فاتن
03-13-2006, 09:54 AM
عبدالرزاق الصافي
من المعروف، وفقا ًلما تعلنه مرجعية آية الله السيد علي السيستاني، إن السيد المرجع لايتبنى فكرة ولاية الفقيه في صيغتها الخمينية المطبّقة في إيران، منذ ما يزيد على ربع قرن، والتي جعلت رجال دين غير منتخبين يتحكمون بأمور الحكم في البلاد، عن طريق الفقيه الولي، ومجلس صيانة مصلحة النظام. الامر الذي أدّى الى عرقلة بناء دولة ديموقراطية حقيقية كان الشعب الايراني يطمح الى قيامها، ويناضل من أجلها طوال عقود من الزمن مليئة بالتضحيات، ضد حكم الشاه.
وكان السيد السيستاني ولا يزال، على ما يبدو، ضد أن يتولى رجال الدين مسؤولية الحكم، او المشاركة فيه، بصفتهم الدينية. ولذا منع ممثليه في المحافظات من ترشيح أنفسهم في الانتخابات، في كانون الاول (ديسمبر) الماضي، إذا أرادوا الاحتفاظ بصفتهم ممثلين للمرجعية في المحافظات.
وسبق له، أي للسيد السيستاني، أن أخبر السيد أشرف قاضي ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق، في لقاء له معه، إنه ليس رجل سياسة، ولا يتدخل في الشؤون السياسية. وإن دوره يقتصر على إبداء النصح، والتدخل لحل ما قد ينشأ من أزمات تتطلب تدخله.
وكان من الامثلة على تطبيق هذه الوجهة، هو تدخله الايجابي لحل أزمة النجف بسبب إحتلال «جيش المهدي» للروضة الحيدرية الشريفة. هذا التدخل الذي حمى الروضة ومدينة النجف من أضرار جسيمة بالارواح والاموال والممتلكات ،عن طريق إنسحاب «جيش المهدي»، وعودة الهدوء الى المدينة. والمثال الآخر هو إمتناعه عن دعم أي من المرشحين الثلاثة لرئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها، يوم ذهب اليه السادة عادل عبد المهدي وابراهيم الجعفري وأحمد الجلبي طلباً لتأييد أحدهم. إذ كان ردّه يومذاك، الامتناع عن تسمية أحدهم، وتأكيده على اهمية البرنامج وليس الشخص.
وبرغم هذا التوجه من جانب السيد السيستاني فقد لجأت قائمة الائتلاف العراقي الموحد الى الزج بإسم المرجعية والسيد علي السيستاني في المعارك الانتخابية التي خاضتها، سواء في انتخابات الجمعية الوطنية التي جرت في 30/1/2005 ، وذلك بالاعلان عن مباركة السيد السيستاني لها، من دون أن يصدر عنه بيان يحمل ختمه وتوقيعه، أو في انتخابات 15/12/2005 حين إستمرت القائمة بإستخدام صوره في دعايتها الانتخابية، والزعم بأنها، اي القائمة، «يد المرجعية» في الانتخابات، وإستغلال التهجم المستهجن الي قام به إحد المتحدثين في قناة الجزيرة الفضائية، الذي لا يمثـّل إلا نفسه وقلّة من الحاقدين على العملية السياسية السلمية، لتسيير التظاهرات وتصعيد الدعاية الانتخابية في فترة الصمت المنصوص عليها في قرارات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وذلك لكسب المزيد من أصوات المواطنين البسطاء، الذين يقلّدون السيد السيستاني، في الانتخابات.
استعرضنا هذه الوقائع إرتباطاً بالتعقيدات الناجمة عن ترشيح الائتلاف العراقي الموحد الدكتور ابراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة. هذا الترشيح الذي لقي معارضة واسعة داخل البرلمان وخارجه. وذلك بسبب الاداء السيء لحكومة الجعفري خلال الشهور التي تولت فيها المسؤولية. هذا الاداء الذي ولد خيبة أمل حتى في أوساط المرجعية نفسها. وكذلك بسبب عجزها عن التصدي الناجح لتفاقم الحالة الامنية، وتردي الخدمات، بشكل لم يسبق له مثيل، وإنفراد السيد الجعفري بإتخاذ القرارات، وإقدامه على السفر الى تركيا، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد مخاطر إندلاع حرب طائفية، بسبب تفجير مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، وردود الفعل الغوغائية المستنكرة، التي قام بها بعض الشيعة، من قبيل إحتلال عدد من جوامع الاخوة السنة وتهديم بعضها، والقتل المتبادل للمواطنين على الهوية.
