نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي


د. محمد صالح المسفر

23 أبريل 2024


كثر المجتهدون في تناول الرد العسكري الإيراني على العدوان الإسرائيلي المسلح على القنصلية الإيرانية المعتمدة في العاصمة السورية دمشق، والذي راح ضحيته قيادات عسكرية ودبلوماسية ومدنيين إيرانيين معتمدين حسب قواعد القانون الدبلوماسي لدى الحكومة السورية والتي منحتهم حصانات دبلوماسية. البعض تناول هذا الرد الإيراني المسلح بالإعجاب والإشادة والبعض الآخر تناوله بالتهكم والازدراء ووصفه بأنه مسرحية هزيلة سيئة الإخراج.

(2)
الذين تناولوا هذا الشأن بالإعجاب والإشادة ينطلقون من واقع أن إيران ليست دولة عربية وأن الاعتداء على قنصليتها حدث في عاصمة دولة عربية هي من يجب أن ترد على هذا العدوان على سيادتها، ولما كانت الدولة العربية المعنية لم تسارع بالدفاع عن سيادتها وعن الهيئات الدبلوماسية المعتمدة على أراضيها أخذت إيران المبادرة وشنت هجوماً على إسرائيل انتقاماً وثأراً لشهدائها وانها استهدفت العمق الإسرائيلي وانها الحقت أضرارا بأهدافها على الرغم من القبة الحديدية أمريكية الصنع، ويمعنون في الإشادة والإعجاب بالقول أيضا أن القيادة السياسية في طهران لا تنام على ضيم،

وعلى ذلك انطلقت في ضرب إسرائيل من أراضيها وليس عبر أدواتها في دمشق أو بغداد أو بيروت أو صنعاء لتثبت لجيرانها العرب بأنها قادرة على مواجهة الكيان الصهيوني في عقر داره، ويجادل هؤلاء بالقول إن القيادة السياسية الإيرانية تعلم علم اليقين بأن إسرائيل تعتبر «حاملة طائرات أمريكية « كما قال بذلك نتنياهو رئيس وزراء إسرائيل في الثالث من يوليو 2017 وأن أمريكا لن تسمح بأي محاولة المساس بها عسكريا أو سياسيا أو اقتصاديا، ورغم معرفتها تلك إلا انها ردت على العدوان الصهيوني بلا تردد.

وبالقول أيضا أن إيران أرسلت رسالة إلى جوارها العربي تحذرهم من التحرش بها سياسيا أو اقتصاديا أو عسكريا، وأن إسرائيل لن تتمكن من حمايتهم، فالقوة الإيرانية امتدت إلى العمق الإسرائيلي ولم تستطع ردع إيران.
وذهب المتهكمون على النظام السوري المعتدى على أراضيه بأنه لا يملك حق اتخاذ القرار حتى في الدفاع عن سيادته وأراضيه وأن القوة الفاعلة في دمشق هي السلطات الإيرانية وهذه وصمة عار في جبين النظام الحاكم في دمشق.هل فهم المطبعون العرب هذه الرسالة؟
(3)

أما أولئك الذين تناولوا الهجوم الإيراني بالتهكم والازدراء والقول بأنه مسرحية مفبركة يردون ذلك إلى الآتي:

1 - إن التربص بالعدو والهجوم عليه يتم في سرية تامة وعندما يشعر الطرف الأول ( إيران) أن «عدوه» اطمأن فإنه يتم مهاجمته والحاق الهزيمة الماحقة به، إيران في هذا السياق أعلنت أنها ستنتقم من إسرائيل الأمر الذي جعل إسرائيل تكون في حالة استنفار على امتداد تواجدها في دول العالم سواء مؤسسات اقتصادية أو بعثات دبلوماسية ناهيك عن حالة الاستنفار والتعبئة العسكرية في الأرض المحتلة فلسطين.

2- إن إيران أعطت الطرف الإسرائيلي وحلفاءه فرصة الاستعداد لأي ردة فعل فارسية، يقول وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان بصريح العبارة « إنه اعطى دولاً مجاورة وحليفة لواشنطن اشعاراً قبل 72 ساعة من الهجوم « ويؤكد وزير خارجية تركيا أن بلاده قامت بنقل رسائل بين واشنطن وطهران عن ( حدود ) الهجوم الذي لا ينبغي لإيران تجاوزه.

3 - حرص إيران في هجومها على إسرائيل المعروف ساعته أن تكون الخسائر في الجانب الإسرائيلي في أقل درجاتها.

4 - مصدر مخابرات أمريكي يقرر « لو كانت طهران تبحث عن عنصر المفاجأة والمباغتة لقامت بهجومها من مسافة أقرب إلى حدود إسرائيل وتحديدا من لبنان وسورية، إلا انها اختارت أن يكون الهجوم من الأراضي الإيرانية والتي تبعد أكثر من 1000 ميل وهو انذار لإسرائيل لتأخذ احتياطاتها لصد الغارات الإيرانية بالتعاون مع حلفائها وفعلا تم تعاون أمريكا وفرنسا وبريطانيا وحلفاء آخرين لإسرائيل من مواجهة الطائرات الإيرانية المسيرة، وكذلك الصواريخ البالستية قبل أن تصل إلى أهدافها، يصل أصحاب هذا الرأي إلى نتيجة أن إيران لا تريد أن تلحق بإسرائيل أي خسائر جوهرية وإنما أرادت حفظ ماء الوجه أمام وكلائها في المنطقة وانذار جوارها العربي.
(4)

القيادة الإسرائيلية بقيادة نتنياهو أيضا تريد حفظ ماء الوجه أمام جبهتها الداخلية المضطربة فشنت غارة جوية فجر يوم الجمعة الماضي استهدفت عمق الأراضي الإيرانية « هجوم أصفهان « ردا على الغارة الإيرانية المشار إليها ضد إسرائيل، وتشير المعلومات الصادرة من تل أبيب وواشنطن أن ما حدث صبيحة يوم الجمعة المنصرمة هو نهاية الغارة الإيرانية، والغارة الإسرائيلية المضادة، الإيرانيون ينفون أن إسرائيل شنت غارة على أصفهان، ولكنهم اقروا بأن هناك أجساما غريبة حدثت في سماء إيران وتصدت لها الدفاعات الجوية الإيرانية دون حدوث أي خسائر تذكر. المؤسف أن هذه الغارات الجوية تمر كلها عبر أجواء دول عربية دون أي اعتبار لهذه الدول.

آخر القول: الأشهر القليلة القادمة حبلى بأحداث جسام ستحط نتائج حَمْلَها المخيف على أرض العرب، والمؤشر الضربات الجوية غير الموجعة بين إيران وإسرائيل، والتقارب الجامح بين الهند وإسرائيل والإصرار الأمريكي على حماية إسرائيل دون اعتبار لحلفائها العرب.

https://al-sharq.com/opinion/23/04/2...A6%D9%8A%D9%84