فاتن
03-08-2006, 09:08 AM
وحدة المسلمين ومسؤولية الشيعة العرب
http://www.alshiraa.com/alshiraa/Pictures/ghilaf.jpg
كتب حسن صبرا - الشراع
*الملك عبد الله اوصى جنبلاط خيراً بنصر الله وقال له: هذا الشاب رفع رأس العرب والمسلمين فمد يدك ليده دائماً ولا تتركه
*تقليد (حزب الله)) لخامنئي يعني الالتزام بسياسة ايران التي تخوض حرباً مع العالم كله في مسألة المفاعل النووي
*ايران تمول ميليشيا المجلس الاعلى وحزب الدعوة لتحريكهما ضد وحدة الشعب العراقي واستقراره وأمنه
*نصر الله يعي هشاشة الوضع المذهبي في لبنان وخطورة انعكاس ما يجري في العراق عليه
*نصر الله رفض المشاركة باعتداء استخباراتي سوري على المسيحيين يوم الاحد الاسود وكذلك في اعتداء على المسلمين السنة في الطريق الجديدة بعد مباراة كرة القدم
*جذوة الفتنة تحولت الى لبنان لاشعاله ولن تربح فيها سوى اسرائيل
*ايران تكفّر فضل الله وألزمت مقلديه داخل حزب الله بالتقية تحت طائلة الحرمان من المكتسبات
*جزائريون سألوا لبنانيين بعد قراءة كتب فضل الله: هل هو سني ام شيعي لأن هويته غير ظاهرة في كتبه
*يعتبر فضل الله من مؤسسي الدعوة وهو ابن خالة محمد باقر وعبد العزيز الحكيم
*فضل الله نبه المجلس الاعلى وحزب الدعوة من الرهان على اميركا وايران لحكم العراق
*العلاقات مقطوعة بين فضل الله وعبد العزيز الحكيم
*فضل الله لم يكن على اتفاق تام مع الجعفري ولا يخفي معارضته لبعض خطوط سياسته
*مقتدى الصدر حارب الفدرالية في العراق التزاماً بتوجيهات فضل الله
*بعد الاعتداء على مقامي الامامين الهادي والعسكري طلب فضل الله من الصدر العودة الى النجف لوأد الفتنة واجراء لقاءات وصلوات سنية – شيعية في العراق
حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على ان يوصي الزعيم الوطني وليد جنبلاط خيراً بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، خلال استقباله له منذ مدة قصيرة في الرياض، قائلاً له: هذا الشاب يا وليد رفع رأس العرب والمسلمين، فمد يدك ليده دائماً ولا تتركه.
واذا كانت وصية رجل كبير بحجم الملك عبد الله من المملكة العربية السعودية، بالسيد نصر الله تحمل مغزى ورمزاً كبيرين، فإن صاحب التوصية أي حسن نصر الله كان تربع منذ زمن على قلوب ملايين العرب والمسلمين داخل الوطن العربي وخارجه، ويعتبر كثيرون انه الشخصية العربية الاولى التي ورثت حباً جماعياً في نفوس العرب والمسلمين بعد جمال عبد الناصر.. هو السيد حسن نصر الله.
فهذا الشاب الذي يملك كاريزما قيادية خاصة، بلغ قمة التضحية والايثار حين قدم ابنه البكر شهيداً من أجل تحرير ارض لبنان من العدو الصهيوني، كما انه اتقن الفعل حتى تشوقت الناس لسماعه وهو يحاور وهو يخطب، فلما اطل محدثاً كان السيف عنده اصدق انباء من الكتب، وكان السيف في يد نصر الله يعمل في رقاب الصهاينة الذين شكل وجودهم واحتلالهم وغطرستهم تحدياً جماعياً لأمة بأكملها عربية وعالماً اسلامياً متناثراً.. جاء هذا الشاب وفتية تحت قيادته ليرد التحدي بما يثلج قلوب الملايين.. ويومياً.
غير ان التحدي الاكبر يدق باب السيد نصر الله الذي يشق الشيب لحيته، وهو في مقتبل العمر من هموم يحملها، ليذكره بأن ما انتهى منه او كاد وهو الاحتلال الصهيوني للأرض اللبنانية، ان هو الا التحدي الاصغر، فالجهاد الاكبر هو مع النفس ومع الجموح الذي يتشكل تلقائياً من عبء المسؤوليات ومن ضخامة ما هو مطلوب منه.
فأن تنتصر على عدو الامة.. فإن من واجب الامة كلها ان تقف معك، اما ان تنتصر على نصفك الآخر في هذه الامة، فانك تساهم في قسمتها بوعيك او بدونه.
لقد نجح الذين ايدهم السيد حسن نصر الله في استدراجه الى كمائن لم يكن يوماً يفكر في الاقتراب منها، واستخدمت قوته وطاقاته في نزالات داخلية لم يكن ليحتاجها، حتى حين كان يخرج منها منتصراً بعدد من المقاعد او الاصوات او الاعلام المركّز على حجم الحشد في تظاهراته، كانت تأكل من رصيده الداخلي.. حتى وهو يكابر اعلاناً بأن المقاومة ضد العدو الصهيوني انتصرت دون الاجماع الوطني.
المسألة اليوم ليست في دعم المقاومة او حجبه، لأن الامور تتجه نحو الاسوأ وهو تجاوز محاولة تفتيت وحدة الوطن الى محاولة تفتيت المسلمين فيه، ولم يقاتل السيد نصر الله اسرائيل كي يدفع لبنان او اللبنانيون او المسلمون فيه الثمن.. بل كي تدفع اسرائيل الخاسرة هذا الثمن، لكن ما يبدو وحتى الآن ان اسرائيل هي المستفيدة الاولى من تفتيت المسلمين.. ولدينا في تجربة العراق الآن المثل البشع.. الذي تهدد شظاياه المتناثرة وحدة لبنان وشعبه والمسلمين تحديداً فيه.
وهذا ما يلقي على القائد الشاب مسؤوليات مضاعفة، مقترنة بحجمه العربي والاسلامي، وحجم حزبه ومقاومته، بل نكاد نقول ان مصير لبنان كله معلق بين يدي السيد المجاهد ودوره.. وما سيفعله لتجنب لبنان مأزق العراق.
حقائق لا بد من ايرادها
نحن نعرف ان السيد حسن وحزب الله محكومان بحقائق لم يعد ممكناً تجاوزها قبل المصارحة فيها ومن ضمنها:
1- ان السيد نصرالله هو الوكيل الشرعي – السياسي لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، مع ما يترتب على هذا التمثيل السياسي – الفقهي من التزامات متبادلة بين حزب الله وبين إيران.
ايران هي التي تموّل حزب الله، وهي التي تسلحه، وهي التي تشكل له الغطاء السياسي الذي قد يبدو أحياناً وقاية من شمس التهديدات، لكنه في الوقت نفسه شلال من الأنواء والاعاصير فوق رأس الحزب.