هذا السفر الذي تمّ بذريعة بعيدة عن الواقع هي متابعة تنفيذ قرارات سابقة، كان يمكن أن يقوم بها موظف من وزارة الخارجية، أو أحد الوزراء المعنيين، وليس رئيس الوزراء، في هذا الظرف بالذات.
ومن اللافت للنظر ان الجعفري لم يفلح في استصحاب الوزير التركماني الذي ينتمي الي التنظيم الحليف له في الائتلاف العراقي الموحد، وهو المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، مما يعني ان الائتلاف غير موحد. الامر الذي بدا واضحاً في التظاهرات التي سيرها حزب الجعفري (حزب الدعوة الاسلامية )، من دون مشاركة واضحة من أطراف اُخرى في الائتلاف، وسفر إثنين من أقطابه هما السيدان جواد المالكي وعلي الاديب الى النجف طلباً لدعم السيد السيستاني لترشيح الجعفري لرئاسة الوزراء، من دون الحصول على هذا الدعم. فقد ذكر السيد الاديب عقب الزيارة إن السيد السيستاني لا يتدخل في التفاصيل.
إن الالحاح، من قبل أطراف في الائتلاف العراقي الموحد في زج المرجعية في الشؤون السياسية، بعد انتخاب المجلس النيابي، الذي ينبغي أن يتولى هو السلطة التشريعية في البلاد، وانتخاب رئاسة البرلمان ومجلس رئاسة الجمهورية وتكليف من يرشح لرئاسة الوزراء بتشكيل الوزارة الجديدة، ان هذا الالحاح ليس هو في النتيجة سوى محاولة لفرض ولاية الفقيه بصيغة جديدة.
وبدلاً من التلويح بالاستقواء بالمرجعية، الذي يظهر في تصريحات عديدة منها تصريح سابق للسيد عبد العزيز الحكيم، بأن الكلمة الاخيرة للمرجعية، واستمرار قادة الائتلاف في مراجعتها المرة تلو الاخرى، وتهديد إمام جامع الكوفة يوم الرابع من هذا الشهر بطرح موضوع المرشح لرئاسة الوزراء «على المرجع الاعلى آية الله السيد علي السيستاني إذا استمرت الضغوط السياسية لاستبدال المرشح لمنصب رئيس الوزراء»، بدلاً من هذا كله، كان الاجدر ان يجتمع نواب الائتلاف العراقي الموحد لبحث موضوع ترشيحهم للسيد الجعفري بفارق صوت واحد، مما يعني وجود إنقسام حاد في ما بينهم، في ضوء المعارضة الواسعة لهذا الترشيح، ووضع مصلحة الوطن والشعب فوق الصالح الحزبية والفئوية الضيقة، والسعي الجاد لتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، تشارك فيها كل مكوّنات الشعب العراقي الدينية والطائفية والقومية والسياسية، في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد، وتجنيب الشعب والوطن مخاطر الفتنة الطائفية، التي يمكن أن تؤدي الى حرب لا تبقي ولا تذر، إن لم ترتفع النخب السياسية الممثلة في البرلمان الى مستوى المسؤولية، وتأمين الامن والاستقرار للوطن والمواطن، وإنهاء وجود القوات الاجنبية في البلاد، وتوفير الخدمات العامة للمواطنين، والشروع بإعمار ما خربته الدكتاتورية والارهاب ضد الشعب، والحروب العبثية والحصار الجائر والتدخل العسكري والاحتلال وأعمال التخريب الارهابية طوال السنوات الثلاث التي أعقبت سقوط النظام الدكتاتوري.
* كاتب عراقي - لندن.
