ينطلق الاسلام في تقسيم البشر من منظور ديني محض : مسلم مقابل كافر ..


وهذا التقسيم لا ينحصر في دائرة العقيدة والمصير الاخروي فقط بل تترتب عليه أحكام دنيوية ايضا تتمحور حول فكرة التمييز في المعاملة والحقوق والواجبات بين المسلم وغير المسلم من أبناء الدولة الواحدة التي تطال مختلف أوجه الحياة تقريبا ..

وفي عصر باتت فيه المساواة بين الجميع وتوزيع الحقوق والواجبات على أساس المواطنة لا غير بغض النظر عن الانتماء الديني أو المذهبي أو الجنسي أو السياسي مطلب انساني وحضاري نجد الخطاب الاسلامي يصر على فكرة التمييز في المعاملة والحقوق والواجبات بين المسلم وغير المسلم انطلاقا من ركام من فقه التمييز الديني ..

فمن هو الآخر في التصور الاسلامي ؟؟ وكيف تعامل معه الفكر الاسلامي ؟؟

الآخر في التصور الاسلامي هو ببساطة : كل من لم يكن مسلما .. كتابيا كان أم مجوسيا أم مشركا أم ملحدا .. الخ ..

ورغم أن الناس في الكفر ملة واحدة كما يقرر الفقهاء الا أن هناك تقسيما فقهيا شهيرا للكفار بحيث يقسمهم الى فئتين : الكتابيين والمشركين ، والفارق الوحيد بينهم هو في قبول الجزية واستحقاق الحق في الحياة !!! ، ففي حين تضرب الجزية على الكتابيين ( أي المسيحيين واليهود ) ويٌلحق بهم المجوس ( اعمالا لحديث : سنوا بهم سنة اهل الكتاب ) فلا يٌقبل من المشركين الا أحد خيارين : الاسلام .... أو السيف !!! ، وهذا رأي جمهور الفقهاء من الشافعية والحنابلة والظاهرية ، وقبل الاحناف الجزية من جميع المشركين باستثناء مشركي العرب الذين لا يُقبل منهم الا الاسلام أو القتل ، في حين اجاز المالكية قبول الجزية من جميع فئات المشركين ، ولكن الدليل الفقهي الصحيح مع رأي الجمهور كما قرر المحققون ، وهذا ما يشهد به صريح النصوص القرآنية مثل (فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ ) التوبة : 5 ، (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) التوبة : 29 . وحديث محمد ( امرت أن اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله، فان قالوها عصموا مني دماءهم واموالهم الا بحقها ) وهذا عام خص منه أهل الكتاب بآية الجزية، كما خص منه المجوسي بالسنة، فبقي من عداهم من غير المسلمين من الكفار على العموم ( أي الاسلام أو القتل ) .

كيف بنى الفكر الاسلامي صورة الآخر وطريقة التعامل معه ؟؟

باختصار نقول : كان للاسلام ميزة على ما عداه من افكار ونظم دينية ، فقد امتاز بأنه ابقى الكفار احياء ، فلم يقتلهم ولم يعذبهم كما صنعت المجتمعات المسيحية ، ولكن ... هل أعطى الكفار غير المسلمين حقوقهم القانونية والانسانية كاملة ؟؟

يحتل غير المسلم مكانة هامشية في المجتمع الاسلامي ، فهو بحق مواطن من الدرجة الثانية ، ويتجلى ذلك من خلال المنظومة القانونية والتشريعية التي تحكم غير المسلم :

اولا - دائرة العلاقات القضائية :

1- لا تُقبل شهادة غير المسلم على المسلم اتفاقا لأنه متهم في حقه !! ( الفقه الاسلامي وأدلته للزحيلي 6/563 ) بل لقد ذهب جمهور الفقهاء الى عدم قبول شهادة ( الكفار ) بعضهم على بعض !!!! لأن القرآن اشترط العدل في الشهادة ( واشهدوا ذوي عدل منكم ) والكافر ليس بذي عدل !!! ( أحكام أهل الذمة للدكتور ناصر السنار ، 256)