بهذا المعنى فإن السيد علي خامنئي الذي يفتقد التقليد المرجعي داخل إيران ليس له في العالم الإسلامي كله مقلد إلا حزب الله في لبنان.. مع محاولات استخباراتية لتوسيع المقلدين إلى العراق لتشمل جماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة.. بعد ان يعلن الفريقان العراقيان التزامهما العلني بولاية الفقيه الإيرانية، ودون ذلك صعوبات تبدأ في مرجعية السيد علي السيستاني التي لا ترضى بذلك أبداً وصولاً إلى ان رئيس وزراء العراق الحالي – المكلف ابراهيم الجعفري هو أحد وكلاء المرجع العربي الأكبر السيد محمد حسين فضل الله في لبنان.
ومحبو السيد حسن نصرالله يخشون عليه هذا التقليد لخامنئي سياسياً وليس فقهياً، لأن هذا يعني التزام السيد نصرالله بسياسة خامنئي الإيرانية التي تخوض الآن تحدياً مفتوحاً على جميع الاحتمالات مع العالم كله، وليس فقط مع الولايات المتحدة أو إسرائيل في مسألة المفاعل النووي الإيراني.
والخطورة في هذا الأمر، ان يدفع التقليد الشرعي للسيد نصرالله لخامنئي إلى ما تريده إيران لفك العزلة عنها، أو لرهاناتها الخطيرة سواء في العراق أو في لبنان.
إيران في العراق تحتضن ((القاعدة)) وتستخدمها ساعة تشاء ضد أميركا، كما تساوم بها مع أميركا، ترسل منها مسلحين في عمليات ضد القوات الأميركية المحتلة ساعة تريد توجيه رسالة قاسية ضد واشنطن، وتسلم منها معتقلين ساعة تريد توجيه رسالة ودية نحو واشنطن.
ايران في العراق تحتضن الجماعات المسلحة من المجلس الأعلى وحزب الدعوة، وتمول الميليشيات التابعة لهما وتسلحهما ثم تحركهما ضد وحدة الشعب العراقي واستقراره وأمنه، وضد عروبته مباشرة لأن لإيران مصلحة مباشرة ضد بقاء العراق دولة واحدة عربية موحدة.. وتلتقي بهذا بوعيها أو بدونه مع مصلحة العدو الصهيوني مباشرة.
وإذ نسجل وعياً عالياً عند السيد نصرالله لهشاشة الأوضاع المذهبية في لبنان، وخطورة انعكاس ما يجري في العراق عليه، فإنه قرأ تماماً هتافات الرعاع الذين دخلوا مباراة كرة القدم بين لبنان والكويت، في الطريق الجديدة – والسيد يعلم ما هي الطريق الجديدة ومن فيها – ضد سعد الحريري وما يمثل ومن يمثل.
وهذا ما يدخلنا الى الحقيقة الثانية.
2- يعلم السيد نصر الله، اكثر من غيره تحركات الاستخبارات السورية في لبنان ضد وحدته وعلاقات طوائفه ومذاهبه.
واذا كان السيد قد سحب فتيلاً مهماً من تظاهرات يوم الاحد الاسود في 5/2/2006 التي ارسل فيها النظام السوري مخبريه كي يشعلوها فتنة بين المسلمين والمسيحيين، فإن السيد نصر الله رفض مشاركة أي من اطره في تظاهرة الملعب البلدي في الطريق الجديدة.
في التظاهرة الاولى يوم الاحد الاسود رفض نصر الله المشاركة في اعتداء استخباراتي سوري على الكنائس ومنازل المسيحيين في بيروت.
في التظاهرة الثانية يوم مباراة كرة القدم رفض نصر الله المشاركة في اعتداء استخباراتي سوري على المسلمين السنة في عقر دارهم في الطريق الجديدة.
لكن،
الى متى يستطيع السيد السكوت ان لم نقل تغطية هذه الجرائم الاستخباراتية المتمادية.. بل لعلنا نقول اننا لا نريد من السيد تحميل اجهزته الامنية الفعالة مسؤولية الامن حماية للذين قرر النظام السوري قتلهم في لبنان من رموز انتفاضة الاستقلال والحرية والسيادة.. بل اننا نخشى على السيد وحزبه الاستمرار في تغطية او السكوت على جرائم النظام السوري ضد وحدة المسلمين ايضاً في لبنان.
السيد يعلم من يرسل ((القاعدة)) من العراق الى لبنان، ويعلم كيف يُجمعون وأين يُجمعون في سوريا لتوجيههم الى لبنان بعد ان التزم النظام السوري بنفسه في رسالة ايجابية لواشنطن بأنه ممتنع عن ارسال القاعدة ومسلحيها الى العراق حتى لا يقتلوا الجنود الاميركان، او يشعلوا نار الفتنة في العراق، وها هو يوجههم الى لبنان كي يؤدوا دورهم في اشعال الفتنة فيه.
السيد يتألم لأن جماعة القاعدة لن توفر حزبه او مقاومته او جمهوره قتلاً وتفجيراً.. أليس هذا ما يحصل في العراق؟
ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا ان الذين ((اطمأنوا)) الى اشتعال جذوة الفتنة التي يتم تأجيلها في العراق، حولوا وجوههم القذرة نحو لبنان لاشعاله وهو ذو الجسد المذهبي – الطائفي الهش.. وتلك حرب لن تربح فيها سوى اسرائيل، ولن يسمح السيد حسن نصر الله بعد ان حرر لبنان من احتلالها ان يتركها سعيدة وهي ترى الفتنة المذهبية تحتله بدلاً عنها.
السيد حسن نصر الله يعلم، ان محركي الفتنة في ايران وسوريا لهم مكانتهم ودورهم داخل حزبه وأرضه وبين جمهوره.. ويعلم ان اقناعهم بعدم استخدام هذا السلاح المذهبي ضد لبنان صعب جداً لكنه رجل المهمات الصعبة وكل لبنان يريد له ان ينجح فيها.
المرجع العربي
المرجع الإسلامي الأكبر في لبنان السيد محمد حسين فضل الله هو أبرز مرجعية إسلامية عربية على المذهب الشيعي، وهو ضمانة عربية بفهم سياسي عميق يكاد يجسد ولاية الفقيه ببعديها الديني والسياسي، حتى لو اختار الموضع الفقهي، ولعل هذا البعد هو الذي يجعل إيران الدولة تحاربه بل ووصلت استخباراتها في حربها ضده إلى تكفيره، وتحريم اقتناء كتبه وإلزام مقلديه داخل حزب الله – وهم الأكثرية – ان يعتمدوا التقية في تقليده، بعد ان صدر تعميم داخلي بمنع تقليده تحت طائلة الحرمان من كل المميزات والمكتسبات التي يحصلون عليها مادياً وتربوياً وصحياً وعائلياً واجتماعياً وزيارات للأماكن والمراقد في إيران والعراق فضلاً عن فريضة الحج.