من المعروف، وفقا ًلما تعلنه مرجعية آية الله السيد علي السيستاني، إن السيد المرجع لايتبنى فكرة ولاية الفقيه في صيغتها الخمينية المطبّقة في إيران، منذ ما يزيد على ربع قرن، والتي جعلت رجال دين غير منتخبين يتحكمون بأمور الحكم في البلاد، عن طريق الفقيه الولي، ومجلس صيانة مصلحة النظام. الامر الذي أدّى الى عرقلة بناء دولة ديموقراطية حقيقية كان الشعب الايراني يطمح الى قيامها، ويناضل من أجلها طوال عقود من الزمن مليئة بالتضحيات، ضد حكم الشاه.
وكان السيد السيستاني ولا يزال، على ما يبدو، ضد أن يتولى رجال الدين مسؤولية الحكم، او المشاركة فيه، بصفتهم الدينية. ولذا منع ممثليه في المحافظات من ترشيح أنفسهم في الانتخابات، في كانون الاول (ديسمبر) الماضي، إذا أرادوا الاحتفاظ بصفتهم ممثلين للمرجعية في المحافظات.
وسبق له، أي للسيد السيستاني، أن أخبر السيد أشرف قاضي ممثل الامين العام للامم المتحدة في العراق، في لقاء له معه، إنه ليس رجل سياسة، ولا يتدخل في الشؤون السياسية. وإن دوره يقتصر على إبداء النصح، والتدخل لحل ما قد ينشأ من أزمات تتطلب تدخله.
وكان من الامثلة على تطبيق هذه الوجهة، هو تدخله الايجابي لحل أزمة النجف بسبب إحتلال «جيش المهدي» للروضة الحيدرية الشريفة. هذا التدخل الذي حمى الروضة ومدينة النجف من أضرار جسيمة بالارواح والاموال والممتلكات ،عن طريق إنسحاب «جيش المهدي»، وعودة الهدوء الى المدينة. والمثال الآخر هو إمتناعه عن دعم أي من المرشحين الثلاثة لرئاسة الوزراء في الحكومة الانتقالية المنتهية ولايتها، يوم ذهب اليه السادة عادل عبد المهدي وابراهيم الجعفري وأحمد الجلبي طلباً لتأييد أحدهم. إذ كان ردّه يومذاك، الامتناع عن تسمية أحدهم، وتأكيده على اهمية البرنامج وليس الشخص.
وبرغم هذا التوجه من جانب السيد السيستاني فقد لجأت قائمة الائتلاف العراقي الموحد الى الزج بإسم المرجعية والسيد علي السيستاني في المعارك الانتخابية التي خاضتها، سواء في انتخابات الجمعية الوطنية التي جرت في 30/1/2005 ، وذلك بالاعلان عن مباركة السيد السيستاني لها، من دون أن يصدر عنه بيان يحمل ختمه وتوقيعه، أو في انتخابات 15/12/2005 حين إستمرت القائمة بإستخدام صوره في دعايتها الانتخابية، والزعم بأنها، اي القائمة، «يد المرجعية» في الانتخابات، وإستغلال التهجم المستهجن الي قام به إحد المتحدثين في قناة الجزيرة الفضائية، الذي لا يمثـّل إلا نفسه وقلّة من الحاقدين على العملية السياسية السلمية، لتسيير التظاهرات وتصعيد الدعاية الانتخابية في فترة الصمت المنصوص عليها في قرارات المفوضية العليا المستقلة للانتخابات، وذلك لكسب المزيد من أصوات المواطنين البسطاء، الذين يقلّدون السيد السيستاني، في الانتخابات.
استعرضنا هذه الوقائع إرتباطاً بالتعقيدات الناجمة عن ترشيح الائتلاف العراقي الموحد الدكتور ابراهيم الجعفري لرئاسة الوزراء في الحكومة المقبلة. هذا الترشيح الذي لقي معارضة واسعة داخل البرلمان وخارجه. وذلك بسبب الاداء السيء لحكومة الجعفري خلال الشهور التي تولت فيها المسؤولية. هذا الاداء الذي ولد خيبة أمل حتى في أوساط المرجعية نفسها. وكذلك بسبب عجزها عن التصدي الناجح لتفاقم الحالة الامنية، وتردي الخدمات، بشكل لم يسبق له مثيل، وإنفراد السيد الجعفري بإتخاذ القرارات، وإقدامه على السفر الى تركيا، في الوقت الذي تعاني فيه البلاد مخاطر إندلاع حرب طائفية، بسبب تفجير مرقد الامامين علي الهادي والحسن العسكري عليهما السلام، وردود الفعل الغوغائية المستنكرة، التي قام بها بعض الشيعة، من قبيل إحتلال عدد من جوامع الاخوة السنة وتهديم بعضها، والقتل المتبادل للمواطنين على الهوية.