2- اذا قتل الكافر مسلما فالجزاء هو القصاص بلا خلاف .. ولكن .. ماذا لو قتل المسلم كافرا ؟؟؟ الحكم عند جمهور الفقهاء : لا يطبق القصاص في هذه الحالة اعمالا لرواية البخاري ( لا يُقتل مسلم بكافر ) ربما لأن الكافر نصف مواطن أو ادنى درجة من المسلم !! .. وخالف الاحناف في ذلك فاجازوا قتل المسلم بالكافر .. ويطبق نفس الحكم فيما لو كانت الجناية على ما دون النفس من الجرح وقطع الاعضاء، فلا يُقتص من المسلم للكافر، في حين يُقتص من الكافر للمسلم عند جمهور الفقهاء ، أما المالكية فقد ذهبوا الى أكثر من ذلك ، فمنعوا القصاص فيما دون النفس بين المسلمين والكفار مطلقا بحجة عدم المماثلة !!! ( الموسوعة الفقهية الكويتية )

4- لا حد على من قذف كافرا بل يُعزر فقط !! لأنه يشترط في القذف ان يكون المقذوف مسلما باتفاق الفقهاء، واذا علمنا ان الغاية من حد القذف هي ( صيانة اعراض المسلمين من قالة السوء وقطع دابر من يتجرأ على رميهم بفاحش القول ) ( أثر اقامة الحدود في صيانة المجتمع ، عبد الستار الخالدي : 68 ) ادركنا ببساطة مدى حرص الاسلام على صيانة ( أعراض الكفار من قالة السوء وقطع دابر من يتجرأ على رميهم بفاحش القول ) !!!

6- يحرّم على غير المسلم الزواج بمسلمة ( رغم عدم وجود نص صريح في تحريم ذلك ) أما العكس فهو أمر طبيعي ومقبول فقهيا .

ثانيا - دائرة العلاقات الاجتماعية :

وصل التمييز حتى الى العلاقات الاجتماعية العادية والعفوية مثل السلام ورد السلام !!! اذ يوصي محمد ابتاعه بالقول ( لا تبدؤوا اليهود ولا النصارى بالسلام ، فاذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه الى أضيقه ) ( مسلم والترمذي وابو داوود ) وقال الشوكاني في تفسيره : ( اي الجؤوهم الى المكان الضييق منها، وفيها دليل على أنه لا يجوز للمسلم أن يترك للذميين صدر الطريق، وذلك نوع من انزال الصغار بهم والاذلال لهم ) ( نيل الاوطار : 8/225 )

.. ويزيد أبو سعيد المتولي الصورة مأسوية بقوله ( ولو سلم على رجل ظنه مسلما فبان كافرا يستحب أن يسترد منه سلامه !!! فيقول له : ردّ علي سلامي ، والغرض من ذلك أن يوحشه !! ويظهر له أن ليس بينهما الفة ، وروي عن ابن عمر أنه سلم على رجل فقيل له أنه يهودي فتبعه وقال له : رد علي سلامي ( أذكار النووي : 320 ) ويعلق النووي على ذلك بالقول ( ونحن مأمورون بالاغلاظ عليهم ومنهيون عن ودّهم فلا نظهرهم !! ) ( نفس المرجع )

ثالثا - مؤسسة الجزية في التصور الاسلامي :

أجمع الفقهاء على أن سبب وجوب الجزية هو حقن دماء الكفار بدلا عن قتلهم، وهذا ما تشهد به صراحة آية الجزية عندما علقت ايقاف القتل بدفع الجزية : ( قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) التوبة : 29 ، ولكن اختلف الفقهاء بعد ذلك في اضافة بعد آخر الى سبب مشروعية الجزية اضافة الى بعد حقن دماء الكفار ، فذهب الشافعية والحنابلة الى أن الجزية وجبت بدلا عن قتل الكفار واقامتهم في دار الاسلام، في حين ذهب الحنفية الى أن الجزية وجبت بدلا عن قتلهم وبدلا عن نصرتهم لدار الاسلام، أما لماذا لا يطالب الكافر بنصرة الدولة المسلمة التي يفترض أنه سيصبح بموجب عقد الذمة مواطنا فيها له حقوق وعليه واجبات فقد برر فقهاء الحنفية ذلك بكلام غريب وهو أن ( ابدانهم لا تصلح لهذه النصرة لأن الظاهر أنهم يميلون الى أهل الدار المعادية لاتحادهم في الاعتقاد، ولذلك اوجب الشرع عليهم الجزية لتؤخذ منهم وتصرف على المقاتلة من المسلمين فتكون خلفا عن النصر) ( أحكام الذميين والمستأمنين في دار الاسلام للدكتور عبد الكريم زيدان : 120 ) وبهذا الشكل نجد التشكيك في وطنية واخلاص الكافر للدولة التي ينتمي اليها .