وجهد السيد فضل الله لحماية الوحدة الإسلامية ببعدها العربي هو الأبرز على المستوى الإسلامي سواء في لبنان أو في العراق أو في أي بلد عربي آخر، ومثلما شكل مرجعية ومرشداً لحزب الله في مرحلة ولادة ومراهقة الحزب وهي أصعب مراحل البناء، فإنه يشكل للشيعة في لبنان دور المرشد الذي يحرص على وحدة المسلمين في مرحلة إعادة تشكيل الدول أو على الأقل تغيير معادلاتها الداخلية كما حصل في العراق وحصل في فلسطين وسيحصل في سوريا..
عمل السيد فضل الله على خط الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة على مستوى التنظير الفكري لهذه الوحدة، وكذلك على المستوى السياسي وهو يمسك بعبارة يكررها دائماً عندما يتحدث عن أسلوبه في العمل الإسلامي منذ بدايات الشباب وهي قوله: ((لقد ولدت إسلامياً)) ويشير بذلك إلى انه عمل منذ البداية على ان لا ينطلق طائفياً أو مذهبياً.
وقد تجلّى ذلك في بدايات إطلالاته السياسية أو المنبرية عندما جاء من النجف حيث كان يدرس في حوزتها إلى لبنان لأول مرة، وكانت مناسبة أربعين المرجع الديني السيد محسن الأمين (كان عمر السيد فضل الله يومها حوالى 16 عاماً). وألقى قصيدة في هذه المناسبة (وكان من بين الحضور المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر وسوريا الدكتور مصطفى السباعي)، تحدث فيها عن الوحدة الإسلامية.. ومما جاء في قصيدة سماحته:
والدين وهو عقيدة شقت على أفق الوجود
ومناهج توحي لنا روح التضامن والصمود
علمتنا فيه الإباء بما احتواه من القصيد
والدين روح برة تحلو على كل العبيد
فالمسلمون لبعضهم في الدين كالصرح المشيد
لا طائفية بينهم ترمي العقائد بالجحود
عاش الموحد في ظلال الحق في أفق الخلود
كما تجلّت دعوات السيد فضل الله للوحدة الإسلامية ومنهجيته الإسلامية الانفتاحية في سلسلة كتبه التي أغنى بها المكتبة الإسلامية، والتي لا تتلمس الطريقة المذهبية في الكتابة بل تذهب إلى حيث هي مقاصد الإسلام، ويبرز ذلك جلياً في الكتب التالية: ((الحوار في القرآن))، ((قضايانا على ضوء الإسلام))، ((أسلوب الدعوة في القرآن))، ((خطوات على طريق الاسلام)) وهو باكورة كتاباته.. كما يتجلى ذلك في نحو مائة كتاب ألفها فضل الله.
وحتى ان ((الاسلامية)) التي لا سنّية ولا شيعية تبرز حتى في الكتابات الشعرية للسيد فضل الله، كما في ديوانه ((في ظلال الاسلام)) التي اقتربت من ان تكون ملحمة اسلامية شعرية تؤرخ لانطلاقة الاسلام شعراً وأدباً.. وكما في ديوانه ((قصائد للإسلام والحياة)) الذي يحتوي على يوميات اسلامية من عمق تفكيره في كيفية صوغ حلول للواقع الاسلامي على اساس الوحدة الاسلامية بعيداً عن التكفير والاتهامات المتبادلة.. وهناك كتابان يختصان بالوحدة الاسلامية لفضل الله وهما ((الوحدة الاسلامية بين الواقع والمثال))، و((أحاديث في قضايا الإختلاف والوحدة)).
سني أم شيعي؟
وينقل بعض الطلاب اللبنانيين الذين كانوا يتابعون الدراسة في الجزائر في اواسط الثمانينات من القرن المنصرم ان بعض زملائهم من الطلاب الجزائريين عندما كانوا يطالعون كتب السيد فضل الله التي كانت تأتيهم تباعاً في ايام صعود التيار الاسلامي في لبنان كان يسأل: ((هل الشيخ فضل الله سني أم شيعي؟)) وكان الطلاب اللبنانيون ينظرون اليه باستغراب ويسألونه: ((لماذا تتساءل بهذه الطريقة))؟ فيقول: ((لقد قرأت كتبه فلم ألمس حساً طائفياً فيها ولا تظهر هويته المذهبية بل هويته الاسلامية فحسب)).
هذه المنهجية الاسلامية للسيد فضل الله جعلت البعض يطرح عليه هذا السؤال في محاضرة له في مركز (عمر المختار التربوي) في الخيارة اواخر الستعينيات: ((انت سني أم شيعي؟)) فأجاب السيد فضل الله بجواب جعل الجميع يصفق له بحيوية نادرة، قال: ((السنة هم اهل الشيعة لانهم يحبون أهل البيت (عليهم السلام) والشيعة هم أهل السنة لانهم يعملون بسنة رسول الله (ص))).. ثم اردف: ((لست ادري لماذا نصر على استحضار شخصيتنا المذهبية قبل شخصيتنا الاسلامية، نحن مسلمون قبل كل شيء)).
وربما لهذه الاسباب ولهذه المنهجية او غيرها جعلت الكثيرين داخل الوسط الشيعي ينظرون للسيد فضل الله كمرجع شيعي ((مفرط)) او ((متنازل)) عن بعض الثوابت في خط التشيّع، وقد ألّفت الكثير من الكتب التي تهاجمه وبعضها ينتقده كيف يقول: ((التشيع وجهة نظر في فهم الاسلام، والتسنن وجهة نظر في فهم الاسلام.. حيث ان الاشتباك المذهبي جعل هذا الطرف يتحدث عن نفسه كفرقة ناجية، وأنه يمثل الاسلام وحده، وذاك الطرف يتحدث بالطريقة نفسها حتى دونما تدقيق او تحقيق بحديث الفرقة الناجية، (والذي يرويه السنة والشيعة عن الرسول (ص) بأنه يقول: ستفترق أمتي الى ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة)، ويقوم الكثيرون بالتأكيد بأن هذا الحديث ضعيف او ليس بصحيح وما الى ذلك.
