نيويورك تايمز

1 يوليو 2020

نقره لتكبير أو تصغير الصورة ونقرتين لعرض الصورة في صفحة مستقلة بحجمها الطبيعي

ترامب خلال عودته إلى البيت الأبيض قادماً من نادي الغولف الوطني في فرجينيا يوم الأحد الفائت

وفي الإطار توماس فريدمان



توماس فريدمان - «نيويورك تايمز» ترجمة: محمد أمين - أشعر تقريباً بشيء من الأسف على دونالد ترامب؛ إنه في حالة حرب مع اثنين من «الأعداء غير المرئيين» في آن: فيروس كورونا وجو بايدن، وكلاهما لا يزال بعيد المنال، المرض بطبيعته، والسياسي بشكل متعمّد.

من الحكمة أن يبقى بايدن، الذي ظهر علانية بشكل نادر الثلاثاء، بعيداً عن الأنظار. ترامب الآن في سباق كامل مع نفسه، ويتخذ مواقف قبيحة لا تروق سوى لقلة من الجمهور الأميركي، فلماذا نعترض طريقه؟

بالطبع، سيحتاج بايدن في النهاية لمناظرة الرئيس، وإلى رسالة بسيطة وواضحة لمواجهة ترامب المتعب: «جعل أميركا عظيمة مرة أخرى».

لدي فكرة شعار جديد لبايدن، بينما أفكر في نوع الرئيس الذي يريد أن يبدو عليه بايدن ونوع الرئيس الذي تحتاجه أميركا، فإن الشعار الذي يتبادر إلى الذهن أوحى إلي به المبتكر البيئي هال هارفي، الذي بعث لي رسالة إلكترونية أخيراً، قال فيها: «لنحترم العلم والطبيعة وليحترم بعضنا بعضاً».

قلت في نفسي: هذه رسالة مثالية لبايدن ولنا جميعا؛

إنها تلخص بكل بساطة أهم القيم التي يشعر الأميركيون أننا فقدناها في السنوات الأخيرة، ونأمل أن نستعيدها بعد ترامب. يجب على بايدن أن يؤكد التزامه بالقيم الثلاث في كل خطاب وكل مقابلة يقدمها؛ إنها تبرز التباين الواضح البسيط وسهل التذكّر مع ترامب.

ابدأ باحترام العلم.. إن ازدراء ترامب الواضح للحقيقة أمر مزعج عندما يبالغ في أحجام جمهوره وقوته وحسابه المصرفي وفوزه الانتخابي.

لكن ازدراءه للعلوم أصبح مميتاً، كما نرى في هذا الوباء الآخذ في الاتساع، فقد انتقل ترامب من تقديم علاجات وهمية للمرض، مثل المطهر والأشعة فوق البنفسجية و«هيدروكسي كلوروكوين»، الى السخرية من الناس، بما في ذلك بايدن، لارتدائه قناع الوجه.

استثنائية أميركية حاكم ولاية أريزونا المؤيد لترامب، وحيث يخرج الفيروس الآن عن نطاق السيطرة، منع في لحظة ما المسؤولين المحليين من إلزام السكان بارتداء الأقنعة! هذا جنون. وعندما أعلن ترامب: «إذا توقفنا عن الاختبار الآن فلن يكون لدينا سوى حالات قليلة جداً، إن وجدت».

فكر في الأمر، توقف عن الاختبار، ثم لن يكون لدينا معرفة بعدد الإصابات، ثم لن يكون لدينا أرقام، ثم لن يكون لدينا فيروس، لماذا لم أفكر في ذلك؟

توقف عن اختبار الناس الذين يقودون سياراتهم تحت تأثير الكحول، وعندها لن يكون لدينا سائقون مخمورون.

توقف عن اعتقال الأشخاص بتهمة إطلاق النار، ومن ثم سينخفض معدل الجريمة! انتبهوا أيها الرفاق الأميركيون، هذا الطعن في الأساليب العلمية وتبني نظريات المؤامرة وتقويض الحقيقة والبيانات من قبل رئيسنا ونائب الرئيس، لا يحدث في بلدان أخرى، هذا لا يحدث في ألمانيا أو فرنسا أو الصين أو كوريا الجنوبية أو الدنمارك أو كندا أو إسرائيل أو اليابان، هذا شكل من أشكال «الاستثنائية» الأميركية التي لم نتخيل أن تحدث أبداً؛

نحن لا نقود بقية العالم ولا نتبعه.. نحن ضائعون. هارفي، مؤسس شركة إنرجي إنوفيشن، يقول: «هذه أفكار تعود الى العصور المظلمة، فالاختلاف الأساس بين عصر التنوير والعصور المظلمة هو احترام المعرفة واحترام العلم، وفكرة التقدم برمتها تتطلب النظر بموضوعية في المشكلات، وإيجاد الحلول واختبارها، ثم نشرها واستخدام أفضلها؛ هكذا ننمو وهكذا نتعلم وهكذا نزدهر».

في الواقع، من المدهش أن نفكر أنه في عام 2020 يمكن لبايدن الترشح للرئاسة بإعلان يقول: «أنا أؤمن بالتنوير والفيزياء النيوتونية وعصر العقل، بينما لا يؤمن بها المرشح الآخر».

