغائب ستكون تفريجا عنهم وإيذانا بعهد يحل فيه العدل الإلهي.
أما السنة فيرفضون زعامة الأئمة، ويتمسكون بالسنة النبوية، إذ يؤكدون أنهم أهل السنة الحافظون لقول الرسول وعملهم، يأمرون بما أمر به وينهون عما نهاهم عنه.
حكم السنة
غالبية العالم الإسلامي من السنة، غير أن الشيعة هم الغالبية في العراق اليوم، نحو 60%، بينما يشكل السنة نحو 35% من العراقيين، بين عرب وأكراد.
غير أن الغالبية السكانية لم تترجم لهيمنة على الاقتصاد أو السياسة، بل كانت النخبة العراقية تقليديا حكرا على العرب السنة.
وتعود هيمنة العرب السنة منذ الحكم العثماني السني، إذ حكم العثمانيون إمبراطورية واسعة شملت الشرق الأوسط قرابة أربعة قرون، ولم تنته الهيمنة السنية بهزيمة الدولة العثمانية في الحرب العالمية الأولى.
وخلال الانتداب البريطاني للعراق عام 1920، عمل البريطانيون على تحجيم قوة الأغلبية الشيعية بإبقاء العرب السنة في مناصب قيادية في الحكومة والجيش.
وسرعان ما انخرط الضباط السنة في الجيش في المعترك السياسي وفي نهاية المطاف أطيح بالملكية المعينة من قبل بريطانيا في عام 1958.
وبعد ذلك بخمس سنوات وقع انقلاب نفذه حزب البعث العربي الاشتراكي العلماني، ولم يؤد إلى تغيير الوضع إذ استمر حكم النخبة العربية السنية للبلاد.
ومع شعور الشيعة بشكل متزايد بالغبن وخشية تصاعد مد الأحزاب العلمانية مدعومة من قبل الحكومة، التفوا حول الشخصيات الدينية البارزة وبدأوا يطالبون بالعودة إلى المبادئ الإسلامية للحكم والعدالة الاجتماعية.
قمع صدام
وأدى قيام الثورة الإسلامية في إيران المجاورة عام 1979 - حيث يشكل الشيعة 89% من سكان إيران - إلى تعبئة المعارضة الشيعية لحزب البعث، مما أثار خوف صدام حسين، الذي تولى الرئاسة عندئذ، من حدوث ثورة مماثلة في العراق.
وحينما حاول نشطاء سياسيون شيعة اغتيال نائب رئيس الوزراء عام 1980، رد صدام بإعدام آية الله محمد باقر الصدر، عم رجل الدين الشيعي الراديكالي مقتدى الصدر، وكانت أول مرة منذ وقت طويل يقتل فيها رجل دين على هذه المنزلة.
وحينما أعلن العراق الحرب على جارته إيران ذات الأغلبية الشيعية، صعدت حكومة صدام من حملة قمع وحشية.
وقد طرد آلاف الشيعة إلى إيران أو سجنوا، وتعرض آخرون للتعذيب والقتل، وتم تقييد الممارسات الدينية الشيعية وزيارات الأضرحة والمراقد.
وفي عام 1991 بعد حرب الخليج شجع الرئيس الأمريكي جورج بوش، والد الرئيس الحالي، العراقيين على الثورة ضد صدام حسين.
غير أن حركة التمرد الضخمة في جنوب البلاد لم تحظ بالدعم الأمريكي، وتم قمعها بسرعة وبشكل وحشي.
ما بعد صدام
وبعد الإطاحة بصدام عام 2003، وجد العرب السنة أنفسهم فجأة دون التفوق الذي طالما حظوا به في حكم البلاد.
فقد انتهجت سلطة التحالف المؤقتة التي تزعمتها واشنطن برنامجا للقضاء على البعث، أدى إلى اختفاء قطاعات واسعة من النخبة السنية ممن كان صدام يعتمد عليهم.
وحل محل هؤلاء زعماء شيعة استندوا إلى ارتكازهم على أغلبية من سكان البلاد وأعزوا إليها مشروعيتهم في تولي السلطة.
وأثار ذلك استياء العرب السنة، الذين أخذوا يشعرون بالتهميش بشكل متزايد، وقاطعوا العملية السياسية وشرعوا في دعم عناصر مسلحة وأخرى متشددة تعارض الاحتلال.
وفي البداية كانت الهجمات القاسية تستهدف القوات الأجنبية، غير أن جماعات سنية متطرفة، مثل تنظيم القاعدة في بلاد الرافدين بزعامة أبو مصعب الزرقاوي، أخذت تستهدف الشيعة بشكل متزايد.
ويرى بعض السنة أن الشيعة فئة خارجة عن الإسلام القويم، مما أذكى عمليات القتل الطائفية، فيما يرى بعض المتطرفين فيما يحدث الآن تبريرا أو حلقة أخرى من حلقات العداوة القديمة.
وقد هاجم المسلحون أبرز مراقد الشيعة في كربلاء والنجف وسامراء وقتلوا الكثير من السياسيين ورجال الدين والجنود وقوات الشرطة والمدنيين من الشيعة.
كما اشتكى بعض السنة من اختراق ميليشيات شيعية لقوات الشرطة الجديدة والقيام بعمليات قتل وتعذيب تستهدف أفرادا من السنة.
وبالطبع رفعت تلك الهجمات حدة التوتر الطائفي في العراق إلى مستوى جديد، غير أنها ليست السبب الأوحد للعنف الذي أحل بالعراق.
فقد أسهمت صراعات عرقية أيضا وانتماءات عشائرية في حالة عدم الاستقرار التي شهدتها البلاد في العقود الأخيرة.
كما لعبت مجموعات سياسية دورا هاما، مع توزع انتماءات العراقيين بين أفق واسع من الأيديولوجيات، والتي لا يمت بعضها للدين.
ويقول الكثير من العراقيين إن مجتمعهم، خاصة في العاصمة بغداد، هو مجتمع متعدد، للطبقة والمكانة الاجتماعية فيه أهمية أكثر من الانتماء الديني.