في منهجيته الاسلامية، يرى السيد فضل الله بأن فريق الصحابة الاول عرف كيف يحل مشاكله وأموره، وكيف يعمل لحساب الاسلام وان اختلف هؤلاء بعد رحيل الرسول الاكرم (ص)، ولكن الامام علي (ع) قال: لأسلمن ما سلمت امور المسلمين، والخليفة الثاني عمر بن الخطاب قال: لا بقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن.. وكان يستشير الامام علي (ع) في الكثير من الامور وهذا ما فعله الخليفة الاول ايضاً.. فلماذا نتقاتل باسمهم مع انهم اتفقوا على اخراج الواقع الاسلامي من الفتنة الى روح الحوار والى صلابة الموقف في مواجهة المشركين والكافرين وما الى ذلك.. ويقول السيد فضل الله: ان علينا عندما ننطلق الى هذا التاريخ (التاريخ الاسلامي بعد وفاة الرسول الاكرم) ان نتذكر الآية الكريمة: ((تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم لا تسألون عما كانوا يعملون)) فقد صنعوا تاريخهم ووحدتهم رغم اختلافهم وعلينا ان نعمل لصناعة تاريخنا ووحدتنا.
ولعل ملامسة السيد فضل الله لذلك التاريخ بهذه الروح الوحدوية، ودعوته الى عدم استحضار الجوانب الحساسة من هذا التاريخ بطريقة سلبية هي التي ألبت عليه الكثيرين داخل الساحة الاسلامية الشيعية.. ربما لأنه اصر على تقييم التاريخ من خلال التحقيق الدقيق الذي لا يصار فيه الى الاعتماد على المرويات الا من خلال الحقائق الدامغة.. والواقع ان هذه المنهجية وهذه الافكار ليست هي السبب الوحيد للحملة التي حاولت النيل منه، فهناك اسباب اخرى يتصل البعض منها باستقلاليته وعدم تبعته لأي دولة او حزب، كما يتصل بعضها بعروبته وأصالته في هذا الجانب.. هنا نجد العقدة الايرانية التاريخية ضد العرب والعروبيين عموماً، فهم مثلما يقاتلون من أجل المرجعية الشيعية في قم وليس في النجف. يحاربون كل مرجع عربي ويتسابقون لتقليد أي مرجع غير عربي.. فارسياً كان ام تركياً ام آذرياً او افغانياً.. وحربهم ضد السيد فضل الله لها مجموعة ابعاد.
في البعد الاول هو عربي ومن آل بيت رسول الله.
في البعد الثاني هو رجل دين مستنير ذو بعد سياسي تقدمي حقيقي.
في البعد الثالث هو مرجع يحمل على عاتقه مسؤولية الجمع لا التفرقة، يبحث عما يوحد ويرفض كل ما يفرق ويمحص حتى يصل الى ما يسفهه عملياً وعلمياً.
من اللافت ان فضل الله اقترح جملة من الآليات لتعميق الوحدة الاسلامية بين السنة والشيعة من بينها التشجيع على الزواج المشترك، وهذا ما طرحه في محاضرة القاها في ((المقاصد)) عام 1985 تحت عنوان ((الوحدة الاسلامية بين الواقع والمثال)) حيث اشار الى ان المشكلة التي تكمن بين السنة والشيعة هي في ((عدم التكاشف)) وعدم المصارحة، وقد قال الرسول الاكرم (ص) ((لو تكاشفتم لما تدافنتم)) وعندما يصبح الشيعي صهر العائلة السنية او يصبح السني صهر العائلة الشيعية فإن كل شيء ينكشف امامه، ولا يعود هناك من ((منطقة معزولة)) او منطقة ضبابية في العلاقة..
هذا في العلاقات الاجتماعية، اما على صعيد العلاقة بين علماء الدين والفقهاء من الطرفين، فإن السيد فضل الله شدد دائماً على اللقاءات غير البروتوكولية، والجدية التي لا بد ان تحكم المؤتمرات واللقاءات الحوارية، ولذلك فقد كان لافتاً في احد المؤتمرات التي اقامها ((تجمع العلماء المسلمين)) في فندق الكومودور في بيروت (وهو التجمع الذي رعاه وأيده السيد فضل الله منذ انطلاقته الاولى لأنه ضم علماء من السنة والشيعة في لبنان، وكان السيد فضل الله يؤكد لهم بأن يصبح تجمعهم نموذجاً وحدوياً قوياً يبعث برسالة وحدوية الى كل العالم الاسلامي حيث يتواجد السنة والشيعة)، ان فضل الله تحدث بصراحة قائلاً للمتكلمين في المؤتمر من علماء السنة والشيعة ((كلنا يتحدث بالوحدة ثم نرجع الى قواعدنا الطائفية سالمين))، داعياً اياهم الى الخروج من دائرة التكاذب الى روح الصراحة والانفتاح والى معالجة كل شيء وفق مرجعيتين: القرآن الكريم وسنة النبي (ص)، حيث لا يختلف السنة والشيعة على هاتين المرجعيتين، وإنما المسألة تحتاج الى روح تحمل المسؤولية الشرعية الاسلامية قبل الجلوس الى طاولة الحوار..
اما في الجانب السياسي فيعتقد السيد فضل الله ان مشكلة المسلمين من سنة وشيعة تكمن في انهم يعملون على تطييف مشاكلهم بدلاً من ((اسلمتها)) او من التعاطي معها في الجوانب الوطنية والعربية حيث ان الذي يحتل بلادهم ويسرق ثرواتهم لا يسأل عن هويتهم بقدر ما يسعى للسيطرة عليهم ونهب ما يملكون..
وهكذا ينتقد الحركات الاسلامية في ان همومها غالباً ما تنحصر في نطاق اهتماماتها ومشاكلها الخاصة، لا في ما هي هموم الاسلام كله، ولذلك تغلب المذهبية على بعض هذه الهموم كما قد تتغلب القطرية على الاسلامية، وهكذا، وقف سماحته مع قضية فلسطين منذ كان طفلاً في العاشرة من عمره تقريباً (وهو السن الذي نظم فيه اول قصيدة) معتبراً اياها قضية اسلامية، وكتب قصيدته الاولى حول مأساة فلسطين في العام 1948 يذكر منها فضل الله بيتين:
دافعوا عن حقنا المغتصب .................... في فلسطين بحد الغضب
واذكروا عهد صلاح حينما .................... هبّ فيها طارداً للأجنبي
ورأى ان فلسطين بما تحمل من عناوين كبرى قادرة على احتضان السنة والشيعة معاً ليتوحدوا حولها، لا بل أكد ان فلسطين تتسع للعرب جميعاً، كما تتسع للمسيحية كما تتسع للإسلام، وتتسع أيضاً لكل المستضعفين في العالم، لأنها قضية المظلومين والمضطهدين (من الفلسطينيين) الذين لا بد لكل المنصفين من أن يقفوا معهم.. وإذا ما قرأنا سعي البعض إلى الغوص في موقف صلاح الدين من الشيعة والتشكيك في تحريره فلسطين وبيت المقدس في حطين لأدركنا عمق الموقف الإسلامي التوحيدي المسؤول في هذا التقييم المهم لهذه المرحلة من الصراع العربي مع الصليبيين.