ولكن .. من الواضح أن للجزية في التصور الاسلامي الفقهي مضمون وبعد آخر اشارت اليه آية الجزية صراحة وهو العقوبة للكافر لبقائه على الكفر (قَاتِلُوا الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَلَا بِالْيَوْمِ الْآخِرِ وَلَا يُحَرِّمُونَ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَلَا يَدِينُونَ دِينَ الْحَقِّ مِنَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) ويرى ابن القيم أن نص آية الجزية يشير الى هذا المعنى بعينه في قوله (حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَةَ عَنْ يَدٍ وَهُمْ صَاغِرُونَ ) فالجزية صغار واذلال، ولهذا كانت بمنزلة ضرب الرق ( أحكام أهل الذمة : 23 ) وهذا ما ذهب اليه جمهور الفقهاء بما فيهم الحنفية الذين اظهروا شيئا من التسامح النسبي في تكييف الجزية باعتبارها بدلا عن نصرة المسلمين .

ولذلك فقد عرف ابن القيم الجزية بأنها ( الخراج المضروب على رؤوس الكفار اذلالا وصغارا ) ( أحكام أهل الذمة : 28 ) وهذا ما تشير اليه آية الجزية صراحة، فقول الآية ( عن يد ) فالمقصود بها كما يقول ابن القيم ( يعطوها اذلاء مقهورين، وهذا هو الصحيح في الآية ) ( أحكام أهل الذمة 28 )

ويقول ابن كثير في تفسير هذه الاية (عَنْ يَد " أَيْ عَنْ قَهْر لَهُمْ وَغَلَبَة " وَهُمْ صَاغِرُونَ " أَيْ ذَلِيلُونَ حَقِيرُونَ مُهَانُونَ فَلِهَذَا لَا يَجُوز إِعْزَاز أَهْل الذِّمَّة وَلَا رَفْعهمْ عَلَى الْمُسْلِمِينَ بَلْ هُمْ أَذِلَّاء صَغَرَة أَشْقِيَاء كَمَا جَاءَ فِي صَحِيح مُسْلِم عَنْ أَبِي هُرَيْرَة رَضِيَ اللَّه عَنْهُ أَنَّ النَّبِيّ صَلَّى اللَّه عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ " لَا تَبْدَءُوا الْيَهُود وَالنَّصَارَى بِالسَّلَامِ وَإِذَا لَقِيتُمْ أَحَدهمْ فِي طَرِيق فَاضْطَرُّوهُمْ إِلَى أَضْيَقه " وَلِهَذَا اِشْتَرَطَ عَلَيْهِمْ أَمِير الْمُؤْمِنِينَ عُمَر بْن الْخَطَّاب رَضِيَ اللَّه عَنْهُ تِلْكَ الشُّرُوط الْمَعْرُوفَة فِي إِذْلَالهمْ وَتَصْغِيرهمْ وَتَحْقِيرهمْ )

ويقول الطبري في تفسيرها : (وَأَمَّا قَوْله : { عَنْ يَد } فَإِنَّهُ يَعْنِي : مِنْ يَده إِلَى يَد مَنْ يَدْفَعهُ إِلَيْهِ , وَكَذَلِكَ تَقُول الْعَرَب لِكُلِّ مُعْطٍ قَاهِرًا لَهُ شَيْئًا طَائِعًا لَهُ أَوْ كَارِهًا : أَعْطَاهُ عَنْ يَده وَعَنْ يَد ; وَذَلِكَ نَظِير قَوْلهمْ : كَلَّمْته فَمًا لِفَمٍ وَلَقِيته كِفَّة لِكِفَّةٍ , وَكَذَلِكَ أَعْطَيْته عَنْ يَد لِيَدٍ . وَأَمَّا قَوْله : { وَهُمْ صَاغِرُونَ } فَإِنَّ مَعْنَاهُ : وَهُمْ أَذِلَّاء مَقْهُورُونَ , يُقَال لِلذَّلِيلِ الْحَقِير : صَاغِرًا .. وَاخْتَلَفَ أَهْل التَّأْوِيل فِي مَعْنَى الصَّغَار الَّذِي عَنَاهُ اللَّه فِي هَذَا الْمَوْضِع , فَقَالَ بَعْضهمْ : أَنْ يُعْطِيهَا وَهُوَ قَائِم وَالْآخِذ جَالِس .. وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى قَوْله : { حَتَّى يُعْطُوا الْجِزْيَة عَنْ يَد وَهُمْ صَاغِرُونَ } عَنْ أَنْفُسهمْ بِأَيْدِيهِمْ يَمْشُونَ بِهَا وَهُمْ كَارِهُونَ , وَذَلِكَ قَوْل رُوِيَ عَنْ اِبْن عَبَّاس مِنْ وَجْه فِيهِ نَظَر . وَقَالَ آخَرُونَ : إِعْطَاؤُهُمْ إِيَّاهَا هُوَ الصَّغَار .