الطبيعة لا تفاوض أما بالنسبة لاحترام الطبيعة، فإن له معنيَين، الأول احترام قوة الطبيعة، وهو ما فشل ترامب تماما في القيام به، فالطبيعة لا تفاوضك ولا يمكنك إغراؤها أو مقاضاتها؛ تفعل أي شيء تمليه الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء، هي تنفّذ ما تمليه عليها الكيمياء والبيولوجيا والفيزياء، نقطة؛ وهو ما يعني أنها، في ظل الجائحة، ستستمر في إصابة الناس بالعدوى، بلا هوادة ولا رحمة، وبصمت، حتى تنفد طاقتها لإصابة الناس، أو أن يؤدي لقاح، أو التعرض العام للمرض؛ فيكتسب الناس المناعة.

والطبيعة لا تحسب نتائج، فقد تصيبك بالعدوى ثم تهدم منزلك بإعصار. عدم احترام ترامب للطبيعة قد يمنحه أفضلية سياسية في قاعدته الانتخابية، لكنه كان كارثة على البلاد، فهو لم يقم ببناء إستراتيجية وطنية منسقة ضد فيروس يتطلب التنسيق، لأن الفيروس تطور وأصبح قادراً على استغلال أي شقوق في جهاز المناعة الشخصي أو الجماعي، ولا يهتم بخط الحدود بين أوكلاهوما وتكساس.

ويعني احترام الطبيعة أيضا فهم أننا نعيش على صخرة صلبة تسمى كوكب الأرض بغطاء رفيع من المحيطات والتربة السطحية، مغطاة بطبقة رقيقة من الغلاف الجوي، وأن إساءة التعامل مع هذه التربة، وتلويث المحيطات بالبلاستيك، وتشويه الغلاف الجوي، سيؤدي الى إلحاق المزيد من الدمار بهذا الكوكب الذي يمثل جوهر الحضارة الإنسانية.

حصّة تدريبيّة

تذكّر أنه مهما بلغ هذا الوباء من السوء، فهو مجرد حصة تدريبية مقارنة بالوباء المناخي الكبير وغير القابل للإصلاح المتمثل بالتغير المناخي. انظر الى ما ورد في موقع «ناشيونال جيوغرافيك» على شبكة الإنترنت أخيراً:

«أدت موجة الحر الموسعة في القطب الشمالي الروسي منذ شهور إلى رفع درجة الحرارة في منطقة فيرخويانسك الروسية، شمال الدائرة القطبية الشمالية، إلى 100.4 درجة فهرنهايت في 20 يونيو، الذي يمثل رسمياً، أول أيام الصيف في شمال نصف الكرة الأرضية».

إنها 100 درجة (فهرنهايت) في القطب الشمالي!

أما عن احترام بعضنا بعضاً، فهذا ليس سهلاً في خضم جائحة اللامبالاة؛ فلا يمكنك التقليل من شأن التأثير على الثقافة المدنية برمّتها من وجود رئيس أصبح تشويه الحقائق والتشهير والكذب من السمات الأساسية لرئاسته.

هذا الوباء من اللامبالاة تغذّيه مصادر كثيرة؛ فلدينا ضباط شرطة بيض يشعرون أنهم بمأمن من العقاب، لدرجة أن أحدهم ضغط بركبته على رقبة رجل أسود لمدة ثماني دقائق و46 ثانية، بينما كان الناس يسجلون المشهد بهواتفهم المحمولة.

لدينا مستوى من عدم المساواة متوطن لدرجة أن الرمز البريدي الخاص بك هو الآن مؤشر أفضل لمتوسط العمر المتوقع من الشفرة الجينية. إن احترام بعضنا بعضاً يعني ضمان نفاذ متساوٍ إلى الحلم الأميركي، لكن يتسلق الأميركيون السود واللاتينيون والبيض، الآن، سلالم مختلفة تماما للسكن والتعليم والرعاية الصحية، التي يجب إصلاحها ببساطة.

ثقافة مجنونة ولدينا ثقافة أسلحة مجنونة تجعل الكثير من الشباب يعتقدون أن الاحترام يمكن أن يأتي من فوهة البندقية. فمثلاً، شهدت مدينة مينيابوليس إطلاق النار على أكثر من 100 شخص منذ وفاة جورج فلويد في 25 مايو الماضي، وارتبط الكثير منها بعصابات.

لدينا الكثير من القضايا المهمة التي يجب مناقشتها في ما بيننا في الوقت الحالي، ولكن لكي تكون هذه المناقشة مثمرة، لا يمكننا الانتقال من الغضب المبرر إلى إطلاق النار أو التشهير العام أو تفكيك إدارات الشرطة، دون حوار مبني على الاحترام.

لا أعرف ما العمل لجعل الناس يحترم بعضهم بعضاً، لكني أعرف شيئين ضروريين. الأول، رئيس يُظهر كل يوم الاحترام للآخرين، بدلاً من التشويه والتشهير، وهذه مهمة بايدن. والثاني، إخراج الناس من التواصل عبر «فيسبوك» الى التعامل وجهاً لوجه مرة أخرى، ليس بالصراخ أو التنديد، بل بالاستماع؛ فمن المهم أن تتعلم متى تستمع، والأهم أن تعرف ما تقول بعد الاستماع.. الاستماع علامة احترام.

وسيكون تأثيرك مدهش، إذا اقتنع الناس أنك تحترمهم، وهذه مهمتنا جميعا. فلنحترم العلم ولنحترم الطبيعة ولنحترم بعضنا؛ هذا هو السبيل الوحيد لجعل أميركا عظيمة مرة أخرى.


للمزيد: https://alqabas.com/article/5783825