http://www.alshiraa.com/alshiraa/Pictures/ghilaf.jpg
كتب حسن صبرا - الشراع
*الملك عبد الله اوصى جنبلاط خيراً بنصر الله وقال له: هذا الشاب رفع رأس العرب والمسلمين فمد يدك ليده دائماً ولا تتركه
*تقليد (حزب الله)) لخامنئي يعني الالتزام بسياسة ايران التي تخوض حرباً مع العالم كله في مسألة المفاعل النووي
*ايران تمول ميليشيا المجلس الاعلى وحزب الدعوة لتحريكهما ضد وحدة الشعب العراقي واستقراره وأمنه
*نصر الله يعي هشاشة الوضع المذهبي في لبنان وخطورة انعكاس ما يجري في العراق عليه
*نصر الله رفض المشاركة باعتداء استخباراتي سوري على المسيحيين يوم الاحد الاسود وكذلك في اعتداء على المسلمين السنة في الطريق الجديدة بعد مباراة كرة القدم
*جذوة الفتنة تحولت الى لبنان لاشعاله ولن تربح فيها سوى اسرائيل
*ايران تكفّر فضل الله وألزمت مقلديه داخل حزب الله بالتقية تحت طائلة الحرمان من المكتسبات
*جزائريون سألوا لبنانيين بعد قراءة كتب فضل الله: هل هو سني ام شيعي لأن هويته غير ظاهرة في كتبه
*يعتبر فضل الله من مؤسسي الدعوة وهو ابن خالة محمد باقر وعبد العزيز الحكيم
*فضل الله نبه المجلس الاعلى وحزب الدعوة من الرهان على اميركا وايران لحكم العراق
*العلاقات مقطوعة بين فضل الله وعبد العزيز الحكيم
*فضل الله لم يكن على اتفاق تام مع الجعفري ولا يخفي معارضته لبعض خطوط سياسته
*مقتدى الصدر حارب الفدرالية في العراق التزاماً بتوجيهات فضل الله
*بعد الاعتداء على مقامي الامامين الهادي والعسكري طلب فضل الله من الصدر العودة الى النجف لوأد الفتنة واجراء لقاءات وصلوات سنية – شيعية في العراق
حرص خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز على ان يوصي الزعيم الوطني وليد جنبلاط خيراً بأمين عام حزب الله السيد حسن نصر الله، خلال استقباله له منذ مدة قصيرة في الرياض، قائلاً له: هذا الشاب يا وليد رفع رأس العرب والمسلمين، فمد يدك ليده دائماً ولا تتركه.
واذا كانت وصية رجل كبير بحجم الملك عبد الله من المملكة العربية السعودية، بالسيد نصر الله تحمل مغزى ورمزاً كبيرين، فإن صاحب التوصية أي حسن نصر الله كان تربع منذ زمن على قلوب ملايين العرب والمسلمين داخل الوطن العربي وخارجه، ويعتبر كثيرون انه الشخصية العربية الاولى التي ورثت حباً جماعياً في نفوس العرب والمسلمين بعد جمال عبد الناصر.. هو السيد حسن نصر الله.
فهذا الشاب الذي يملك كاريزما قيادية خاصة، بلغ قمة التضحية والايثار حين قدم ابنه البكر شهيداً من أجل تحرير ارض لبنان من العدو الصهيوني، كما انه اتقن الفعل حتى تشوقت الناس لسماعه وهو يحاور وهو يخطب، فلما اطل محدثاً كان السيف عنده اصدق انباء من الكتب، وكان السيف في يد نصر الله يعمل في رقاب الصهاينة الذين شكل وجودهم واحتلالهم وغطرستهم تحدياً جماعياً لأمة بأكملها عربية وعالماً اسلامياً متناثراً.. جاء هذا الشاب وفتية تحت قيادته ليرد التحدي بما يثلج قلوب الملايين.. ويومياً.
غير ان التحدي الاكبر يدق باب السيد نصر الله الذي يشق الشيب لحيته، وهو في مقتبل العمر من هموم يحملها، ليذكره بأن ما انتهى منه او كاد وهو الاحتلال الصهيوني للأرض اللبنانية، ان هو الا التحدي الاصغر، فالجهاد الاكبر هو مع النفس ومع الجموح الذي يتشكل تلقائياً من عبء المسؤوليات ومن ضخامة ما هو مطلوب منه.
فأن تنتصر على عدو الامة.. فإن من واجب الامة كلها ان تقف معك، اما ان تنتصر على نصفك الآخر في هذه الامة، فانك تساهم في قسمتها بوعيك او بدونه.
لقد نجح الذين ايدهم السيد حسن نصر الله في استدراجه الى كمائن لم يكن يوماً يفكر في الاقتراب منها، واستخدمت قوته وطاقاته في نزالات داخلية لم يكن ليحتاجها، حتى حين كان يخرج منها منتصراً بعدد من المقاعد او الاصوات او الاعلام المركّز على حجم الحشد في تظاهراته، كانت تأكل من رصيده الداخلي.. حتى وهو يكابر اعلاناً بأن المقاومة ضد العدو الصهيوني انتصرت دون الاجماع الوطني.
المسألة اليوم ليست في دعم المقاومة او حجبه، لأن الامور تتجه نحو الاسوأ وهو تجاوز محاولة تفتيت وحدة الوطن الى محاولة تفتيت المسلمين فيه، ولم يقاتل السيد نصر الله اسرائيل كي يدفع لبنان او اللبنانيون او المسلمون فيه الثمن.. بل كي تدفع اسرائيل الخاسرة هذا الثمن، لكن ما يبدو وحتى الآن ان اسرائيل هي المستفيدة الاولى من تفتيت المسلمين.. ولدينا في تجربة العراق الآن المثل البشع.. الذي تهدد شظاياه المتناثرة وحدة لبنان وشعبه والمسلمين تحديداً فيه.
وهذا ما يلقي على القائد الشاب مسؤوليات مضاعفة، مقترنة بحجمه العربي والاسلامي، وحجم حزبه ومقاومته، بل نكاد نقول ان مصير لبنان كله معلق بين يدي السيد المجاهد ودوره.. وما سيفعله لتجنب لبنان مأزق العراق.
حقائق لا بد من ايرادها
نحن نعرف ان السيد حسن وحزب الله محكومان بحقائق لم يعد ممكناً تجاوزها قبل المصارحة فيها ومن ضمنها:
1- ان السيد نصرالله هو الوكيل الشرعي – السياسي لمرشد الجمهورية الإسلامية في إيران، مع ما يترتب على هذا التمثيل السياسي – الفقهي من التزامات متبادلة بين حزب الله وبين إيران.
ايران هي التي تموّل حزب الله، وهي التي تسلحه، وهي التي تشكل له الغطاء السياسي الذي قد يبدو أحياناً وقاية من شمس التهديدات، لكنه في الوقت نفسه شلال من الأنواء والاعاصير فوق رأس الحزب.