وبذلك أصبحت الجزية عقوبة تحمل معنى الاهانة والاذلال للدافع المضروبة عليه، ولذلك عندما أراد عمر بن الخطاب أن يفرض الجزية على نصارى بني تغلب ( وهم عرب متنصرين ) أبوا أن يدفعوها لأنهم ادركوا على الفور ما تنطوي عليه من ذل ومهانة يأباها العربي، فطلبوا من عمر أن يعاملوا معاملة المسلمين بدفع الصدقة ( أي الزكاة ) بدلا عن الجزية، وعندما رفض عمر طلبهم لحق بعضهم بالروم، وكادت أن تحدث مشكلة سياسية، فاشار النعمان بن زرعة على عمر أن يأخذ منهم الجزية باسم الصدقة معللا ذلك بقوله ( هم عرب يأنفون من الجزية !! ) وبالفعل قبل نصحه واخذ من نصارى بني تغلب ضعف ما يأخذه من المسلمين من الزكاة ( أحكام أهل الذمة : 67 )

فالجزية اذن عقوبة مفروضة على غير الكافر بهدف اشعاره بالصغار والذل لرفضه الاسلام، وهذا ما تشهد به صراحة آية الجزية، وهذا ما يشهد به ايضا حديث صحيح يقول ( بعثت بالسيف بين يدي الساعة حتى يعبد الله لا يشرك به، وجعل الذل والصغار على من خالف أمري)

وبذلك أصبح ضرب الذل والهوان والصغار على الكافر واشعاره بذلك مطلب شرعي سيكرسه عمر بن الخطاب فيما بعد من خلال مع عرف بالشروط العمرية الشهيرة ..

رابعا – حق الكافر في العمل :

اتفق الفقهاء على عدم جواز تولي الكافر الولاية الكبرى ( الخلافة ) ولا القضاء ولا الامارة على الجهاد، واذا كنا نفهم ان يكون لهذا المنع اعتبارات دينية خاصة متعلقة بطبيعة هذه الوظائف قديما فاننا لا نفهم استمرار هذا المنع اليوم بعد أن اصبحت جميع هذه الوظائف ( بما في ذلك رئاسة الدولة ) ذات طبيعة ادارية بحتة لا تشترط فيمن يتولاها ديانة بعينها ، ولذلك مازال الفقهاء اليوم يؤكدون على ضرورة هذا المنع ، ولهم بالطبع حججهم الشرعية منها أن الكافر ( لا ينبغي أن تكون له سلطة على المسلمين ، قال تعالى : ( ولن يجعل اللله للكافرين على المؤمنين سبيلا ) ( أحكام الكافر في الشريعة الاسلامية للدكتور جبر محمود الفضيلات ، 62)