هذا السفر الذي تمّ بذريعة بعيدة عن الواقع هي متابعة تنفيذ قرارات سابقة، كان يمكن أن يقوم بها موظف من وزارة الخارجية، أو أحد الوزراء المعنيين، وليس رئيس الوزراء، في هذا الظرف بالذات.
ومن اللافت للنظر ان الجعفري لم يفلح في استصحاب الوزير التركماني الذي ينتمي الي التنظيم الحليف له في الائتلاف العراقي الموحد، وهو المجلس الاعلى للثورة الاسلامية في العراق، مما يعني ان الائتلاف غير موحد. الامر الذي بدا واضحاً في التظاهرات التي سيرها حزب الجعفري (حزب الدعوة الاسلامية )، من دون مشاركة واضحة من أطراف اُخرى في الائتلاف، وسفر إثنين من أقطابه هما السيدان جواد المالكي وعلي الاديب الى النجف طلباً لدعم السيد السيستاني لترشيح الجعفري لرئاسة الوزراء، من دون الحصول على هذا الدعم. فقد ذكر السيد الاديب عقب الزيارة إن السيد السيستاني لا يتدخل في التفاصيل.
إن الالحاح، من قبل أطراف في الائتلاف العراقي الموحد في زج المرجعية في الشؤون السياسية، بعد انتخاب المجلس النيابي، الذي ينبغي أن يتولى هو السلطة التشريعية في البلاد، وانتخاب رئاسة البرلمان ومجلس رئاسة الجمهورية وتكليف من يرشح لرئاسة الوزراء بتشكيل الوزارة الجديدة، ان هذا الالحاح ليس هو في النتيجة سوى محاولة لفرض ولاية الفقيه بصيغة جديدة.
وبدلاً من التلويح بالاستقواء بالمرجعية، الذي يظهر في تصريحات عديدة منها تصريح سابق للسيد عبد العزيز الحكيم، بأن الكلمة الاخيرة للمرجعية، واستمرار قادة الائتلاف في مراجعتها المرة تلو الاخرى، وتهديد إمام جامع الكوفة يوم الرابع من هذا الشهر بطرح موضوع المرشح لرئاسة الوزراء «على المرجع الاعلى آية الله السيد علي السيستاني إذا استمرت الضغوط السياسية لاستبدال المرشح لمنصب رئيس الوزراء»، بدلاً من هذا كله، كان الاجدر ان يجتمع نواب الائتلاف العراقي الموحد لبحث موضوع ترشيحهم للسيد الجعفري بفارق صوت واحد، مما يعني وجود إنقسام حاد في ما بينهم، في ضوء المعارضة الواسعة لهذا الترشيح، ووضع مصلحة الوطن والشعب فوق الصالح الحزبية والفئوية الضيقة، والسعي الجاد لتشكيل حكومة وحدة وطنية حقيقية، تشارك فيها كل مكوّنات الشعب العراقي الدينية والطائفية والقومية والسياسية، في هذا الظرف العصيب الذي تمر به البلاد، وتجنيب الشعب والوطن مخاطر الفتنة الطائفية، التي يمكن أن تؤدي الى حرب لا تبقي ولا تذر، إن لم ترتفع النخب السياسية الممثلة في البرلمان الى مستوى المسؤولية، وتأمين الامن والاستقرار للوطن والمواطن، وإنهاء وجود القوات الاجنبية في البلاد، وتوفير الخدمات العامة للمواطنين، والشروع بإعمار ما خربته الدكتاتورية والارهاب ضد الشعب، والحروب العبثية والحصار الجائر والتدخل العسكري والاحتلال وأعمال التخريب الارهابية طوال السنوات الثلاث التي أعقبت سقوط النظام الدكتاتوري.
* كاتب عراقي - لندن.