بهذا المعنى فإن السيد علي خامنئي الذي يفتقد التقليد المرجعي داخل إيران ليس له في العالم الإسلامي كله مقلد إلا حزب الله في لبنان.. مع محاولات استخباراتية لتوسيع المقلدين إلى العراق لتشمل جماعة المجلس الأعلى للثورة الإسلامية وحزب الدعوة.. بعد ان يعلن الفريقان العراقيان التزامهما العلني بولاية الفقيه الإيرانية، ودون ذلك صعوبات تبدأ في مرجعية السيد علي السيستاني التي لا ترضى بذلك أبداً وصولاً إلى ان رئيس وزراء العراق الحالي – المكلف ابراهيم الجعفري هو أحد وكلاء المرجع العربي الأكبر السيد محمد حسين فضل الله في لبنان.
ومحبو السيد حسن نصرالله يخشون عليه هذا التقليد لخامنئي سياسياً وليس فقهياً، لأن هذا يعني التزام السيد نصرالله بسياسة خامنئي الإيرانية التي تخوض الآن تحدياً مفتوحاً على جميع الاحتمالات مع العالم كله، وليس فقط مع الولايات المتحدة أو إسرائيل في مسألة المفاعل النووي الإيراني.
والخطورة في هذا الأمر، ان يدفع التقليد الشرعي للسيد نصرالله لخامنئي إلى ما تريده إيران لفك العزلة عنها، أو لرهاناتها الخطيرة سواء في العراق أو في لبنان.
إيران في العراق تحتضن ((القاعدة)) وتستخدمها ساعة تشاء ضد أميركا، كما تساوم بها مع أميركا، ترسل منها مسلحين في عمليات ضد القوات الأميركية المحتلة ساعة تريد توجيه رسالة قاسية ضد واشنطن، وتسلم منها معتقلين ساعة تريد توجيه رسالة ودية نحو واشنطن.
ايران في العراق تحتضن الجماعات المسلحة من المجلس الأعلى وحزب الدعوة، وتمول الميليشيات التابعة لهما وتسلحهما ثم تحركهما ضد وحدة الشعب العراقي واستقراره وأمنه، وضد عروبته مباشرة لأن لإيران مصلحة مباشرة ضد بقاء العراق دولة واحدة عربية موحدة.. وتلتقي بهذا بوعيها أو بدونه مع مصلحة العدو الصهيوني مباشرة.
وإذ نسجل وعياً عالياً عند السيد نصرالله لهشاشة الأوضاع المذهبية في لبنان، وخطورة انعكاس ما يجري في العراق عليه، فإنه قرأ تماماً هتافات الرعاع الذين دخلوا مباراة كرة القدم بين لبنان والكويت، في الطريق الجديدة – والسيد يعلم ما هي الطريق الجديدة ومن فيها – ضد سعد الحريري وما يمثل ومن يمثل.
وهذا ما يدخلنا الى الحقيقة الثانية.
2- يعلم السيد نصر الله، اكثر من غيره تحركات الاستخبارات السورية في لبنان ضد وحدته وعلاقات طوائفه ومذاهبه.
واذا كان السيد قد سحب فتيلاً مهماً من تظاهرات يوم الاحد الاسود في 5/2/2006 التي ارسل فيها النظام السوري مخبريه كي يشعلوها فتنة بين المسلمين والمسيحيين، فإن السيد نصر الله رفض مشاركة أي من اطره في تظاهرة الملعب البلدي في الطريق الجديدة.
في التظاهرة الاولى يوم الاحد الاسود رفض نصر الله المشاركة في اعتداء استخباراتي سوري على الكنائس ومنازل المسيحيين في بيروت.
في التظاهرة الثانية يوم مباراة كرة القدم رفض نصر الله المشاركة في اعتداء استخباراتي سوري على المسلمين السنة في عقر دارهم في الطريق الجديدة.
لكن،
الى متى يستطيع السيد السكوت ان لم نقل تغطية هذه الجرائم الاستخباراتية المتمادية.. بل لعلنا نقول اننا لا نريد من السيد تحميل اجهزته الامنية الفعالة مسؤولية الامن حماية للذين قرر النظام السوري قتلهم في لبنان من رموز انتفاضة الاستقلال والحرية والسيادة.. بل اننا نخشى على السيد وحزبه الاستمرار في تغطية او السكوت على جرائم النظام السوري ضد وحدة المسلمين ايضاً في لبنان.
السيد يعلم من يرسل ((القاعدة)) من العراق الى لبنان، ويعلم كيف يُجمعون وأين يُجمعون في سوريا لتوجيههم الى لبنان بعد ان التزم النظام السوري بنفسه في رسالة ايجابية لواشنطن بأنه ممتنع عن ارسال القاعدة ومسلحيها الى العراق حتى لا يقتلوا الجنود الاميركان، او يشعلوا نار الفتنة في العراق، وها هو يوجههم الى لبنان كي يؤدوا دورهم في اشعال الفتنة فيه.
السيد يتألم لأن جماعة القاعدة لن توفر حزبه او مقاومته او جمهوره قتلاً وتفجيراً.. أليس هذا ما يحصل في العراق؟
ولعلنا لا نبالغ اذا قلنا ان الذين ((اطمأنوا)) الى اشتعال جذوة الفتنة التي يتم تأجيلها في العراق، حولوا وجوههم القذرة نحو لبنان لاشعاله وهو ذو الجسد المذهبي – الطائفي الهش.. وتلك حرب لن تربح فيها سوى اسرائيل، ولن يسمح السيد حسن نصر الله بعد ان حرر لبنان من احتلالها ان يتركها سعيدة وهي ترى الفتنة المذهبية تحتله بدلاً عنها.
السيد حسن نصر الله يعلم، ان محركي الفتنة في ايران وسوريا لهم مكانتهم ودورهم داخل حزبه وأرضه وبين جمهوره.. ويعلم ان اقناعهم بعدم استخدام هذا السلاح المذهبي ضد لبنان صعب جداً لكنه رجل المهمات الصعبة وكل لبنان يريد له ان ينجح فيها.
المرجع العربي
المرجع الإسلامي الأكبر في لبنان السيد محمد حسين فضل الله هو أبرز مرجعية إسلامية عربية على المذهب الشيعي، وهو ضمانة عربية بفهم سياسي عميق يكاد يجسد ولاية الفقيه ببعديها الديني والسياسي، حتى لو اختار الموضع الفقهي، ولعل هذا البعد هو الذي يجعل إيران الدولة تحاربه بل ووصلت استخباراتها في حربها ضده إلى تكفيره، وتحريم اقتناء كتبه وإلزام مقلديه داخل حزب الله – وهم الأكثرية – ان يعتمدوا التقية في تقليده، بعد ان صدر تعميم داخلي بمنع تقليده تحت طائلة الحرمان من كل المميزات والمكتسبات التي يحصلون عليها مادياً وتربوياً وصحياً وعائلياً واجتماعياً وزيارات للأماكن والمراقد في إيران والعراق فضلاً عن فريضة الحج.