أما عن الاستعانة بالكافر وتوليته الوظائف العامة العادية فيما دون الولاية العامة وامارة الجهاد والقضاء والمتعلقة بشؤون المسلمين فقد منعها جمهور الفقهاء ( وذهب البعض الي التحريم صراحة !! ) ومن أشهر من تشدد في تطبيق هذا المنع عمر بن الخطاب وخليفته العادل من بعده عمر بن عبد العزيز ، فهذا الخليفتان اللذان يتغنى الاسلاميون اليوم بعدلهما عرفا بالغلظة والتشدد المفرط في قهر غير المسلمين ، وقد روي أن أبا موسى الاشعري قال لعمر : ان لي كاتبا نصرانيا ، فقال عمر : مالك !! قاتلك الله ، أما سمعت الله تعالى يقول ( ولا تتخذوا اليهود والنصارى أولياء بعضهم اولياء بعض، ومن يتولهم منكم فانه منهم ) الا اتخذت حنيفا ؟؟ لا اكرمهم اذ اهانهم الله ، ولا أعزهم اذ اذلهم الله ، ولا أدنيهم اذ اقصاهم الله ) ( أحكام أهل الذمة : 158 ) ويروى عن عمر بن عبد العزيز أنه كتب الى جميع عماله في الآفاق يقول ( فلا اعلمن أن أحدا من العمال أبقى في عماله رجلا متصرفا على غير دين الاسلام الا نكلت به، فان محو اعمالهم كمحو دينهم ، وانزلوهم منزلتهم التي خصهم الله بها من الذل والصغار ) ( نفس المرجع : 159 )

ففي استخدام الكافر غير المسلمين في مصالح المسلمين ( كما يقول الدكتور فضيلات ) ( ولاية لهم ومودة واحسان الظن بهم ، وقد نهى الله عن ذلك أشد النهي في قوله : " لا يتخذ المؤمنون الكافرين أولياء من دون الله ومن يفعل ذلك فليس من الله في شيء " وقوله " يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا بطانة من دونكم لا يألونكم خبالا ودوا ما عنتم قد بدت البغضاء من أفواههم وما تخفي صدورهم أكبر " وقوله " بشر المنافقين بان لهم عذابا اليما ، الذين يتخذون الكافرين أولياء من دون المؤمنين " وقوله " يا ايها الذين آمنوا لا تتخذوا عدوي وعدوكم أوليء تلقون اليهم بالمودة " .. فهذه الآيات وغيرها كثير توضح بما لا يدع مجالا للشك أن موالاة الكفار كفر لآن في موالاتهم تفضيلهم على المؤمنين واستئمانهم وقد خونهم الله ) ( أحكام الكفار : 82 )

وقد عقد ابن القيم بابا كاملا في كتابه ( أحكام أهل الذمة ) عنونه بـ ( في سياق الآيات الدالة على غش أهل الذمة للمسلمين وعداوتهم وخيانتهم وتمنيهم السوء لهم ومعاداة الرب تعالى لمن أعزهم أو والاهم أو ولاهم أمور المسلمين )

ثم انتهى الدكتور جبر الفضيلات الى القول ( لا يجوز استخدام الكافر في الامامة الكبرى أو القضاء أو ما فيه نوع الولاية ، ولا يجوز استخدامهم في المراكز الحساسة في الدولة التي تعتبر مركز التأثير على القرار السياسي أو العسكري أو الاقتصادي، ويجوز الستخدامهم في المهن الوضيعة كحفر الآبار والخنادق وما الى ذلك ( لاحظ التكريم !! ) ويجوز استخدامهم في المهن التي لا يحسن المسلم استخدامها شريطة أن يتعلم المسلم ذلك لأن ذلك حكم الضرورة !!! ) ( أحكام الكافر : 83 )

ومنع الكافر من تولي الوظائف الحكومية هو رأي جمهور الفقهاء ، بل لقد نقل البعض ( كالدكالي ) الاجماع على ذلك ( المذمة في استعمال أهل الذمة : 43 ) ويبدو أن هذه القضية كانت أمرا يشغل الكثير من الفقهاء في ذاك الزمان نظرا لتساهل بعض الخلفاء في ذلك، ولذلك وجدنا فقهاء يفردون كتبا خاصة مكرسة للتأكيد على المحظور الشرعي في اسناد الوظائف الحكومية للكفار أو الاستعانة بهم في شؤون المسلمين، نذكر منها على سبيل المثال فقط الا الحصر : رسالة في استخدام أهل الذمة للأسنوي، ورسالة في استعمال اليهود والنصارى للمغيلي، والمذمة في استعمال أهل الذمة للدكالي ، هذا فضلا عن حضور هذه القضية في جميع كتب الفقه مثل احكام أهل الذمة لابن القيم والسير الكبير للشيباني وغيرها من كتب الفقه العامة .