وجهد السيد فضل الله لحماية الوحدة الإسلامية ببعدها العربي هو الأبرز على المستوى الإسلامي سواء في لبنان أو في العراق أو في أي بلد عربي آخر، ومثلما شكل مرجعية ومرشداً لحزب الله في مرحلة ولادة ومراهقة الحزب وهي أصعب مراحل البناء، فإنه يشكل للشيعة في لبنان دور المرشد الذي يحرص على وحدة المسلمين في مرحلة إعادة تشكيل الدول أو على الأقل تغيير معادلاتها الداخلية كما حصل في العراق وحصل في فلسطين وسيحصل في سوريا..
عمل السيد فضل الله على خط الوحدة الإسلامية بين السنة والشيعة على مستوى التنظير الفكري لهذه الوحدة، وكذلك على المستوى السياسي وهو يمسك بعبارة يكررها دائماً عندما يتحدث عن أسلوبه في العمل الإسلامي منذ بدايات الشباب وهي قوله: ((لقد ولدت إسلامياً)) ويشير بذلك إلى انه عمل منذ البداية على ان لا ينطلق طائفياً أو مذهبياً.
وقد تجلّى ذلك في بدايات إطلالاته السياسية أو المنبرية عندما جاء من النجف حيث كان يدرس في حوزتها إلى لبنان لأول مرة، وكانت مناسبة أربعين المرجع الديني السيد محسن الأمين (كان عمر السيد فضل الله يومها حوالى 16 عاماً). وألقى قصيدة في هذه المناسبة (وكان من بين الحضور المرشد العام للإخوان المسلمين في مصر وسوريا الدكتور مصطفى السباعي)، تحدث فيها عن الوحدة الإسلامية.. ومما جاء في قصيدة سماحته:
والدين وهو عقيدة شقت على أفق الوجود
ومناهج توحي لنا روح التضامن والصمود
علمتنا فيه الإباء بما احتواه من القصيد
والدين روح برة تحلو على كل العبيد
فالمسلمون لبعضهم في الدين كالصرح المشيد
لا طائفية بينهم ترمي العقائد بالجحود
عاش الموحد في ظلال الحق في أفق الخلود
كما تجلّت دعوات السيد فضل الله للوحدة الإسلامية ومنهجيته الإسلامية الانفتاحية في سلسلة كتبه التي أغنى بها المكتبة الإسلامية، والتي لا تتلمس الطريقة المذهبية في الكتابة بل تذهب إلى حيث هي مقاصد الإسلام، ويبرز ذلك جلياً في الكتب التالية: ((الحوار في القرآن))، ((قضايانا على ضوء الإسلام))، ((أسلوب الدعوة في القرآن))، ((خطوات على طريق الاسلام)) وهو باكورة كتاباته.. كما يتجلى ذلك في نحو مائة كتاب ألفها فضل الله.
وحتى ان ((الاسلامية)) التي لا سنّية ولا شيعية تبرز حتى في الكتابات الشعرية للسيد فضل الله، كما في ديوانه ((في ظلال الاسلام)) التي اقتربت من ان تكون ملحمة اسلامية شعرية تؤرخ لانطلاقة الاسلام شعراً وأدباً.. وكما في ديوانه ((قصائد للإسلام والحياة)) الذي يحتوي على يوميات اسلامية من عمق تفكيره في كيفية صوغ حلول للواقع الاسلامي على اساس الوحدة الاسلامية بعيداً عن التكفير والاتهامات المتبادلة.. وهناك كتابان يختصان بالوحدة الاسلامية لفضل الله وهما ((الوحدة الاسلامية بين الواقع والمثال))، و((أحاديث في قضايا الإختلاف والوحدة)).
سني أم شيعي؟
وينقل بعض الطلاب اللبنانيين الذين كانوا يتابعون الدراسة في الجزائر في اواسط الثمانينات من القرن المنصرم ان بعض زملائهم من الطلاب الجزائريين عندما كانوا يطالعون كتب السيد فضل الله التي كانت تأتيهم تباعاً في ايام صعود التيار الاسلامي في لبنان كان يسأل: ((هل الشيخ فضل الله سني أم شيعي؟)) وكان الطلاب اللبنانيون ينظرون اليه باستغراب ويسألونه: ((لماذا تتساءل بهذه الطريقة))؟ فيقول: ((لقد قرأت كتبه فلم ألمس حساً طائفياً فيها ولا تظهر هويته المذهبية بل هويته الاسلامية فحسب)).
هذه المنهجية الاسلامية للسيد فضل الله جعلت البعض يطرح عليه هذا السؤال في محاضرة له في مركز (عمر المختار التربوي) في الخيارة اواخر الستعينيات: ((انت سني أم شيعي؟)) فأجاب السيد فضل الله بجواب جعل الجميع يصفق له بحيوية نادرة، قال: ((السنة هم اهل الشيعة لانهم يحبون أهل البيت (عليهم السلام) والشيعة هم أهل السنة لانهم يعملون بسنة رسول الله (ص))).. ثم اردف: ((لست ادري لماذا نصر على استحضار شخصيتنا المذهبية قبل شخصيتنا الاسلامية، نحن مسلمون قبل كل شيء)).
وربما لهذه الاسباب ولهذه المنهجية او غيرها جعلت الكثيرين داخل الوسط الشيعي ينظرون للسيد فضل الله كمرجع شيعي ((مفرط)) او ((متنازل)) عن بعض الثوابت في خط التشيّع، وقد ألّفت الكثير من الكتب التي تهاجمه وبعضها ينتقده كيف يقول: ((التشيع وجهة نظر في فهم الاسلام، والتسنن وجهة نظر في فهم الاسلام.. حيث ان الاشتباك المذهبي جعل هذا الطرف يتحدث عن نفسه كفرقة ناجية، وأنه يمثل الاسلام وحده، وذاك الطرف يتحدث بالطريقة نفسها حتى دونما تدقيق او تحقيق بحديث الفرقة الناجية، (والذي يرويه السنة والشيعة عن الرسول (ص) بأنه يقول: ستفترق أمتي الى ثلاث وسبعين فرقة، الناجية منها واحدة)، ويقوم الكثيرون بالتأكيد بأن هذا الحديث ضعيف او ليس بصحيح وما الى ذلك.
في منهجيته الاسلامية، يرى السيد فضل الله بأن فريق الصحابة الاول عرف كيف يحل مشاكله وأموره، وكيف يعمل لحساب الاسلام وان اختلف هؤلاء بعد رحيل الرسول الاكرم (ص)، ولكن الامام علي (ع) قال: لأسلمن ما سلمت امور المسلمين، والخليفة الثاني عمر بن الخطاب قال: لا بقيت لمعضلة ليس لها ابو الحسن.. وكان يستشير الامام علي (ع) في الكثير من الامور وهذا ما فعله الخليفة الاول ايضاً.. فلماذا نتقاتل باسمهم مع انهم اتفقوا على اخراج الواقع الاسلامي من الفتنة الى روح الحوار والى صلابة الموقف في مواجهة المشركين والكافرين وما الى ذلك.. ويقول السيد فضل الله: ان علينا عندما ننطلق الى هذا التاريخ (التاريخ الاسلامي بعد وفاة الرسول الاكرم) ان نتذكر الآية الكريمة: ((تلك امة قد خلت لها ما كسبت ولكم ما كسبتم لا تسألون عما كانوا يعملون)) فقد صنعوا تاريخهم ووحدتهم رغم اختلافهم وعلينا ان نعمل لصناعة تاريخنا ووحدتنا.
ولعل ملامسة السيد فضل الله لذلك التاريخ بهذه الروح الوحدوية، ودعوته الى عدم استحضار الجوانب الحساسة من هذا التاريخ بطريقة سلبية هي التي ألبت عليه الكثيرين داخل الساحة الاسلامية الشيعية.. ربما لأنه اصر على تقييم التاريخ من خلال التحقيق الدقيق الذي لا يصار فيه الى الاعتماد على المرويات الا من خلال الحقائق الدامغة.. والواقع ان هذه المنهجية وهذه الافكار ليست هي السبب الوحيد للحملة التي حاولت النيل منه، فهناك اسباب اخرى يتصل البعض منها باستقلاليته وعدم تبعته لأي دولة او حزب، كما يتصل بعضها بعروبته وأصالته في هذا الجانب.. هنا نجد العقدة الايرانية التاريخية ضد العرب والعروبيين عموماً، فهم مثلما يقاتلون من أجل المرجعية الشيعية في قم وليس في النجف. يحاربون كل مرجع عربي ويتسابقون لتقليد أي مرجع غير عربي.. فارسياً كان ام تركياً ام آذرياً او افغانياً.. وحربهم ضد السيد فضل الله لها مجموعة ابعاد.
في البعد الاول هو عربي ومن آل بيت رسول الله.
في البعد الثاني هو رجل دين مستنير ذو بعد سياسي تقدمي حقيقي.
في البعد الثالث هو مرجع يحمل على عاتقه مسؤولية الجمع لا التفرقة، يبحث عما يوحد ويرفض كل ما يفرق ويمحص حتى يصل الى ما يسفهه عملياً وعلمياً.
من اللافت ان فضل الله اقترح جملة من الآليات لتعميق الوحدة الاسلامية بين السنة والشيعة من بينها التشجيع على الزواج المشترك، وهذا ما طرحه في محاضرة القاها في ((المقاصد)) عام 1985 تحت عنوان ((الوحدة الاسلامية بين الواقع والمثال)) حيث اشار الى ان المشكلة التي تكمن بين السنة والشيعة هي في ((عدم التكاشف)) وعدم المصارحة، وقد قال الرسول الاكرم (ص) ((لو تكاشفتم لما تدافنتم)) وعندما يصبح الشيعي صهر العائلة السنية او يصبح السني صهر العائلة الشيعية فإن كل شيء ينكشف امامه، ولا يعود هناك من ((منطقة معزولة)) او منطقة ضبابية في العلاقة..
هذا في العلاقات الاجتماعية، اما على صعيد العلاقة بين علماء الدين والفقهاء من الطرفين، فإن السيد فضل الله شدد دائماً على اللقاءات غير البروتوكولية، والجدية التي لا بد ان تحكم المؤتمرات واللقاءات الحوارية، ولذلك فقد كان لافتاً في احد المؤتمرات التي اقامها ((تجمع العلماء المسلمين)) في فندق الكومودور في بيروت (وهو التجمع الذي رعاه وأيده السيد فضل الله منذ انطلاقته الاولى لأنه ضم علماء من السنة والشيعة في لبنان، وكان السيد فضل الله يؤكد لهم بأن يصبح تجمعهم نموذجاً وحدوياً قوياً يبعث برسالة وحدوية الى كل العالم الاسلامي حيث يتواجد السنة والشيعة)، ان فضل الله تحدث بصراحة قائلاً للمتكلمين في المؤتمر من علماء السنة والشيعة ((كلنا يتحدث بالوحدة ثم نرجع الى قواعدنا الطائفية سالمين))، داعياً اياهم الى الخروج من دائرة التكاذب الى روح الصراحة والانفتاح والى معالجة كل شيء وفق مرجعيتين: القرآن الكريم وسنة النبي (ص)، حيث لا يختلف السنة والشيعة على هاتين المرجعيتين، وإنما المسألة تحتاج الى روح تحمل المسؤولية الشرعية الاسلامية قبل الجلوس الى طاولة الحوار..
اما في الجانب السياسي فيعتقد السيد فضل الله ان مشكلة المسلمين من سنة وشيعة تكمن في انهم يعملون على تطييف مشاكلهم بدلاً من ((اسلمتها)) او من التعاطي معها في الجوانب الوطنية والعربية حيث ان الذي يحتل بلادهم ويسرق ثرواتهم لا يسأل عن هويتهم بقدر ما يسعى للسيطرة عليهم ونهب ما يملكون..
وهكذا ينتقد الحركات الاسلامية في ان همومها غالباً ما تنحصر في نطاق اهتماماتها ومشاكلها الخاصة، لا في ما هي هموم الاسلام كله، ولذلك تغلب المذهبية على بعض هذه الهموم كما قد تتغلب القطرية على الاسلامية، وهكذا، وقف سماحته مع قضية فلسطين منذ كان طفلاً في العاشرة من عمره تقريباً (وهو السن الذي نظم فيه اول قصيدة) معتبراً اياها قضية اسلامية، وكتب قصيدته الاولى حول مأساة فلسطين في العام 1948 يذكر منها فضل الله بيتين:
دافعوا عن حقنا المغتصب .................... في فلسطين بحد الغضب
واذكروا عهد صلاح حينما .................... هبّ فيها طارداً للأجنبي
ورأى ان فلسطين بما تحمل من عناوين كبرى قادرة على احتضان السنة والشيعة معاً ليتوحدوا حولها، لا بل أكد ان فلسطين تتسع للعرب جميعاً، كما تتسع للمسيحية كما تتسع للإسلام، وتتسع أيضاً لكل المستضعفين في العالم، لأنها قضية المظلومين والمضطهدين (من الفلسطينيين) الذين لا بد لكل المنصفين من أن يقفوا معهم.. وإذا ما قرأنا سعي البعض إلى الغوص في موقف صلاح الدين من الشيعة والتشكيك في تحريره فلسطين وبيت المقدس في حطين لأدركنا عمق الموقف الإسلامي التوحيدي المسؤول في هذا التقييم المهم لهذه المرحلة من الصراع العربي مع الصليبيين.